أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

ما وراء دعوة السيسي ؟

- عبدالعزيز ظافر معياد


دعا وزير الدفاع المصري عبدالفتاح  السيسي في كلمته يوم 24/7 الشعب المصري إلى النزول في مظاهرات حاشدة يوم الجمعة المقبلة لإعطائه تفويضا وأمرا بمواجهة الإرهاب والعنف ،هذه الدعوة يمكن أن نستخلص منها التالي :
1-يكشف حديثه عن الارهاب والعنف أن قادة الجيش باتوا ينظرون الى الاخوان كجماعة ارهابية ،وأن هناك توجه لدى الجيش والنظام المصري الحالي لحظر حزب العدالة والحرية والجماعة بشكل عام ،ومنع قياداتها من ممارسة النشاط السياسي ،والتهيئة لشن حملة اعتقالات واسعة لقيادات الجماعة وعناصرها الناشطة ميدانياً في الاسابيع القادمة .
2- مطالبة السيسي بتفويض شعبي لمواجهة الارهاب والعنف أمر غريب ،لان الجيش لايحتاج الى مثل هذا التفويض ،كون ذلك من المهام الرئيسية التي تضطلع بها الجيوش في دول العالم المختلفة ،وهاهو الجيش المصري قد قام في الفترة الماضية بشن حملات واسعة ضد الجماعات الارهابية في سيناء ولم ينتظر مثل ذلك التفويض . -أذا فالتفويض الذي يطالب به السيسي ليس المقصود منه مواجهة الارهابيين في سيناء ،وانما على الارجح استهداف وملاحقة قيادات الاخوان من الصف الاول والثاني ،اضافة الى العناصر النشطة في ميادين رابعة العدوية وميدان النهضة والمعتصمين امام مقر الحرس الجمهوري وفي كل المناطق التي ينشط فيها الاخوان في مصر.
-معنى ذلك أن الجيش بمجرد خروج الملايين يوم الجمعة دعماً له سيدشن مرحلة جديدة في تعامله مع الجماعة ،حيث سيعتمد على القوة في مواجهة ميادين وتجمعات الاخوان ،وسيحاول انهاء تلك الاعتصامات او أي عمليات يقوم بها انصار الاخوان لقطع الطرق بين المحافظات بالقوة ،ما يعني أن مصر مقبلة على فترة عصيبة للغاية قد تؤدي الى سقوط البلاد في حرب أهلية -لاقدر الله -أو على الاقل تكرار سيناريو مصغر لما شهدته الجزائر العام 1992م  في حال نجح الجيش في فرض سيطرته على معظم مناطق البلاد .
-طبعاً لن يتمكن الجيش من السيطرة على الوضع الامني في مصر وبالذات داخل المدن وانهاء اعتصامات الاخوان في الميادين الا بإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال واقتحام الميادين ،وهو ما قد يؤدي الى سقوط اعداد كبيرة من الضحايا خاصة أن الاعلام المعادي للإخوان يتحدث عن تكديس الجماعة للأسلحة خاصة في ميدان النهضة.
-كما يبدو لافتاً في الفترة الماضية تسليط كثير من القنوات المعارضة للإخوان الضوء على أخبار وحالات استخدام انصار الجماعة للأسلحة النارية ضد المتواجدين في التحرير او في الاشتباكات التي تحدث في شوارع القاهرة ومدن أخرى خلال مرور المسيرات التي تنظمها الجماعة ،صحيح أن هناك من انصار الجماعة من يحمل اسلحة نارية و قد يلجأ الى استخدامه مع الاقتناع بوجود مسلحين في الطرف الاخر، وانجرار الطرفين الى العنف وتصاعد وتيرته في الفترة الاخيرة ،لكن تلك التغطية الاعلامية المكثفة عن اسلحة انصار الجماعة ،تأتي في اعتقادي لنفي السلمية عن اعتصامات ومسيرات الاخوان ،وتهيئة الرأي العام المصري والدولي للقبول باستخدام الجيش القوة ضدهم   .
3-اضطلاع السيسي بمخاطبة الشعب ومطالبته المصريين الخروج لمنحه تفويض لمواجهة الاخوان ،يعزز من اتهامات معارضيه بأنه الحاكم الفعلي لمصر ،وان عدلي منصور مجرد رئيس شكلي وواجهة مدنية لا أكثر ولا أقل ،فالمفروض أن الرئيس هو المعني الاول بمخاطبة الشعب وليس وزير الدفاع خاصة في مثل هذا الوضع الخطير الذي تمر به مصر .
- قد يلجأ الرؤساء والملوك في حالات الضرورة الى الشعب من اجل الحصول على دعم او تفويض شعبي للتعامل مع قضية مصيرية تواجه البلاد او النظام الحاكم ،لكن أن يطالب وزير دفاع بتفويض شعبي كما فعل السيسي في اعتقادي أنه اختراع مصري جديد سيسجل للسيسي براءة  اختراعه .
- الغريب أن يظهر السيسي في خطابه الاخير كحاكم عسكري ،وينسف الصورة المدنية التي حرص على اضفائها عند عزله الرئيس مرسي ،اضافة الى سعيه استخدام القوة ضد الجماعة وما قد يسببه من عرقلة تنفيذ خارطة الطريق التي اعلن هنا، الاغرب من ذلك أن يأتي هذا التوجه بعد زيارة مساعد وزير الخارجية الامريكي ومسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوربي للقاهرة ،الامر الذي يثير الشكوك بوجود ضوء غربي لمثل هذا التوجه ضد الاخوان ، لكن في اعتقادي أن الغرب يدفع بالأوضاع في مصر نحو مزيدا من التدهور والفوضى لعدة اهداف ابرزها :
-انهاك جميع القوى المصرية وتعميق الازمة فيما بينها الى درجة يستحيل معها اخراج البلاد من محنتها دون وجود مبادرة دولية مشابهة للمبادرة الخليجية في بلادنا،تكون احدى نتائجها تحول السفير الامريكي وبدرجة اقل السفير السعودي الى لاعبين اساسيين على الساحة المصرية من جهة ومن جهة أخرى التأسيس لنظام ديمقراطي جديد في مصر تقسم فيه مراكز النفوذ وصنع القرار بين التيار الاسلامي والتيار العلماني والاقباط ،مع اعطاء مكانة مميزة لسيناء ولمحافظات القناة الثلاث(بور سعيد ،الاسماعيلية والسويس ) .
- النتيجة النهائية ستكون اشغال مصر بأزمات داخلية لاتنتهى ،تضعف معها بمرور الوقت سيطرة  المركز على سيناء وبدرجة اقل الصعيد ومحافظات القناة وفي الوقت ذاته سيدعم الغرب الاقباط للتحول  الى كقوة سياسية مؤثرة في البلاد وبصورة مشابه لتأثير اكراد العراق في النظام السياسي .
-طبعاً كل ذلك لايمكن تحقيقه في ظل وجود جيش مصري قوي ،لذا فأن انهاك واضعاف الجيش المصري خطوة ضرورية للوصول بمصر الى هذا المخطط ،ولن يتم الا عبر توريط الجيش في مواجهة طويلة ودامية مع الجماعات الاسلامية ،فهل تعي القوى المصرية المتصارعة ذلك أم أن مصر في طريقها للحاق بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والصومال كدول فاشلة ومهددة بالتفكك مستقبلاً؟

Total time: 0.7626