أخبار الساعة » شخصيات ومشاهير » شخصيات سياسية

نيلسون مانديلا (ماديبا ) شخصية خلدها التاريخ

- د/علي عبد القوي الغفاري

يوم الأحد الماضي الموافق الأول من سبتمبر 2013م غادر نيلسون مانديلا مستشفى  ميديكل كلينك  الذي أمضى فيه قرابة ثلاثة أشهر ، خلال هذه الفترة ظل زعيم جنوب أفريقيا التاريخي يصارع المرض الذي يعاني منه، وهاهو من جديد عاد إلى منزله في مدينة جوهانسبرج العاصمة الإقتصادية  بعد أن اطمأن فريقه الطبي إلى إستقرار حالته الصحية ، ولما تتمتع به هذه الشخصية من حب  أبناء شعبه ، فإنه كذلك محل إعزاز وتقدير الكثير في أنحاء العالم ، ويسعد المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية أن يساهم ويلقي جانباُ من الضؤ على جزء من حياته النضالية والتي قادت في نهاية مسيرته الطويلة إلى تحرير بلاده من نظام الفصل العنصري ونشر مبادئ الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية في أرجاء جنوب أفريقيا والتي تعتبر امتداداُ لنضال مارتن لوثر كينج في أمريكا ، وقد تعود سكان جنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة إقامة الإحتفالات والمهرجانات الفنية إبتهاجاً بعيد ميلاد الزعيم الإسطوري والتاريخي المناضل  نيلسون مانديلا  حباً في هذا الرجل الذي حررهم من نير العبودية والقهر والظلم ، ونيلسون مانديلا هو كغيره من الرجال ، غير أنه الرجل الذي أعطى لبلده ولأفريقيا وللإنسانية من مكارم قوة النضال وعزيمة الرجال على حساب صحته وحياته مالم يعطيه شخص آخر في بلاده وفي القارة ،  نيلسون مانديلا الذي عاد إلى منزله من  أحد مستشفيات العاصمة  بريتوريا،  لم يكن يعلم أثناء سنوات نضاله أن شعبه  سيخلده ويكرمه في دنياه في كل شارع وحي ومدينة وأنه سيبقى حديث النضال بعد مماته لعقود قادمة ، فقد عرف عنه منذ انخراطه في ساحة النضال تصميمه على مواصلة نضاله وكفاحه بكافة الأشكال والصور كما عمل السود في الولايات المتحدة ، وظل النضال السلمي هو الأقرب إلى قلب مانديلا  الذي سخر شبابه من الوهلة الأولى لتخليص أبناء وطنه من حياة البؤس والحرمان والرق والتمييز العنصري( الأبارتهيد) الذي كان سائداً في القارة السوداء ، كيف لا ؟ وقد وصف وضع بلاده  جنوب أفريقيا في أكثر من مناسبة أنه كان يعيش حياة القرون الوسطى ، وخاصة بعد أن أتيحت له الفرصة لمرة واحدة  في مطلع ستينات القرن الماضي عندما شاهد العالم لأول مرة، يوم خرج متخفياً من جنوب أفريقيا إلى عدد من الدول الأفريقية ليعود بعدها إلى بلده متخفياً و مبهوراً لما شاهده في الدول التي زارها منها أثيوبيا ومصر والجزائر  ، و ظل نيلسون مانديلا على الدوام يحلم في تحقيق أدنى مستوى من العدالة الإجتماعية  تسود شعب جنوب أفريقيا من نظام كبل سكانه بالقيود والأغلال والحرمان والتفرقة وسخر عامة أبناء الشعب في خدمة الأقلية البيضاء الحاكمة والمهيمنة التي سيطرت على خيرات جنوب

أفريقيا لأكثر من ثلاثة قرون وتحديداً منذ عام 1652م حتى نهاية القرن الماضي ، غير أن الأقلية البيضاء  من خلال المشاهدة وشهادة الآخرين  عملت  بحق على بناء دولة في أفريقيا بنيتها التحتية في كافة مجالات الحياة لا تختلف عن أي دولة أوربية .

وما كان يمكن أن تتحقق التحولات والإنتصارات التي حدثت في جنوب أفريقيا عام 1994م  لولا الإرادة  الفولاذية التي تميز بها هذا الرجل الذي يكاد  يعد أشهر سجين في العالم ،  تلك التحولات  تزامنت مع نهاية الحرب الباردة بين القوتين والمعسكرين التي ولت إلى غير رجعة في تسعينات القرن الماضي  والتي تزامنت نهايتها  بخروج مانديلا من جزيرة روبن الشهيرة عام 1990م .

 

وخلال أربع سنوات منذ خروجه  وتحريره من السجن ظل الحوار الوطني هو غايته مع النظام العنصري السابق 1990 /1994) ولأجل نجاح الحوار الوطني بين البيض والسود ،  تم تشكيل عدة لجان من حزب المؤتمر الوطني الذي يقوده مانديلا ومن الحزب الوطني الحاكم (حزب البيض)أثناء الفترة الاستعمارية والتمييز العنصري الذي كان يقوده رئيس جنوب أفريقيا ديكليرك  ، ومن أجل إنتصار قيم العدالة بكافة معانيها السامية ومن أجل قيام دولة جديدة تحترم الحريات وتعيد للشعب المقهور حقوقه كاملة وافق مانديلا على خروجه من سجنه شريطة البدء بالحوار الوطني وصولاً إلى العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية الضامنة بالمواطنة المتساوية وإزالة الفوارق الطبقية  بين البيض والسود.

وما من شك في أن مشواره النضالي السلمي للسنوات الطويلة التي قضاها بين الحيطان  وخلف القضبان مثل في نظره وقيادة حزبه( المؤتمر الوطني المعارض) أفضل الحلول لإخراج بلاده من تلك الأوضاع ، وكان نضاله هو الوقود الذي أشعل دروب الحرية والإنعتاق عند كل مواطن ضد النظام العنصري الذي أعرب العالم عن كراهيته و بغضه الشديد له  ، بل إن دول العالم في الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية شاركت في عزل نظام جنوب أفريقيا حتى ينصاع ويمكن أبناء الشعب من نيل حريته وسيادته على أرضه ، وشاركت الوفود اليمنية من شطريها السابقين في الأمم المتحدة أن حيت شعب جنوب أفريقيا المناضل من أجل حريته وشاركت دول العالم في المطالبة بوضع نهاية لنظام التمييز العنصري ،  ومن خلال نضال مانديلا  وتضامن القوى المحبة للسلام تمكن هذا الشعب من أن يفوز بحريته ويستعيد آدميته وثروته الكامنة في أعماق أرض جنوب أفريقيا ليصبح سيد نفسه وأرضه ومالك ثروته في آن واحد حتى توج نضاله الطويل في العاشر من مايو عام 1994م، بتسلم قيادة هذا البلد الواسع الأرجاء بعد 27 عاماً قضاها مانديلا  في عدد من السجون وفي جزيرة روبن تحديداً   Robbin Islanad..

لم يكن سهلاً أن تتحول هذه البلاد من نظام عنصري إلى نظام ديمقراطي لولا تضامن الشعوب المحبة للسلام مع المناضل مانديلا  ومع حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والعدالة ، فقد كرست كل القوى الثورية والأحزاب السياسية وكافة المنظمات المحبة للسلام  في العالم جهودها لمعاقبة ذلك النظام إلى أن تم إخراج مانديلا من ذلك السجن الرهيب الذي أصبح اليوم مزاراُ لكل من يزور  الجزيرة المشهورة ويزور جنوب أفريقيا الدولة العظيمة التي اقترنت شهرتها بإبنها وقائدها ومحررها نيلسون مانديلا .

 وكما سبق الإشارة ، فقد اعتاد مواطني جنوب أفريقيا على إقامة مهرجانات سنوية إحتفاءً بعيد ميلاد مانديلا الذي يصادف 18 يوليو 1918م، وأتذكر بحكم عملي بالسفارة اليمنية بجنوب أفريقيا(2007-2010م) الإحتفال  الذي أقيم بعيد ميلاده التسعين الذي يعد دلالة كبيرة على وفاء أبناء وطنه له واعتراف من  الشعوب المحبة للسلام لهذه الشخصية التي جسدت في نفوس الأحرار في كل مكان قيم النضال والحرية والعدل والمساواة ،  وأن الحرية هي نعمة من الله سبحانه وتعالى، وأن الحقوق مهما طال اغتصابها فإن الفرج آت لا محالة، تجسيداً لمقولة الخليفة عمر بن الخطاب ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )

نعم .. فقد كان للخيار السلمي والديمقراطي الذي انتهجه هذا الرجل ورفاقه في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ، نتائج أبهرت  وايقضت شعب ج/أفريقيا والشعوب الأخرى من سبات نوم عميق ، فبرغم الصعاب والتحديات وتجرع هذا القائد مراراة الأعمال الشاقة في سجنه إلا أنه خلال فترة نضاله الطويلة عبر عن كرهه للعبودية والرق وطالب بالمواطنة المتساوية بين البيض والسود حتى تحل العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية محل التفرقة العنصرية والديمقراطية محل العبودية والإذلال وذلك ماتم إنجازه  بفضل سياسة التسامح التي أبداها و تعاون المجتمع الدولي معه عندما كان وراء القضبان وحتى خروجه من جزيرة روبن يوم 12 فبراير 1990  .

وكما هو معروف فقد تم في العاشر من مايو 1994 أن  تسلم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حكم البلاد بطريقة ديمقراطية من خلال انتخابات شارك فيها كافة أبناء الشعب لأول مرة في تاريخه وتسلم قيادة البلاد المناضل الأسطوري نيلسون مانديلا الذي فضل بعد أربع سنوات من قيادته الفذة  أن يعود إلى أوساط الشعب ويسلم القيادة  في عام 1999م  لنائبه المناضل تابو مبيكي،  وذلك بعد أن اطمأن إلى تحرير السود أبناء جلدته ومكنهم من الحرية السياسية والاجتماعية والمشاركة الفعلية في حياة حرة كريمة مبنية على العدالة والمساواة وأنه لا فرق بين أسود وأبيض، وأن البلاد تتسع للجميع ومواردها وثرواتها ملك لأبناء الشعب .

 

        وتقديراً ووفاءً من هذا الشعب لقائده وإيماناً من زعماء وقادة العالم لما قدم الأسطورة ولنضاله السلمي والديمقراطي ورفضه للعنف قدم بعض الزعماء محاضرات سنوية عنه في أعياد ميلاده في المؤسسة التي أنشأها . وفي يوم السبت الثاني عشر من يوليو 2008 قدمت السيدة جونسون سرلييف رئيسة جمهورية ليبريا - وهي أول امرأة أفريقية تتسلم قيادة وطن في أفريقيا - محاضرتها في حضرة (ماديبا) نيلسون مانديلا في مدينة سويتو التي ترعرع فيها . وحظيت المحاضرة السنوية السادسة لرئيسة ليبيريا بحضور كبار المسؤلين في الدولة ونخبة من السفراء والمهتمين ، علماً أن المحاضرة الأولى كانت للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 2003م ، وإضافة إلى المحاضرات والندوات والفعاليات العديدة فإن جنوب أفريقيا شهدت سواءً عام 2008م أو الأعوام السابقة واللاحقة إحتفالات ومهرجانات في كل شارع وميدان بذكرى ميلاده السنوي تقديراً منها لمحررها وزعيمها التاريخي الذي قدم سنوات شبابه وحياته من أجل حرية الإنسان الأفريقي ، وفي عصر ذلك اليوم  دعيت مع نخبة من السفراء وكبار مسؤولي الدولة والحكومة إلى  مدينة سويتو للمشاركة في الإحتفال بعيد ميلاده التسعين ، ولم نكن  نتوقع تشريف نيلسون مانديلا المحاضرة المقررة ، وقبل انطلاقتها بدقائق فوجئنا بالسيد مقدم البرنامج يطلب من الجميع إلتزام الصمت وإقفال الجوالات وعدم التصوير إيذاناً بدخول الإسطورة  .

فوقف الجميع مبهورين وسعيدين في آن واحد لرؤيتهم مانديلا وجهاً لوجه، بالنسبة لي حلم تحقق لقد اكتفيت بمشاهدته وتحيته عن قرب  وخاصة وهو يلقي كلمته القصيرة المعبرة عن سعادته للحضور، كما سعدت أن التقيت بالمناسبة بعد المحاضرة  بطليقته المناضلة ويني مانديلا ، وهذه الإحتفالات كانت قد  بدأت في بريطانيا في يونيو 2007م بحضور ومشاركة نجوم  وفناني العالم والتي تمت في حديقة هايد بارك وما كان يمكن أن تعقد وتنظم هذه الإحتفالات من فراغ ، لولا تقدير الجميع للنضال والإسلوب الرصين والحكمة والإنجاز الكبير الذي حققه هذا الرجل الذي يعد من أبرز المناضلين والمقاومين لسياسة الفصل العنصري، لذلك جاءت تلك الإحتفالات والمهرجانات التى عبرت وتعبر عن الوفاء والشكر لهذا العملاق الذي لم يتخذ العنف في حياته وسيلة ، ولم يكن الإرهاب غايته بل كان النضال السلمي والديمقراطي والمصالحة الوطنية في مقدمة أهدافه حتى  فاز شعب جنوب أفريقيا بالحرية  والعدالة والمواطنة المتساوية التي كانت حلمه سواءً عندما كان خلف القضبان في جزيرة روبن أيلاند ،  أو أثناء المفاوضات التي قادها مع نظام الفصل العنصري السابق بعد خروجه من السجن ، وتلك كانت الوسيلة الوحيدة التي أدت إلى تحرير شعب بأكمله من خلال الأهداف التي رسمها والقريبة من أهداف الثورة الفرنسية المتمثلة بالحرية والعدالة والديمقراطية، وهو ما تحقق لهذا الشعب بفضل صموده وديدنة نضاله و عناده القوي ورفضه الشديد لإطلاق سراحه من السجن دون نيل هذا الشعب حريته واستقلاله، فكان له ما أراد عندما أطلق سراحه في الثاني من فبراير عام 1990م ليواصل كفاحه ونضاله السلمي مع القيادة السابقة بالحوار الديمقراطي والبناء إلى أن تمكن من القضاء على نظام الفصل العنصري الذي كان قائماً على التمييز بين الأبيض والأسود وحكم الأقلية البيضاء لشعب  أغلبيته من أبناء الشعب الأصليين .

على امتداد 27 عاماً ظل نيلسون مانديلا يحمل في سجنه رقم 46664 ليصبح مانديلا وبعد أربع سنوات من خروجه من السجن في العاشر من مايو 1994م أول زعيم أسود يحكم جنوب أفريقيا بعد ثلاثة قرون من حكم الأقلية البيضاء ، ويحقق لمن ناضل من أجلهم ووصل إلى قمة السلطة بدعمهم المواطنة المتساوية بكافة صورها وأشكالها .

 

وكما إحتفلت جنوب أفريقيا بيوم عيد ميلاده التسعين يوم 18 يوليو2008م فقد واصلت إحتفالاتها سنويا ًبما في ذلك هذا العام  2013م إحتفلت بعيد ميلاده الخامس والتسعين غير أنه لم يعد يدرك ذلك بعد إدخاله المستشفى الذي يرقد داخله ومن خارجه محبيه من أبناء بلده الذين توافدوا وتجمعوا أمام النصب التذكاري الذي أقيم على جدار المستشفى ووضعوا عليه الزهور والصور والأعلام والبالونات، كما قاموا بأداء طقوسهم وصلاتهم ودعائهم بأن يبارك الله (ماديبا) وأن تكون نهايته هادئة، وكما تابع الجميع فإن حالة مانديلا الذي نقل إلى المستشفى  في  الثامن من شيونيو الماضي كانت متدهورة حيث تم نقله من منزله في جوهانسبرج بصورة سريعة وطارئة إلى مستشفى مديكل كلينك هارت في بريتوريا ، وذلك جراء تجدد إصابته بالتهاب رئوي، رجح أطباؤه أنها ناتجة عن إصابته بمرض السل أثناء سجنه الطويل في جزيرة روبن أيلاند التي قضى فيها 17 عاماً و10 أعوام في سجون أخرى ،وكان الرئيس الأمريكي ذي الأصول الأفريقية باراك أوباما الذي قام وعائلته بزيارة لبريتوريا في إطار جولته الأفريقية في يونيو الماضي  2013م يرغب في لقاء مانديلا غير أن وضع مانديلا الصحي حال دون اللقاء.وكما هو معروف و بعد خروجه من السجن وأثناء فترة الحوار منح عام 1993م جائزة نوبل للسلام بالشراكة مع فريدريك ديكليرك آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا العنصرية ، وقد عمل الزعيمان جنباً إلى جنب من أجل أن تسود العدالة والمساواة جنوب أفريقيا ومن أجل أن تعود جنوب أفريقيا إلى الساحة الدولية جراء مقاطعة معظم دول العالم لها  بسبب نظام الأبارتهيد ، فقد غلب الزعيمان مصلحة شعبهما حتى لا تنشب حرب أهلية بين أبنائها البيض والسود على السواء، وبفضل حكمتهما تم إجراء المصالحة الوطنية  التي تمت بعد حوار طويل بينهما وحزبيهما استمرت 4 سنوات ، وما من شك في أن الرئيس ديكليرك كان على مستوى المسؤولية الوطنية تجاه أبناء شعبه وأيناء جلدته البيض وأدرك أنه حان الوقت بأن يشارك السود في السلطة والثروة ، وأن جنوب أفريقيا تتسع للبيض والسود على السواء، وفي أول إنتخابات ديمقراطية بمشاركة السود فاز حزب المؤتمر الأفريقي بزعامة مانديلا الذي أصبح أول رئيس أبيض لجنوب أفريقيا وقبل الرئيس ديكليرك زعيم الحزب الوطني بمنصب نائب لمانديلا ، وهكذا غلب الزعيمان مصلحة بلدهما جنوب أفريقيا على كل المصالح ، وللسياسي العربي أن يقارن بين الزعماء العرب الذين غلبوا مصالحهم الأسرية والمناطقية والحزبية على مصالح شعوبهم ولنا عبرة بالأوضاع  والتطورات الجارية  على الساحة العربية .

 

ومما يشار إليه أن المصادر الإعلامية كشفت مؤخراُ أن مانديلا كان قد كتب وصيته في وقت سابق ، وأعرب عن رغبته بأن يدفن في منطقة إسمها كونو حيث قام العمال بشق الطرق التي تؤدي إلى مرج على سفح جبل تنفيذا لرغبته ، كما ذكرت المصادر إلى أن مانديلا طلب من أفراد أسرته أن يتركوا قيادة الدولة أن تقيم مراسم دفنه بالصورة التي تراها، وبعد مراسم التشييع الرسمية يتم دفنه في قرية كونو موطن أجداده في إقليم الكيب الشرقية ، ولن يخلد مانديلا غير أن شخصيته ستظل خالدة على مر تاريخ هذا البلد وأعتقد جازماُ أن مواطني شعب جنوب أفريقيا عند غيابه سيواصلون احتفالاتهم بأعياد ميلاده في السنوات القادمة ومعهم كل القوى والمنظمات الشريفة المحبة للسلام والحرية باعتبار مانديلا رمزاً للسلام والحرية والعدالة والمساواة ، علاوةً على ذلك فهو محبوب من الجميع الفقراء والأغنياء  البيض والسود وعلى مستوى الداخل والخارج.

إننا في الجمهورية اليمنية وفي الوطن العربي نعشق الحرية والعدالة والديمقراطية ، واليمن بفضل ثورة الشباب السلمية التي اندلعت في فبراير 2011م ، يعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل  الذي دشن أعماله يوم 18 مارس بهدف بناء دولة يمنية حديثة أساسها العدل والمساواة  والمواطنة المتساوية والقضاء على كافة التحديات والصعوبات التي تواجه البلاد وفي مقدمتها الفساد المستشري والعنف والإرهاب وصولاً إلى يمن ديمقراطي واحد ، وليس أمام اليمنيين الذين هم على وشك من إنتهاء مؤتمرهم التاريخي غير إنجاز المشروع الوطني الكبير  المضي قدماً لإخراج مخرجات حوارهم الوطني الشامل  في وثيقة شرف شاملة تؤدي إلى طوق نجاة اليمن وعبوره مرحلة الأمن والإستقرار والبناء، وبهذه المناسبة أستشهد بما قاله مانديلا بأنه ( يجب أن نذكر أنفسنا أن عملنا من أجل الحرية ما زال بعيداً عن نهايته ولكن العمل الطموح يقرب المسافات لعالم أفضل).

هنيئاً لك مانديلا حب شعبك ، وهنيئاً لشعب أنت ابنه وقائده وصانع حريته...

 

* د/علي عبد القوي الغفاري

رئيس المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية  
سبتمبر2013م

Total time: 0.024