على إمتداد تاريخ اليمن المعروف ببلد الحكمة والحضارات القديمة اشتهر من أبنائه عبر العصور الكثير ممن تركوا بصماتهم في مجالات كثيرة ، شهدت لهم بذلك أعمالهم وما تناقلته الألسن عنهم ، واليمن كغيره من الأقطار العربية والإسلامية ومختلف دول العالم التي أنجبت أبناء بررة ساهموا في صنع التحولات والمتغيرات التحديثية لشعوبهم في مختلف العلوم والمعارف التي قادت إلى مزيد من الدراسات والبحوث, وبالتالي لا تخلو دولة من دول العالم إلا ويوجد بها عدد من الشخصيات والكفاءات التي وضعت نفسها في خدمة وطنها إيماناً منهم أن مستقبل الأوطان يعتمد على أبنائه المخلصين الشرفاء الذين قدموا ويقدموا مصالح الوطن على المصالح الشخصية ، وفي عالمنا العربي الكثير من هؤلاء الذين تركوا بصماتهم في مجالات مختلفة , وفي اليمن وهو بلد الحكمة يوجد به الكثير من هؤلاء الذين قدموا الكثير وكانوا رسل محبة وسلام إلى مختلف الأقطار، كما ساهموا في إرساء دعائم وثوابت الإسلام الحنيف و كان منهم بل جلهم أصحاب البيعة الأولى والثانية وأنصار الرسول محمد (ص) إلى الدول التي آمنت برسالة الإسلام ، وكانوا هم جنود الإسلام والفتوحات, ولأن ما أنوي تدوينه هنا هو تقديم معلومات مختصرة وسيرة ذاتية بسيطة عن أحد رموز وزارة الخارجية اليمنية بحكم الصداقة التي جمعتنا وليس الزمالة ، وسأنقل بعض مما عرفته عنه وما عرف عنه الأصدقاء والزملاء بالخارجية والحكومة ، كما أن المعلومات التي سترد في هذه السيرة سطرها بنفسه باختصار وببساطة عن حياته ، ولعلاقتي القوية بالأخ العزيز السفير/ أحمد ضيف الله العزيب احتفظت بهذه المعلومات ، وعند زيارتي له إلى منزله يوم 30 أكتوبر 2009م لمعرفة أحواله والإطمئنان على صحته أثناء تواجدي بالعاصمة صنعاء عند مرافقتي لملك سوازيلاند الذي زار بلادنا في تلك الفترة وكنت قادماً من مقر عملي في جنوب أفريقيا فقد حاولت خلال الساعة التي قضيتها مع صديقي العزيز أن أشد على يديه بأنه قدم الكثير، وخدم وطنه على إمتداد سنوات الخدمة ، وأن جهوده وبصماته لها مكانتها عند زملائه وتلامذته وأصدقائه سواءً في وزارة الخارجية أو غيرها ، كما أن أصدقاءه ومحبيه يكنون له كل الود والتقدير، غير أنني بكل أسف وحزن لمست حقيقة مشاعره ربما لكبر سنه والمشاكل التي واجهها منذ إحالته إلى التقاعد التي أثرت عليه كثيراً وولدت لديه الإحباط النفسي والإجتماعي وعدم رضاه للوضع الذي يعيشه وتعيشه البلاد والأمة العربية والإسلامية من حولنا ، فوجدت نفسي ملزماً بكتابة جزء يسير عن سيرته وحياته الحافلة بالعطاء والصدق ، ونزاهة اليد واللَسان التي عرف بها ، ومن هذا المنطلق فإنه يشرفني أن أسجل وأنقل هذه المآثر عنه التي سبق أن أرسلتها من مقر عملي في جمهورية جنوب أفريقيا إلى صديقه وزميله رئيس تحرير مجلة الثوابت الأخ / الأديب المؤرخ /د حسين عبد الله العمري التي نشرها مشكوراً في العدد 60 الصادر في أبريل / يونيو 2010م في مجلة الثوابت ، غير أنني أدخلت وصححت فيها بعض المعلومات ، وبالتالي رأيت إعادة نشرها باسم المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية وفق العنوان بعاليه الذي آمل أن أواصل هذا المسعى ما أقدر عليه لعدد من الشخصيات اليمنية .
وهذا الإصدارفي هذا المجال هو الأول للمركز ، وبطبيعة الحال قمت ولازلت أقوم بزيارات للأخ أحمد وخاصة في أيام الأعياد الدينية آخرها يوم الثاني من شوال عام 1434ه ثاني يوم عيد الفطر المبارك ولمست كالعادة أنه يمر بظروف نفسية صعبة إلى درجة أنه لم يعد يميز بين الصديق والقريب ويفضل الآخرة على الدنيا والقرآن الكريم لا يفارقه ، أسأل الله سبحانه له حسن الختام.
• وإذا كانت وزارة خارجية اليمن بعهديها الملكي والجمهوري, قد أثمرت في ملاكها وكادرها وقيادتها ، فقد كان الأخ/ أحمد ضيف الله العزيب هو أحد هؤلاء الذين تركوا بصماتهم داخل كل ركن من أركان وزارة الخارجية منذ تأسيسها وحتى مغادرته إياها عام 1997م عند إحالته إلى التقاعد وهو على رأس عمله في مسقط العاصمة العمانية ، وكان الأحرى أن ينهي فترته القانونية أربع سنوات ومن ثم يتم إستدعاؤه تقديراً من قيادة الوزارة والدولة لخدماته الطويلة وإسوةً بعدد من السفراء ، إذ أن بعضهم صدرت بهم قرارات التقاعد وأعيد تعيينهم سفراء بالخارج من جديد أو عينوا في عضوية مجلس الشورى أو في منظمات الجامعة العربية .
• الأخ/ أحمد ضيف الله من مواليد قرية سعوان بني حشيش, وقد ذكر في سيرته بأن تاريخ ميلاده هو 4/9/1936م وقد التحق هو وشقيقه الأكبر علي ضيف الله العزيب رحمه الله بمكتب الأيتام بصنعاء عندما كان في سن السادسة، وفي وقت لاحق إلتحق بمكتب الأيتام أخويه عبد الله وحسين .
• أمضى الأخ أحمد بمكتب الأيتام كغيره من فقراء اليمن ست سنوات, وكما هو معروف أن مكتب الأيتام خصصه الإمام لليتامى والمعد مين ، وعرف هذا المكتب بأن من تعلم ودرس فيه يشعر بأهمية تغيير وضع اليمن ونقله إلى وضع أفضل, وظلت مصلحة البلاد في مقدمة إهتمامات الطالب الذي درس وتعلم في مكتب الأيتام ، وهذا ما حصل بالفعل فإن ثورة سبتمبر 1962م قام بها عدد من ضباط الثورة الشباب أغلبهم درسوا في مكتب الأيتام.
• في عام 1948م إلتحق بالمدرسة المتوسطة.
• في عام 1951م إنتقل إلى المدرسة الثانوية التي تعلم فيها بعض المواد الدراسية الحديثة بما فيها اللغة الإنجليزية التي تعلمها على أيدي مدرسين فلسطينيين.
• وقبل إلتحاق الأخ/ أحمد بالخارجية وبسبب إلمامه باللغة الإنجليزية كان قد إلتحق بالمشروع الألماني للتنقيب عن النفط في الصليف عام 1953م للمساعدة في إعداد الخريطة الخاصة بالبحث والتنقيب عن النفط في المنطقة, كما سبق له أن عمل بإذاعة صنعاء عند إنشائها.
• يعد الأخ أحمد من مؤسسي مكتب وزارة خارجية اليمن بالعاصمة صنعاء ، فعندما تولى الأمير محمد البدر ولاية العهد ونائب رئيس الحكومة تولى كذلك وزارة خارجية المملكة المتوكلية اليمنية حينها إلتحق الأخ/ أحمد بمكتب الخارجية بصنعاء عام 1956م في يوم واحد مع زميله الأخ/ السفير المرحوم/ محمد أحمد الحيفي وآخرين من الذين أسسوا مكتب وزارة الخارجية في صنعاء منهم الأستاذ السفير/ أحمد عبد الله العمري وعلي بن علي الأنسي والأستاذ المرحوم/ أحمد حسين المروني والأستاذ المرحوم/ إبراهيم الحضراني فكانوا النواة الأولى, إذ أأأن وزارة الخارجية كان مقرها في مدينة تعز التي فضل الإمام أحمد أن تكون مقراً له بدلاً عن العاصمة الحقيقية للبلاد صنعاء التي قتل فيها والده الإمام يحيى محمد حميد الدين في منطقة حزيز عام 1948م مع القاضي عبد الله العمري رئيس وزراء اليمن، وعلى إمتداد فترة الإمام يحيى ومن بعده ولده الإمام أحمد كان وزير الخارجية هو القاضي محمد راغب بن رفيق (من أصل تركي).
• خلال الفترة من عام 1956م إلى عام 1962م تولى الأخ أحمد مع زملائه وكان عددهم في مكتب تعز ومكتب صنعاء حوالي 40 موظفاً طباعة وتوثيق الإتفاقيات التي تمت بين حكومة المملكة المتوكلية اليمنية وعدد من الدول العربية والأوربية ، حينها أكتسبوا أصول ومبادئ الدبلوماسية والعلاقات الدولية.
• وقبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م كان الأخ/ أحمد لنضجه ووعيه السياسي وبحكم علاقاته بعدد من الضباط الذين شاركوا في تفجير الثورة ومن ضمنهم شقيقه اللواء/ عبد الله ضيف الله, فقد كان يدرسهم مبادىء اللغة الإنجليزية وقد سمعت ذلك شخصياً من عدد منهم ، وعادة مايدعونه بالأستاذ أحمد ، ويحضى بإحترامهم وتقديرهم حتى اليوم.
• وعودة إلى كتابي الدبلوماسية اليمنية في مائة عام ( 1900 – 2000م) أشرت فيه إلى أن الأخ/ أحمد ضيف الله كانت وزارة الخارجية قد عينته في فبراير 1962م للعمل بسفارتنا في لندن ، وعندما قامت الثورة وأعلنت الجمهورية يوم 26 سبتمبر 1962م كلف بالقيام بأعمال السفارة ، لكن لم يسمح له بمواصلة عمله في السفارة, لأن بريطانيا لم تعترف بالنظام الجديد في صنعاء, فكلف من خارجية النظام الجمهوري بمتابعة الشؤون الإعلامية وما تنشره الصحف البريطانية اليومية عن اليمن، وإحتفظ بعلاقات حسنة مع أعضاء السفارة اليمنية حينذاك في لندن.
• كان سفير المملكة المتوكلية حينذاك هو المرحوم العلامة والشاعرالأديب/ أحمد محمد الشامي, الذي تعين لدى لندن عام 1961م, وبقيام الثورة في سبتمبر 1962م, فإن المملكة المتحدة البريطانية كغيرها من الدول الأوربية لم تعترف بالنظام الجمهوري في اليمن بل ساعدت على إجهاض النظام الجديد على إمتداد سنوات الحرب الاهلية 62- 1968م, وبالتالي فإن قيادة وزارة خارجية الجمهورية العربية اليمنية طلبت من الأخ/ أحمد أن يبقى في لندن رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين النظام الجمهوري في صنعاء ولندن ، وظل على إمتداد أربع سنوات في لندن يؤدي واجباته الموكلة إليه من وزارة الخارجية متابعاً لشئون الطلاب الدارسين وإحاطة الوزارة بما تصدره وتتناوله الصحف البريطانية وخاصةً المعلومات ذات الصلة بالأحداث والحرب الأهلية في اليمن, ولأن بريطانيا وما يصدرعنها يلقى مكانة وإهتمام لدى الأطراف والدول الأخرى, فقد كان بقاءه عامل مساعد لفهم ومعرفة مايدور من وراء الكواليس الغربية الأوربية عن الحرب الأهلية الدائرة في اليمن وحيث أن بريطانيا كانت ضمن دول أوربية أخرى شجعت وقدمت الكثير من المساعدات للملكيين ولمن وقف معهم ضد النظام الجمهوري, فقد مثل وجوده في لندن علامة إرتكاز واتصال لنقل الصورة الأخرى إلى صنعاء لما تنشره الدول المعادية للنظام الجمهوري والمتعاطفة مع الطرف الأخر ، وظل يطلع القيادة السياسية في صنعاء بما تنشره الوسائل الإعلامية البريطانية, لاسيما أن الشطر الجنوبي من الوطن في تلك الفترة الحاسمة من تاريخ اليمن كان لايزال يعاني ويخضع للإستعمار البريطاني, وكان الكفاح المسلح في الجنوب على أشده يقارع المحتل البريطاني, وخاصةً بعد إندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م التي هي إمتداد طبيعي لثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال الوطن.
خلال الفترة التي قضاها الأخ/ أحمد ضيف الله في لندن إكتسب خبرة في العمل السياسي والإعلامي, فضلاً عن تمرسه وإتقانه اللغة الإنجليزية التي مكنته من إحتلال مواقع قيادية بوزارة الخارجية, ومع نهاية الأربع السنوات تم إستدعائه من لندن في مارس 1965م وفور عودته إلى الديوان عين مدير عام مراسم وزارة الخارجية وخلال الفترة من 1965 – حتى نوفمبر 1967م واصل شعبنا الجهاد والكفاح وفضل الموت على الحياة من أجل إنتصار الجمهورية سعيا لإخراج الشعب من أوضاع الفقر والجهل والمرض فضلاً عن الإنغلاق عن العالم الذي كان ممارساً على أبنائه وحرمانه من مواكبة أشقائه العرب في التحرر والإستقلال، وللأماتة فإن عدداً من الدول الشقيقة والصديقة كانت أوضاعها الإجتماعية شبيهة بالأوضاع اليمنية بل أسوأ من أوضاعنا وخاصة في أفريقيا وكان الهدف من مواصلة المعارك هو بلوغ اليمن مرتجاه كي يساهم ويؤدي دوره القومي والإنساني ، لذلك كان لابد من تظافر كل القوى الوطنية المخلصة كل في مكانه ، إلى أن يقف اليمن من جديد ليؤدي رسالته ، وبالتالي فإن الأخ أحمد كغيره من الغيارى على وطنه عمل مع عدد من المسئولين في الخارجية ورئاسة الجمهورية وأبدى نشاطاً ملموساً في هذا المجال, وخاصةً في تلك الفترة عندما كانت البلاد تفتقر إلى كوادر شابة مؤهلة بوزارة الخارجية التي كانت في حاجة لكفاءات متعلمة قادرة على التعامل مع السفراء الأجانب فتم الإعتماد عليه وزملاءه يوم كان مديراً عاماً للمراسم في كتابة كلمات رئيس الجمهورية التي كان يلقيها عند إستقباله للسفراء الجدد وكذا تحرير أوراق الإعتماد للسفراء اليمنيين المعينين على رأس البعثات اليمنية وكانت حينها محدودة ، وقد نشط مع عدد من زملائه في الوزارة في إعداد الهياكل التنظيمية الأولى لوزارة الخارجية المؤهلين منهم الأخ د/ حسين عبد الله العمري وآخرون وكان يساعدهم الخبير المصري المرحوم السفير/ سعيد عبد السلام .
وبعد قيام حركة الخامس من نوفمبر عام 1967م التي أزاحت الرئيس / المشير عبد الله السلال تعين الأخ/ أحمد ضيف الله في حكومة الأخ الأستاذ/ محسن العيني وتحديداً في يوم 22/11/1967م وكيلاً لوزارة الخارجية (بدرجة وزير مفوض)غير أن الأخ/ محسن العيني لم يتسلم هذه المرة حقيبة الخارجية ، وكانت تلك هي المكافأة الأولى للأخ أحمد لعمله الوطني ولمواقفه مع الثورة والنظام الجمهوري, أثناء تسلمه وكالة الوزارة ، وبالتعاون مع عدد من زملائه منهم الدكتور/ حسين عبد الله العمري والأستاذ المرحوم/ علي أحمد الخضر والأستاذ السفير/ أحمد محمد حيدر (الأصدقاء الأربعة كانوا على رأس وزارة الخارجية اليمنية لسنوات فقد تقلد د، حسين العمري مهام وزير الخارجية عام 1979م والمرحوم علي الخضر عمل وكيلاً للوزارة ونائباً لوزير الخارجية ووزير دولة للشؤون الخارجية ومستشاراً للوزارة) وتقلد الأخ/ أحمد محمد حيدرهو الآخر وكالة الوزارة والأستاذ / غالب علي جميل عمل وكيلاً للوزارة للشؤون السياسية ونائباً لوزير الخارجية ، و عمل معهم آخرون من الزملاء الذين قاموا بين فترة وأخرى بصياغة وإعداد عدداً من مشاريع القوانين والهياكل والأنظمة والميزانيات سواء للديوان أو للبعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج طبعاً تم الإستعانة بقوانين وأنظمة الخارجية المصرية خاصةً وأنظمة خارجية بعض الدول العربية, وبالتالي شارك الأخ أحمد مع زملائه في نقل وزارة الخارجية من مكاتب مغلقة وصغيرة إلى إدارات تؤدي دورها وتساهم في رسم سياسة اليمن الخارجية على كافة المستويات ، بالمناسبة كان الاخ أحمد والرعيل الأول في وزارة الخارجية اليمنية منهم السفير/ أحمد محمد الروضي والسفير المرحوم/ محمد أحمد الحيفي والأستاذ/ زيد أحمد الشامي الذي ترك العمل بالخارجية في وقت مبكرمفضلاً العمل البنكي والسفير المرحوم/ عبد الملك الكبسي والسفير/ يحيى عبد القادرأبو طالب والسفير/ أحمد عبد المعطي الجنيد وعدد من قدامي موظفي الوزارة ممن أجادوا الطباعة على الآلة الكاتبة وقد أوضح الأخ/ أحمد أنهم تعلموا الطباعة على يد السفير/ أحمد الروضي, وكانت هذه ميزة وصفة كبيرة لامست قدرة اليمنيين الأوائل في التعامل على الألة الكاتبة التي كانت من المهام الصعبة في النصف الثاني من القرن العشرين, وقد أصبحت الطباعة وإجادة التعامل مع أجهزة الكمبيوتر في العشر السنوات الأولى من القرن العشرين من ضمن المعايير الرئيسية لمن يرغب في الإلتحاق بوزارة الخارجية.
والمعروف أن دولاً عربية وأوربية لم تعترف بالنظام الجمهوري إلا بعد القضاء على فلول الملكية وإنتصار الجمهورية وخاصةً بعد معارك السبعين يوماً التي كانت الفاصلة في الثامن من فبراير 1968م حينها كنا لازلنا في المدارس وكان علينا الإنخراط في صفوف المقاومة الشعبية التي شاركت وساهمت بالدفاع عن العاصمة في عدد من المواقع العسكرية جنباً إلى جنب مع رجال القوات المسلحة والأمن والقوات الشعبية, وقد حظيت بشرف المشاركة مع عدد من الزملاء وهم الأن قادة في الجيش والأمن منهم اللواء/ الركن عبد الرحمن حسان والعميد/ الدكتور عبد الملك حسن عشيش والأستاذ حمود الطاهش ,والدكتور/ حسان علي الطاهش وأخرون توفاهم الله منهم المرحوم مطهر حسان هؤلاء وغيرهم سبق لنا ذكرهم في فعاليات سابقة والبعض منهم شارك في الحلقة النقاشية التي نظمها المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية يوم الخميس الموافق 7 فبراير 2013م بعنوان ( ملحمة السبعين التاريخية : مشاهد وقراءات بين جيلين ) وذلك بمناسبة مرور 45 عاماً على حصار صنعاء وانتصار الثورة والتي شارك فيها عدد من قادة ثورة سبتمبر وكانوا كذلك في مقدمة المدافعين عن العاصمة صنعاء وفك حصارها يوم 8 فبراير 1968م في مقدمتهم الأخ/ اللواء عبد اللطيف ضيف الله والدكتور/ حسن محمد مكي الذي رأس الندوة واللواء حمود محمد بيدر واللواء أحمد عبد الرحمن قرحش واللواء علي محمد هاشم واللواء علي عبد الله السلال هؤلاء ساهموا في إغناء وإثراء النوة إحياء ً للمناسبة الخالدة ، وكان شباب الثورة أبطال المقاومة الشعبية بكل فخر واعتزاز جنباً إلى جنب مع أبناء القوات المسلحة والأمن وأبناء القبائل في جميع ميادين الدفاع عن الثورة والجمهورية.
وكان الأخ أحمد ضيف الله حينذاك ضمن القوى الوطنية التي خرجت تدافع عن صنعاء عند حصارها من القوى الملكية المعادية للنظام الجمهوري وقد ساهم في تحفيز طاقات الشباب وأبناء مدينة صنعاء على السواء ودعاهم إلى القتال والإستماتة في الدفاع عن العاصمة وأهلها وعادةً كان يمضي وقته أثناء اليوم بالخارجية و في الليل يذود مع رفاقه في حراسة أمن العاصمة صنعاء ، وأثناء السبعين يوماً وحصار صنعاء أغلقت معظم السفارات الأجنبية أبوابها في صنعاء ونقلت طواقمها إلى الحديدة وتعز بإستثناء عدد منها في مقدمتها السفارات الصينية والجزائرية والسورية بما في ذلك قيادة النظام الجمهوري ممثلة بالمجلس الجمهوري إنتقلت إلى تعز وفي هذا المقام لاننسى دور القوات المسلحة المصرية الباسلة والحاسم التي كانت قد غادرت البلاد في أكتوبر 1967م بعد هزيمة حرب حزيران ، وبرغم الضائقة وظروف الهزيمة فإن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ظل قلبه ووجدانه مع اليمن وخوفاً منه على الجمهورية ولمعرفته عن حاجة الجيش اليمني للعتاد العسكري فقد أرسل باخرة مليئة بالأسلحة لدعم الجيش اليمني وكان الخبر أن الباخرة تحمل مواد غذائية وفواكه منها الموز والتمر وذلك إن دل على شيء فانما يدل على أن مصر ممثلة بقائدها ظلت وفية للمبادئ والأهداف الوطنية والقومية التي من أجلها قامت الثورة المصرية واعتبار إنتصار الثورة في اليمن وترسيخ النظام الجمهوري هو إنتصار لثورة 23 يوليو.
وطالما والحديث عن وزارة الخارجية ودور الدبلوماسي الغيور الأستاذ/ أحمد ضيف الله في إنشاء هذه الوزارة فلابد من القول أن عدداً من القوانين والأنظمة والتشريعات التي تم إعتمادها وإقرارها هي في الأصل مصرية لاسيما أن الخارجية اليمنية كانت قد إستفادت بخبرات السفير/ المصري المرحوم / سعيد عبد السلام رحمه الله الذي ساعد على مزج القوانين واللوائح والأنظمة لوزارة الخارجية المصرية بالخارجية اليمنية كان ذلك عندما تولى الأخ/ د. حسين عبد الله العمري وكالة وزارة الخارجية لأول مرة عام 1975م كان لتوه عاد من سفارتنا بدمشق وتسلم مهمة مدير عام المنظمات الدولية حينها كان الأخ/ أحمد ضيف الله المفتش العام إبان حركة 13 يونيو التصحيحية التي قادها الشهيد إبراهيم محمد الحمدي وقد عمل الثلاثة كفريق واحد وأصدر الأخ د. حسين العمري أول كتاب له بعنوان (( وثائق وزارة الخارجية)) صدر بعده بعامين كتابي الأول منظمة الأمم المتحدة ودورها في الجمهورية العربية اليمنية وأنا موظف بدرجة سكرتير ثالث بدمشق وجدير بي القول أن كتابي ماكان ليصدر عن الوزارة لولا جهود الأخ/ د. حسين العمري وتوجيهات الأخ/ الأستاذ يحي حمود جغمان نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية .
أثناء عمل الأخ أحمد في التفتيش قام بزيارة لعدد من سفارات بلادنا في الخارج ، كما مثل اليمن أثناءعمله كوكيل لوزارة الخارجية للشؤون السياسية عام 1990 وقام بزيارة لعدد كبير من الدول ، كم تمنيت غليه لو أنه كتب مذكراته وانطباعاته عن تلك الدول وسير المباحثات التي أجراها و عن مشاركاته في عدد من الإجتماعات والمؤتمرات العربية والإقليمية والدولية ، وقد كان حريصاً كل الحرص عند عودته من أي رحلة ومهمة أن يقدم تقريراً عن المهمة التي قام بها ، وأتمنى على وزارة الخارجية اليمنية العودة إلى تلك التقارير التي ترى ضرورة نشرها سواء له أو لغيره من السفراء الذين حفروا ببصماتهم مدامك السياسة الخارجية اليمنية .
ودون شك فإن بصمات أحمد ضيف الله موجودة أساساً في المشاريع الأساسية والهياكل التنظيمية التي قامت عليها هذه الوزارة فضلاً عن حبه للعمل وتفانيه وحرصه الشديد في تطبيق اللوائح والأنظمة ، وعندما كان وكيلاً للخارجية سواء عام 1967 أو عامم 1990 فقد عرف عنه أنه كان أول من يحضر وأخر من يخرج من مكتبه إلا في حالة الضرورة وعندما يكون لديه إجتماع خارج الوزارة الذي يتطلبه طبيعة عمله ، وقد كان قدوة للمسؤول المحافظ على سمعته ومنصبه ولم يسعى في يوم من الأيام في البحث عن منصب أو سفارة رغم توليه رئاسة عدد من البعثات الدبلوماسية اليمنية الهامة وكما سبق أن أوضحنا إضافةً إلى عمله سكرتيرا بالسفارة في لندن في السنوات الأولى للثورة ، فقد عين في سبعينات القرن الماضي وزير مفوض بالسفارة في روما وفي عام 1977م سفيرا لليمن في ليبيا ثم إنتقل وعين سفيراً في باريس وانتقل منها إلى لندن التي أمضى فيها تسع سنوات كاملة يعود بعدها إلى صنعاء حيث تسلم في مايو 1990م منصب وكيل الوزارة للشؤون السياسية ثم سفيراً فس العاصمة العمانية مسقط .
• وكما أسلفنا فإنه كان على علاقة بالقوى الوطنية المدنية والعسكرية وخاصةً حزب البعث العربي الإشتراكي وإن لم يكن منخرطاً فيه كبقية أعضائه إلا أنه كان محسوباً على هذا الفصيل الذي هو في الأساس فصيل قومي أدى دوره الوطني في الحفاظ على النظام الجمهوري الذي نقل اليمن رويداً بما ينسجم وتراث اليمن وعاداتها وتقاليدها أرضاً وإنساناً، ومع الإعلان عن قيام المؤتمر الشعبي العام كان الاخ/ أحمد من ضمن قياداته وجند الكثير في الإنضمام إلى قواعد المؤتمر، كما كان على إتصال مباشر بقيادة البلاد ورجالها, وكان محل تقديرها وإحترامها نظراً لمواقفه ونظرته للأمور التي كانت كذلك محل تقدير رؤسائه وزملائه وقد عانى وواجه الكثير من المصاعب في الخارجية فكما هو معروف عنه أنه كان من الرافضين لأي شيء يتعارض والقوانين والأنظمة ولا يتفق والصالح العام وحرصاً منه أن تكون العدالة ومبدأ الثواب والعقاب هما الفيصل ، وحتى تأخذ الكفاءة والنزاهة حقها بفعل نظام السلك الدبلوماسي والقنصلي إلا أنه واجه بعض العقبات من رؤسائه جراء رفضه التعليمات التي لاتتفق مع الأنظمة والقوانين .
وبحكم النظام المعمول به بوزارة الخارجية وبعد أن ظل وكيلاً للوزارة من عام 1967 -1970 م فقد عين في عام 1970م وزيراً مفوضاً في سفارتنا بإيطاليا ونظراً لعلاقة الزمالة والصداقة القوية بينه وبين الأخ السفير/ أحمد محمد الروضي شفاه الله الذي كان يعمل حينها وزيراً مفوضاً في سفارة اليمن في المملكة المغربية ومن ثم في الجزائر فقد توجه إلى الجزائر قبل إلتحاقه بعمله الجديد في إيطاليا ليكمل نصف دينه ويقترن بإبنة الأستاذ/ أحمد محمد الروضي تم ذلك في الجزائر يوم 5/9/1970م بعدها توجه إلى روما مقر عمله الجديد حينها كان السفير هو الأخ/ أحمد محمد الباشا الذي كان متخوفاً من العنصر الجديد (الشخص الثاني) بالسفارة (أحمد ضيف الله) وما هي إلا أيام ويتغير طباع السفير نحو الشخص الثاني فيجده مثالاً للصدق والعمل الوطني والمتعاون بإخلاص بما يخدم الوطن ويرفع من شأنه وسمعته وحاز على علاقات رؤسائه ومحبيه.
• وبعد فترة إنتقل السفير الباشا من روما ليحل محله أحد عمالقة الدبلوماسية اليمنية المعروفة بدماثة الأخلاق والسلوك الرفيع إنه السفير/ محمد عبد القدوس الوزير أطال الله في عمره فكان نعم الرفيق والزميل للأستاذ/ أحمد ضيف الله في رحاب روما العاصمة الإيطالية الجميلة مهد الدبلوماسية الأوربية القديمة حيث نشأت علاقة الصداقة والمحبة بينهما فشكلا معاً جناحي دبلوماسية بناء اليمن الحديث ، لاسيما أن عدداً من الدول بدأت تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع اليمن وخاصةً بعد إعتراف المملكة العربية السعودية بالنظام الجمهوري يوم 27/7/1970م وقد كلف الأخ أحمد حينها بمتابعة إعادة العلاقات مع فرنسا وفعلاً وقع مع السفير الفرنسي في روما قرار إعادة العلاقات بين البلدين ، كما حرص الأخ أحمد وهو في إيطاليا مواكبة كافة التطورات من خلال العلاقات التي نسجها مع أعضاء السلك الدبلوماسي في روما – إضافة إلى نقل الصورة عن تطورات الأحداث والأوضاع في أوربا إلى وزارة الخارجية وذلك من خلال متابعته لما تنشره الصحافة الأوربية والعالمية.
وبعد عودته من روما إلى صنعاء التي وصلها في صيف 1974م المتزامنة مع قيام حركة 13 من يونيو التصحيحية بقيادة الشهيد إبراهيم محمد الحمدي أسندت إليه قيادة الوزارة مهمة ((المفتش العام)) .
وفي هذا الموقع ربط بين واجبه الوظيفي وواجبه الإنساني والاخلاقي – فكان لابد من وضع لبنات جديدة في هذا القطاع – الذي يعد جديداً على الوزارة بما تعنيه الكلمة من معنى؟
فقد تأسس جهاز التفتيش مع قيام اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري وذلك يعني الوقوف على أرضية ثابتة وصلبة وشفافة – هدفها تصحيح الأوضاع إدارةً وإنساناً ليس في الخارجية وحدها وإنما في في كافة أجهزة الدولة ، بما يعني القضاء على الفساد قبل إنتشاره وقد سعى ومن أجل الوقوف على أداء سفاراتنا بالخارج ، فقد قام كما سبق الإشارة إليه بزيارة لعدد من بعثاتنا الدبلوماسية وكانت السفارات محدودة, وقد عمل جاهداً في قطاع التفتيش بحيث يكون لهذا الجهاز معنى ينسحب وأهمية التصحيح المالي والإداري ومن خلال سياسة هذا الجهاز ومن خلال عضوية الأخ/ أحمد في لجنة التصحيح بالخارجية مع عدد من زملائه في اللجنة منهم السفير/ د. أحمد على الماخذي والأستاذ/ محمد حسين جغمان ( وزير الزراعة سابقاً) والسفيرالمرحوم/ أحمد علي الحداد وآخرون ، فقد واجه تحديات مع روسائه في قمة السلطة مصراً على رأيه بأن يأخذ التصحيح حقه في إيقاف نزيف المال العام الذي من المفترض أن يسخر لخدمة المشاريع التنموية, وأن الوظيفة هي حق عام لايجوز الإستهتار بها وإعطائها لمن لايستحقها – وأن يطبق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع طالما وقد قامت حركة التصحيح المالي والإداري التي نادت بذلك والتي لايجوز في عهدها التمييز بين موظف وأخر.
• رقي إلى درجة سفير بتاريخ 29/5/1974م في قرار واحد مع الإخوة السفير/ أحمد علي الحداد والسفير/ أحمد محمد حيدر,والسفير/ محمد أحمد الرعدي الذي في الأصل كان بدرجة وزيلر بحكم منصبه عندما عمل مديراً لمكتب رئيس الوزراء في حكومة الأستاذ نعمان في ستينات القرن الماضي ، ولأن اليمن حينها كانت تملك أكثر من إثنين مليون دولار لدى البنك الدولي فقد تقدم أحمد ضيف الله بإقتراح شراء مباني لبعثاتنا الدبلوماسية بالخارج وكذا مقرات سكن لرؤساء البعثات بدلاً من الإيجارات الشهرية وتلك كانت الخطوة الأولى التي تم إقرارها في شراء مباني ومقرات في الخارج.
• وسبق أن تم ترشيحه سفيراً للجمهورية العربية اليمنية في الجزائر عام 1970م, إلا أن قرار التعيين جمد ، وتعين وزيراً مفوضاُ في روما التي عاد منها إلى الديوان كما أشرنا لتسلم مهام جهاز التفتيش ليعين بعدها سفيراً لأول مرة في الجماهيرية العربية الليبية الإشتراكية, العظمى (الإسم السابق) في 21 فبراير 1977م وسفير غير مقيم لدى جمهورية مالطا وهي القريبة جداً من طرابلس الغرب.
• وفي أقل من عامين غادر أحمد ضيف الله العاصمة الليبية طرابلس إثر حركة أكتوبر الإنقلابية عام 1978م على الرئيس السابق وقد تم إستدعاءه من مقر عمله بسبب مساعدة ليبيا للإنقلابيين الناصريين على حكم الرئيس الجديد حينذاك علي عبد الله صالح, ولأكثر من مرة وهو يذكرني بعدم وصول إحدى شنطاته التي تم شحنها من طرابلس والتي فقدت تماماً.
• ويذكر الأخ أحمد رعاه الله أنه رشح في أكتوبر 1978م سفيراً لدى جمهورية مصر العربية, إلا أن السلطات المصرية رفضت ترشيحه ربما لأنه كان على علاقة بحزب البعث فرشح بعدها في 27 مايو 1979م سفيراً لدى باريس التي إستمر فيها حتى نهاية أغسطس 1981م – خلالها وبإصراره تمكن من شراء سكن لرئيس البعثة بالعاصمة الفرنسية الجميلة باريس التي رزقه الله فيها بطفله نشوان في 14 مايو 1980م وهو الطفل الرابع وأخر العنقود، وأكرم هوالحفيد الأول للأستاذ أحمد من ابنه نشوان .
• أمضى في باريس حوالي العامين ولإجادته اللغة الإنجليزية فقد رأت القيادة السياسية نقله إلى عاصمة الضباب (لندن) التي وصلها في سبتمبر 1981م ليظل فيها تسع سنوات كاملة وتحديداً إلى مايو 1990م, عندما تسلم منصب وكالة الخارجية للشؤون السياسية وخلال هذه الفترة الطويلة بذل جهوده لتقوية العلاقات مع بريطانيا في مختلف المجالات ، ودون شك فإن القيادة السياسية في صنعاء كانت راضية على أعماله ، والدليل على ذلك بقاءه لفترة طويلة في أهم عاصمة أوربية.
• وتقديراً من القيادة السياسية للأخ/ أحمد أثناء عمله في لندن فقد منح درجة وزير في مارس 1983م.
• أثناء فترة عمله الطويلة في لندن تمكن من شراء سكن لرئيس البعثة عام 1988م, الذي لم يسكن فيه إلا حوالي العامين ثم عين وكيلاً لوزارة الخارجية للشؤون السياسية, في أول حكومة لدولة الوحدة التي رأسها المهندس L حيدر العطاس.
• كان ضمن عدد من السفراء الذين شاركوا وحضروا حفل يوم إعلان إعادة الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية في عدن يوم 22 مايو 1990م وأذكر أنني مع عدد من المسئولين إبان إعادة الوحدة وتوزيع المناصب السياسية بالمحاصصة أن ساهمنا في دعم ترشيح الأخ/ أحمد ضيف الله أن يكون وكيلاً لوزارة الخارجية للشؤون المالية والإدارية لمعرفة الكثير من المسئولين في الدولة وعلى مستوى قيادة الشطرين بأن الأخ أحمد من القيادات الواعية والوطنية والتي ستعمل على الحفاظ على المال العام, إلا أنه عين وكيلاً لوزارة خارجية الجمهورية اليمنية للشؤون السياسية, وأذكر أن الأخ السفير/ د. شايع محسن الزنداني نائب وزير الخارجية حينها قال لي – كان الأمل أن يعين الأخ/ أحمد وكيلاً للشؤون المالية والإدارية ولكن عملية التوزيع رجحت أن يكون وكيلاً للشؤون السياسية ، ومع عودته لتسلم وكالة الخارجية للمرة الثانية فقد شارك مع عدد من المسئولين في قيادة الوزارة في إعداد قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي واختصاصات وزارة الخارجية, وهو القانون رقم (2) لسنة 1991م بشأن السلك الدبلوماسي والقنصلي الذي وافق عليه مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة وصدر بتاريخ 26 يناير 1991م.
وكان الأخ أحمد في مقدمة ضمن من شارك في بحث مسألة الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية عام 1992م وكذلك بين اليمن وسلطنة عمان بحكم عمله.
• خلال عمله كوكيل للخارجية للشؤون السياسية كما سبق الإيضاح فقد قام بعدة زيارات لعدد كبير من دول العالم, ورأس وفود اليمن المختلفة ، وشارك في عدد من الوفود الرئاسية والقيادية, كما شارك في عدد من المؤتمرات العربية, والإقليمية, والدولية, سواء على مستوى الجامعة العربية, أو منظمة المؤتمر الإسلامي, وحركة عدم الانحياز, والأمم المتحدة, وعدد من المنظمات الدولية, بالإضافة إلى ذلك الزيارات الثنائية, بين اليمن وعدد من الدول.
والمؤسف أن الأخ/ أحمد لم يكتب مذكراته عن زياراته لهذه الدول وهي كثيرة جداً يشرح فيها انطباعاته الخاصة حتى تكون ذات قيمة ومرجع للباحثين والدارسين من بعده, غير أنني أعرف بحكم مهنتي السياسية والدبلوماسية, أن أي مسئول يقوم بزيارة لدولة ما, أو يرأس وفد إلى اجتماع ما, عليه أن يقدم تقريراً شاملاً عما دار في المؤتمر أو الاجتماع, وهذا ما كان يعمله الأخ/ أحمد الذي قدم التقارير ذات الصلة بالاجتماعات واللَقاءات التي رأسها أو شارك فيها إلى رئاسة الجمهورية وإلى وزير الخارجية في حينه.
ومن خلال إطلاعي لما كتبه عن العواصم التي زارها خلال الفترة منذ تسلمه مهمة وكالة وزارة الخارجية, حتى مايو 1995م لاحظت أنه زار وحضر أكثر من خمسين اجتماع وزار أكثر من خمسين عاصمة أو يزيد وكانت مسقط عاصمة سلطنة عمان الشقيقة هي نهاية رحلته الدبلوماسية الطويلة فقد عين في يونيو عام 1995م سفيراً لدى سلطنة عمان ، وهناك الكثير من القواسم المشتركة التي تربط اليمن بالسلطنة و جاء تعيين الأخ أحمد سفيراً في مسقط بعد لجوء الأخ / علي سالم البيض نائب رئيس مجلس الرئاسة السابق إليها إثر هزيمته في الحرب التي استمرت زهاء 70 يوماً وانتهت في7 يوليو عام 1994م والتي هي بكل المقاييس حرب كارثية أدت إلى صعوبة جبر الأضرار الناتجة عن تلك الحرب ، يقوم مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي بدأ أعماله يوم 18 مارس 2013م بمعالجة القضية الجنوبية معالجة شاملة من خلال 31 نقطة التي يناقشها فريق القضية الجنوبية وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني بشكل عام إضافة إلى قضية صعده بسبب الخراب والدمار الذي لحق بها جراء الحروب الستة المعروفة ، وما كان يمكن القيام بذلك لولا قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية في فبراير 2011م التي من نتائجها سقوط النظام السابق ومجيئ حكومة الوفاق الوطني وعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل أمل اليمن في مخرجاته بأن تعبر اليمن التحديات والانتقال إلى بر الأمان في ظل قيام دولة يمنية حديثة أساسها العدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد .
وفي سلطنة عمان الشقيقة فإن السفير/ أحمد ضيف الله لم يمكث فيها غير عامين حيث غادرها في سبتمبر عام 1997م ومثلت عودته من مسقط نهاية خدمته بوزارة الخارجية التي قاربت الخمسين عاماً.
خلال هذه الفترة تسلم وكالة وزارة الخارجية مرتين وعين سفيراً للجمهورية العربية اليمنية ( الشطر الشمالي السابق) في الجماهيرية الليبية وسفيراً لدى الجمهورية الفرنسية وسفيراً لدى المملكة المتحدة وسفيراً للجمهورية اليمنية في سلطنة عمان ليصبح أحد قيادي وزارة الخارجية وأحد المشاركين والمساهمين في صنع السياسة الخارجية اليمنية التي اتسمت بالرؤية السياسية المتعمقة وولاءه الوطني الذي ليس له حدود كما أرتبط بعلاقات طيبة مع قيادات الدولة منذ خمسينات القرن الماضي حتى هذه اللحظات التي أكتب هذه السطور عن هذا الصديق العزيز الذي ارتبطت معه شخصياً بأقوى وأوثق عرى الصداقة والإخوة التي عشناها سواءً داخل الوطن أو خارجه.
• لقد كان الأخ أحمد ضيف الله صاحب كلمة وموقف – أعتاد عليه أصدقاءه وزملائه ورؤسائه ومرؤوسيه ، وحظي بإحترام أصدقائه وغيرهم ، فقد كان شديد الالتزام بوظيفته وكان دوماً في المقدمة في كافة المناسبات الاجتماعية يخدم الصغير والكبير- لم ترتاح له شلل معينة التي لا يرضيها ولا يعجبها أسلوبه الملتزم والمحافظ والحريص على عمله وسلوكه الوطني وقيامه بواجباته الإسلامية والوظيفية والاجتماعية, ظل بعيداً عن كل سوء وما يسيء إلى شخصه – كان جندي من جنود اليمن الأوفياء – لم يعرف الخوف طريقه حتى يقصر من واجباته الوظيفية والإنسانية والوطنية, ولم يساوم فقد حرص أن تكون بلاده اليمن دوماً وأبداً نصيب عينيه.
• أدى رسالته في الداخل والخارج بكل أمانة وتفان وصدق, ولعل من المنغصات التي تألم لأجلها استدعائه من مسقط قبل أن تنتهي الفترة القانونية وهي أربع سنوات, إذ أستدعي قبل إحالته للتقاعد بقرار جمهوري– كما أن عدداً من زملائه بالخارجية ظلوا في الخدمة سواء بالداخل أو بالخارج ، ورغم صدور قرارات جمهورية بإحالتهم إلى التقاعد فقد عين بعضهم سفراء بالخارج – بينما أحمد ضيف الله ترك الجمل بما حمل – خرج من الخارجية براتب حوالي أربعين ألف ريال هو الآن ثمانون ألف ريال مايعادل 400 $ أربعمائة دولار أمريكي , ومنزله الذي يملكه قرب وزارة العدل .
• بعد تقاعده حاول إلحاق إبنه نشوان بوزارة الخارجية إسوة بعدد من موظفي الخارجية الذين ألحقوا أبناءهم وأقاربهم ومن عمل معهم لكن طلب الأخ/ أحمد ضيف الله لم يبت فيه رغم حصول إبنه على المؤهل الجامعي.
• وحرصاً منه على أخذ حقوق زملائه الذين أحيلوا إلى التقاعد دون تسوية أوضاعهم وحصلت أخطاء قانونية لم يعالجها قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي الصادر بالقرار الجمهوري (مجلس الرئاسة) رقم (2) سنة 1991م الذي شارك مشاركة فاعلة في إعداده وإنجازه فإن المادة (82) لم تشير إلى منح من يحال إلى التقاعد الحقوق القانونية ومكافأات سنوات الخدمة الطويلة التي أمضوها بوزارة الخارجية, وبناءً على طلب من زملائه بعد عودته من مسقط فقد وجد أن مطالبته بحقوقهم قد يرضي ضميره بحكم تسلمه مسؤوليات قيادية وكان أحد صانعي ومعدي القانون الذي لم يعالج في حينه هذه الإشكالية – وبناءً عليه شكلت لجنة برئاسته والأخوين السفير/ عبد الملك حسين الكبسي رحمه الله والسفير/ حمود محمد الشامي لمتابعة ومراجعة قيادة الوزارة والمختصين بوزارتي المالية والخدمة المدانية بتصحيح وضع المتقاعدين بشكل عام سواءً من حيث الراتب أوالدرجة التي يجب منحها للموظف عند تقاعده بحيث يحصل على الدرجة الأعلى لدرجته ومنحهم العلاوات وثلاثة أرباع راتب الدرجة المرقى إليها ، وتحديد كل سنة خدمة في المناطق الصعبة بسنتين ، ومنح المكافأة التي تنص على منح راتب شهر عن كل سنة خدمة, وبمثابرة الأخ السفير/ أحمد ضيف الله فقد أنجز الوعد الذي قطعه على نفسه وظل يتابع المسؤولين بوزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية ووزراة المالية وحقق لزملائه ، قد أقول جزء من الهدف الذين كانوا يرمون الوصول إليه – ولولا مساعيه وعلاقاته ما تحقق لعدد من المتقاعدين ماحصلوا عليه في ظل الظروف المعيشية الصعبة ومتطلبات الحياة بشكل عام.
• وللعلم فإن (الخارجية المصرية ووزارات أخرى في العالم كله) لاتترك موظفيها المحالين للتقاعد بعد خدمة طويلة مثل بلادنا يذهبون إلى بيوتهم ولاتسأل عنهم ، فهناك أصول وقواعد قانونية وأخلاقية ثابتة عند بعض الدول التي تعطي الدبلوماسي المتقاعد كافة الحقوق, وتقيم له الحفلات ويستضاف من وقت إلى آخر ويزار عند مرضه ، وتدعوه للمشاركة في الإحتفالات والمناسبات الوطنية ويستدعى لإلقاء المحاضرات والمشاركة في الإجتماعات الهامة لتقديم المشورة والنصح لوزير الخارجية ولقيادة الوزارة بحكم الخبرات والتجارب المكتسبة عند هؤلاء – والمفترض أن تعمل الوزارة بالتنسيق مع رئاسة الدولة على إنتداب السفير المتقاعد للعمل من جديد مستشاراً لإحدى الوزارات في الدولة ، كما تعمل الخارجية على التعاقد مع هذه الخبرة المتراكمة ليكون عوناً للوزارة في كثير من القضايا التي تتطلب تعدد الرؤى بل و يسافر مع وفودها الخارجية لاسيما إذا كان قد عمل في هذه الدولة أو تلك، ونأمل أن يأتي اليوم الذي تراعي فيه الخارجية اليمنية هذه الإعتبارات لما ينفع بلادنا وتستفيد من تجارب الدول الأخرى، بما يعزز من مكانة وظروف هؤلاء الذين أفنوا حياتهم بين المحيطات والبحار وعرضوا أنفسهم وحياتهم للموت مراراً.
• كما أعرف أن الأخ أحمد قام بترجمة بعض الكتب عن اليمن ، لكنها لم تطبع وكتب عدة مقالات في المجلة الدبلوماسية والصحف اليمنية.
• ولا يفوتني وقد قدمت هذه المعلومات عن الصديق العزيز السفير/ أحمد ضيف الله العزيب والتي سبق نشرها في مجلة الثوابت عام 2010م التنويه إلى أن بعض المعلومات حصلت عليها منه مطبوعة وموقعة منه بتاريخ 8 مــارس 2004م.والباقي كلمات ً كتبتها شخصياً في هذه السيرة العطرة وهي قليلة جداً في حق هذا الرجل الذي أعطى الكثير لبلده اليمن .
على أمل أن تراعي القيادة السياسية ووزارة الخارجية جهود الأخ/ أحمد وسنوات الخدمة الطويلة التي أمضاها في خدمة الوطن والله من وراء القصد.
صنعاء ( سبتمبر/ اكتوبر/ نوفمبر)2013م