أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

أساليب صالح في عهدة هادي.. اتفاق عمران العاشر يضع وزارة الدفاع تحت مليشيات الحوثي

- صنعاء
كشف الاتفاق الأخير الذي ادعت وزارة الدفاع أنه تم برعايتها بين أطراف الحرب في محافظة عمران، عن الوجه الخفي للحرب القذرة التي يشنها الحوثيون في عدة مناطق تحيط بأمانة العاصمة، فالاتفاق -الذي نفى بعض ممن وردت أسماؤهم كموقعين عليه علمهم بذلك- يشكل إهانة كبيرة للدولة وخاصة قوات الجيش ووزارة الدفاع.
 
وبصرف النظر عن كون الاتفاق المدعو تم خرقه بعد ساعات من الإعلان عنه من قبل ميليشيات الحوثيين، إلا أن تداعياته على الصعيد السياسي تكشف عن حجم الخلل القائم في أعلى مؤسسات الدولة السيادية ومستوى تفكير القائمين عليها، وأهمها مؤسسة الرئاسة ووزارة الدفاع، والسبب في ذلك يعود إلى أن رئيس الدولة ووزير دفاعه الذين يعتقدون أن طريقتهم في إدارة الصراع في محيط أمانة العاصمة، وخاصة محافظة عمران، ستمكنهم من إضعاف أو القضاء على بعض من يعتقدون أنها مراكز نفوذ تاريخية قد تشكل خطراً على الحكام القادمين من محافظة أبين (سنحان الجنوب)!
 
إهانة للدولة
 
فور الإعلان عن الاتفاق الذي ادعت وزارة الدفاع أنه تم بين طرفي النزاع -الذين لم تسمهم- في محافظة عمران، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات الموجهة للاتفاق والساخرة منه، كون الاتفاق يمثل إهانة كبيرة للدولة وللجيش ووزارة الدفاع نفسها، وبالتالي تحطيم الروح المعنوية للجنود، وخاصة أولئك الذين يتعرضون للقصف العشوائي من قبل ميليشيات الحوثيين.
 
فالاتفاق الذي ورد في بنوده السبعة ما أطلق عليها “أطراف متنازعة” في محافظة عمران، يعني ذلك أن اللواء 310 مدرع، الذي يقوده اللواء حميد القشيبي، لا يمثل الدولة، من وجهة نظر وزارة الدفاع ولجنة الوساطة، والطيران الحربي الذي يشارك في قصف مواقع الحوثيين يعتبر -بحسب بنود الاتفاق- طرفاً من أطراف النزاع ولا يمثل الدولة أيضاً. كما أن عدم ذكر طرفي النزاع صراحة في الاتفاق، يكشف حرج وزارة الدفاع حيال ذلك، لأن فصيلاً هاماً من الجيش الحكومي هو من يتصدر المواجهات العسكرية مع ميليشيات الحوثيين، مسنوداً بمسلحين قبليين يرفضون أن تخضع مناطقهم لسيطرة الحوثيين القادمين من محافظة صعدة، ويتحكمون حتى بنغمات هواتفهم ونمط حياتهم ومعتقداتهم ويفرضون عليهم الإتاوات الباهظة من أجل تمويل أنشطتهم العسكرية التوسعية.
 
ويبدو أن الاتفاق المذكور طبخ في ليل مظلم من قبل بعض المداهنين للحوثي، بل ويبدو من صياغته وكأن الذي كتبه حوثي وليس وزارة الدفاع أو لجنة وساطة، خاصة وأنه بعد الإعلان عنه نفى بعض أعضاء لجنة الوساطة علمهم بذلك، كما نفى بعض الموقعين عليه علمهم بذلك أيضاً، وهذا بحد ذاته يشكل قمة المهزلة من قبل لجنة الوساطة الخاضعة لرغبات بعض الأطراف في السلطة الداعمة للحوثيين أو المتواطئة معهم.
 
وتضمن الاتفاق مهزلة أخرى لا تقل سوءاً عن المهزلة السابقة، حيث نص البند السابع منه على “الشروع الفوري باستكمال التغييرات العسكرية والأمنية والإدارية التي تلبي تطلعات أبناء المحافظة ومطالبهم والتي من شأنها خلق أجواء آمنة ومستقرة للجميع في فتره زمنية لا تتجاوز الشهر”. والمعروف أن التغييرات المزعومة لا تلبي تطلعات أبناء المحافظة الأصليين، وإنما تلبي تطلعات الحوثيين القادمين من محافظة صعدة، والذين يطالبون بتغيير بعض القيادات العسكرية والأمنية والإدارية التي لا تروق لهم، وعلى رأسها اللواء حميد القشيبي، وقد سبق وأن تمت الاستجابة لمطالبهم بخصوص تغيير المحافظ السابق محمد حسن دماج. إلا أنهم -أي الحوثيون- سبق لهم أن منعوا المحافظ الجديد، محمد صالح شملان، من ممارسة مهامه، قبل أن يبدأ بممارستها مؤخراً ربما بعد أن تم التفاوض معهم وسمحوا له بذلك، حيث سبق وأن أرجعوه من الطريق أثناء محاولته الذهاب إلى محافظة عمران وممارسة مهامه، ولم تكلف الدولة نفسها على الأقل إدانة الحادثة، باعتبار الإدانة سلاح العاجزين!
 
وإذا كانت وزارة الدفاع ولجنة الوساطة قد بعثت برسائل طمأنة للحوثيين بأنها ستلبي رغباتهم، خاصة فيما يتعلق بتغيير اللواء حميد القشيبي، إلا أن الاتفاق تجاهل حق أبناء محافظة عمران المعتقلين في سجون الحوثي، ووصف الاتفاق مسلحي الحوثي بـ”المعتصمين سلمياً”، رغم أن مختلف وسائل الإعلام بثت صوراً شاهدها الكثيرون أظهرت الحوثيين في مخيمات الاعتصام وهم يحملون الأسلحة المختلفة.
 
ويدور حديث واسع النطاق في الأوساط السياسية والإعلامية عن اختراق حوثي لوزارة الدفاع ذاتها، وتفيد المعلومات بأن وزير الدفاع، محمد ناصر أحمد، ينتسب إلى من يسمونهم “الحسينيين”، وهم أحد فصائل من يطلق عليهم “الهاشميين”، ويوجد عدد كبير من الموظفين في وزارة الدفاع من الحوثيين، بل فمكتب وزير الدفاع يتحكم في إدارته حوثيون، وبعضهم تربطهم علاقة مصاهرة مع حسين الحوثي، ولعل ذلك يمثل أبرز أسباب حدوث خيانات للجيش من الداخل، من هذه الخيانات إبلاغ الحوثيين بضربات الطائرات الحربية على مواقعهم قبل إقلاعها كي يأخذوا الحيطة والحذر.
 
بالإضافة إلى ما سبق، فالاتفاق المذكور جاء قبيل قرار مرتقب من قبل مجلس الأمن خاص بالشأن اليمني خشية أن يصدر المجلس قراراً بإدانة الحوثي، والملاحظ أنه قبل كل جلسة لمجلس الأمن يبادر وزير الدفاع لعمل هدنة مع الحوثيين لإنقاذهم من أي عقوبات أممية محتملة، وعند الرجوع إلى مسار الصراع سنجد أنه قبل كل جلسة لمجلس الأمن يتم الإعلان عن اتفاق جديد مع الحوثيين، رغم أنهم لا يلتزمون بأي اتفاق، وتاريخهم معروف بخيانة العهود والمواثيق، والاتفاق الذي تم الأسبوع الماضي هو العاشر من نوعه منذ بدء محاولات الحوثيين قبل أشهر السيطرة على محافظة عمران، وقد تم نقضه من قبل الحوثيين بعد ساعات من الإعلان عنه، وقريباً سنسمع عن اتفاق جديد، ولكنه سيكون قبل الجلسة القادمة لمجلس الأمن حول اليمن.
 
وقد أثار تقارب وزير الدفاع مع الحوثيين بشكل ملحوظ حفيظة السلطات السعودية التي صنفت الحوثيين كجماعة إرهابية، ما دفعها إلى الإحجام عن دعم اليمن رغم اشتداد الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد في الفترة الأخيرة، بل ويُلاحظ أن السعودية لم تعد تهتم بالشأن اليمني، ولم تعد تحاول التأثير في المشهد السياسي كما كان في السابق، وفضلت في الفترة الأخيرة العمل من خلال منظومة مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالملف اليمني.
 
هذه التطورات تأتي وسط جدل ساخن في الأوساط السياسية والإعلامية حول مخرجات مؤتمر الحوار الوطني القاضية بسحب أسلحة الحوثيين، وإذا كانت مطالب نزع أسلحة الحوثيين قد تم تجميدها من قبل كبار المسؤولين المخولين بذلك، وعلى رأسهم وزير الدفاع نفسه، فإن المطلوب من هذا الوزير هو أن لا يسلم بقية سلاح الدولة للحوثيين، كما فعل من قبله المخلوع علي صالح ونجله أحمد.
 
مهزلة في العاصمة
 
الملاحظ في الحروب القذرة التي يشنها الحوثيون هنا وهناك، أن من هم على رأس هرم السلطة يوظفون هذه الحروب توظيفاً سيئاً، ويحولونها إلى وسيلة لإضعاف من يعتقدون أنها مراكز قوى أو خصوم سياسيين يشكلون خطراً كبيراً على كرسي الحكم، فالمخلوع علي صالح اتخذ من الحرب مع الحوثيين خلال الفترة 2004 – 2010 وسيلة لتصفية أو إضعاف اللواء علي محسن الأحمر، الذي كان يرى بأنه يشكل خطراً بالغاً على مشروع التوريث. ويبدو أن الرئيس الانتقالي عبدربه هادي يسير على نفس خطى سلفه المخلوع صالح، ويريد تحويل الحرب في محافظة عمران بين الحوثيين من جهة، وفصائل من قوات الجيش والطيران الحربي ومسلحين قبليين من جهة أخرى، يريد تحويلها إلى وسيلة لإضعاف من يعتقد أنها قوى نافذة في شمال البلاد، ويخشى أن تتكتل هذه القوى مستقبلاً في تحالف واحد يطيح به من السلطة.
 
الرئيس هادي يحرص على جعل مشاركة الجيش في المواجهات محدودة حتى لا تحسم الحرب لصالح طرف ضد آخر وتتاح للطرف المنتصر فرصة السيطرة، ولهذا فهو لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي إلا بعد أن يحقق مكاسب سياسية على أنقاض المواطنين وهيبة الدولة.
 
والغريب أن وزير الدفاع يخرج بين الحين والآخر يطلق تصريحات يؤكد من خلالها على حيادية الجيش ووقوفه على مسافة واحدة من الجميع وعدم تدخله في الصراع بين من يسميها مراكز نفوذ أو أطراف متصارعة، مع أن قوات الجيش كثيراً ما تتعرض لهجمات المسلحين الحوثيين، ويضطر الجيش إلى الرد على ذلك بقصف مواقع الحوثيين، ويشاركه في ذلك الطيران الحربي، فأين هي حيادية الجيش في ظل هكذا وضع؟ وما هي أبسط الوظائف الطبيعية للدولة إذا كانت لا تستطيع حماية مواطنيها من إرهاب الميليشيات المسلحة؟
ثم إذا كان وزير الدفاع ينصب نفسه وسيطاً -وكأنه شيخ قبلي وليس وزير دفاع- ويؤكد أنه سيتم الاستجابة لمطالب أبناء محافظة عمران -بحسب ما ورد في بنود الاتفاق- بإجراء تغييرات عسكرية وأمنية وإدارية، رغم أنها في الحقيقة تعتبر مطالب حوثية بحتة، فلماذا لا يسأل نفسه أو يسأل الحوثيين بخصوص مطالبهم في بني مطر وهمدان ومن قبلها أرحب وحجة والجوف ودماج؟ وإذا لم يكن للحوثيين مطالب في هذه المناطق فلماذا يعتدون على الأهالي ويحاولون السيطرة عليها؟ بل وما هي مطالبهم في منطقة الجراف في أمانة العاصمة، والواقعة على طريق مطار صنعاء الدولي؟ ولماذا يكدسون الأسلحة المختلفة في أماكن متفرقة داخل أمانة العاصمة نفسها؟
 
وإذا كانت محافظة صعدة قد سقطت بيد الحوثيين في أواخر عهد المخلوع علي صالح، ومحافظة عمران على وشك السقوط بيد الحوثيين في عهد الرئيس هادي، فإن قمة المهزلة -في عهد الرئيس هادي- أن تهان الدولة حتى في أمانة العاصمة، حيث تسيطر ميليشيات الحوثي على حي بأكمله، وتقوم بحراسة مقرها الرئيسي الواقع داخل هذا الحي بمختلف أنواع الأسلحة، وتحاصر الحي وتمنع الدولة من الدخول إليه، وتنصب النقاط العسكرية وتقوم بتفتيش المواطنين الداخلين والخارجين منه بشكل استفزازي، وكأن هذا الحي خارج نطاق الدولة، وكأن مقر الحوثيين داخل أمانة العاصمة يختلف عن مقرات مختلف القوى السياسية.
 
وتزداد إهانة الدولة وتبرز بشكل واضح عندما أرسل الرئيس هادي، بعد ساعات من أحداث الجراف التي شهدتها أمانة العاصمة مطلع الأسبوع الماضي، وفداً للحوثيين برئاسة نائب رئيس مجلس النواب محمد علي الشدادي، ونائب وزير الداخلية علي ناصر لخشع، وقال الحوثيون أن الوفد قال لهم بأن ما جرى كان تصرفاً أحادياً، مع أن اللجنة الأمنية أكدت في بيان لها أن الحوثيين هم من اعتدى على رجال الأمن، فلماذا إذن يتصرف الرئيس هادي بعيداً عن أجهزة الدولة ويسمح بإهانتها على هذا النحو؟
 
الطريقة التي يسلكها الرئيس هادي ووزير دفاعه في إدارتهم للصراع القائم في شمال الشمال، والذي تثيره ميليشيات عبدالملك الحوثي في أكثر من جبهة، تعني -بحسب كثيرين- أنهم يغذون الحرب سراً ويتظاهرون بمحاولة إيقافها في العلن، وهي نفس الطريقة التي كان يدير بها المخلوع صالح الحرب، وها هي البلاد مازالت تدفع ثمن تلك الأخطاء الكارثية، ثم يأتي الرئيس هادي ووزير دفاعه ويكررون نفس الأخطاء.
*صحيفة الناس

Total time: 0.0415