ظهرت بوادر صراع بين وزارتي شؤون المغتربين والخارجية على خلفية تسوية أوضاع المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية، بناءً على المُهلة التي منحها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز – مؤخرا- للمغتربين في السعودية لتسوية أوضاعهم بناء على التعديلات الأخيرة لنظام العمل السعودي، والتي تقضي بمنع المغتربين من العمل لحسابهم الخاص، أو العمل لدى غير كفلائهم.
وطالبت وزارة شؤون المغتربين في بيان شديد اللهجة لها، أمس، وزارة الخارجية بـ «كشف النقاب عن المتورطين في السفارة اليمنية بالرياض»، في بيان منسوب للسفارة الأسبوع الماضي بشأن الإعلان عن توقيع مُذكرة مع شركة سعودية لاستقدام العمالة، بخصوص تسوية أوضاع العمالة اليمنية المتضررة من تطبيق التعديلات الأخيرة على نظام العمل السعودي.
وحذّرت وزارة شؤون المغتربين «أي جهات مهما كانت من أبرام أي اتفاقات مع أي شركات دون علم الوزارة أو موافقتها»، ودعت جميع شركات الاستقدام في المملكة العربية السعودية إلى تقديم عروض عطاءاتها لاستقدام العمالة اليمنية إلى السعودية ابتداءً من يوم أمس الاثنين في ديوان عام الوزارة، وقالت إن هذا سيحقق «التنافس الشريف والشفافية».
وحذّر البيان الصادر عن وزارة شؤون المغتربين جميع المغتربين اليمنيين في المملكة من التعامل مع أي جهة ما لم تكن تعمل تحت إشرافها، وقالت إنها «ستظل الراعي المُخلص والمدافع الأمين عن كل قضايا ومصالح وطموحات المخالفين مهما أرجف المفسدون»، وفقا للبيان.
وأشارت إلى أنها بذلت جهوداً كبيرة منذ صدور التعديلات الأخيرة على نظام العمل السعودي، وقالت إنها «تواصلت مع أكثر من جهة في الداخل والخارج»، وأن وزير المغتربين مجاهد القهالي التقى السفير السعودي بصنعاء، وتفاهم معه حول إعادة ترتيب وتنظيم العمالة اليمنية في السعودية.
وأضافت الوزارة أنها خاطبت الشركة السعودية لاستقدام الأيدي العاملة «سماسكو»، وأبلغتها برغبتها في التعامل معها، في استقدام العمالة اليمنية عن طريقها.
وأكدت أنها كلفت مدير عام شركة «جو عقار» للاستثمار، وهي إحدى شركات مجموعات سمو الأمير خالد بن الوليد بن طلال آل سعود، بالتعجيل في إيجاد حلول مناسبة لتصحيح أوضاع المغتربين اليمنيين في السعودية، والتفاوض والتباحث مع الجهات المختصة في المملكة لتصحيح أوضاع المغتربين اليمنيين في السعودية، بحيث يتم تحويل جميع كفالات اليمنيين إليها.
وقالت الوزارة إنها أعدت ملفاً متكاملاً ورتّبت لسفر وفد حكومي رفيع المستوى يحمل رسالة رسمية من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى العاهل السعودي، لتمديد المهلة التي منحها، ومراعاة اليمنيين بمهلة إضافية لتسوية أوضاعهم، في فترة تتناسب مع كثافتهم.
وأكدت الوزارة أنها المخولة بـ «المهام والصلاحيات المتعلقة بتنظيم الهجرة إلى الوزارة وتنظيم العلاقات مع كافة البلدان التي يتواجد بها مغتربون يمنيون»، وقالت إنها «ستستمر في تحمل مسؤوليتها بتنظيم الهجرة من الآن وصاعداً تنظيماً قانونياً وعصرياً تختفي معه جميع العراقيل والعقبات، وبما يضمن للمغترب اليمني جميع حقوقه».
وأضافت أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لإحالة المتورطين في البيان المنسوب للسفارة اليمنية في الرياض إلى النيابة العامة لتطبيق الإجراءات القانونية بحقهم، متهمة إياهم بـ «الطمع واستغلال النفوذ والوظيفة العامة والفساد (...) ومحاولة ابتزاز المغتربين اليمنيين واختلاس مبالغ مالية منهم تحت مبرر تسوية أوضاعهم، وارتكاب جرائم جنائية تضر بالمصلحة العليا للوطن والمساس باقتصاده الوطني والإساءة المتعمدة إلى الحكومة والوزارة وقيادتها وإعاقتها عن أداء واجبها والتدخل في مهامها».
وكانت السفارة اليمنية في الرياض نفت البيان المنسوب إليها، بشأن توقيع مذكرة مع شركة استقدام شركة سعودية لتسوية أوضاع العمالة المتضررة من التعديلات الأخيرة لنظام العمل السعودي.
وتعليقا على نفي السفارة اليمنية في الرياض للبيان المنسوب إليها، طالبت وزارة شؤون المغتربين وزارة الخارجية بكشف النقاب عن المتورطين في إصدار البيان، وتوقيع مُذكرة مع الشركة السعودية لاستقدام العمالة اليمنية، وقالت إنها «تكذب من أعلنوا أرقامهم من القنصلية اليمنية في جُدّة، وقالوا إن هناك تنسيقاً مسبقاً بينهم وبين الوزارة».
وانتقد مصدر في الجالية اليمنية في السعودية، في تصريح خاص لـ «المصدر أونلاين» اعتزام وزارة شؤون المغتربين تحويل كفالات اليمنيين المغتربين في السعودية إلى شركة سعودية، واتهم الوزارة بـ «التخبط، وعدم فهم الأنظمة في المملكة، وأوضاع المغتربين اليمنيين فيها».
ووصف المصدر وزير المغتربين بأنه «ظاهرة صوتية، ضررها أكثر من نفعها»، وقال إنه «يجهل الأنظمة في المملكة، ولا يعرف أن الكفيل مسألة في غاية الشخصية بالنسبة لعشرات الآلاف من المغتربين»، منتقداً ترتيب الوزارة لأوضاع المغتربين تحت كفالة شركة سعودية، مؤكدا أن هذا الإجراء إجراء غير سليم، ولن يجعل للمغترب أي خيار، سوى أن يضع رأسه تحت مقصلة الابتزاز من قبل الشركات.
وأضاف المصدر أن موضوع الكفالة موضوع شخصي للمغترب، ولا يحق للوزير أو لغيره أن يتخذ قراراً نيابةً عنه، مشيرا إلى أن هناك من المغتربين من يكفله أخوه، أو زوجته، أو ابنه، وليس من الطبيعي أن يتركهم ويذهب إلى كفالة شركة يدفع لها مبالغ مالية مقابل كفالته، ويظل تحت رحمتها.
كما نوّه المصدر إلى أنه لا بُد أن يكون هناك تفريق بين المغتربين القدماء والمواليد في السعودية وبين المغتربين المستجدين، مشيرا إلى أن هناك مغتربين قدماء لهم أكثر من 60 سنة في السعودية، ومغتربين وُلدوا في السعودية وأصبحت أعمارهم في الستينات، وهناك مواليد من أجيال مختلفة، بعضهم وصلوا إلى نحو أربعة أجيال، وكوّنوا أسرا كبيرة، ستسري التعديلات الأخيرة في نظام العمل عليهم جميعاً، مع أن منهم من تكفله أخته أو أخوه أو زوجته، ولا تكفله الجهة التي يعمل لديها.
وقال المصدر إن «وزارة المغتربين تجهل أن القرار سينفذ عليهم وأنهم سيكونون مضطرين للتخلي عن كفلائهم من أهلهم والبحث عن كفلاء آخرين يبتزونهم مادياً، وليس من الطبيعي أن يذهبوا إلى كفالة شركة تعزم الحكومة اليمنية التعاقد معها».
وفيما انتقد المصدر جهل الدولة وجهل الإعلام اليمني بقضايا المغتربين، طالب الرئيس هادي بالتدخل شخصياً لحل الموضوع، والتباحث مع الحكومة السعودية لاستثناء المغتربين القدماء والمواليد في السعودية، الذين صارت لهم أسر كبيرة، والتفريق بينهم وبين المغتربين الجُدد.
من جانبه، قال رئيس الجالية اليمنية في عسير (سابقا)، الدكتور عبد الله عسكر، إن تطبيق التعديلات الأخيرة على نظام العمل السعودي سيتضرر منه نحو مليون مغترب يمني في السعودية تقريبا، وقد يؤدي إلى ترحيل ما لا يقل عن 200 ألف مغترب يمني لن يتمكنوا من تسوية أوضاعهم وفقاً للتعديلات الأخيرة في نظام العمل.
وأوضح عسكر في تصريح لـ «المصدر أونلاين» أن سبب المشاكل التي يُعاني منها المغتربون اليمنيون في السعودية هو الهوة السحيقة بين وزارتي الخارجية والمغتربين، مؤكدا أن العمل المؤسسي يقتضي توحيد المواقف، خصوصاً في القضايا التي تهم الوطن خارجياً، مشيرا إلى أن أي موقف يخرج عن نطاق التفاهم بين وزارات الدولة يضرّ بمصلحة المغتربين ويقوِّض من موقفهم.
وانتقد عسكر أن تعمل كل وزارة في خط منفرد لها، وقال إن هذا خلل مؤسسي يُفاقم من الأضرار التي يتعرّض لها المغتربون اليمنيون، مطالباً بتدخل الرئيس عبد ربه منصور هادي شخصياً لحل القضية، التي لها أبعاد متعددة تجهلها وزارة المغتربين، منوها إلى أن الخلافات بين مراكز القوى في الداخل تؤدي إلى ضعف موقف اليمنيين في الخارج.
وفي ذات السياق، استنكر مصدر آخر في الجالية اليمنية الصراع الراهن بين وزارتي المغتربين والخارجية، وقال إنهما تتصارعان على بعض المصالح وعلى تقاسم ما وصفها بـ «الكعكة»، دون النظر في مصالح المغتربين المتضررين من التعديلات الأخيرة في نظام العمل السعودي.
وأضاف أن أبناء الجالية اليمنية أبلغوا وزير الخارجية، أبو بكر القربي، وعدداً من الوزراء في حكومة الوفاق الوطني بضرورة أن يتدخل الرئيس هادي شخصياً لحل أزمة العمالة اليمنية في السعودية، وطلبوا أن يأتي الرئيس إلى السعودية شخصياً، وأن تكون الأولوية لملف المغتربين اليمنيين وتأجيل أي مواضيع أخرى بين البلدين حتى يتم حل المشكلة، خصوصا وأن وزارة شؤون المغتربين لا تدرك الأبعاد الحقيقية لما يعانيه اليمنيون في السعودية، وتعمل على وضع حلول ستفاقم من مُعاناة المغتربين، ولن تحل المشكلة.
وكان القنصل العام لليمن في مدينة جدة السعودية، السفير علي العياشي، قال إنه لا علاقة له أو بالقنصلية بما تداول عن اتفاق بين السفارة في الرياض وشركة سعودية لتحسين أوضاع العمالة اليمنية في المملكة.
وأضاف في بيان له أن «هذه القضايا التي تتعلق بمصالح وحقوق المغتربين اليمنيين يجب أن تكون على قدر عالٍ من المسؤولية وتتحملها جهات رسمية توفّر الضمانات التي تحفظ حقوق الآخرين».
وتابع العياشي قوله «إن اختيار شركة للاستقدام مثلاً يجب أن تشكل له لجنة من الجهات المختصة في الجمهورية اليمنية لدراسة أي عروض تقدّم، وتكون دراسة مستفيضة تُراعى فيها كافة الجوانب والأبعاد القانونية والمهنية ومتطلبات وضمانات حقوق المغتربين اليمنيين. وأن يتخذ قرار بذلك بمشاركة وزارة الخارجية ووزارة المغتربين ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ويتخذ فيها قرار من الجهات العليا بالجمهورية اليمنية. وكذلك يتم بحثها مع السلطات السعودية المختصة لاعتماد أي اتفاق بهذا الخصوص وذلك حرصاً على حقوق المغتربين اليمنيين».
وأكد أن القنصلية العامة لليمن بجدة ستكون مع أي اتفاقات يتم التوصل إليها وتوافق عليها الجهات المختصة في كلا البلدين.
وكان بيان منسوب للسفارة اليمنية في الرياض الأسبوع الماضي قال إنها توصلت إلى حلول لتسوية وضع العمالة اليمنية في السعودية المتضررة من التعديلات الأخيرة التي تمنع الوافدين من العمل لدى غير كفلائهم.
وقال البيان إن السفارة وقّعت مُذكرة تفاهم مع الشركة السعودية للاستقدام لاستيعاب العمالة اليمنية الذين يعملون عند غير كفلائهم وتسوية أوضاعهم في مقرات أعمالهم الحالية، وفقاً لأنظمة العمل الجديدة.