أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

المبحوح: خفايا وأسرار الاغتيال (الحلقة الثالثة)

- المجد
كيف قتلوه؟
 
وما حقيقة وجود امرأة شقراء؟
 
المبحوح رجل أمن من الطراز الأول، وهو رجل رياضي حصل على عدة دورات في الكاراتيه والكنج فو ... فكيف قتلوه؟
 
لقد كان صعباً إن لم يكن مستحيلاً اقتحام غرفته وهو في داخلها، إذ من عاداته أن لا يخرج من الغرفة إذا دخلها ولا يطلب أي شيء من المطعم لغرفته ولا يفتح لأحد مهما حصل فكيف وصلوا إليه؟
 
لقد كشف المفكر العربي فايز أبو شماله عن مؤامرة صهيونية لتشويه القيادات الفلسطينية وخاصة محمود المبحوح وعملت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية على تشويه سيرة الشهيد المبحوح، وتعمدت بخبث مفضوح أن تربط بين الشهيد المبحوح، وبين وجود فتاة زعموا أنها نجحت في خداعه، ليفتح لها الباب، وبالتالي سهلت عملية انقضاض طاقم الموساد عليه، وكتبت الصحيفة الصهيونية موضوعاً تحت عنوان: "المرأة التي أسقطت بالفخ كبير حماس" وأشارت إلى فتاة جاءت إلى غرفة المبحوح ترتدي زي الفندق وتحمل معها طعام الافطار وطرقت الباب، وبالتأكيد نظر المبحوح من العين السحرية فوجدها ترتدي زي العاملين في الفندق، ولكنها فتاة الموساد التي تواجدت في الفندق منذ أيام هي وفريق الموساد حيث تابعوا وراقبوا كل من يعمل في الفندق وتحركات العاملين وجهزوا نفس الزي للفتاة الذي يلبسه العاملون، واستأجروا عدة غرف في نفس الجناح الذي نزل فيه الرجل بحيث يسهل مراقبته ومهاجمته، وما أن فتح المبحوح الباب للفتاة كان يقف قتلة الموساد بعيداً عن العين السحرية ودفعوا الباب بقوة وقاموا بضربه على مؤخرة رأسه فسقط على الأرض، وعندما أفاق بعدها بدقائق وجد نفسه مكبلاً وأمامه رجال الموساد.
 
هذه الرواية التي تم تسريبها إلى الصحافة العبرية ومن بعدها إلى صحف أوروبية لا يصدقها أحد.
 
أولاً لأن الرجل ينتمي لدينه الإسلامي أولاً، ومخلص لوطنه، وشعبه ثانياً، ومؤسس لكتائب القسام ثالثاً، وكلها شواهد تقول: إنه منتمِ، والمنتمي منشغل بمستقبل شعب، مسكون بالهم الوطني، وموجوع بالوفاء، بالتالي ليس عاشقاً لامرأة مشبوهة تقابله لأول مرة في بهو فندق أو حتى في مطعم فتغريه فالرجل أكبر من هذه الاغراءات ليس فقط لاعتبارات دينية بل لاعتبارات استخبارية، فهو يعرف جيداً أنه مستهدف من العدو، وهو كان مراقباً، وملاحقاً وتعرض من قبل لمحاولة القتل، ولا شك أنه وضع في حسبانه كل أساليب الاستخبارات بما فيها استخدام النساء في عمليات الاغتيال.
 
إن الذي حاول تسويق خبر وجود فتاة مشبوهة، وإيجاد رابط ما بينهما وبين عملية الغدر التي تمت، يقصد من ذلك الإساءة إلى الفكرة التي آمن بها الشهيد قبل الإساءة إليه شخصياً،  والهدف هو إثارة حالة من الظن السيء، والضعف الإنساني، وكأن العدو الصهيوني استكثر على شعبنا الفلسطيني وجود شخصية قيادية كهذه تتميز بالوفاء، والعطاء، والاخلاص، فسعى إلى تشويه صورتها، ليفسد مقومات الفخر، والاعتزاز بأن لدى الفلسطينيين رجالاً تفكر، وتعمل، وتسهر على تسليح غزة، وتعزيز صمودها المقاوم، ونقل المعدات لها من آخر الدنيا رغم الحصار الصهيوني، ورغم كل العيون.
 
جواسيس في دورة مياه
 
وصل المبحوح إلى دبي قادماً من دمشق عصر يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني، وكان في استقباله في المطار أحد أصدقائه، الذي انطلق معه إلى الفندق، حيث كان من المقرر أن يبيت فيه ليلة واحدة، ثم يغادر بعدها إلى الصين وليس إيران، وكان مدرجاً على خريطته أيضاً السفر إلى السودان، وبعد أن استقر في غرفته ووضع حقائبه واستراح قليلاً، توجه مع صديقه إلى أحد المطاعم خارج الفندق لتناول العشاء، ثم عاد في التاسعة مساءً إلى الفندق للراحة والنوم، على وعد من صديقه بالحضور إليه صباح اليوم التالي لكي يصطحبه إلى المطار.
 
وعند دخول المبحوح إلى غرفته، قام بخلع ملابسه، توجه إلى الحمام للاغتسال، ولكن فوجئ بأربعة أشخاص كانوا مختبئين في الحمام يهاجمونه، حيث ضربوه على رأسه بـ "صاعق كهربائي" وهو عبارة عن مسدس لشل حركته والسيطرة عليه، ثم حملوه إلى السرير وقاموا بخنقه حتى الموت، وفروا مباشرة خارج الفندق.
 
وهنا يبدو دور النساء اللواتي شاركن في العملية، فقد تكون إحداهن قد اتصلت بإدارة الفندق وزعمت أن زوجها "المبحوح" أخذ مفتاح الغرفة معه خارج الفندق وهي تريد دخول الغرفة ولكن الإدارة رفضت إعطاءها المفتاح الاليكتروني للغرفة، وقد أظهرت أشرطة المراقبة بالفندق كل ذلك والأرجح أن عنصراً من الموساد في فريق الاغتيالات قام باستخدام جهاز الكتروني لفك شفرة مفتاح غرفة المبحوح للتمكن من الدخول إليها قبل وصوله، وكانت إلى جواره تلك السيدة التي اتصلت بإدارة الفندق للتمويه بأن المفتاح الأصلي فقد منها، وظلت موجودة في الجناح تتحرك ببطء لملاحظة أي تحرك مفاجئ أو زوار يعطلون العملية كما وقفت إلى جوار خبير الشيفرات الذي كان يرتدي ملابس "خدمة الغرف"، لمزيد من التمويه، وعندما تمكن الخبير من فك الشفرة، ثم تسلل الجناة إلى الغرفة واستقروا في غرفة الحمام إلى أن جاءت الإشارة من البهو بأن المبحوح عاد من الخارج.
 
لقد جاءت الإشارة عن طريق أحد الجواسيس كان يجلس في البهو مع إحدى السيدات المشاركات في العملية، حتى لا يبدو أن هناك من ينتظر شخصاً عائداً من الخارج أو يلفت الأنظار إليه، ودور هذه المرأة لا يزيد عن مجرد الانتظار في البهو مع رجل أو أكثر كأصدقاء في حالة سمر، وقد تحركت عندما وصل المبحوح إلى الفندق وظهرت في الكاميرات الموجودة بجوار الأسانسير، وهي تهم بدخول الأسانسير قبل المبحوح ربما لتعطيله قبل أن يتم إبلاغ الجناة داخل الغرفة بالاستعداد للانقضاض على الهدف.
 
في صباح اليوم التالي الأربعاء 20 كانون الثاني، حضر صديق المبحوح إلى غرفته وأخذ يطرق الباب، ولكن لم يجبه أحد، فذهب إلى صالة الانتظار عند "قسم الاستقبال"، وأخذ يرن على هاتف الغرفة، لكن لا جواب، مما اضطره إلى الذهاب إلى موظفي قسم الاستقبال، حيث أخبرهم أن صديقه موجود بالغرفة لكنه لا يجيب، مطالباً بفتح الغرفة، ولكن إدارة الفندق رفضت ذلك، وقامت باستدعاء مندوبين عن الشرطة لفتح الغرفة، فوجدوا المبحوح مستلقياً على ظهره، والدماء تنزف من أنفه، فتم استدعاء أحد الأطباء على الفور، حيث قام بفحصه، وأفاد بأنه ميت منذ الليلة السابقة، وأن سبب الوفاة هو ارتفاع مفاجئ في الضغط، أدى إلى إصابته بجلطة دماغية!
 
وفور وصول النبأ إلى قيادة حركة حماس في دمشق – قالت المصادر- شككت في أن يكون تقرير الطبيب المعاين للجثة صحيحاً، وأبدت ريبتها في ظروف وفاة المبحوح، مطالبة بـ "تشريح الجثة"، وهو ما دفع شرطة دبي إلى تشكيل لجنة طبية للإشراف على عملية "التشريح"، حيث أفادت اللجنة في تقريرها بأن المبحوح مات خنقاً بعد صعقه بأداة "صاعق كهربائي".
 
وقد نجحت أجهزة الأمن في دبي، من كشف الجناة وفضح الكيان الصهيوني وإحداث توتر في العلاقات بين بعض الدول الأوروبية التي كان الجناة يحملون جوازات سفر منسوبة إليها وهي، إنجلترا وفرنسا وأيرلندا وألمانيا واستراليا حيث وصل الفريق عبر رحلات طيران متفرقة ونزلوا بفنادق مختلفة ثم انتقلوا إلى غرفة مقابلة لغرفة المبحوح في الفندق الذي ينزل به، ولجأ الجناة إلى أساليب التخفي باستخدام الشعر المستعار وأغطية الرأس وتنوع الألبسة والأزياء من رسمية إلى رياضية،.. إلخ وتتبع فريق الاغتيالات المبحوح منذ وصوله مطار دبي، حتى الفندق،.. بل ركب معه بعضهم نفس المصعد بالفندق ونزلوا بنفس الطابق وتبعه أحدهم للتأكد من رقم الغرفة، وليس صحيحاً أنه فتح الباب بنفسه لاستقبال امرأة شقراء كما قالت يديعوت أحرونوت، وبعد انتهاء المهمة توجه الجناة إلى المطار مستقلين رحلات طيران مختلفة ومدن أوروبية وآسوية مختلفة...
 
والحقيقة أن عملية اغتيال المبحوح لم تكن العملية الأولى ولا الأخيرة التي ينفذها جهاز الموساد الصهيوني فهناك مئات العمليات التي نفذها هذا الجهاز ضد الفلسطينيين وغيرهم.
 
وعلى الرغم من صدور تقرير اللجنة، فإن شرطة دبي قد تحفظت على الإعلان عن نتيجة "التشريح"، ريثما يتم التشاور مع الجهات السياسية العليا التي طالبت بالاحتفاظ بالجثة وعدم تسليمها لابنه "عبد الرؤوف"، الذي كان قد وصل إلى دبي لاستلام جثمان والده يوم الجمعة 22 كانون الثاني، وبعد مرور خمسة أيام على وصول الابن، وتحفظ سلطات دبي عن تسليمه، أجرت قيادة حماس اتصالاتها السياسية والدبلوماسية التي أسفرت عن إفراج السلطات الإماراتية عن الجثمان، واطلاع قيادة حماس على نتيجة التقرير.
 
وعندما وصل الجثمان إلى مطار دمشق الدولي كان في استقباله عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، وفي مقدمتهم رئيس المكتب خالد مشعل، وبعدها تم إرسال الجثمان إلى أحد المستشفيات في دمشق، حيث كان هناك طاقم طبي مختص بالتشريح بانتظاره لتشريحه مرة أخرى، وكانت نتيجة التشريح مطابقة للنتيجة الأخيرة التي تمت في دبي، وهنا قررت قيادة حماس إصدار بيان رسمي تنعي فيه الشهيد، بأنه اغتيل، وتحمل الكيان الصهيوني مسؤولية العملية.
 
ونجحت سلطات دبي في تحديد هوية المتورطين في عملية الاغتيال عن طريق الكاميرات المنصوبة في ممرات ومداخل الفندق، التي التقطت صور الجناة حيث تمت مطابقتها مع صور جوازات لجميع الذين دخلوا إلى دبي خلال الفترة التي سبقت عملية الاغتيال، فتبين أن المجرمين يحملون جوازات سفر أوروبية، وأنهم قد غادروا دبي بعد ساعات من عملية الاغتيال!!
 
المصدر: كتاب الموساد الحرب القذرة لاغتيال قادة المقاومة

Total time: 0.0446