تتبعت الجزيرة مراحل تحرير شقيقين من العبيد في منطقة حجة شمالي غرب العاصمة اليمنية صنعاء، مخترقة حاجزي الصمت والإنكار اللذين ظلت تفرضهما الحكومة على هذه الظاهرة.
"لسنا مصدقين.. كان هذا حلما مستحيل التحقيق"، بهذه الكلمات استقبل العبد المحرر في وقت سابق نسيم شقيقيه عبد الله وشفيق بعد تحريرهما من سيدهما الذي ورثهما عن أبيه.
يقول السيد الذي يملك العبدين في الفيلم الاستقصائي "عبودية في اليمن" الذي بث الخميس 29/5/2014 في برنامج "الصندوق الأسود": قسمنا ستة عبيد كان يملكهم والدي مع التركة التي ورثناها عن الوالد كالأموال والأرض والمحلات".
ويضيف أن "العبد يشتغل دون مقابل (..) أمر العبودية عندنا طبيعي، وكل واحد عبيده عنده وعيب يفرط فيهم".
وتتكون أسرة نسيم من ستة أشقاء وأب وأم تم توزيعهم على ورثة سيدهم ليتفرقوا ولم يعودوا يعيشون معا.
وقد نجح الناشط الحقوقي ومدير مركز "وثاق" لحقوق الإنسان نجيب السعدي في تحرير نسيم، مؤكدا أن الظاهرة موجودة في اليمن، واقترح على فريق عمل الجزيرة -الذي تواصل معه عند التحضير للفيلم- السعي في تحرير عبد آخر.
وساطات وأسرار
وبعد محاولات ووساطات على مدى أشهر، نجح الناشط الحقوقي ومدير فريق التواصل مع ملاك العبيد في حجة هادي وردان إلى إقناع مالك شقيقي نسيم على تحريرهما.
وخلال المفاوضات مع مالك العبدين سأله السعدي عن إمكانية هرب العبيد فاستبعد المالك إمكانية حدوث ذلك تماما، بل ذهب إلى أكثر من ذلك قائلا "إذا لم يكن لديك عمل بإمكانك إرساله إلى السعودية يعمل ويرسل إليك الأموال ولا يهرب لأنه ليس لديه غير سيده".
وخلال جلسة المفاوضات، حكى وردان أن السيد الذي يملك جارية يمكن أن يدخل عبدا عليها لليلة واحدة، حتى يكون أولادها عبيدا عنده.
وبعد التوصل إلى اتفاق حرر مالك عبد الله وشفيق ورقة تفيد بتحريرهم ليلتئم بذلك شمل ثلاثة من أفراد الأسرة، بينما يبقى ثلاثة أشقاء آخرين -بينهم بنت- رهن العبودية.
ويحكي عبد الله (13 عاما) بعد تحريره من العبودية، أنه علم بأنه عبد من كلام والديه وإخوته له منذ الصغر، ويضيف أن الفرق بين الطفل العادي والعبد أن العاديين ينامون مع أمهاتهم ويخططون لمستقبلهم، أما العبيد فلا يعرفون معنى كلمة مستقبل.
ملاك العبيد
يقول الصحفي بجريدة "المصدر" عمر العمقي إن عددا من أعضاء مجلس النواب والمسؤولين وذوي النفوذ يملكون عبيدا في مزارعهم وديارهم. وقد تواصل مع اثنين من النواب يملكون عبيدا لتصويرهم، لكنهم تهربوا منه في آخر اللحظات.
وقال العمقي إنه اكتشف الظاهرة بالصدفة عندما كان يبيت في منزل لأحد الشيوخ يشغل منصب عضو مجلس محلي، ووجد من يخدمه ليس من أهل صاحب المنزل، وكانت المفاجأة بالنسبة له أنه عندما سأل الشخص عن هويته أجابه بأنه "عبد".
وبعد تحرير عبد الله وشفيق أراد فريق العمل مواجهة الجهات الحكومية بالواقعة، فاتجه إلى وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور التي قالت "حرج على أي حكومة أن تقبل وضعا كهذا"، مما يشير إلى اعترافها الضمني بوجود الظاهرة.
وأكدت الوزيرة -وهي من ناشطات الثورة اليمنية التي أطاحت بنظام علي عبد الله صالح- ضرورة معالجة الظاهرة وعدم السكوت على وجود رق وعبودية، مضيفة "حتى إذا لم يوجد قانون فإن وجود هذه القضية أمر معيب".
ولفتت إلى وجود مسؤولين وأصحاب نفوذ لديهم عبيد، وبالتالي ليس في مصلحتهم إثارة القضية على نطاق واسع.