اخبار الساعة - عباس عواد موسى
ألإتحاد الأوروبي يفتقد دواءاً لإطار دول بلقانية كبرى ولا يملكه للنصرة وداعش
عباس عواد موسى
لا شك في أن الثورة السورية المباركة هي حرب عالمية قائمة . وهي قلب الربيع العربي وعموده الفقري . وحملت إحدى مقالاتي التي عنونتها ( مذكرات ليست شخصية ) عنوان ( تنظيم القاعدة يخوض الحرب العالمية القائمة ) . والثورة السورية دائماً تجدها أمامك وكذلك أينما حللت وأقمت , فقد أثرت على الأمن القومي لكل بلدان العالم . ولذا , جاءت نخب الشعوب الطاهرة المؤمنة تواجه جيوش أنظمتها التي قدمت للشام من أجل دعم الطاغية . فاختلط الحابل بالنابل على إثر النزاعات الإستخباراتية على أرض الشام . ورغم أن الوضع بيّنٌ وجليّ إلا أن العملاء الذين تنوعت أدوارهم وتوزعت لا يزالون يقومون بمهام قذرة هنا وهناك . وإلا كيف نفسر تصفية قادة الجيش الحر الشرفاء وكم كانت جملة رائعة من أخت سورية مناضلة ( الجيش الحر بعده حر ) .
ولذا , فإن تصفية الصحوات ( الغفوات ) في الثورة لهو من الضرورات القصوى للإنتصار وإلا فإن الجميع سيعودون لحضن الطاغية الذي جعل العالم كله حليفاً له ما داموا ينظرون إلى خطر أكبر من النظام ينتظرهم . وهنا كانت لعبة الصحوات العملاء . ولقد أبلغني مثلاً أحد السوريين المتنورين لا المتطرفين كما يحلو للبعض تسمية النصرة وداعش بهكذا وصف انساق خلفهم مغفلون كثر أن عدد العملاء الموزعين في الأردن ويقصد عملاء الطاغية وأعوانه يقارب العشرة آلاف . وغالبيتهم من غير السّنّة ولكنهم ينتحلونها هنا في الأردن لتسهيل مهامهم التجسسية . ولو كنت ساذجاً وأخذت في مهاجمة الجهاديين كما يحلو للذين أنتقدهم نصحاً والله , لأصبحت عميلاً غير مباشر لنظام لا أرى فيه غير الكفر والطاغوت والفساد والإفساد . وهنالك صنف من العملاء مختص بالبحث عن غلطة أو هفوة للجهاديين يمللني وهو يحدثني عنها وهي خرافة من سيده مطلوب منه ترويجها . وليس له فعل في الثورة يتحدث عنه .
بعد أيام فقط من لقائي بياسر العبود رحمه الله تم اغتياله . وكان قد أبلغني أنه تم الطلب من الجيش الحر عدم التنسيق والتعاون مع جبهة النصرة وداعش وقال إنه سيرفض أي طلب لمقاتلتهم وإن استعد البعض الآخر . فأخذ عديدون منه أي من الجيش الحر يغادرون صفوفه إلى صفوف الجهاديين وليس بالضرورة أن يكونوا خالين من العملاء . في ذات الفترة التي فقد فيها كرزاي قسماً كبيرا من جيشه لصالح طالبان .
وإذن . فالفصائل الجهادية تقوم وعلى مدار الساعة بمراقبة عناصرها وتصفية العملاء منهم وهو عكس ما حدث في صفوف الجيش الحر الذي لا أكنّ له وللآخرين إلا الإحترام والتقدير . لكن التشخيص مفروض لكي يظل حراً . أما أن تصبح مهمة قيادته أو بعضها مفرغة تماماً لمهاجمة هذا وذاك الذين أربكوا موسكو وواشنطن وهزوا أركان الطاغية فإنما يدعونا إلى التريث طويلاً في إزالة الشكوك عنه .
وكالة ووكلاء السي آي إيه
ألتيار الثالث الناشيء في البلقان بدأ بمهاجمة الجهاديين مستغلاً الفتنة اللعينة الخبيثة . ومدّت السي آي إيه سفارات إيران هناك بالقوة وآزرتها لنشر ولاية الفقيه وشاركها زعماء السّنّة السكارى في البوسنة والهرسك ومقدونيا وألبانيا وكوسوفا ومونتينيغرو وغيرها من البلدان . وأضعفت من وضع السعودية لصالح إيران . لتضغط عليها بإنتاج تيار جديد يجيد التصادم مع الجهاديين ولا يحقق الإنتصار إلا الذي ترسمه له السي آي إيه . في وقت أخذت فيه بلدان أوروبية بالإنشغال في أوضاع تخصها غير معنية بخدمة حلف الناتو المنتمية إليه . فرومانيا تسعى لضم مولدافيا هذا العام وسط توجّسات محلية وإقليمية وإسكتلندا تستعد للإنفصال وسط تحذير الإتحاد الأوروبي وحال بلدان الإتحاد كلها على هذا النحو . والشيء الوحيد المتفق عليه هو دعم الطاغية ومحاربة كل من يقاتل إلى جانب الشعب السوري . فما الذي جعل البعض منا يفزع من وجود الجهاديين غير تبعيته وارتهانه ؟
سوريا شآمي
قلبي غادر منذ زمن للشام
وخاطب جسدي أن يلحقه
آه , كم هي جميلة جنة الدنيا
وهي ترفع راية الدين بلون الدم ورائحة المسك .
قصيدة قصيرة ومعبرة كتبها المجاهد البوشناقي في الشآم عمير بوسنيفي . فأثارت انزعاج الساسة , ووجدوا عملاء يهاجمون داعش التي انضم لصفوفها مجاهدو البلقان واستشهد منهم كثيرون . وازداد المشهد ارتباكاً , وسط عجز الدوائر الأمنية عن مسايرة الأحداث الداخلية عندهم والتي تأثرت بالثورة السورية .
قلت لوزير الدولة المقدوني وما وضع بلدكم العام الجاري ؟ فأجابني : لدينا ارتباكان : أولهما , لو نجحت رومانيا في ضم مولدافيا فسيعود المؤرخ البلغاري بوجيدار ديميتروف والسياسي الألباني كوتشا داناج للمطالبة بضم مقدونيا . وستدخل هنا صربيا واليونان وستندلع المواجهة . وثانيهما : مواطنونا المجاهدون في سوريا . وهنا , يحتار الأمنيون : وهل يصبح الجهاديون عمود ارتكاز للصراعات الأوروبية الكبرى القادمة .
ألسفير المقدوني السابق ريستو نيكوفسكي يقول إن الفوبيا الأوروبية تجذرت وتغيير رسم الحدود سيأتي وستتغير التحالفات وتتبدل . وسيكون المستحيل ممكناً فلا عجائب في السياسة ولا غرائب وقت النزاعات والصراعات .
ألبروفيسور الخبير والأستاذ الجامعي والسفير السابق في الناتو والوزير نانو روجين يقول لا استهجان بعدما وصل ساسة لم نكن نعهدهم إلى سدة الحكم في النمسا وهنغاريا أيضاً وليس في رومانيا فحسب .
بذور الصراع والحرب القادمة
بلغاريا : تطمح لضم مقدونيا الحالية كاملة باستثناء مقاطعة بوليشكيا . وكذلك أجزاء من اليونان تقع في الجنوب من الحدود البلغارية اليونانية وحتى بحر إيجة .
صربيا : تطمح لضم مقدونيا ومونتينيغرو كاملتين وأجزاء من كرواتيا وغالبية أراضي البوسنة والهرسك .
ألبانيا : تطمح لضم كوسوفا كاملاً وجنوب مونتينيغرو وكذلك الجنوب الصربي ونصف مقدونيا والشمل الغربي من اليونان ( مقاطعة تشيميريا ) .
مقدونيا : ألعودة إلى ما قبل اتفاق بوخارست عام 1913. أي إعادة مقدونيا البيرينية من بلغاريا ومقدونيا الإيجية من اليونان وبعض المناطق من صربيا .
كرواتيا : تحرص على حدودها القائمة منذ الحرب العالمية الثانية رغم مضيها طامحة الوصول إلى إقليم فويفودينا وأجزاء من غرب صربيا والبوسنة والهرسك وفويفودينا .
رومانيا : يطمحون لضم بيسارابيا أي الإسم القديم لمولدافيا .
هنغاريا : عندما تولت رئاسة الإتحاد الأوروبي عام 2011 وضعت على جدار المقر في بروكسل سجادة بمساحة 202 متر مربع وعليها خارطة المجر منذ عام 1848 وثارت زوبعة دبلوماسية . لكن حكومة المجر وقتئذٍ برئاسة فكتور أوربان ردوا بأن الهدف فقط هو إبراز مرحلة تاريخية للبلاد .
جهاديو البلقان وسوريا والذراع الإستخباراتي الخفي
لا شك في أن سوريا الثورة ستنتج ذراعاً إستخباراتياً جباراً يخشاه العالم أجمع الذي أقر جهراً بهزيمته في أفغانستان . ولعل الحديث عن نزعة قطرية لدى الشعب السوري لهي سذاجة كهلٍ خرِفٍ تتداخل فيها أدوار الصحوات ( الغفوات ) والعملاء المندسين . وأكرر هنا بأن تصفيتهم واجبة وبعجل لأنهم يطيلون عمر النظام الذي أطال عمر الكيان الصهيوني . ويؤثرون سلباً على جهاديي البلقان والعالم الذين باتوا ذعراً لن يذق العالم بأسره منهم ذوق الأمن ما دام طغاته تدعم النظام الفاجر الكافر الزنديق الدهقان .
ملاحظة عاجلة وأمل
مطلوب من الفصائل الجهادية أن تتدارك أخطائها وتصححها . وأن تبتعد كذلك عن الغلو . مطلوب منها أن تتحد وتتوحد وإلا فحلف ولي الفقيه المدعوم عالمياً قادم وسيصعب كسره . وما حدث من فتنة أخيراً هو مجرد غيمة قد زالت وانقشع الضباب .
ألثورة السورية ومخيم اليرموك والقضية الفلسطينية
ما يجري في مخيم اليرموك وغيره من المخيمات هو استمرار لنهج نظام الطاغية ( الأب والإبن ) منذ مطلع السبعينيات كما جرى في مخيم تل الزعتر وفي الثمانينيات على أيدي حركة أمل حيث اضطر سكان المخيمات الفلسطينية لأكل القطط والكلاب الميتة وبفتاوى سلاطين الأمة الذين ما أفتوا يوماً للجهاد ونصرة المسلمين .
ألثورة السورية التي عرّت القوميين واليساريين الذين ما عرفوا الجهاد وغالبيتهم ولدوا ضد المقاومة خلّصت الشعب الفلسطيني من شرذمة أقزام سمّتهم الأنظمة الهالكة قادة ومناضلين . وقفوا مع الطاغية ليهلكوه بجبنهم . وأما الشعب السوري فما أتاه إلا عشاق الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة تقبل الله من استشهد منهم ومن يستشهد وأسعد من يبقى حياً وقد نصره الله . وهنا , خندق مشترك لصناع النصر الذي لن يتوقف عند حدود قطر واحد . فلا داعي للحديث عن مستقبل قُطْريٍّ والكل يعلم أنه سيكون وحدوياً رغم أنف المجوس وداعميهم من الصهاينة وخدمهم من الغفوات .
فلسطينيو الداخل يدعمون الثورة السورية . ويرفضون مبادرة الصهيوني الفاشي ليبرمان التي هي إعادة لإحياء فكرة أطلقها حزب العمل في ستينيات القرن الماضي للتخلص من فلسطينيي المثلث ( محافظة الأنبار الملتهبة ) مقايضة السلطة بمستوطنات في الضفة . وما هي في الواقع إلا ترسيخاً لمبدأ يهودية الدولة وتطهير عرقي للشعب الفلسطيني على غرار ما يفعله طاغية الشام وحكومة المالكي والميليشيات المرافقة لهم .
وعندما يذكر المثلث الفلسطيني تذكر اتفاقية رودوس التي تم قرار التقسيم بموجبها . والمثلث يضم كلا من مدينة أم الفحم والقرى زلفة , سالم , البياضة , مشيرفة , مصمص , معاوية , عارة ، عرعرة , عين السهلة ، خور صقر , برطعة الغربية , كفر قرع , أم القطف ، ميسر , مدينة باقة الغربية , إبثان , جت , بير السكة ( يمّة ) و زيمر وهي في قسمه الشمالي . في حين يضم الجنوبي كلاً من مدينة الطيبة ( طيبة بني صعب ) , مدينة الطيرة , قلنسوة , جلجولية , كفر برا و مدينة كفر قاسم .
ويبلغ تعداد سكان المثلث بقسميه ثلاثمائة ألف نسمة . وفي حال تحقيق مقايضتهم فإن ذلك يعني إسقاط حق العودة عن اللاجئين الفلسطينيين . والجدير بالذكر إن مدينة أم الفحم التي عوّدتنا على مقارعة السياسة الإسرائيلية فقدت معظم أراضيها والتي كانت تبلغ مساحة أراضيها 158 ألف دونم ناهيك عن تهجير كل سكان قرية اللجّون الفحماوية عام النكبة فتبقى من مساحتها فقط 26 ألف دونم ولا تزال المحاولات تجري لسلخ أراضي منطقة الرّوحة والتي كان الأبطال الفحماويون قد أعادوها بتايخ 28 - 9 - 1998 عندما هبّت جماهير أم الفحم وقراها لإنقاذ ما تبقى من أراضي الروحة والتي بلغت 12 ألف دونم وتصل حدودها حتى مستعمرة بردس حنا وزمّارين . ولا يزالون يقاومون مشروعاً صهيونياً يقضي بإقامة مدينة عليها . بالإضافة إلى أن زعران كاهانا حاولوا اقتحام المدينة عام 1984 لكن الأهالي والجماهير العربية تصدوا لهم ببسالة ومنعوه من تدنيس أراضيهم .
ديميتار تشوليف : ثورة في الثورة السورية
ألمحلل السياسي والأمني المقدوني ديميتار تشوليف يقول إن المتفائلين بالقضاء على القاعدة ستحتفل هي بفنائهم قريباً . لتبدأ حربها الحقيقية مع إيران والعالم أجمع . فهؤلاء السّذّج من العرب يعتقدون أن أمريكا ستضرب إيران لصالحهم . ولا يرون أن القوة الإيرانية أصبحت رؤية إستراتيجية اتفق عليها الجميع لأن فيها خيراً لهم . وسترون أن مال الخليج العربي الذي لا خزنة له غير أمريكا سيكون داعماً حتى لإيران التي لا تحتاجه أصلاً فهي عند أمريكا دولة لها جذور عميقة وتحدد دورها بنفسها غير العرب الذين تحدد أمريكا وغيرها لهم الأدوار . والذين يريدون إسقاط بشار سيرضخون لإمرته في الدور القادم بعد مفاوضات جنيف فذاك هو المطلوب منهم للقضاء على القاعدة . وإذن , ليست فتنة ما نراه في سوريا بل آمرٌ ومأمور .
المصدر : عباس عواد موسى