العالم العربي بين حرب التفكيك السياسي والتفتيت الدموغرافي
مقال بقلم الدكتور مهند العزاوي
تمكنت دوائر الاستعمار القديم الجديد أن تحاصر فريستها العربية وفق فلسفة "الثعبان" , وشهدنا طيلة العقود الماضية تصفير وتجريد القدرة العربية وبالتوالي وبنسق حربي مخابراتي منظم, واستخدمت فيه مختلف الوسائل والأساليب لتفكيك القدرة السياسية وأبعادها الجيوبوليتيكية والقدرة العسكرية, وقد حرصت الامبريالية على تجريد الدول العربية من الجيوش الحربية وأسلحة الردع الاستراتيجي, بل وجعلت منها قواعد لوجستية وعسكرية تعمل تحت يافطة "الحرب العالمية على الإرهاب" التي تجاوزت العقد من الزمان وخلفت ضحايا بالملايين وخرقت النسق الدولي , وقد ألحقت عدد مند الدوائر المخابراتية العربية بمنظومتها المخابراتية في حرب لا تتسق بمعايير القوة القدرة والاستنزاف المزمن والغاية الإستراتيجية العليا , بل والأمن القومي العربي, ويجرى الطرق المستمر على نخر المجتمعات العربية وتماسك شعوبها بجرثومة "الحرب الديموغرافية",والتي نشهد ملامحها ونتائجها الكارثية في غالبية الدول العربية, خصوصا بعد التفكيك الجيوسياسي لفلسطين وتبديد حقوق شعبه ,وتفكيك لبنان دينيا وطائفيا وزعزعة استقراره, وتمزيق العراق اثنيا وطائفيا سعيا لتقسيمه وإبادة شعبه ,وتقسيم السودان سياسيا وديموغرافيا "قسمة الغرماء", ومستنقع الصومال المزمن, ودخول اليمن لميدان التقسيم الطائفي العرقي, والقائمة تطول وستصل إلى كل من مصر والسعودية والكويت والبحرين والأمارات خلال سنوات قريبة والشواهد لذلك واضحة , وهذا التفكيك السياسي الأفقي جاء بعد التفكيك السياسي العمودي وتقطيع العالم العربي إلى مشرق ومغرب يفصل بينهما الكيان الصهيوني في الموقع الاستراتيجي, والذي يعد قاعدة عسكرية متقدمة للاستعمار المركب , ولو بحثت الدول العربية تحالفاتها الدولية والإقليمية ستجد عدم فاعليتها ونجاعتها في صيانة القوة, وأضحت غير مجدية ومترهلة , وقد ساهمت في تفكيك القدرة العربية السياسية والعسكرية وكذلك الفكرية ,ولعل الاستهداف نابع من مربع الأطماع أمريكا أوربا وإسرائيل وإيران, وجميع تلك الأضلاع تنهش اليوم بالجسد العربي سعيا للفناء العربي, والتمزيق السياسي والتفتيت المجتمعي , ولعل التخادم الامريكي الأوربي الإيراني في العراق ومناطق أخرى يثبت ما نذهب أليه, ويؤكد بالمقابل عجز النظام الرسمي العربي المثقل بالاختلافات من تحقيق الحد الأدنى من الحضور الكياني , أو ترجمة أرادة الشعوب العربية التي حتى اليوم نجدها متماسكة وتؤمن بوحدة القرار والمصير, ولابد من مراجعة دور الجامعة العربية الهزيل الذي لن يرتقي لحل معضلة أو أزمة عربية ما طيلة تشكيلها, أو تمكنت من تعزيز القدرة العربية, أو تحقيق المكانة الدولية , وشهدنا عجزها عن حل قضايا محورية طيلة العقود الماضية في فلسطين, لبنان, الكويت, العراق, الصومال, السودان, ولعل أخر تصريح لها "تأمل الجامعة العربية أن يحافظ السودان على وحدته وكأنها غير معنية, وكذلك اليمن والحرب الواسعة ضمن فلسفة الحرب على الإرهاب والتي ستقود إلى احتلال ميداني أمريكي حسب الظواهر وملامح الدعاية الأمريكية, وضغط المفاصل الدبلوماسية الدولية, ولعل الخطيئة الكبرى غزو العراق وكانت الجامعة شاهد زور على قتل العراقيين, بل وتبارك لهم ذلك ولم نشهد إدانة وتحقيق فوري أو طلب بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب بحق العراقيين, وهي موثقة بالتقارير الأمريكية, وتركز على تشكيل الحكومة وكأن الأزمة في العراق هو تشكيل الحكومة, غير آبه بحجم الضحايا العراقيين التي بلغت بالملايين, وجميع تلك الشواهد لان العرب يفتقدون لعقيدة سياسية تترجم التحديات والتهديدات التي تعصف بأمنهم القومي, بل انبرت كل دولة ودويلة لتعزيز أمنها الوطني وبمفاهيم هجينة روجتها الماكينة الأمريكية , دون الأخذ بنظر الاعتبار أن الأمن يعتمد على خمس انطقه هي الآطار الوطني والقومي والإقليمي والقاري وأخيرا النسق الدولي ,ويجري تجاهل خطورة مخططات الدوائر الامبريالية الساعية لإذكاء الاحتراب بين عنصري القدرة العربية, وهي مرتكزات الدين الإسلامي الحنيف والبعد الحضاري العربي وكلاهما عناصر قوة ضمن فلسفة الهندسة الاجتماعية العربية الإسلامية, ولعلي استعير عبارة لكاتب فلسطيني توصف حال الأمة وتقول" نحن امة غادرت تاريخها طوعا وأضحت تغادر الجغرافية كرها" هذا حال الأمة هل من صحوة عاجلة تنقذ الأمة العربية من حرب التفكيك السياسي والتفتيت الدموغرافي التي تعصف بها.
السبت، 06 تشرين الثاني، 2010