تظل الدولة ضامنة لحريات الناس وحقوقهم وحرياتهم وأمنهم ومصالحهم العامة والخاصة، وكلما قامت الدولة على أسس صحيحة من العدل والمساواة وحسن الإدارة ارتقى الشعب واتجه نحو البناء والعمل، وتنافس أبناؤه في خدمة وطنهم، فينعكس ذلك على كل مواطن كرامة وعزة داخل البلاد وخارجها.
وفي أسوأ الأحوال يبقى وجود الدولة ولو كان ضعيفاً أقل ضرراً من انكسار الدولة أو تلاشيها، لأن البديل ليس سوى الفوضى، وإذا أراد الناس الاستقرار والسلام فلن يجدوا أفضل من وجود دولة تأخذ حقوقها منهم وتؤدي واجباتها نحوهم، تحفظ دماء وأعراض وأموال الجميع، وتأخذ على يد الحمقىٰ والمتهورين. ما نزال في اليمن نحبو لإقامة الدولة المنشودة، وقد تعاقب على اليمن قديماً وحديثاً حكام اعتمدوا على التوازنات، ولم يتفرغوا لبناء دولة عادلة ضامنة، يتم التداول عليها بالطرق السلمية.
أخيراً وضع اليمنيون ثقتهم في مخرجات الحوار الوطني وفي الدول الراعية للتسوية السياسية، لكن الخطوات العملية لم تبدأ، ولا يبدو أن الدول الراعية حريصة على نجاح التجربة اليمنية، وإذا لم يتم تدارك الأمر من قبل الأخ رئيس الجمهورية والقوى السياسية فإن الجميع سيدفعون ثمن انهيار الدولة، بما فيهم من يظنون أنهم مستفيدون من حالة الضعف والانكسار الذي يسبق التلاشي لا سمح الله.
الدولة التي ترى مفجري أنابيب النفط وناسفي أبراج الكهرباء ولا تحرك ساكناً بحجة أنها تلتزم الحياد، والدولة التي ترى جماعات مسلحة تسطو على المديريات والمحافظات وتفرض نفسها بالقوة ثم تقف على الحياد، والدولة التي ترى النهب والسلب (والخِطَاط) فوق المواطن وتكتفي بالترجي والتوسط، ثم تسلي نفسها بأنها ستظل على الحياد، هذه دولة تتخلى عن مسؤوليتها، وتدعو بلسان حالها إلى الفوضى، وتشجع على تشكيل كيانات مسلحة تدرأ عن نفسها العدوان، فليس كل الناس يقبلون الذل والهوان...
ليس المطلوب أن تنحاز الدولة لطرف ضد طرف، ولا أن تجامل حزباً وتخذل آخر، ولكن هذا لا يبرر ضعفها وهي قوية، ولا يعفيها أن تقوم بالحد الأدنى من واجباتها وهي تعلم أنها قادرة، وعليها أن تبسط سلطتها الدستورية والقانونية، وتوقف المخطئ والمعتدي والظالم والعابث، وإذا لم تحمِ مواطنيها من كل تهديد، فما الجدوى من وجودها!؟
كل من يرضى أو يشجع على انهيار الدولة - مهما كانت دوافعه - ستحرقه نار الفوضى اليوم أو غداً، ويجب أن لا نعوّل كثيراً على المجتمع الدولي الذي يبحث عن مصالحه، والتي قد تكون في استقرارنا أحياناً وفي دمارنا أحياناً أخرى، وعلينا أن لا نتوقع أن يكونوا أحرص منا على سعادتنا ومصالحنا، وكل الشواهد تؤكد هذه الحقيقة!!
الذين ينظرون إلى ما حدث في عمران أنه ليس انكساراً للدولة وضياعاً لهيبتها - نكاية بالإصلاح - عليهم أن يفكروا بالآثار الكارثية في المستقبل والتي ربما يصعب علينا تخيّلها. ظلت عمران محاصرة بالميليشيات المسلحة من فبراير الماضي، ولم تتخذ الدولة إجراءات صحيحة لإنهاء الاحتقان، وظلت توجيهات وزارة الدفاع إلى آخر لحظة تطلب من القائد القشيبي الصمود وتعده بالمدد، وتعزز ذلك بطلعات الطيران وإرسال كتائب المدرعات لفك الحصار إلا إنها اكتفت بالمرابطة على مشارف صنعاء!!
وأخيراً اتُخذت قرارات بتغيرات عسكرية، لست من المتشائمين منها لأنها صادرة من الدولة، ولو أنها استكملت بإجراءات عملية لإعادة المياه إلى مجاريها، وفتح تحقيق في كل ما حدث، ومحاسبة كل من أجرم بحق الشعب والدولة، وكذا العمل لتأمين النازحين وعودتهم إلى منازلهم في جميع المناطق التي شُردوا منها في عمران وصعدة وغيرها، وبسط سلطة القانون على الجميع، وتبني مصالحة تنهي كل أسباب النزاع مستقبلاً، هنا يمكننا أن نقول بأن الدولة موجودة ولم تتلاشَ بعد؛ وما يزال الوقت أداءً (ومن أضاع الحزم في أوقاته ندم!!).