اخبار الساعة - عبده عطاء
قبل أكثر من 15 عاما، جاءت إلى اليمن، شابة هولندية تدعى "وندي فاندرلوبه"، ناشطة في مجال حقوق الإنسان، تعمل في منظمة حقوقية دولية، ولأنها كذلك، وذات مرة، وأثناء زيارتها للسجن في صنعاء، تعرفت على سجين يمني، من منطقة خولان، محكوم بالسجن لارتكابه جريمة قتل، كانت زوجة أخيه هي الضحية.
لم يكن احد يهتم لقضية ذلك المجرم، لكن الشابة الهولندية، رق قلبها له، استمعت لقصته جيدا، وربما، تأثرت كثيرا، بالدموع التي كان يذرفها وهو يشكو لها ظروفه القاسية، لم تكن الشابة الهولندية، أعطت لعقلها فرصة للتفكير، لقد استحوذ قلبها وعاطفتها على كل قراراتها، لم تكن غادرت السجن إلا و قد اتخذت قرارا بالوقوف بجانبه وإخراجه من غياهب السجن.
لقد سخرت الشابة الهولندية، كل ما تملكه من مال ونفوذ، حتى أخرجته من السجن، ونجحت في ذلك، لكنها وجدته بعد خروجه من السجن عاطلا عن العمل، فأوجدت له فرصة العيش بكرامة، جعلته يعمل سائقا لديها، لتمضي الأيام وتتطور العلاقات بينهما، فيتحول المجرم السابق، من مجرد سائق يقضي الليل وحيدا في غرفة صغيرة خارج المنزل إلى المالك الحصري لحقوق النوم في سرير الفتاة الهولندية، التي منحته الحرية الكاملة في العبث والتصرف بجسدها الاوسكندونافي، كيفما يشاء، لقد صار زوجا محترما، في عالم العيش الرغيد، يعيش أياما ما كانت في الحسبان.
بعد فترة من الزواج، كانت الهولندية "وندي فاندرلوبه"، تحاول أن تفعل أي شيء، من اجل زوجها اليمني، علها تعوضه أيام العذاب والحرمان التي قضاها في زنازين السجن، لقد طلب منها أن تبني لهما بيت، دونما اعتراض، فعلت، لقد وفرت الأموال، وتم بناء "فيلا" في بيت بوس، جنوب العاصمة صنعاء، وبأحسن الأثاث وأرقاها تم تأثيث عش الزوجية، ولأن القوانين وكذلك الأعراف اليمنية، لا تسمح بامتلاك الأجانب للعقارات، كان كل شيء، يتم تسجيله باسم الزوج، لم تعترض أو تمانع في ذلك.
لم يكتف الزوج اليمني، بكل الأشياء والمزايا التي منحته إياها، زوجته الهولندية، فقد زادت المطالب، وبدأت حالات التذمر والتغيرات في تصرفات الزوج تأخذ أطوارا جديدة من صنوف الممارسات التافهة، التي تفرضها قوانين الابتزاز الرخيص، وربما ذلك، جعل الزوجة الهولندية، تشعر بما يدور من حولها، فحاولت أن تضع ثمة معالجات، وبدأت تتمرد على قوانين الابتزاز.
ربما، عدم خضوع الزوجة الهولندية، لعنفوان طمع وجشع الزوج اليمني، كلفها فقدان حياتها على يد زوجها، الذي استعان بصديق لقتلها، والتي حاول أن يمشي في جنازتها، إلا أن القدر أوقعه في شر أعماله، ليعود من حيث أتى، يجد نفسه في السجن مرة ثانية.
بعد مقتل الزوجة الهولندية، وذهاب الزوج اليمني، إلى السجن، جاءت والدة القتيلة من هولندا إلى اليمن، تبحث عن الاقتصاص لدم ابنتها، لتدخل في نزاع مع ورثة القاتل حول البيت، غير أن الأم الهولندية، لم تكن تهتم بهذه الأشياء، ما كان يهمها هو الاقتصاص لدم ابنتها، وهو ما تم حيث تم إعدام الزوج القاتل، لكن القضية أخذت سيناريوهات جديدة.
في منتصف يونيو من العام 2000م، تم تكليف (المساعد/ سعد محمد المسوري) حارس قضائي للمنزل، حسب توجيهات وكيل نيابة جنوب شرق الأمانة، وعطفا على قرار محكمة جنوب شرق الأمانة؛ حسب الوثائق التي حصلنا عليها.
يقول سعد المسوري، الحارس القضائي " مضت 13 سنة، من حين تم تكليفي بحراسة البيت، لكني تفاجأت أنه بعد موت أم القتيلة الهولندية، تم استدعائي إلى المحكمة، فذهبت وكان الاستدعاء باسم المحامي (جمال الدين الاديمي)، وطلبوا مني إخلاء المنزل، لكني رفضت، وكان رئيس المحكمة السابق، اصدر مذكرة كف خطاب بعدم اعتراضي".
سعد المسوري، وعائلته المنكوبة، والمكونة من 18 فردا، أطفالا (6) ونساء(11)، حاليا، يعيشون حياة التشرد، في مكان بعيد عن العاصمة، وفي قرية من قرى مديرية نهم، ذهبت بهم الأقدار إلى هناك، بعد أن حلت بهم لعنة القوة والنفوذ، هناك في خيمة متهالكة، تحشر فيها النساء والأطفال، تتخذ منها هذه الأسرة بيتا، غير أنها لا تقيهم من حر ولا ترد عنهم برد، تم الإلقاء بهم إلى الشارع، دونما حتى مكافأته نظير السنوات التي أمضاها في حراسة وصيانة المنزل، في بلد يأخذ أقوياها ونافذوها كل شيء غصبا.
وعيناه مغرورقتان بالدموع، يشرح المسوري، كيف تم طرده من المنزل في العاصمة، قائلا :" عندما أتوا لإخراجي، كنت اعرض عليهم ورقة من رئيس المحكمة بعدم اعتراضي، عدة مرات وهم يشاغلوني ويؤذوني ويرهبوا أطفالي ونسائي، لكن بدون فائدة، يشتوا يبسطوا على البيت بالغصب، خاصة بعد وفاة أم الهولندية، كان المحامي قد استغل الفرصة وقال إن معه توكيل ببيع البيت، والبيت ما هو باسم القتيلة ، والأرض التي تم بناء البيت عليها أصلا، كانت تبع الأوقاف، لكنه محامي شاطر وداري كيف يعمل، وكيف يدخل ويخرج، استطاع بطريقته وفلوسه أن يجعلها أرضا حر، المهم، استخدم معي كل الوسائل، حتى في مصدر رزقي، ورزق جهالي ( المعاش) قطعوه، وقبل 6 شهور، وبفلوسه ونفوذه أرسل حملة علينا إلى البيت، ومعهم عدد من الأشخاص على رأسهم خالد ابن أخوه(المحامي)، اقتحموا حرمة البيت، أخرجونا بالقوة، وأدخلوا أسرة أخرى يتبعون الأديمي".
لثوان معدودة، يتوقف المسوري عن الكلام، أخرج خلالها تنهدات مفعمة بآهات الظلم والقهر، يستأنف بعدها حديثه، مضيفا : " اعتدوا علينا لفظيا وجسديا، قاموا بكسر يدي، والاعتداء على مكالفي وأطفالي بالضرب، وأحدهم قام بضرب زوجتي في وجهها، وبكل وحشية، أخرجونا ورمونا إلى الشارع".
يقول المسوري "أحد المعاريف، بعد أن شاهدني أنا والأطفال والحريم مرميين في الشارع، وقال لي، يا مسوري، أنت إنسان مسكين، الدولة هذه الأيام مع الأقوياء والأغنياء، اسمع مني كلام الصدق ولا تزعل مني، أنت من ريمة، وعسكري حالتك حالة، وغريمك محامي حميد الأحمر، وأنت داري من هو حميد، الدولة هذه الأيام دولتهم، وأنت إن لك قدرة توصل إلى الشيخ حميد، يمكن ينصفك، والمثل يقول إذا غريمك القاضي من تشارع ،احمد ربك أنك مازلت عايش، الأقوياء شلوا الجمل بما حمل ".
يبدو أن المسوري، فكرا مليا بحديث ذلك الشخص، ولربما وجد كل الطرق تؤدي إلى الشارع، يقول : "بعد أن تقطعت بي كل السبل، أخذت أسرتي ولجأت إلى قبيلة "نهم"، والآن أعيش هنا منذ فترة، المهم إنني وصلت إليهم، تربعت عندهم، وطلبت منهم العون، والمطالبة بحقوقي، وكما تشوفوا، الآن نعيش في حالة ضنكى، مشردين داخل هذه الخيمة، حتى المعاش زادوا قطعوه علينا".
يقال أن الحكم القبلي، هو القضاء المستعجل، كيف تعاملت القبيلة التي لجأ إليها "سعد المسوري" وأسرته، هناك لم نجد أكثر من ملامح منطقة ريفية بالية، تقبع فيها قبيلة "بني صبر" ، "آل حميد" بمديرية "نهم" محافظة صنعاء، الواقعة شمال شرق العاصمة.
أحد مشائخ القبيلة التي لجأ إليها "المسوري"، الشيخ أحمد صالح صبر، يقول:" قبل حوالي 6 شهور، جاء إلينا "سعد المسوري" وأسرته، ربيعا يطلب من قبيلتنا الوقوف بجانبه للحصول على حقوقه المسلوبة، بعد أن استمعنا إلى قصته المؤلمة، ولمسنا حاله وحال أسرته، في حقيقة الأمر، في البداية، ظننا أن حل القضية سهل بحكم علاقتنا القوية بالشيخ حميد الأحمر، على اعتبار أن غريم "المسوري" هو محامي الشيخ حميد".
ويضيف :"ذهبنا إلى الشيخ حميد الأحمر، والأمل لدينا فيه كبير جدا، المهم، طرحنا عليه القضية، وشرحنا له الحال التي يعيشها "المسوري"، لكن المفاجأة، أن الشيخ حميد، كان رده غامض، وغير مهتم، وبدا لنا اهتمامه بمحاميه أكثر من أي شيء، المهم، أنه استدعى المحامي جمال الاديمي، الذي استطاع بأسلوبه المراوغ والمغالط أن يجعل الشيخ حميد، يتهرب من القضية".
يقول الشيخ أحمد صالح صبر : "بعد اليأس من موقف الشيخ حميد، اتجهنا إلى القضاء، في محكمة جنوب شرق الأمانة، لم يكن يحضر جمال الاديمي، وإنما محامون تابعون له حضروا جلسة وبعدها تغيبوا غيابا كاملا، لمدة الفترة المعروفة، وبعد ذلك، قاموا باختطاف وإخفاء ملف القضية نهائيا، والمنظور أمام المحكمة".
ويضيف :" قمنا بمخاطبة رئيس المحكمة، بضبط أمناء السر، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات ضدهم، بعد ذلك، عندما وجد الشباب في القبيلة أن لا فائدة من كل المحاولات الودية والقضائية، لجؤوا إلى اختطاف خالد الاديمي ابن شقيق المحامي جمال الدين الاديمي، وبالرغم أنه ليس من عادة قبيلتنا على فعل مثل هذه الأمور إلا أن الأساليب الهمجية التي كان يستخدمها الاديمي بحق المسوري، بالإضافة إلى اعتماده على النفوذ القضائي والحكومي، اضطر الشباب إلى اختطاف ابن أخيه، للضغط عليه، ورجوعه إلى جادة الصواب وإنصاف صاحب (ريمة)".
يقول الشيخ أحمد صالح صبر : " مضت ما يقارب (80) يوما، منذ اختطاف خالد الاديمي، وعمه لم يسأل، يحاول اللعب على وتر الملل، لأنه عارف أن ابن أخيه، معزز مكرم، حتى المختطف يرفض أن يناشد عمه أو يقدم إليه رسالة، والسبب، خوفا من غضب عمه وجبروته".
مجرد تساؤل
منتصف العام 2011 ، عندما اقتحم مسلحون بلباس مدني منزل المحامي جمال الدين الأديمي الواقع في شارع الخمسين بصنعاء، ضجت وسائل الإعلام بالحادثة، وقيل حينها أنه تم سرقة وثائق تخص شركة سبأفون التابعة للشيخ حميد الأحمر.
حينها، حمَّل المحامي جمال الدين الأديمي، الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها قيادة وزارة الداخلية، وقيادة إدارة أمن العاصمة، المسؤولية الكاملة عن تقاعسها عن القيام بواجبها وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن اقتحام ونهب محتويات مكتبه ومن قبله اقتحام ونهب محتويات منزله، مع تحميله لتلك الأجهزة المسؤولية الكاملة عما قد يتعرض له من اعتداءات مستقبلية، خصوصاً بعد أن ثبت تواطؤ تلك الأجهزة مع الجناة وامتناعها عن اتخاذ أي إجراء قانوني بصدد تلك الاعتداءات ورفضها التوجيهات والأوامر المتكررة الموجهة لها من قبل النائب العام والنيابة المختصة.
يا ترى، لماذا لم يحرك الاديمي هذه المرة ساكنا رغم مضي ما يقارب الثلاثة أشهر على اختطاف ابن أخيه دون أن يحرك ساكنا.
المصدر : نقلا عن صحيفة الهوية