أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

تحذيرات اديب اليمن الكبير عبد العزيز المقالح من خطورة التسيَّس المفرط على مجتمعنا وأمتنا

- متابعات

حذر أديب اليمن وشاعرها ومفكرها الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح من خطورة التسيَّس المفرط في حياتنا اليومية على مجتمعنا وأمتنا .

 

جاء ذلك في نصيحة قيمة وجهها إلى أبناء اليمن والوطن العربي في يومياته الأسبوعية التي نشرتها صحيفة الثورة الرسمية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء.

 

وقال الدكتور المقالح :" حين كنت في فرنسا في منتصف ستينيات القرن الماضي، كان اهتمامي بالسياسة في ذروته، ولهذا فقد كنت أبحث في كل بلد أزوره عن الأوضاع السياسية ولم أكن أهتم كثيراً بالثقافة والفنون".

 

وأضاف:" وقد أدهشني، وربما صدمني في فرنسا وفي غيرها من البلدان الأوروبية التي زرتها ـ يومئذ- وأطلت الإقامة في بعضها أن الغالبية العظمى من مواطنيها لا ينصرفون إلى السياسة ولا يكادون يعرفون أبجدياتها الأولى، وكان العمل هو همهم وشغلهم الشاغل منذ السادسة صباحاً إلى السادسة مساءً".

 

وتابع قائلا:" وكانت القيمة الحقيقية للإنسان بالنسبة لهم، واعتقد أنها ما تزال تتجلى في الإخلاص للعمل، بينما فئة صغيرة، وصغيرة جداً منهم هي التي تتفرغ للشأن السياسي والتنظيم الحزبي.. وهذا عكس ما يحدث في أقطارنا العربية خاصة وفي بلادنا على وجه أخص، وفي هذه المرحلة بالذات، حيث كل مواطن مشغول بالسياسة من ذقنه إلى أخمص قدميه ويرى نفسه فيلسوفاً في شؤونها ومرجعاً لا يبارى في الاستراتيجيات المحلية والعربية والدولية!".

 

وأستطرد أديب اليمن وشاعرها ومفكرها الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح قائلا:" وهذا الذي يحدث من التوسع المفرط في التسيس هو الذي أربك المشهد السياسي المحلي والعربي، وكان سبباً أساسياً في تدهور الاقتصاد وشلل التنمية على كافة المستويات".

 

ومضى قائلا:" وكنت أشرت ذات مرة في هذه الزاوية ــ أي يوميات صحيفة الثورة ــ إلى راعي الأغنام الذي كان يمر من أمام منـزلي كل يوم ثم انقطع عن مساره اليومي منذ ثلاثة أعوام وغابت معه أغنامه فقد كان يتوقف كلما يراني ويشرح لي وجهة نظره في أمور الوطن والعالم، ويحدثني عن خريطة الطريق التي يضعها لتجاوز ما تعاني منه بلادنا والأقطار العربية والإسلامية والعالم أجمع، ومثله ذلك الفلاح البسيط الذي ما يزال يحرص على البقاء في قريته ويحافظ على ما تبقى من أرض زراعية يبدو هو الآخر مشغولاً بالسياسة ويكاد يجعل من نفسه موسوعة في قضايا الساعة والسبب يعود إلى المذياع من ناحية وإلى التلفاز والنشاط السياسي الحزبي الذي بدأ يغزو القرى منذ وقت ليس بالقصير".

 

وأردف الدكتور المقالح قائلا :" وإذا كنت قد اكتشفت في هذا النوع من السياسيين البسطاء قدراً كبيراً من الصفاء والصدق في المواقف والتعبير فإنني أخاف عليهم من السياسيين المحترفين أولئك الذين يجيدون اللعب بالألفاظ، كما يجيدون الانتقال السريع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين أو العكس، وهؤلاء في الحقيقة هم الذين أربكوا المسار السياسي ووضعوا البلاد في أكثر من منعطف على حافة الانهيار، ولم يتعودوا أن يتعلموا من الماضي أو من الآخرين".

 

وزاد بالقول :" وإذا ما استمر هؤلاء واستمر الصراع على السلطة واعتبار الوصول إليها هدفاً وغاية فلا أمل في التغيير ولا مكان لتحقيق معاني الكلمات الكبيرة والرائعة: الحرية، العدالة، الكرامة، المواطنة، الديمقراطية، لاسيما بعد أن تحولت إلى شعارات وبلاغة لفظية مفرغة من المحتوى ولم تعد تستولي على المشاعر أو تحرك الوجدان كما كانت تفعل من قبل، وكأننا بتنا الآن في حاجة إلى لغة ثانية، وإلى التوقف عند استخدام تلك الكلمات ولو إلى حين".

 

وأستخلص الدكتور المقالح من إشاراته السابقة سؤالا : ما الذي كان المواطن في هذه البلاد يستطيع أن يقوله عن الأنظمة المتعاقبة، وما الذي وفَّرته له من البنى التحتية والاحتياجات الضرورية؟ .. مجيبا على ذلك بالقول :" لقد تركته لنفسه ولمصيره وكان شغلها الشاغل العمل على إيجاد حالة من التوازن المفقود بين القوى المتصارعة على السلطة، والإمساك بتلابيبها بيد من حديد وكأنها منحة إلهية لا يجوز التخلي عنها أو الاعتراف بأنها حق عام للتداول بين الأكفاء عن طريق الانتخابات كما يفعل الآخرون في دنيا الله التي رأت منذ وقت مبكر أن حكم الناس لا يتم بالقهر والغلبة وإنما بالاختيار الطوعي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع شريطة أن لا يتجاوز الحاكم فترة أو فترتين انتخابيتين حتى لا تتحول رئاسة الدولة إلى احتكار واغتصاب".

 

وأختتم الدكتور المقالح مقالته الأسبوعية كالعادة بتأملات شعرية قال فيها:

 

لا تفزع من كلماتي

 

هي أحجارٌ في وجه الصمت

 

في وجه العبث المقصود

 

وغير المقصود

 

صرخة إنسانٍ مفجوعٍ

 

مسكونٍ بالآهاتْ.

 

لا تفزع...

 

هذا بعض نزيفِك

 

بعض نزيف الوطن المتآكل

 

بعض نشيج الكلماتْ

 

المصدر : سبأ

Total time: 0.0465