يعتقد البعض أن الاجابة ليست سهلة على سؤال كهذا، لكن في الحقيقة الاجابة في منتهى البساطة، وهو التنحي والرحيل منذ ظهور اللافتات الاولى التي تـُرفع ضده وتحملها حشود عارمة من المتظاهرين. لأن الاحتمالات لتبديد غضب الشعوب محدودة جدا، وتنتهي عادة بحلين لا ثالث لهما: اما اسقاط فوري للنظام ومحاسبة الحاكم ومن معه من الفاسدين والمستبدين، او دخول البلد في دوامة عنف وربما تمتد لسنوات يُسفك فيها كثير من الدماء، وتُخرب المدن وتُشرد الناس، وفي النهاية النظام ورموزه يلمون ما يمكنهم لمه، ويفرون الى اي منفى يقبل بهم، تاركين من وراءهم ارض محروقة وشعب دام منهك.
الآن في هذه الحقبة الحرجة من الزمن والتي تمر فيها بعض دول في الشرق الأوسط بثورات شعبية شبابية، هذا السؤال ليس بتلك الأهمية لأن الاجابة عليه واضحة ونعيشها حتى هذه اللحظة. السؤال الاكثر اهمية والذي يحتاج ان يسأل الحاكم المستبد نفسه هو: ماذا يجب ان افعل قبل ان يقرر الشعب اسقاطي؟ هذا السؤال يتطلب دراسة بجدية، واستيعابا جيدا وبسرعة، هنا يأتي التحدي الحقيقي للحاكم الفطن لإحتواء الأزمة قبل وقوعها. عليه ان يبدأ بإعداد برنامجا سياسيا اصلاحيا لجميع وزاراته بمشاركة المعارضة، ويتم استحداث وانظمة لتحسين المعيشة، والبدء في تشكليل لجان للإعداد لانتخابات نزيهة في زمن قريب محدد، ويطلق الحريات ويعطي الحقوق في جميع مناحي الحياة بقرارات تصدر حالا وبدون تردد او انتظار، لان مطالب الشعوب هذه معلقة ومؤجلة منذ عقود طويلة ولا تحتمل ارجاءها.
لكن هل الدكتاتوريون العرب قادرون على ايجاد حل يحفظ لهم دماء وجوههم، ويحافظ على كرامة الشعوب ويحمي دمائهم من السفك والإراقة؟ هل حدث قط امر كهذا في تاريخ شعوب العالم؟ هل تدارك الحاكم الظالم ظلمه قبل ان يرتد اليه وينقلب السحر على الساحر؟ حتى الآن... لم ينجح احد... لسبب بسيط لأن الطغاة بتكبرهم وبجبروتهم وبعنجهيتهم، كلها تجعلهم يعيشون في وهم الحصانة، وانهم اقوى واقدر واكثر كفاءة عن غيرهم من طغاة العالم، وانهم سينتصرون على شعوبهم، ينسون او يتناسون ان طوفان المظلومين والجياع منذ الثورة الفرنسية والروسية وفي اسبانيا وايطاليا ورومانيا، وثورات امريكا الجنوبية، وثورة ايران والثورات العربية التي نشهدها اليوم، لم تفرق بين دكتاتوري وآخر. جميعهم سقطوا بنهاية واحدة: دكتاتوري وراء الآخر ينهار ويتهاوى ويُـلقى به في مزبلة التاريخ في حياته قبل قتله او فراره، بغض النظر عن قوة بأسه، وعدد افراد قبيلته، وسنين حكمه، وشدة جيوشه، وعدد المرتزقة والمتملقين والفاسدين الملتفين من حوله. فحين يأتي أجل الدكتاتوريين لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
اذن حكام العرب الجبابرة المفترشين عروشهم حتى هذه اللحظة.. ماذا ينتظرون؟ هل يعتقدون انهم سينجون فعلا من قبضة شعوبهم المقهورة الجائعة؟ هل يتصورون ان جيوشهم ستحميهم من سطوة الغاضبين عليهم حين تأتي ساعتهم؟ وهل اموالهم ستمدهم واسرهم بطول الاقامة على كراسيهم وفي قصورهم؟ هل مازوالوا يعيشون في وهم ان الغرب سيناصرهم ويساندهم في محنهم، كما ساند شاه ايران في ثورة ايران الاولى في الخمسينات وارجعه الى عرشه؟ بالطبع لا... لأن ذلك العهد قد انتهى، فالمعادلة السياسية تغيرت، والمناخ العالمي والمصالح تغيرت ايضا معها.. ولأن ثمة ثورة اعلامية وتواصل الكتروني اقوى من كل وسائل الاعلام الرسمية وأسرع منها بكثير، هي التي ساهمت في انجاح ثورة تونس ومصر وستساهم في الثورات القادمة. ثمة نضج حقوقي قد تنامى وكبر بين الشعوب العربية، لا احد يستطيع اسكاته، هذا ما ادركه قادة الغرب ولم يدركه قادة العرب بعد، لذلك ترك الفرنسيين حليفهم الأول زين العابدين بن علي رئيس تونس المخلوع يفر خوفا وهلعا من شعبه ليلجأ الى السعودية، وامريكا ادارت وجهها عن حليفها الأول في المنطقة حسني مبارك فرعون مصر، بعد ثلاثين سنة خدمة، وتُرك يسقط وحيدا بذل وغبن ويرحل الى "شرم الشيخ" ومن ثم يستقر به الحال واسرته في السعودية ايضا.
بقي هناك امر مهم يحتاج كل الحكام العرب الظالمين ان يدركوه وهو: ان الجوع كافر.. كافر.. كافر.. وليس جوع البطن وحده، بل جوع الروح والعقل، وان الاموال التي تُعطى الآن للناس بسخاء مريب لتسكيت بطونهم، لن تمس روحهم ولا عقولهم، ولن تنسيهم الظلم والقهر الذي عاشوه لعقود طويلة مليئة بالتعذيب والاعتقالات والمطاردة والمهانة والخوف المتفشي في كل مكان وزاوية. ان شباب الشعوب لن يصمتوا هذه المرة على ظلمهم كما صمت اباءهم واجدادهم، فهم لن يتراجعوا عن مطالبهم الشرعية، ولا عن طموحاتهم في العيش بكرامة، حتى لو اُعطوا خاتم سليمان، وعصى موسى، ومال قارون كله...
--