شكلت قضية العسكريين أحد أهم المواضيع التي يقال أنها هي الشرارة لما يسمى إعلامياً (بالقضية الجنوبية) وبالتحديد حين بدأت جمعيات للمتقاعدين بالتجمع والتظاهر في ردفان بعد أن تظاهر قرابة العشرات منهم في منصة السبعين في صنعاء، وأصبح هذا الموضوع بسبب الادمان على تناوله إعلامياً مسلماً من المسلمات التي يرددها الساسة الجنوبيين لتبرير مطالبتهم بالانفصال وتبرير ثقافة البغض والكراهية التي يروجون لها ضد الشماليين ووصفهم بشتى العبارات السيئة.
سأتناول في هذا المقام بعض المعلومات التي قمت بجمعها محاولاً فهم من المظلوم من بين فئة العسكريين هل هم الشماليين أم الجنوبيين وبدايةً فإن جل المعلومات التي سأشير إليها أعتمدت فيها على لجنة شكلها بعض العسكريين الشماليين اسموها(لجنة متابعة قضايا وحقوق منتسبي القوات المسلحة والأمن لأبناء المحافظات الشمالية) يرأس هذه اللجنة اللواء يحيى معصار ونائبه العميد عبدالكريم علي محمد وهذه اللجنة رغم حداثة تشكيلها في شهر شعبان المنصرم ورغم أنها بدأت بمبادرة فردية من ضباط يعدون بالأصابع ، إلا أنها صارت مأوى المظلومين في القوات المسلحة والأمن من أبناء الشمال وأستطاعت إيجاد قاعدة بيانات لاغنى عنها لأي باحث عن الحقيقة في موضوع المسرحين والمقصيين من أبناء الشمال في الجيش والأمن .
تم تشكيل لجنة المتابعة للعسكريين الشماليين حين لاحظ أبناء الشمال العسكريين أن القوى والأحزاب السياسية التي دخلت في مؤتمر الحوار الوطني لم تشر ولو إشارة لهم رغم مرورأكثر من ثلاثة شهور على بدء مؤتمر الحوار ، وحين يأس العسكريون الشماليون من التفاعل مع قضاياهم في ذلك المؤتمر رغم التخاطب معهم مراراً ولاحظوا التمييز الواضح في التعامل مع القضايا فعسكريو الجنوب صدر قرار جمهوري في بداية السنة الحالية وقبل بدء مؤتمر الحوار بتشكيل لجنة لحل قضاياهم واستقبال التظلمات منهم والفصل فيها بقرارات لاطعن فيها ولامراقبة عليها ،بينما العسكريين الشماليين رفض حتى الاستماع لمظالمهم فضلاً عن حلها.
بدأت لجنة العسكريين الشماليين بالسعي لجمع 500إستمارة فقط لعسكريين شماليين متضررين ليتم عرضها على مؤتمر الحوار ، فتفاجأ المؤسسون أن المسجلين في استمارات التظلم وصل خلال أيام إلى 15ألف عسكري وخلال شهر رمضان وخلال إجازة عيد الفطر الماضي ارتفعوا إلى 25ألف عسكري ووصل العدد في عيد عرفة إلى 45ألف عسكري ووصل العدد قبل أيام من كتابة هذا المقال إلى 55ألف عسكري تتوزع رتبهم العسكرية من الجندي الى اللواء ،وصارت اللجنة حالياً عاجزة عن إستقبال المسجلين الجدد بعد أن وصلت ساعات عملها إلى 23ساعة يومياً ولولا الدعم الذي تلقته اللجنة من بعض مناصري المظالم وبعض الشخصيات الوطنية والإجتماعية من أبناء الشمال وخصوصاً من الشيخ صالح بن محمد بن شاجع الذين قدموا الدعم المعنوي والمادي لعمل اللجنة لما أستطاعت اللجنة البدء بالعمل أًصلاً ، وفي أخر لقائاتي باللجنة لاحظت إستلامها الاف إستمارات التظلم الجديدة ولاحظت الإعياء والتعب على وجوه القائمين عليها بسبب الإرهاق في الفرز والتعامل مع كل هذه المظالم للعسكريين الشماليين ، وأبلغني القائمون على اللجنة أنهم لم يعد بإستطاعتهم إستقبال أعداد جديدة من المتظلمين لإن الفرز لكل هذا العدد من إستمارات المتظلمين والحكم بإستحقاق الحالات للتعويضات ثم الدخول في المرحلة التاليه من العمل وهي تشكيل فريق قانوني لتحديد الحلول والمعالجات المناسبة سيحتاج وقتاً وجهداً هائلاً.
يتوقع القائمون على هذه اللجنة أنه في حال أعلن رسمياً عن تشكيل لجنة حكومية كما تم من قبل الرئيس عبدربه تجاه العسكريين الجنوبيين أن يصل المتضررين الذين سيتقدمون من العسكريين الشماليين إلى مائتي ألف جندي وضابط ، وهذا الرقم مبنى على تقديرات مبنية على حقائق وخبرة عمل واحتكاك عملي بالمظالم من قبل عسكريين محترفين عالمين بالواقع بعيدين عن التعصب والتحزب والعواطف والرغبة في الحصول على المكاسب السياسية والعودة للحكم ، وليست مجرد أرقام إعلامية كما هو الحال في اللجان الجنوبية .
استطاعت لجنة متابعة العسكريين الشماليين أن تنتزع إعترافاً غير معلن إعلامياً وكان ذلك من خلال لقائها بفريق بناء الجيش والأمن وكذا فريق العدالة الإنتقالية في 15رمضان الماضي وجرى بعد اللقاء الأول ذاك 5لقاءات وأعلن بعض أعضاء الفريقين استعدادهم للتعاون مع اللجنة بعد أن فرضت اللجنة إحترامها عليهم من خلال عملها المهني المرتب ، وقد حصلت على وثائق تثبت أن فريق الجيش والأمن أرسل للرئيس عبدربه رسالة متضمنه تشكيل لجنة للعسكريين الشماليين أسوة باللجنة التي تم تشكيلها للعسكريين الجنوبيين وتحدثت تلك المذكرة بوضوح عن العسكريين الشماليين وأنهم يجب أن يعاملوا تماماً بإنصاف كما يتم التعامل مع الجنوبيين .
انظم للجنة متابعة قضايا وحقوق العسكريين الشماليين جامعيو الداخلية وجامعيو القوات المسلحة الذين كانوا يعتصمون ويتظاهرون على مدى شهور وذلك في بداية شهر شوال الماضي ، وبسبب انضمام المذكورين لهذه اللجنة تغيرت مخرجات فريق بناء الجيش والأمن بمؤتمر الحوار الوطني خلال 36 ساعة فقط ليتم فيها استيعاب مشاكل هؤلاء الجامعيين في مقررات الفريق والتوصية بمنحهم الرتب وفقاً للقانون.
أشير هنا إلى أن لجنة متابعة قضايا العسكريين الشماليين تعرضت للترغيب حيناً وللترهيب حيناً أخر من قبل قيادة وزارة الدفاع بالذات ولولا الدعم المعنوي والامتداد الجغرافي لأعضاء اللجنة وإلتصاقهم بمناطقهم الشمالية واستمرار حماس ودعم الشخصيات القبلية والإجتماعية لعملها لفشلت اللجنة وأنتهت وخصوصاً مع تعمد الضغط على وسائل الإعلام لكي لا توضح عمل هذه اللجنة وأعداد المنتسبين لها ،ووصل الحال أن يتم معاقبة بل وحبس 1400جامعي عسكري أنضموا لهذه اللجنة في داخل سجن الشرطة العسكرية وكانوا يستلمون مرتباتهم وهم في السجن وكان ذلك بتوجيهات مباشرة من وزير الدفاع الحالي ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد جهد جهيد بذلته لجنة المتابعة للإفراج عنهم ، وكل ذلك كان أيضاً بعيداً عن التغطية الإعلامية ، وأيضاً ورغم لقاء جامعيي الشمال بمبعوث الأمين العام إلى اليمن جمال بن عمر فإن الضغوط لم تخف عليهم بل وصل الحال إلى أن يلمح لهم جمال بن عمر
أن سبب عدم الإهتمام بقضيتهم هو أنه لايوجد لهم أي حامل سياسي أو حزب يتاجر بقضيتهم ويستغلها سياسياً.
لكي يتضح للقاريء طبيعة العمل المنظم المبنى علي الأدلة فإنني أطلعت على استمارة طلب الانضمام للجنة متابعة قضايا العسكريين الشماليين والتي يتم تعبئة 7نسخ منها من قبل المتقدم لتوزيعها على الجميع وأرشفتها وقد وزعت اللجنة عملها بين أحدعشر قضية حقوقية يطالب بها العسكريين الشماليين وعلى النحو التالي :
اولاً: قضايا وحقوق الشهداء الشماليين العسكريين في الجيش والأمن والمطالبة بالذات بتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لأسرهم والإيفاء بحقوق أسر الشهداء.
ثانياً: قضايا الجرحى والمعاقين الشماليين والتي تطالب بتوفير الرعاية الصحية للعسكريين الشماليين الذين تعرضوا للإعاقة أو أصيبوا أثناء الخدمة أو أثناء الحروب.
ثالثاً: قضايا العسكريين المتقاعدين الشماليين وهي نوعين من تقاعدوا قسريا بإن طلب منهم قسرياً الجلوس في البيت ثم تم إحالتهم للتقاعد والنوع الثاني المطالبة بالحقوق التقاعدية للعسكريين الشماليين وهذه القضايا هي أكثر القضايا الحقوقية التي تضمنتها استمارات الانتساب في اللجنة .
رابعاً:قضايا المقصيين من أعمالهم في الجيش والأمن من العسكريين الشماليين وتركز هذه القضايا على العسكريين الشماليين الذين تم تهميشهم من المناصب ووضعهم على الرف أو في المنازل دون عمل .
خامساً: قضايا الترقيات والإستحقاقات للعسكريين الشماليين في الجيش والأمن.
سادساً: قضايا المنقطعين عن عملهم من العسكريين الشماليين في الجيش والأمن.
سابعا: قضايا المبعدين من عملهم من العسكريين الشماليين وهم من تم سحب أرقامهم العسكرية بعد غيابهم أو فرارهم أو إختفائهم لفترة معينة.
ثامناً:قضايا التأهيل الأكاديمي للعسكريين الشماليين وتختص بموضوع عدم السماح لمن زاد سنة عن 40سنة بالالتحاق بالدراسات الأكاديمية العسكرية .
تاسعاً: قضايا المجاميع الشعبية من أبناء الشمال والتي شاركت مع القوات المسلحة والأمن في حروب صعدة وحروب جبهات الألغام في الثمانينات وغيرها.
عاشراً: قضايا الجامعيين من أبناء الشمال وإستحقاقهم للترقية إلى رتبة ضابط بموجب قانون الخدمة في القوات المسلحة والأمن.
حادي عشر: قضايا الحقوق والخدمات الإجتماعية للعسكريين من أبناء الشمال وتختص بموضوع السكن للعسكريين المتقاعدين والسكن لأسر الشهداء وإستحقاقهم للأراضي سواء بسواء مع العاملين من العسكريين وبقية الحقوق الإجتماعية كالرعاية الصحية والتأمينات والإمتيازات التي تمنح لكل العسكريين .
بعد كل ذلك يمكن الخروج بنتيجة مهمة هي وجود مظالم لايمكن حصرها بمقال واحد فالمظالم التي تعرض ويتعرض لها العسكريين الشماليين ليست بالهينة لكن الإعلام وبضغط متعمد من قبل النظام الحالي يغض الطرف عن مشاكل العسكريين الشماليين ويركز على مشاكل الجنوبيين التي لاتصل بحال من الأحوال لمشاكل العسكريين الشماليين نوعاً أو كماً ويمكن أن نشير في هذا المقام إلى أن النظام السابق في عهد علي عبدالله صالح شكل لجنة في عام 2007 لحل مشاكل الجنوبيين تقدم أمامها يومذاك قرابة 23 ألف عسكري جنوبي وتبين أن من بين من تقدموا في ذلك العدد عسكريون متظلمون منذ عهد سالمين وقحطان الشعبي بل وبعضهم من جيش الليوي حين تم تسريحهم أو عدم مساواتهم بغيرهم بل وتم حلحلة كثير من تلك المشاكل رغم أنها لم تكن مرتبطة بمايروج لها إعلام الجنوبيين حالياً من أن حرب 94 هي التي ولدت مشكلة العسكريين الجنوبيين ، فمثلاً مجموعة من العسكريين الذين تظلموا مما نالهم في عهد الرئيس الجنوبي سالمين تم إعادتهم للخدمة وحين تم توزيعهم بعد ذلك في المناطق العسكرية بدأوا بالتذمر بعد أن حصلوا على رتب عسكرية ومرتبات ووصل الحال ببعضهم إلى رفض الذهاب إلى محافظات الشمال بزعم أن توزيعهم لايجب أن يكون إلا في محافظات الجنوب وأن توزيع بعضهم في محافظة صعدة مثلاُ إنما غرضة أن يقتلوا في الحروب المستمرة مع الحوثيين.
إن موضوع الابتزاز والاستغلال من قبل النخب الجنوبية لموضوع العسكريين الجنوبيين هو أمر يمكن إثباته بسهولة لمن يريد البحث في الحقائق فكيف كان العدد في عام 2007 هو 23 ألف تم إعادة كثير منهم ليزعم حالياً في وسائل إعلام الجنوبيين أن العدد الذي تلقته لجنة العسكريين التي شكلها الرئيس عبدربه هو 80 ألف عسكري جنوبي ، ويمكن لكل الباحثين عن المعلومة أن يسألوا اللجان التي شكلت منذ عام 2007 وهل بالفعل كانت تصلها طلبات لعسكريين متظلمين من تسريحهم في عهود سالمين وقحطان الشعبي وصراعات الجبهة القومية مع جبهة التحرير بل وبعضهم من الليوي الجيش الذي كان موجوداً في عهد البريطانيين.
إن موضوع العسكريين الجنوبيين هو ليس أكثر من وسيلة إبتزاز يراد لها أن تستمر لأجل البحث عن مكاسب سياسية وللجميع التأمل لماذا لم يتم إعادة كثير من العسكريين الجنوبيين رغم مرور قرابة السنة على تشكيل لجنة العسكريين التي أغلبها جنوبيون وتم فقط إعادة أقل من ألف عسكري ، فكيف لو ثبت أن بعض هؤلاء الألف عسكري جنوبي لايصح إعتبارهم من المظلومين الحقيقين فبعضهم قدم تقاعده إختيارياً وبعضهم بلغ الأجل فتم تقاعده وبعضهم أصيب بمرض يمنعه من العمل فكيف يعتبر هؤلاء من المسرحين قسرياً على يد الشماليين كما قيل.
إن التعامل المناطقي من قبل النظام الحالي مع العسكريين الشماليين ومحاولة إخفاء مظالمهم ومشاكلهم والتي ذكرتها بإختصار في هذا المقال إن مثل هذا التعامل لن يؤدي إلى إسكات هؤلاء بل إنه سيصبح وقوداً لمشاكل قادمة ستواجهها السلطة الحالية بل إنه ينذر بإنقسامات كبيرة قد يشهدها الجيش الذي يقال أنه يتم إعادة بناءه على أسس علمية وإعادة هيكلته وفقاً للنظم الحديثة ، وليتذكر الجنوبيون الذين يسيطرون حالياً على رئاسة الدولة والحكومة وعلى وزارة الدفاع وعلى 4مناطق عسكرية وعلى أغلب المناصب العسكرية الهامة أن قضايا العسكريين الشماليين لن تظل طي الكتمان فترة طويلة وأن قدرتهم على إخفاء تلك القضايا عن وسائل الإعلام لن تطول فالشمالي صبور عزيز نفس لكنه في حال مسه الضر يتذكر أن أجداده أولو عزم وأولو بأس شديد ويتذكر الشمالي أن بلده كان مقبرة الغزاة وقاهرة العثمانيين ولم يرهبه الخوف من أي سلطة على مر التاريخ ولن تكون هذه السلطة هي الكاسرة للحقائق التاريخية مهما حاول القائمون عليها إخفاء مشاكل العسكريين الشماليين والتركيز فقط ولأغراض مناطقية على مشاكل العسكريين الجنوبيين ، وليعلم القائمون على الحكم حالياً أن 350 مليون دولار حصلو عليها من دولة قطر لدعم صندوق تعويض الجنوبيين قد تصير جحيماً بسبب الممارسات المناطقية التي ينتهجونها منذ تولي الرئيس عبدربه للحكم قبل سنتين وأن الظلم ليس له دولة وأن دولة الظلم ساعة مهما ظن الحالمون بالتمديد أن بإمكانهم مد مدتها فالتركيبة المناطقية لاتبني دول بل تزيد الوضع سوء وأول من تجني عليه دولة المناطقية هم من روج لهذه المناطقية وتبنوها نظام حكم .