الحديث عن الثقافة في عاصمة الثقافة اليمنية حديث ذو شجون ..، حديث عن مألوف افتقدناه ،وليس حديثاً عن الحاضر الغائب ومع كون الثقافة اليمنية ذات خصوصية ،فإن معالجتها يجب أن تكون كذلك ، ولعل من المفيد لنا جميعاً ونحن نتحدث عن الثقافة ألا نغمط جهود الآخرين في هذا الجانب وسعيهم الدؤوب في جعل الثقافة ذات حضور دائم وفاعل ،ويأتي في مقدمة هؤلاء مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة والتي فاقت غيرها رسمياً وأهلياً في هذا المضمار، ولعل برامجها وفعالياتها ومهرجاناتها ومعارضها خير شاهد على ذلك ،ولكن لأن القائمين عليها ينشدون تقديم المفيد والأفضل والأكمل في هذا الجانب ،فإنهم يتحدثون بتواضع عما قدموه وأنهم يطمحون إلى مزيد من الإبداع والتجديد والنماء.. وللوقوف على مزيد من عطاءات المؤسسة وخططها المستقبلية ونظرة القائمين عليها إلى المشهد الثقافي اليمني كان لصحيفة »تعز« هذا اللقاء مع الأخ مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة الأستاذ فيصل سعيد فارع وطرحت عليه العديد من الأسئلة وأجاب عليها بالآتي:
- بداية نقول كل عام وأنت بخير يا أستاذ فيصل ونرحب بك في صحيفة »تعز« ونود منك إطلالة سريعة حول المشهد الثقافي في المحافظة بصفة خاصة وبالجمهورية بصفة عامة؟
ــ شكراً جزيلاً وكل عام وأنتم بخير ،المشهد الثقافي اليمني يتصف بالتنوع والثراء الكبيرين وهو مع ذلك بحاجة إلى مزيد من النماء والتطور وأن هناك حاجة لتعزيزه بقدرات وإمكانيات تجعله حاضراً وقادراً على عكس هذا الثراء الذي يتصف به كواقع عام وأن تستجيب له المؤسسات والهيئات ذات الصلة بالقدر المناسب من الفعل والفعالية.
- لاشك أن لمؤسسة السعيد للعلوم والثقافة خصائصها وسماتها ومميزاتها في التعاطي مع الثقافة والعلوم فكيف تقرأون المشهد الثقافي لمؤسستكم الغراء؟ وأي محطة بالإمكان الوقوف عندها كونها تميزت عن بقية محطات المؤسسة؟
ــ من غير المناسب أن أقوم أنا بالتقويم لمساهمة المؤسسة في المشهد الثقافي كوني أديرها ،والمفروض أن يأتي التقييم لأدائها من الآخرين ،ومع ذلك ومقارنة مع جهود الآخرين ومساهماتهم يمكن قول الكثير ،فلغة الأرقام واضحة ومجالات الأنشطة متعددة ،ويمكن القياس عليها بين نشاط المؤسسة والآخرين ،وأظن أن للمؤسسة في هذا الخصوص مايمكن أن تقول عنه الكثير وبما تفردت به عن سواها من المؤسسات الرسمية والأهلية ما أضفى عليها فرادة وتميزاً وحضوراً باهراً.
- البرنامج الثقافي للمؤسسة للعام 2010م كان متميزاً الأمر الذي يثقل كاهلكم ليأتي البرنامج الثقافي للمؤسسة للعام 2011م أكثر تميزاً فما هي تطلعاتكم بهذا الشأن ولهذا العام؟ وما الجديد الذي يمكن أن يطل من خلال برنامجكم للعام 2011م؟
ــ أولاً نحن عندما نعلن برنامجاً ثقافياً فأنا أتحدث عن برنامج منتدى السعيد الثقافي وهو يعكس فقط 10 % من حجم مساهمة ومجالات عمل مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة ،ففعلها يتسق مع اسمها الذي هو ذو صلة حميمة بالعلوم والثقافة ،ولهذا يأتي تسميتها مقترناً في مجال نشر المعرفة عبر المكتبات ـ معارض الكتب ـ الإصدارات ـ مراكز التدريب ـ الحاسوب ـ التراث وغيرها.. وخلاصة القول إن ماتساهم به مؤسسة السعيد يتعدى بكثير ما يتم عمله.
- مهرجان السعيد الثقافي تقليد سنوي دأبت المؤسسة على إقامته وفي موعده المحدد من كل عام ،إلا أن هناك من يرى أن المهرجان من خلال مفرداته يعد تقليداً بطبعه فكيف تنظرون إلى هذا المهرجان؟ وماهي الإضافات التي سيتشقر بها هذا العام؟
ــ لا أدري بالوصف تقليدي ،فأية تقليدية هذه ،فأين المهرجانات الأخرى التي يمكن أن نقارنها به حتى ننسب لهذا أو ذاك الحداثة، المهرجان تنتظم فيه مجموعة من الأنشطة التي تضفي عليه صفة المهرجان ولسنا سعداء ولا مأخوذين بمستوى مانقدمه في هذا المهرجان ،ولكنه قياساً إلى غيره من المناطق اليمنية هو حالة متقدمة وبشكل كبير.
- انتقلت جائزة المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب من المحلية إلى العربية ،فهل هناك طموح لأن تكون عالمية؟
ــ جائزة المرحوم هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب شأنها شأن أنشطة أخرى لم تقف عند حد أو مستوى معين فقد شهدت تطورات منذ مراحل انطلاقها وخلال عقد ونصف من الزمان أحدثت تغييراً وتغييراً في طبيعتها وطبعاً من خلال مجالاتها أصبحت عربية وعالمية، ومجلس أمناء الجائزة هو الذي سيحدد لحظة الانطلاق إلى الفضاء العالمي ونحن قد حققنا المقدمات الموضوعية لذلك.
- باستثناء جائزة السعيد فمن الملاحظ أن النشاط الثقافي والعلمي للمؤسسة محصور في محافظة تعز فقط ،مع أن هناك وكما يبدو طموحاً لتوسع نشاط المؤسسة على مستوى محافظات الجمهورية فماذا عن هذا الأمر؟
ــ هذا التقدير غير دقيق ،مؤسسة السعيد تمتد أنشطتها في غالب مساحة الجمهورية ،وصندوق السعيد لدعم البحث العلمي كعينة على هذه الأنشطة هو مجال مفتوح على اليمن بأكمله ،وهذا ينسحب على بقية المجالات وكافة الأ نشطة ،وفي هذا الجانب أقول إن المؤسسات ليست عربات تجر إلى هنا وهناك ،ولكن حيث تقيم هذه المؤسسة أو تلك تعمد إلى تقديم فعالياتها ويأتي إليها الناس فذلك هو التعبير عن الفعل الثقافي.
- هناك مؤسسات ثقافية وعلمية تسير على غرار مؤسستكم الغراء إلا أن التواصل والاتصال فيما بينها لعقد أنشطة ثقافية وعلمية مشتركة يكاد يكون منعدماً ..ماتعليقكم على ذلك؟
ــ نحن في مؤسسة السعيد قلوبنا مفتوحة وأيدينا ممدودة ،وصدورنا مشرعة للتعاون والتعامل مع العاملين في هذا المجال ،وهذا مطلوب ومطلوب جداً.
ــ هذا التزام قائم ،وغياب المجلة هو أحد أوجه القصور في نشاط المؤسسة وأظن أنه التزام يجب أن يتحقق وأن يقام به.
- السياحة في يوم ما نالت جانباً من اهتمام المؤسسة عبر إقامة ندوة علمية موثقة في كتاب بديع اصدرته المؤسسة ،والسياحة اليوم بحاجة إلى اهتمام أكبر من المؤسسة خاصة في مواجهة الصعوبات التي تواجهها والمؤامرات من قبل أعداء الوطن ،فما هو نصيب السياحة اليوم من برنامج المؤسسة الثقافي؟
ــ أتفق مع هذا التقييم لأن السياحة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والعناية ونأمل أن تكون في قلب برنامج المؤسسة في الفترات القادمة.
- في إحدى المقابلات الصحفية معك في صحيفة »تعز« ذكرت أن البحث العلمي في بلادنا يعاني من الوهن والضعف.. فما المقاييس والمعايير التي على أساسها اصدرت هذا الحكم؟ ومن جانب آخر كيف ترون معالجة هذا الوهن والضعف؟ ومادور مؤسستكم الغراء إزاء النهوض بالبحث العلمي؟
ــ أرى أن هذه المسألة تتحدد في الأساس بتوفير الالتزام الواضح جداً في مسألة البحث العلمي عن طريق رصد مستحقات مالية كافية لهذه المسألة وعن طريق الارتقاء بنوعية ومستوى التعليم الجامعي وإيجاد حوافز وتذليل الصعوبات أمام المهتمين والمعنيين بالبحث العلمي،وهو في بلادنا كغيره من البلدان العربية يتصف بالضعف الواضح بل الفادح.
- صندوق السعيد للبحث العلمي كما يقول البعض: نسمع جعجعته ولم نر طحينه ،فكيف ترد على هذا القول؟ أو لا يتسق هذا القول مع حكمك على البحث العلمي بالوهن والضعف؟ فإين هذا الصندوق؟ ومادوره؟
ــ في ردي على هذا السؤال ياترى هل أستشهد بقول الشاعر العربي:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ
وينكر الفم طعم الماء من سقم
ومع ذلك فهذا الصندوق عندما أقيم يفترض أنه في حالة شراكة بين المؤسسة وهيئات أكاديمية أخرى ،ومما يؤسف له أن الطرف الآخر لايتوفر له في موازنته الحدود الدنيا بالنسبة للشراكة ،وأقول إن صندوق السعيد للبحث العلمي ينهض بدوره وليس في حالة جعجعة ،ويكفي أن نعلم أن الموازنة السنوية للصندوق هي قرابة مائة ألف دولار.
وهذا الأمر جعل المؤسسة تنهض بهذه المهمة منفردة بدلاً من الشراكة معها من قبل الجامعات ، وهذه ليست ساحة عراك وإنما ساحة فعل فنأمل أن تتضافر جهودنا جميعاً في هذا المنحى الكريم ،ولابد أن يكون هناك دور للجهات الرسمية والمعنية الأخرى.
- من الإشكاليات الثقافية »الجمهور الثقافي« فإلى أي حد يعد الجمهور الثقافي إشكالية؟
ــ هذا سؤال جميل ،وينطلق من حجم المشاهدة للجمهور المتابع ومدى حضوره والذي نفتقده في فعالياتنا الثقافية ليس فقط في مؤسسة السعيد ولكن حتى في الأماكن الأخرى ،حيث وعلى سبيل المثال يجري جلب الطلاب من أقرب مدرسة إليها ،وبدورنا نستعين لإثراء فعالياتنا بالجمهور من زوار مكتبة السعيد ليكونوا مشاركين »عنوة« في فعالية كهـذه ،وهذه الإشكالية تنم عن عدم توفر الأولويات في هذا الجانب ،وأن الناس غير معنيين بالفعالية الثقافية هنا أو هناك ،وهذا ينبئ عن محاذير بأن الثقافة ربما أصبحت خارج اهتمام الناس إلى حد كبير.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن لنا أن نعيد للناس الاهتمام العالي بالثقافة والذي كان مشهوداً في فترة سابقة ولم يعد كذلك الآن ،سؤال مطروح والإجابة عليه من الجميع.
- في الأخير نشكرك على سعة صدرك وشفافيتك في الطرح ونترك لك المجال لتطرح سؤالاً يشغل بالك ثقافياً ونترك اجابته للقارئ الكريم؟
ــ أنا أقول لماذا لاتكون الصحف الأخرى مهتمة بالنشاط الثقافي كصحيفة »تعز«؟ لماذا الثقافة ليست حاضرة في الصحف الحزبية؟ وفي القنوات الفضائية والإذاعات؟ لماذا لاتكون حاضرة في اهتمامات الناس ،وهو سؤال محير بقدر وضوحه، سؤال الثقافة مطروح على الناس جميعاً ،وهو ليس سؤالاً ترفياً ، بل هو سؤال بحاجة إلى أن نوليه مزيداً من العناية وأن نتعامل معه بقدر من الاهتمام والالتزام ،لأنه يؤسس لحضور العقل في فعلنا ،والذي يكاد ينهزم فيه العقل إلى حد ما.