سألني أخٌ كريم فقال: شيخنا - أحسن الله إليك - ما رأيك فيمن يقول: إنَّ أطفال فلسطين لم يقتلوا تحت راية التوحيد, وأنَّهم قتلوا تحت رايةٍ عمية علمانية, وأنَّ حماس هي التي تتحمل مسؤولية قتلهم لأنَّها لم تصحح رايتها؟
فأقول: أيها الفاضل هذا الكلام الذي نقلته -بغض النظر عن قائله- لا شك ولا ريب في سقوطه وبطلانه وذلك من أوجه:
1/ أنَّ الجهاد القائم اليوم في فلسطين والشام والعراق وغيرها من بلاد الإسلام جهاد دفع؛ ومعلوم أنَّ جهاد الدفع لا يشترط له شرط كما هو مقرر عند العلماء, قال شيخ الإسلام بن تيمية : ( وأمَّا قتال الدفع فهو أشدُّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجبٌ إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نصَّ على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم.) أ.هـ.
ومن ذلك الراية والإمام والجماعة والأمير وغيرها .. وليس معنى ذلك عدم السعي لتحقيقها وإيجادها, وإنما المراد ألاَّ يكون عدم وجودها مانعاً من الجهاد والقتال دفعاً للكفار الصائلين على بلاد الإسلام.
2/ ولعلي أزيد ذلك بياناً بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ قُتِلَ دُونَ ماله فهو شهيد ». أخرجه البخاري ، وأبو داود, والترمذي، والنسائي. وعند الترمذي ، وأبي داود من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه -: قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فِهو شهيد».
وفي هذه الأحاديث بيان حال من قتل مدافعاً عن دينه وعرضه ونفسه وماله وأنَّه شهيد .. ولم يشترط الحديث أي شرط سوى كون المرء مظلوماً قتل وهو يدافع عن هذه الضرورات .. طبعاً مع تحققه بالإسلام في خاصة نفسه؛ لأنَّ من شرط النجاة من النار ودخول الجنة التوحيد والإسلام.
3/ أنَّ أطفال فلسطين ومنهم أطفال غزة ونساء وشيوخ وشباب ورجال فلسطين كلهم مظلومون معتدى عليهم, والظالم لهم والمعتدي عليهم بينٌ واضح وهم اليهود, وقتلى الفلسطينيين نرجو الله لهم الشهادة ونحتسبهم عند الله شهداء .. فكيف يقال: إنهم لم يقتلوا تحت راية التوحيد؟؟!!! فهل هم مبتدئون قتال أو حتى قادررون على دفع القتال عن أنفسهم.
وأمَّا حماس والجهاد الإسلامي وكتائب المقاومة الإسلامية جميعهم فهم مدافعون لهذا العدوان اليهودي صادُّون لهذا الصيال الصهيوني .. فكيف يقال: إنَّ حماس تتحمل مسؤولية قتلهم حتى تصحح رايتها ؟؟!!! إنَّ تحميل حماس مسؤولية ودماء من قتلهم العدو وهي تدافع وتستميت غاية جهدها في الدفاع عنهم .. قول ساقطٌ غاية السقوط وكلامٌ متهافتٌ النهاية في التهافت .. بل هذا الكلام يتوافق مع كلام اليهود الصهاينة وأذنابهم من الطواغيت والعلمانيين والليبرالين فإنهم هم من ملئوا الدنيا ضجيجاً بإلقاء اللوم على حماس وتحميلها المسؤولية جراء ما يحدث في غزة.
4/ القول بأنَّ الأطفال غير المكلفين ماتوا تحت راية غير راية التوحيد .. قولٌ ساقطٌ متهافت مشعرٌ بأنهم ماتوا على الشرك والكفر .. وأطفال المسلمين تبعٌ لآبائهم المسلمين في أحكام الدنيا والآخرة بلا خلافٍ أعلمه بين أهل السنة والجماعة. وأما أطفال الكفار فقد اختلف العلماء في مصيرهم, والتحقيق وكلْ ذلك إلى الله تعالى, وأنْ نقول كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". ونسكت ولا نخوض في شيءٍ من ذلك, وقريبٌ من هذا القول القول: بأنهم يمتحنون ويختبرون يوم القيامة. والله أعلم.
5/ وصف راية حماس بأنَّها غير راية توحيد لكونها سلكت في التغيير سبيل المشاركة في العمل السياسي الديمقراطي مشكلٌ؛ وذلك من جهتين:
أ- أنَّ حماس والإخوان المسلمين والسلفيين المشاركين في العملية السياسية الديمقراطية لم تكن مشاركتهم عن تبنىٍ للنهج الديمقراطي وتقرير حاكمية غير الله تعالى وتسويغ التشريع من دون الله وتحليل ما حرم الله تعالى وتحريم ما أحل الله تعالى وإنَّما كان ذلك على جهة التأول والشبهة فيما يظنونه هم سبيلٌ للتمكين للإسلام أو دفع مفاسد أعظم وتحقيق مصالح أكبر ومقاومة العلمانيين والتشريعات المضادَّة للإسلام عبر هذه الوسيلة ونحو ذلك من الشبهات والتأويلات, بل الظنُّ بهم كفرهم بالديمقراطية وبغضهم لها وعدم تعظيمها, ولكن لسوء فهمهم وضعف بصيرتهم ظنَّوا أنَّهم سيقوضون الديمقراطية من داخلها, وهذا الصنيع مع ضلاله وبطلانه وانحرافه لا يبلغ بمن سلك هذا المسلك الكفر.
ب- أنَّ من الغلو البين تكفير حماس – قيادة وأفراد أو قيادة فقط - أو حتى جعل المسألة مسألة خلافٍ سائغ؛ وهذا تكفير تفريع عن مسألة تكفير أعيان الإسلاميين المشاركين في المجالس النيابية, وهذه القول لا يعرف قائل به من أهل العلم الراسخين في العلم ولا من الفحول المحققين في مسائل الاعتقاد بل حتى من أئمة الجهاد علماء وأمراء, لا يعرف عنهم لا تكفير حماس ولا تكفير عامَّة الإسلاميين المشاركين في المجالس النيابية, وهذا القول لم يقله من أئمة الجهاد لا الشيخ أسامة بن لادن ولا الشيخ العلوان ولا أبو يحي الليبي ولا عطية الله الليبي ولا الدكتور أيمن الظواهري ولا أبو قتادة الفلسطيني ولا أبو الوليد الغزي الأنصاري - رحم الله الأموات وحفظ الله الأحياء - ولا أعلم أحداً قاله من علماء الجهاد اللهم إلا الشيخ الفاضل الجليل أبو محمد المقدسي وهذه غلطة عالم و زلة حكيم لا يُسقط بها نعم ولا يُتبع عليها.
وقد أثيرت مسألة تكفير حماس في أواسط العقد المنصرم إبَّان ترشح حماس في الانتخابات الفلسطينية وفوزها ودخول جملة من أعضائها المجلس التشريعي الفلسطيني, وقد كتب حينها في هذه المسألة الكثير من الكتابات ومن أفضل ما كتب بحثان للشيخ المفضال والأستاذ القدير/ عبد العزيز بن شاكر الرافعي