قبل أن أقرأ ما كتبه المحرر السياسي في صحيفة الثورة اليوم تحت عنوان( المسئولية الوطنية لمن يريد أن يفهم)، كنت أحدث نفسي بالكتابة حول هذا الأمر، وأتوجه بالنداء إلى الكتاب الصحفيين، الذين دفعهم القلق والغيض من التحركات السافرة لمليشيا الحوثي المسلحة في شمال العاصمة اليمنية إلى توجيه العتب واللوم ثم الهجوم المباشر على رأس الدولة، وأقول لهم أرجوكم أوقفوا هذا النوع من النقد الخطير وغير المحسوب.
كان ذلك يؤرقني كثيراً لأن الوقوف في وجه الحملة العسكرية الممنهجة للمليشيا المسلحة وحلف التعطيل الذي يقف وراءها، يستدعي الرشد إلى الحد الأقصى، ويستدعي التسلح بأكثر الأدوات تأثيراً والأسلحة مضاء، والأسلحة هنا قد لا تكون من حديد بل يجب أن يكون معظمها أسلحة تعتمد على توظيف الإمكانيات الهائلة للعقل والمنطق والحس السليم والتأثير الحكيم في الوعي.
وقد هالني الهجوم المباشر الذي تبناه بعض الكتاب الصحفيين على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأكثر ما يثير الدهشة والاستغراب أن حدة الانتقادات والهجوم تتزايد على الرئيس، كلما تقدم الحوثيون بضعة خطوات في شمال العاصمة، وأن هؤلاء الصحفيين يشتركون في الهدف مع المليشيا المسلحة ومن يقف وراءها، ويقدمون لها دعماً مجانياً لا تستحقه، فهي عندما تتحرك وتفجر وتقتل وتحتل مواقع إنما تريد كسر شوكة الدولة وهيبتها وبعض هؤلاء الصحفيين، يقومون بهذه المهمة بصورة مباشرة وهذا محزن للغاية.
على الجميع أن يعي أن المؤسسات السيادية، في قوتها أو ضعفها تظل حارساً قوياً لكيان الدولة ولمشروعيتها، ولدورها الوازن في المجتمع، والنيل من هذه المؤسسات، يعني الإسراع في هدمها حتى تُسوّى بالأرض وهنا، لن يملأ الفراغ الكُتّابُ والأحزاب، وإنما الحركاتُ المسلحة بالمال والسلاح والعقائد..
ولكن في المقابل صدمتني مقدمة مقال المحرر السياسي، الذي ربما كان جزءاً من المؤسسة الرئاسية أو حتى أحد صحفيي مؤسسة الثورة، لقد كانت مقدمة فجّة وغير مقبولة، فهي لا تختلف كثيراً عن هذا النوع من المقالات الموجهة التي كانت تنشر في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح..
لقد صمتت مؤسسة الرئاسة كثيراً إزاء أحداث كبيرة مثيرة للقلق إلى حد أن البعض توهّم أن الرئيس ضالع في المؤامرة على الوطن، وكان على مؤسسة الرئاسة وعلى المساعدين الصحفيين والإعلاميين للرئيس أن يتبنوا مبادرة للتوضيح، فمن حق الشعب أن يعرف أن يستوضح الأمر ويفهم طبيعة ما يجري، يحتاج إلى تطمينات وإلى كسر حاجز الصمت الرهيب والمقلق الذي خيّم على الساحة السياسية في هذا البلد، وكان له نفس تاثير التحركات العسكرية التي تقوم بها مليشيا الحوثي المسلحة وحلف التعطيل الذي يقف وراءها.
ما كان يجب أن يستهل المحرر السياسي مقاله بالهجوم والغمز واللمز، والاستهتار بالكتاب الصحفيين بمنحهم لقب(كتبة مستأجرين)، ما هذا المنطق؟ وتحت أي مسمى يندرج كاتب التحليل السياسي الرئاسي؟. ألا يدخل ضمن تصنيف (الكتبة المستأجرين) أيضاً؟ ما جدوى أن تفتح مؤسسة الرئاسة جبهة من الملاسنات والمواجهات الكلامية على ساحة الصحف والمواقع الإليكترونية والقنوات.
أما كان أجدر بمؤسسة الرئاسة أن تخاطب الوسط السياسي والصحفي بما يليق، بمن فيهم أولئك الذي تورطوا في خطأ الهجوم المباشر على الرئيس.
إن هذه المرحلة أيها السادة، لا تحتمل فتح جبهة جديدة مع الرئاسة، لذلك ما أحوجنا إلى الرشد في كل ما نقول ونفعل، وما أحوج الرئاسة اليمنية التي تقود البلد في ظرف حساس وتواجه تحديات هائلة وخطيرة، إلى شخصيات تُجيد النصح وتعمل بضمير نقي ونية سليمة..