أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

المدرهه موروث شعبي يختفي

- ياسر صادق الإدريسي
تختزن الذاكرة الشعبية اليمنية كثيرا من العادات والتقاليد الموروثة التي يمتزج فيها الدين بالفن في فعاليات مدهشة تتوارثها الأجيال جيلا بعد آخر. ومن بين هذه الفعاليات 'المدرهة'، وهي واحدة من أهم المهرجانات الشعبية التي ترتبط بفريضة الحج.

والمدرهة أرجوحة تُنصبُ في إحدى الساحات أو في أفنية المنازل المزينة بالمصابيح وغيرها، ثم يتناوب على التأرجح عليها أقارب الحُجَّاج وسكان الحي رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، بشكل ثنائي، مردِّدين بعض الأهازيج الشعبية احتفاء بالحجاج: توديعا، فانتظارا، ثم استقبالا.

يقول الباحث في الموروث الشعبي حيدر الزيادي إنَّ 'مدْرَهَة' في اللغة اسمُ آلةٍ، مثل معْصرة ومصْبغة، وهو إما مشتق من الفعل 'دَرَهَ' بمعنى دفعَ عن، ويعزز هذا القول الاعتقاد السائد بأنَّ أقارب الحاج حين يتأرجحون على المدرهة إنما يدفعون عنه أخطار الطريق، وإما أن يكون مشتقا من الفعل 'مدْرهَ يُمدْرِهُ' الذي يعني في العامية الصنعانية مرْجحَ، وهذا المعنى قوي أيضا، على أن ثمة أسماء أخرى للمدرهة اشتهرت في عدد من المناطق اليمنية مثل الدشديشة، والمرجيحة، والدرْديهة.

ويرى الزيادي أن المدرهة بدأت تظهر في صنعاء، ثم انتشرت في مدن يمنية عديدة، يدل على ذلك الحضور الطاغي لمفردات اللهجة الصنعانية في أهازيجها، وحضور المدرهة في الأحياء القديمة لمدينة صنعاء بشكل بارز، ولأنَّ أهازيجها قريبة من فن النشيد الصنعاني، مؤكدا أنَّ هذا الفن ولد وترعرع في الأوساط الشعبية، فجميع النصوص الإنشادية كُتِبتْ بالعامية، ومضامينها التعبيرية تعكس بجلاء الطبيعة الشعبية بما هي عليه من عفوية وتلقائية.

بدوره يؤكد رئيس جمعية المنشدين اليمنيين علي محسن الأكوع أن أهازيج المدرهة نوع من أنواع النشيد الصنعاني، مشيرا إلى أن نصوص هذه الأهازيج ظلت تراثا شفهيا لقرون طويلة، وأن كتابه 'روائع فن النشيد الصنعاني' الصادر عام 2004 يعد أول توثيق نصي لهذا الفن، وقد تزامن ذلك مع قيام عدد من الوسائط الإعلامية بالتوثيق السمعي والبصري للمدرهة.

وعن الخصائص الفنية لأهازيج المدرهة يشير الأكوع إلى أن هذه الأهازيج تقوم على الاسترسال الصوتي، وفيها حرية للمدى الصوتي طولا وقصرا، وتخلو تماما من الإيقاعات المصاحبة، ولا تخرج في مجملها عن ثلاثة ألحان. أما النصوص الشعرية فهي كثيرة، وتتحدث في مجملها عن توديع الحجاج والدعاء لهم وانتظار عودتهم، ثم استقبالهم.

ويوضح الأكوع أن شعراء المدرهة مجهولون، وغالب الظن أنها تشكلت في الوجدان الشعبي عبر تراكمات طويلة ظلت قابلة للإضافة والتهذيب، وصولا إلى العصر الحديث حيث ظهرت فيها مفردات العصْرنة كالطيارة والحافلة وغيرها مما استجد في واقع الحياة.

وعن الاهتمام الرسمي بهذا الموروث يؤكد الأكوع أنه دون المستوى المطلوب، لأنه لم يتجاوز عددا من الفعاليات المتقطعة التي من بينها المهرجان الكبير الذي أقامته وزارة الثقافة في يناير/كانون الثاني 2005 على مدى ثلاثة أيام، وتكلل بإصدار كتاب عن المدرهة يوثق كل شؤونها وقضاياها.

الحاج عبد الله أحمد الفقيه -وهو أحد سكان صنعاء القديمة- أكد في حديثه أن تغييرا كبيرا حصل لهذه التظاهرة الشعبية.

ويتذكر الفقيه الأيام الخوالي حين كانت جهود أبناء الحي تتكاثف في نصب المدرهات الخشبية، والاحتفاء بذلك على نطاق واسع، ووضع بعض آثار الحجاج عليها، والاجتماع عندها من كافة أبناء الحي في أهازيج تستمر طوال اليوم ومعظم ساعات الليل، يتخللها ضرب بالطبول ورقصات شعبية تعطي للحدث نكهة خاصة.

ويضيف أنه في الفترة الأخيرة استُبدِلت قضبان الحديد بأعواد الخشب، وقلَّتْ المدرهات رغم كثرة الحجاج، وضَعُفَ إقبال الناس عليها بسبب كثرة المشاغل من جهة، ووجود أماكن بديلة للتسلية كالمتنزهات والحدائق التي تحتوي على أراجيح حديثة أكثر إثارة من جهة أخرى.

ويؤكد الفقيه أن أهم تغيير حدث لهذا التقليد الشعبي هو حصره في شهر ذي الحجة فقط، بينما كان في الماضي يستمر لشهور منذ خروج الحاج وحتى عودته سالما، معللا ذلك بأن وسائل المواصلات الحديثة قرَّبتْ البعيدَ زمانا ومكانا
المصدر : jazerah net

Total time: 0.049