بعض الافكار مستبعدة عند رجال السياسة، والتطرق لها نوع من المحظور والممنوع، وهي تابوهات يضعها العقل البشري الذي عاش وتربى على نمط معين وباتجاه واحد لايعرف غيره، وعندما تطرح هذه الافكار فهي إما نوع من الجنون او تؤخذ على محمل المزح وليس الجد، ومن هذه الافكار التقارب بين اليمن وإيران مثلا.
بداية لابد من ان اوضح انني (سُني) التربية و(حنبلي) التعليم والنشأة و(شافعي) الاسرة والمكان الجغرافي الذي انتمي إليه (تعز)، وليس لي اية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأي مذاهب شيعية؛ سواءً كانت متعقلة في مناهجها او مجنونة متطرفة في عقائدها وآرائها، لكني اتطرق الى هذه الفكرة من الجانب السياسي المجرد، والذي اعتقد ان ايران تلعب به بذكاء مع اميركا والدول الاوروبية من جهة؛ ومع العرب والمسلمين من جهة ثانية.
ايران تعد حليفا استراتيجيا لأميركا، ومن ينكر هذا ففي عينيه رمد وعلى قلبه غشاوة، فقد اثبتت الايام ان هناك اتفاقا سريا بين الدولتين لتقاسم المصالح التي تُجبى من دول الخليج الغبية، وأتذكر هنا وأنا في العاشرة من العمر اني رأيت كاريكاتيرا خبأه والدي رحمه الله وكان يريه لأصدقائه الذين كانوا يتجمعون عندنا في محل الخياطة بمدينة الطائف بعد صلاة المغرب الى العشاء..
كانت تشكل الفترة مابين المغرب والعشاء منتدىً سياسيا ثقافيا في محل الوالد رحمه الله، وكان هذا هو منفذه الوحيد للإطلاع ومعرفة مايدور في العالم، إضافة الى الراديو الذي لايفارقه منذ السابعة صباحا وحتى العاشرة مساءً، وقراءة الكتب الدينية التي كانت تشكل لي ولازالت الى اليوم نافذة دينية فريدة، اذ اشم فيها ذلك الزمن الجميل كلما فتحت احد تلك الكتب لاسيما التي قرّضها والدي بتاريخ ومكان الشراء..
* يبدو اني خرجت عن الفكرة التي اريد طرحها وهي اننا كيمنيين ومنذ ماقبل ثورة 26 سبتمبر 62 مرتبطين وجدانيا بدول الخليج العربي لاسيما الشقيقة الكبرى التي تربطنا بها اواصر الاخوة ووشائج القربى والنسب لاسيما مع المناطق الجنوبية لها والتي يقول المؤرخون انها اراضٍ يمنية وهناك من يطالب باستعادتها الى اليوم، بالمقابل هي تناضل وتستميت في جعلنا حديقة خلفية لها ولمخلفاتها من كل شيء بدءا بالبشر وانتهاءً بمخلفات الاثاث المستعملة والنفايات السامة..!!
اعتقد ان غالبية الشعب اليمني يعرف مدى وأسباب ومبررات هذا الارتباط الوجداني الذي يستفيد منه نفر قليل ويتضرر منه الغالبية العظمى من اليمنيين؛ لا لأنهم يكرهون السعودية او لأنها تريد ان تضرهم او تنكل بهم، لا، فليس بيننا والشعب السعودي الشقيق إلا كل الخير، ويعلم الله مانكنه لهم من مودة وحب وتقدير لاسيما الذين عاشوا وعملوا او تربوا هناك، وعددهم كثير في الشعب اليمني، وأنا أحدهم، لكننا نختلف مع بعض المسئولين السعوديين، الذين يغضون الطرف عن ممارسات أُجَرَائِهمْ (جمع أجير) في اليمن، الذين يمدون ايديهم هناك ويستغلون مايحصلون عليه في التخريب والعنجهة وإقامة مراكز النفوذ والاستقواء بالسلاح والمال والقبائل او الميليشيات التي يؤسسونها بأموال سعودية، ويقفون حجر عثرة امام أي تقدم لليمن او اقامة الدولة المدنية، دولة النظام والقانون التي تجرم مد اليد الى الخارج، لأنهم يعرفون انها ستقطع اياديهم وستريح البلاد والعباد منهم ومن شرهم..
ايضا خرجتُ عن الهدف الرئيسي من المقال وهو لماذا لاتبحث اليمن عن اتجاه اخر غير الاتجاه الغربي وأتباعه في المنطقة؛ المُجرّبين منذ خمسين عاما وحتى اليوم.!!
* لماذا لانتوجه الى ايران (الامبراطورية الفارسية) التي حكمتنا فترة كبيرة من الزمن ماقبل البعثة النبوية الشريفة، حيث استنجد بهم سيف بن ذي يزن للقضاء على حكم الاحباش الذي استمر زهاء 50 عاما، ووافق ملك الفرس كسرى "انو شروان" على مساعدته بهدف تحقيق حلمهم في الاستيلاء على جنوب الجزيرة العربية والطرق التجارية في البحر الأحمر وهو ذات الحلم والطموح الذي لازال يُساورهم حتى اليوم، فأرسل كسرى جيشا فارسيا تمكن من القضاء على الاحباش وتنصيب سيف بن يزن حاكما، وظل عدد من الفرس يساعدونه في الحكم، وبعد مقتله تولى الفرس حكم اليمن وجعلوها ولاية فارسية الى ان اسلم حاكمها الفارسي (باذان).
هذه حقائق التاريخ التي تؤكد ان هذه الامبراطورية كانت قائمة في الوقت الذي لم تكن اميركا قد اكتشفت او دول الخليج قد تشكلت بفعل انحسار البحر عن بعضها.
ايران تريد ان تكون قوة سياسية عظمى في المنطقة، وليس لدينا مانع في ان تقود العالم اجمع وليس المنطقة فقط، شريطة ان تكون منصفة في تعاملها مع الآخرين، وان تستفيد مما اخفقت فيه اميركا وأوروبا خلال الفترة الماضية، وألا تحاول تسويق ذاتها مذهبيا وعقائديا بالقوة المسلحة او فرضه كأمر واقع على المنطقة..
* بلاش ايران التي يقول عنها بعض "المتطرفين عقائديا" بأنها اخبث من اسرائيل وأنها تريد ان تنشر التشيع في اليمن وفي المنطقة بشكل عام.. لماذا لانتجه الى روسيا، هذه الدولة التي كانت في يوم من الايام ملء السمع والبصر، وانهارت بفعل تكالب العالم عليها وخصوصا اميركا وأذيالها في المنطقة، لكنها استطاعت ان تنهض من كبوتها وان تعود الى خانتها المحجوزة كقطب ثاني في العالم، وقد اثبتت الاحداث السياسية الاخيرة سواء في اوكرانيا او سوريا انها الخصم القوي الذي يمكن ان يكون ملجأ الضعفاء في هذا العالم الذي تحكمه موازين القوى ولا كرامة فيه لضعيف..
ولاننسى ان علاقتنا بروسيا أو الاتحاد السوفيتي سابقا علاقة استراتيجية، حيث حكمت اليمن الجنوبي (سابقا) لأكثر من ربع قرن من الزمان، وكانت تمثل له الهوية السياسية والنصير القوي امام الاطماع الخليجية والأميركية من وراءها..
* لماذا لانتجه الى الصين، هذا العملاق الذي اصبح يتحكم في العالم بفضل صناعاته وابتكاراته، وأصبح يتواجد في كل بيت على شكل آلات واليكترونيات تم انتاجها في الصين، وبالتالي اصبح قوة عظمى في موازين القوى الاقتصادية والسياسية ويبحث عن موطئ قدم له لتسويق واستثمار فوائضه من المصانع والشركات..
* ان ايران في امس الحاجة الى اليمن، وتنتظر الفرصة السانحة لها لمد جسورها ومساعدتنا في بناء مستقبلنا، وهنا يأتي دورنا كيمنيين في التفاوض معها على كيفية بناء هذا المستقبل ومادورها بالضبط واين ينتهي.. كما ان روسيا تترقب فرصة العودة الى عدن كما عادت الى القرم وبعض المناطق التي كانت تسيطر عليها في السابق، مع الاخذ في الحسبان ان الزمن قد تغير وأنها ستعود الينا بأموالها ومشاريعها وليس بأفكارها الاشتراكية الشيوعية التي تخلت عنها في عقر دارها..
* اما الصين فهي وفي اطار نشاطها الاقتصادي والصناعي في أمسّ الحاجة الى موقع جغرافي فريد مثل مدينة عدن كميناء وسوق دولية يمكن ان يكون محطة تسويق وترانزيت دولي بين قارات العالم المختلفة..
* أخيراً، إيران قادرة ان تقدم لليمن اضعاف أضعاف مايمكن ان تقدمه دول الخليج، وكذا الصين وروسيا قادرتين على انعاش اليمن وجعلها محطة ترانزيت صناعية وتجارية تضاهي سنغافورة ودبي وحتى شنغهاي الصينية، وبالتالي فان التفكير الجدي من قبل ساستنا في البحث عن البدائل المتاحة لإنعاش اليمن افضل الف مرة من انتظار ماتجود به ايادي المحسنين من دول الخليج وأصدقاء اليمن الذين يتعاملون معنا كأيتام على موائد اللئام..
لابد من التفكير الجدي في هذه البدائل قبل ان تنفجر ثورة الجياع التي لن تبقي ولن تذر، وستقتلع كل شيء في طريقها، والشعب لايملك شيئا يخسره وبالتالي فالخاسر الاكبر هم الحكام السابقين والجدد الذين اثروا ثراءً فاحشا وأصبحوا يمارسون نفس الممارسات السابقة دون حياء من الله او خجل من عيون ايتام وأرامل العام 2011م.