أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

الجيش و الحرب الهجينة

- خالد القارني
للمرة الثانية وخلال عامين استطاع الجيش اليمني أن ينتزع عدداً من المناطق الجنوبية حاول تنظيم القاعدة أن يفصلها عن الدولة المركزية من خلال بسط نفوذ واضح فيها، في المرة الأولى انتهت المواجهة باستعادة الجيش السيطرة على عاصمة محافظة أبين وعدد من المناطق المجاورة لها بعد شهر من القتال، وخلفت المواجهات 567 قتيلاً بينهم 429 من مقاتلي القاعدة و78 من الجيش، وفي الحرب الثانية استعاد الجيش السيطرة على عزان وميفعة والصعيد والثلاث المديريات في محافظة شبوة بالإضافة الى استعادة مديرية المحفد في محافظة أبين بعد أكثر من أسبوعين من المواجهة خلفت مئات القتلى والجرحى من تنظيم القاعدة والعشرات من صفوف الجيش ولا زالت خسائر الحرب الدائرة مستمرة.
 
وعلى ما يبدو من هذه الحرب أن القرار الاستراتيجي للتنظيم هو جعل الحرب مع الدولة أشبه بصراع بقاء مع الاعتماد على أن المشهد السياسي قد لا يستقر قريبا والتركيز أكثر على الدخول في معارك استنزاف وعض أصابع مع الجيش ولهذا يبحثون دوما عن ملاذات احتياطية وغطاء مجتمعي متعاطف معهم.
 
وتبين أيضاً أن تنظيم القاعدة يتبع أسلوب الحرب "الهجينة" بواسطة استخدامه مزيج من الأسلحة التقليدية والتكتيكات غير النظامية والإرهاب (مهاجمة مدنيين أو هجمات انتحارية) والتصرف الفوضوي في مجال أرض المعركة بمجمله. 
 
ولا ندري لما كل ذلك إلا لسذاجة تعتريه أم لفقدانه للاستراتيجية ذات الأهداف الواضحة التي تبنى عليها الامم، ألا تدرك القاعدة أنها أصبحت أداة من أدوات الاجنبي لتأبيده واستمرار نفوذه وتدخله في الشأن الداخلي.
 
ذلك أن إرجاع اليمن إلى إمارات بدائية تحت أمراء حرب من جنس ما نرى في "داعش" وفي "الصومال" وفي "أفغانستان" لا يمكن إلا أن يكون في صالح الهيمنة الخارجية ومن ثم فهو جزء من خطة تحقق لهذه الهيمنة ما تسعى إليه من بقائنا تحت سيطرتها في استعدادها لأقطاب القرن الحالي. 
 
على من يؤمنون بالعنف وسيلة سياسية ان يعلموا إن كانوا لا يعلمون أنهم تحولوا إلى ذرائع للإبقاء على الوضع الراهن أو إلى تعفينه بصورة تجعل أبناء اليمن أنفسهم يطالبون ببقاء تدخل الغرب في الشأن الداخلي بل وتطالب الغرب نفسه بحمايتهم من افعال وممارسات القاعدة العبثية .. فصل تراجعوا ضمائركم وتحكموا الشرع والعقل والمنطق وجميعها تدعوا الى سلم والاعتصام؟! وإلا فأنكم تسوقون الجميع الى مصير مجهول لا يعلم أحد بمآلاته.
في ذات الوقت على الطرف الآخر "السلطة" أن تعلم انه يستحيل فصل التهديدات العسكرية عن التهديدات غير العسكرية، لقد اعدنا بأنفسنا عجلة الزمن الى ازمة 2011م الاقتصادية مما يعني تزايد وتيرة الاستياء الشعبي المؤدية بشكل مباشر الى تصاعد الصراع السياسي، أي أننا أمام محاولات جديدة تسعى في ظلها قوى سياسية ان تجعل من حربها على القاعدة فرصة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والشعبية، واخرى ستجعل من الازمة الاقتصادية فرصة لتحقيق اكبر قدر من المكاسب السياسية والشعبية.
 
وتبقى هذه التناقضات الاجتماعية السياسية والاقتصادية بيئة خصبة تمكن الفوضويون من تجنيد المزيد من الشباب الصغار خاصة ممن تسببت الاوضاع الجديدة لهم بمآسي واوجاع مختلفة منها القتل ومنها الجوع ومنها الحرمان ومنها الاقصاء والتهميش ومنها الانتقام والثائر... وهلم جراء.
 
إن الفقر والبطالة هما من العوامل الرئيسية التي تخلق لدى بعض من الناس ميولا نحو ثقافة "الفوضى.. الارهاب العنف.. الاجرام" والسؤال المطروح: لماذا دول العالم المهتمة بمكافحة "الارهاب" لا تسارع الى مساعدة اليمن بشكل جدي وعملي لإخراجه من ازمته الاقتصادية ؟؟؟!!! لأن تحضّر البلاد للدفاع بشكلٍ عام على المستويات الاقتصادية و الصناعية والسياسية المعنوية بصورة مواكبة لمساعدتهم الامنية والعسكرية من شأنه عدم تمكين القاعدة بسهولة من استعادة ما خسرته من خسائر مادية ومعنوية جراء تعرضها لمثل تلك الضربات المباشرة.
 
وفي سياق متصل فان بناء القوات المسلحة والحفاظ على قوتها هو عمل بالغ التعقيد ، ويعتمد على عدة عوامل مادية ومعنوية وبشرية وفنية ، وامام طابع التهديدات الماثلة تحتاج الدولة الى تحديد التنظيم العسكري القادر على تحييد هذه التهديدات، وإن تكون طبيعة العقيدة العسكرية اليمنية هي نتاج ضرورات وملحات عسكرية، تؤدي في النهاية إلى الحاجة للتحضير للحرب، وإذا اضطر الأمر للقتال والانتصار فيه ، فعلى كل فرد في القوات المسلحة أن يكون على استعداد للقتال والموت في سبيل أي قضية مشروعة تناضل اليمن من أجل تحقيقها من خلال الخيار العسكري ، بالتالي فإن العقيدة العسكرية اليمنية لا بد استضمان جوهرها روح القتال بما يلائم طبيعة المهام المختلفة المنوطة بالقوات المسلحة في الحاضر والمستقبل، وبدون ذلك فالانتماء إذا ظل على مستوى الادعاء دون بذل وعطاء وتضحية يكون مجوّفاً وخالياً من المعنى.

Total time: 0.0409