لا يمكن فصل حالة الانفلات الامني في اليمن عن عن حالة الوضع السائد في دول الربيع العربي واثر التدخل الخليجي المضاد لهذه الثورات المعزز بالدعم المالي والسياسي والاعلامي والتسليح وممارسة سياسة الاستقطاب والاقصاء داخل دول الربيع العربي الذي تراجع وتعقد واجهض في بعض الدول نتيجة السياسة الخليجية التي اعلنت رفضها لثورة الربيع العربي التي اندلعت ربيع العام 2011م.
الموقف السياسي الرسمي الرافض لثورة الربيع العربي سببه يقين دول الخليج العربي من انتقال الربيع الغاضب الى شعوبها، حكام الخليج يدركون يقينا ولا محالة من زحف نيران الثورة بإتجاه قصورهم لمعرفتهم برغبة شعوبهم بالتغيير كحاجة ضرورية من اجل الحرية والعدالة والمساواة وتوظيف الثروة لصالح الانسان وخدمة وتطوير المجتمع والسعي لتحقيق نهضة شاملة لاستغلال الطفرة المالية بسبب الثروة النفطية الهائلة ومغادرة سياسة الاعتماد على الخارج والقضاء على مظاهر التحضر المزيفة بالاعتماد على تعميق ثقافة الاستهلاك والبذخ دون وجود مقومات علمية وصناعية استراتيجية لاستغلال وفرة الايرادات الضخمة للتحول التنموي اسوة بالدول الصناعية النامية التي حققت نهضة كبيرة في الصناعة والتعليم دون ان يكون لديها الثروة الموجودة لدى دول الخليج.
شعوب الخليج العربي من اكثر شعوب العالم حاجة للتغيير نتيجة سوء الادارة الحاكمة لدول الخليج التي تفتقد للتخطيط الاستراتيجي لاستغلال الثروة وافتقار شعوب الخليج للحرية والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية ، غياب الديمقراطية في هذا العصر اصبح امرا غير مقبولا ولا يتماشى مع تطور تكنولوجيا وسائل الاتصال الذي جعل من العالم قرية صغيرة.
لا يمكن قياس مستوى التطور والتنمية والنهضة بمجوعة من المظاهر العمرانية المستوردة موادها وفكرتها ومنفذها من الخارج وتشييدها على ارض كانت صحراء قاحلة ، ان التطور "الكاذب " الذي تعيشه دول الخليج لا يعدو اكثر من عملية تخدير طويلة اقفلت بسببها سياسة التطوير والنهضوض الذي يعتمد على تغيير البنية التحتية للقوة البشرية بالدرجة الاولى من خلال نقل التجارب العلمية الناجحة من الدول الصناعية الى مجتمعات دول الخليج التي تفتقر الى التعليم المتقدم الذي يعتبر اساس البنية التحتية للدول المتقدمة والتي قامت بنقله دولا كانت تعاني من الفقر وتحولت تحولا تنمويا كبيرا واستطاعت القضاء على الفقر وتصنف اليوم على انها البديل للدول الصناعية الكبرى ومنها مثلا كوريا الجنوبية وماليزيا والصين والهند واندونيسيا وتركيا والبرازيل ، وهذه الدول كانت في خمسينيات القرن الماضي دولا هامشية وبعضها يفتقر للموارد الطبيعية مثل كوريا الجنوبية التي عملت على ايجاد بديل استراتيجي للثروة الطبيعية بالتوجه نحو استثمار الانسان بإعتباره المصدر الاول للنهوض التنموي وهذا بعكس دول الخليج التي تمتلك 40% من الثروة النفطية في العالم وتمتلك مقابل هذا اعلى نسبة تخلف علمي واقتصادي وتنموي حقيقي في العالم.
لا يمكن المقارنة بين كوريا الجنوبية وبين دول الخليج في خمسينيات القرن الماضي وبين الحاضر ومدى القفزة العلمية والصناعية والتكنولوجية التي حققتها كوريا وبين الفجوة الهائلة عند دول الخليج التي لازالت تستورد اكياس بلاستيك الفضلات " القمامة " من الخارج وقياسا على ذلك تستورد كل مستلمزمات وحاجات ووسائل الحياة من مخيط الابرة الى الطائرة ومابينهما كثير وكبير وباهض الثمن ويحكي عن سياسة متخلفة وثقافة كل همها اشباع البطن والعين بالبهرجة المستوردة لكل حاجات الحياة والتي يطلق عليها في الخليج بأنها النهضة والتقدم والتطور!! .
طلائع هذا الجيل في الخليج وصل الى قناعة كاملة بفشل السياسات المشيخية الحاكمة واقتنع بأن هذه العائلات هي مصدر اساسي للتخلف وبقاء التخلف وبناء على هذه القناعة صار التغيير حاجة اساسية للالتحاق بدول العالم النامي من اجل توظيف الطفرة المالية الناتجة عن الثروة النفطية لصالح الشعب ، والانتقال بالتغيير لن يتم الا بالمشاركة الشعبية في صناعة القرار ولن يتحقق هذا الا بالقضاء على العائلات الحاكمة التي اصبح الجيل الجديد داخلها يبتكر اساليب جديدة لبعثرة الثروة خارج حدود دول الخليج لاشباع رغبات ونزوات طائشة ليس لها علاقة بخدمة شعوب الخليج وامنها وبدلا من التطور في جوانب العلم والتنمية اصبح طائشوا هذه العائلات يتآمرون على شعوب الدول الشقيقة ويقومون بتمويل هذه المؤامرات بمليارات الدولارات من اجل ان تبقى شعوب تلك الدول تحت سيطرة الظلم والتخلف والقهر والحرمان والحفاظ على هذه السمات دون تغيير لقناعة العائلات الحاكمة لشعوب الخليج العربي بأن اي تغيير سينعكس اثاره على حكمهم وتنتقل رياح التغيير الى شعوبهم والاطاحة بهم امر حتمي ..
لهذا ليس غريبا هذا الانفلات الامني والحروب الاهلية وعدم الاستقرار السياسي التي تتعرض لها دول الربيع العربي وخاصة ليبيا واليمن وسوريا التي تعاني من انفلات امني شديد وغياب الدولة المركزية وبروز جماعات مسلحة تتوزع على جغرافية هذه الدول وتمارس العبث بالامن والثروة كما هو الحال في سوريا وليبيا التي نجح المال الخليجي في اجهاض ثورة التغيير الشعبية هناك واجهضت احلام الاجيال التي تحملت عناء التغيير ونجحت في القضاء على رموزه واوكاره ، نجح المال الخليجي كليا بإعادة مصر الى حاضنة سيطرة الفرد والعسكر بعد ان سجل شعبها افضل انتصار في القرن الحالي من خلال ثورة سلمية ابهرت وحيرت العالم وانتصرت على اعتى طغاة وعسكر العالم وتنفس الشعب المصري العظيم الصعداء ولاول مرة يمارس المصريين حقوقهم السياسية بالمشاركة في اختيار الحاكم والبرلمان بحرية تامة شهد لها العالم، كل ذلك النجاح اقلق الجيل الطائش والمراهق داخل العائلات الحاكمة لشعوب الخليج وهو مادفعهم لتحويل قصورهم وخزائنهم واعلامهم ومؤسساتهم السياسية لحشد العملاء والمرتزقة وخبراء الانقلابات لادارة مؤامرة دعم اجهاض هذا التغيير الذي استخدموا لنجاح الاجهاض كل الوسائل المادية والمعنوية ووظفوا علاقاتهم السياسية من اجل هذا العمل القذر وصرفوا المليارات لشراء مواقف الدول الكبيرة للتخلي عن دعمها للتغيير في دول الربيع العربي وقد نجحوا في اعاقة التغيير من خلال نشر الفوضى والقضاء على الامن داخل هذه الدول.
سابقة خطيرة ولاول مرة يقوم بها حاكم خليجي وبشكل علني ان يعلن العداء لشعب فلسطين ومقاومته الباسلة ولاول مرة تقدم دول الخليج دعما ماليا وسياسيا لدولة الكيان الصهيوني الغاصب ولاول مرة يتجرأ قادة العدو الصهيوني بالتفاخر والمجاهرة بقوة التحالف الخليجي ودعمها لحرب اسرائيل على غزة وصدرت هذه الاعترافات على لسان حكام دولة اسرائيل وعلى فضائياتها وصدرت ايضا على لسان مسئولين امريكيين واوربيين ولم يتوقف مستوى المؤامرة والخيانة الخليجية عند هذا المستوى بل انهم مارسوا ضغوطات على اسرائيل بعدم القبول بأي هدنة مع المقاومة الفلسطينية وتكفل حكام الخليج بدفع فاتورة الحرب لاسرائيل مقابل قيامها بمسح غزة من الوجود كما نشر في وسائل اعلام عالمية ، وبعد فشل اسرائيل عسكريا هذه المرة اتفق خونة الخليج في السعودية على تقديم الدعم المالي والعسكري لصنيعتهم ( السيسي) للقيام بمهمة شن حرب عسكرية على غزة وهي المهمة قيد التخطيط.
الأمن المفقود ... لن يكون حالة خاصة باليمن :
مواطني شعوب الخليج ليست مغيبة عن رصد ومتابعة الممارسات الكارثية من قبل الجيل الطائش للعائلات الحاكمة لدول الخليج ، ولم يعد المواطن الخليجي هو ذاك المواطن السلبي المستسلم حفاظا على الهبات المالية التي تمنحها العائلات الحاكمة لهم لاشباع رغباتهم وحاجاتهم المعيشية والترفيهية ، الشعب الخليجي الان يعيش حالة غضب داخلية وان انفجار هذا الغضب هو مسألة وقت وان بوادر الحمم البركانية بدأت تتقاذف داخل فضاء الاعلام الحر ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعد هاجس القلق الاول لحكام الخليج وهي الوسيلة المتوفرة امام شعوب الخليج التي تعاني من الكبت والحرمان والاضطهاد السياسي ، وشعب الخليج مثله مثل باقي شعوب العالم تواقا ومتعطشا للحرية السياسية وممارسة حرية الرأي والتعبير والحقوق السياسية والمدنية اسوة بباقي شعوب العالم ، هذا الفهم النوعي لم يدرك خطورته حكام الخليج الذين لازالوا يمارسون سياسة الاستبداد والكبت والقهر وحظر الشعب عن المشاركة ونزع صفة حقوقه من الثروة وما يصرف لهذه الشعوب هو عبارة عن مكرمة ملكية واميرية!! .
حالة الانفلات الامني والسياسي في دول الخليج هي المرتقبة كنتيجة طبيعية وحتمية على فشل سياسة العائلات الحاكمة لشعوب دول الخليج وهي انعكاس طبيعي للتحول الكارثي والتدخل بتدمير دول المنطقة كلها والقضاء على كل بادرة نجاح تؤهل الشعوب للتخلص من انظمتها القمعية ، بوادر ثورة الربيع التي انتقلت عام 2011 الى سلطنة عمان والبحرين واستعداد شعبي داخل مناطق السعودية واجهضت بالمال والقوة الامنية ماهي الا إشارة انذار تنبئ بمدى الوعي الشعبي العام الغاضب الذي يسيطر على شعوب الخليج ، تلك الاشارات الايجابية هي في حالة تكاثر وتزايد وان حالة الهيجان باتت اقرب للانفجار.
الشعب الخليجي لم يعد مغيبا عن الاحداث ولم يعد خارج دائرة التأثير والتأثر العالمية ولم يعد مجرد متلقي لما يقدم له من مبررات وشعارات تضخ عبر وسائل الاعلام الرسمية التي تفتقد لابسط درجة من المصداقية والمهنية ، صحوة المواطن الخليجي اصبحت مصدر قلق للعائلات الحاكمة التي توظف اجهزة حماية الدولة الامنية لرصد ومتابعة تغريدات الشباب على تويتر ، ليس غريبا مساعي الملك السعودي طريح الفراش تقديم عرض مالي كبير لشراء موقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك) بمبلغ ستمائة مليار دولار امريكي لشعوره بالخطر على مستقبل حكم عائلته للسعودية ( بلاد الحرمين) التي باتت على خطر امام هذه التقنية التي يستعصي على الاجهزة البوليسية وقفها او التحكم بها ورغم رفض فيس بوك رفض الطلب بسبب معرفة القائمين عليه لتعارضه مع الحرية التي وصلت اليها الانسانية ولا زالت السعودية تسعى لايجاد الية للتحكم على هذه التقنية تؤهل الرقابة الامنية من التحكم على الخدمة ومراقبة مستخدميها.
لن ينعم الخليج بنعمة الامن بعد تفريطهم بأمن كثير من الشعوب العربية والاسلامية وتمويل الفوضى والخراب فيها بمليارات الدولارات ، استحالة ان يكون الامن حالة متوفرة لدول الخليج وهي تمول تدهور الامن بمصر وليبيا واليمن وسوريا وتونس ، كارثة وتجاوز وخرق للقانون الدولي قيام دولة الامارات بإرسال طائراتها الحربية لضرب ليبيا التي انتصر شعبها على المؤامرة الخليجية " حفتر " وهزيمته وهروبه ، سابقة خطيرة قامت بها الامارات ان تمارس التدخل العسكري المباشر بعد فشل التمويلات الضخمة والمفتوحة التي قدمت لثورة لببيا المضادة بقيادة حفتر ، ان هذا الانتهاك لايمكن ان تجاهله من قبل شعب الامارات وباقي شعوب دول الخليج العربية التي تعرف ان هذا التدخل يدفع من اموال الشعب صاحب الاولوية بالتصرف بهذا المال ، لم يعد الشعب الخليجي يتحمل نزوات وطيش محمد بن زايد ومحمد بن نائف واولاد خليفة البحرين وصباح الكويت ، انهم يسطرون عوامل تعبئة الغضب الشعبي بتصرفاتهم هذه وانها الوقود للثورة الشعبية في دول الخليج.
الانفلات الامني الذي تعاني منه اليمن ( البلد الجار لدول الخليج) سببه التمويلات المالية الضخمة التي تقدم للجماعات المسلحة وانصار النظام السابق من اجل قمع واجهاض ثورة الشباب التي اقتلعت واحد من اكبر طغاة العالم واصبحت دول الخليج هي الراعية والممولة للتخريب والانفلات الامني من خلال دعمها الكبير لجماعة الحوثي المسلحة وانصار الشريعة القاعدة بواسطة علي عبدالله صالح وحزبه سعيا منهم لافشال الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق والمرحلة الانتقالية التي فرضتها ثورة الربيع اليمني .
دعم جماعة الحوثي والقاعدة بأموال خليجية وبواسطة علي صالح يأتي نتيجة خلل استراتيجي في منظومة الامن القومي لدول الخليج التي تفتقد لوجود رؤية واضحة عن طبيعة هذه الجماعات واهدافها السياسية ومدى توافقها مع مايهدد امن دول الخليج من عدمه.
استحالة انعدام الامن في اليمن الممولة بالمال الخليجي السعودي الاماراتي لايمكن ان تعود بإستقرار الامن في دول التمويل الخليجي بسبب ان هذا التمويل ناتج عن عدم رؤية استراتيجية للحفاظ على الامن القومي الخليجي ويعتبر انحراف واختراق لهذه المنظومة حين تقدم تمويلات هائلة وضخمة لجماعة تعتبر امتداد للدولة التي تمثل الخطر الكبير لتهديد امن الخليج ( ايران) ، كيف يأمن الخليج بعد دعمه لجماعة الحوثي للسيطرة على اليمن او جزء منها وهي اليد الاولى لايران في خاصرة الخليج الجنوبية ، شعوب الخليج تعرف مدى هذا الانحراف الناتج عن سياسة الطيش والهستيريا المتفوقة بالمال لقمع ثورات الربيع العربي وقمع التيارات الاسلامية ذات الاغلبية الشعبية في دول المنطقة.
دول الخليج ونتيجة خلل في منظومة الامن القومي لديها تمول جماعات في اليمن وغيرها تهدد الامن الخليجي وهي امتداد لإيران التي تسعى من اجل احكام السيطرة على دول الخليج وتضييق الخناق عليها وسيطرتها على المنافذ والمواقع الاستراتيجية ، هذا الخلل لن يكون اليمن مسئولا عنه بعد نجاح جماعة الحوثي في اليمن .
شعوب الخليج هي المعني الاول بالتنبه لهذا الاختراق وهذا الخلل وعليها ممارسة دورها عبر مختلف الوسائل المتاحة لانها صاحبة الحق وهي المستفيد الاول من الامن وليس العائلات التي وصلت الى درجة (البطرة ) والتصرف بالثروة لجلب الاخطار وتنمية الغضب العام خارج حدود دول الخليج وهذا سيكون له نتائج سلبية مستقبلا على مصالح دول الخليج .