حين انتقلت مشاعر الانتفاضة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس علي عبدالله صالح من الساحات المكشوفة إلى كل نُزل له سقف بما في ذلك السجون، لامست تلك المشاعر عطش سجين أربعيني إلى الإنصاف فهتف لها من محبسه بقوة، معتقداً أنها سبيله الوحيد إلى نيل العدالة.
يروي ناصر أحمد ثابت القادم من مديرية بني سعد بالمحويت لـ«المصدر أونلاين» كيف اجتاحته مشاعر «الثورة» مع أعداد كبيرة من نزلاء السجن المركزي في الحديدة فأخذوا يتظاهرون في حرم السجن ويهتفون للثورة محاولين هدم أسوار السجن قبل أن يشتبكوا مع طواقم الحراسة الأمنية ويصيبوا جنديين.
كان ناصر يقضي أيامه في السجن أواخر 2011 في قضية قتل قال إن غرماء له لفقوها ضده، وبالفعل فقد برأته المحكمة وأيدت محكمة الاستئناف بالحديدة الحكم بتبرئته وأمرت النيابة بالإفراج الفوري عنه، فأطلقت الأخيرة سراحه.
لكن ناصر لم يهنأ بتبرئة ساحته والتحرر من ظلمة السجن، فقد خرج ليصطدم بأفق مظلم أكثر ظلمة من السجن؛ «في البدء لفقوا ضدي تهمة الاشتراك في قضية قتل لإدخالي السجن وخلال مكوثي فيه زوجوا ابنتي كرهاً من أحد غرمائي وزادوا أن زوجوا زوجتي الثانية وهي في عصمتي بعد أن ضللوها بأني مدان في قضية قتل ولن أعود إليها».
كان غرماؤه الذين يقول إن على رأسهم نائب برلماني عن الدائرة الانتخابية في بني سعد (ح. م. ع) وضابط في الجيش (أ. ع. ع) كان ينتمي إلى قوات الفرقة المدرعة الأولى حينذاك.
وهو يعيد كل الوقائع التي نالت منه حين كان سجيناً إلى أنها من تدبير عضو البرلمان الممثل لمنطقته بني سعد وهو المتهم في رأي ناصر بغصب أراضيه والتنكيل به بعد وفاة والده، أما الضابط (أ. ع .ع) فجاء دوره لاحقاً حين قدم نفسه إلى ناصر على أنه يريد مساعدته في مواجهة المصاعب التي نزلت به جراء اغتصاب أرضه وزجه في السجن.
بالفعل، بدأ ذلك الضابط يساعد ناصراً فانتدب نفسه ليتعهد لدى دار الرحمة للتنمية الإنسانية ليكون مسؤولاً عن أربعة من أبناء ناصر، أدخلهم في الدار لتلقي الرعاية بحكم ما يواجهه والدهم.
غير أن الضابط أخذ ينحاز إلى غرماء ناصر تدريجياً إلى حد أنه رد على الأخير حين طلب رؤية أبنائه بأنه ممنوع من ذلك وأنهم عرضة للموت في أي لحظة. ويرى ناصر في رد الضابط عليه رسالة تحذير مفادها أن ابناءه صاروا رهائن لضمان تقييد تحركات والدهم لرفض ما وقع عليه أو النشر في وسائل الإعلام ضد غرمائه.
ولقد قدم ناصر شكوى إلى مكتب وزير الدفاع بصديقه القديم الذي انقلب عليه وأحال مكتب الوزير الشكوى إلى مديري المباحث العسكري والقضاء العسكري باستدعاء الضابط المشكو به والتحقيق معه في ادعاءات الشاكي.
تتوالى شكاوى ناصر، فلدى مكتب النائب العام شكوى ضد ضابط في البحث الجنائي بالعاصمة يدعى (م. غ) يتهمه ناصر بإكراهه بالقوة على وضع بصمة إبهامه على أوراق خالية وتهديده بالسجن لدى استفساره عن الغرض من ذلك.
وأحال مكتب النائب العام الشكوى إلى مدير عام البحث الجنائي لتوجيه المحامي العام باتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها.
حتى قاضي المحكمة الذي صادق على تزويج زوجة ناصر من شخص آخر وهي ماتزال في عصمته، شكاه الأخير إلى هيئة التفتيش القضائي. وكان من نكد الدنيا على ناصر أن أحيلت شكواه إلى القاضي نفسه للاطلاع عليها حتى وهو قد صار خصماً مشكواً به.
يوما بعد آخر، ينتفخ كيس ناصر البلاستيكي بشكاواه وإحالات الجهات القضائية في الوقت الذي لا تبدو أي علامات على أن «العدالة» تنتظره في نهاية رحلته الشاقة.