منذ أن اصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي ( نتن ياهو) تصريحه الزئبقي ( التهدئة مقابل التهدئة) ، ردا على إعلان حماس التهدئة ، وبتنسيق مع حكومة تركيا التي تربطها علاقات حميمة – تبدو أنها علاقات – من تحت الطاولة السياسية ، أدركنا أن تلك العبارة له العديد من المداليل ، ولكن من وجه نظر الرؤية الصهيونية المحضة إذ أن الهدنة بالتهدئة تعنى من وجه النظر الصهيونية ، أن الجيش الإسرائيلي هو الذي يفرض التهدئة ، والتي كانت للأسف مشروطة ، وبرضي عربي وتركي أن التهدئة تكون من قبل الفصائل الفلسطينية ، بالكف عن أي شكل من أشكال المقاومة ،ومن حق إسرائيل ضرب ومطاردة من تعتبر أنهم مطلوبين يشكلوا خطر على أمنها ، وبالفعل لاحظنا تلك التوجهات المتمثلة بتهدئة مقابل تهدئة ولكن الاغتيالات تبقى زيادة ، وشواهد ذلك كثيرة منها :
اولا : (قُتل مقاومين من حركة الجهاد الإسلامي في غارة نفذتها طائرة استطلاع إسرائيلية، الأحد (27 مارس- آذار 2011) شمال غزة غداة إعلان الفصائل المسلحة التزامها بالتهدئة ووقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
ثانيا : اغتيال ثلاثة مقاومين فلسطينيين وإصابة مواطن بجراح متوسطة في قصف طائرة استطلاع إسرائيلية لسيارة مدنية بالقرب من مفترق (أبو هولي) على شارع صلاح الدين شرق بلدة دير البلح وسط قطاع غزة ، وقالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أن اغتيال خلية 'حماس' بغزة الليلة الماضية ، لا يعتبر خرقا للتهدئة بل يدخل ضمن سياسة الدفاع عن امن مواطني الدولة العبرية ومنع تعرضهم للخطر ، ومن هذا الادعاء نفهم مفهوم التهدئة بالتهدئة ودخول محك الاغتيالات كزيادة فقط ولكن دون إحداث خلل فى التهدئة ؟
وقالت ان 'قتل وتصفية عناصر ما أسمتهم (بالإرهاب) في كافة التنظيمات ستتواصل لما تشكله تلك العناصر من خطر على الفلسطينيين والإسرائيليين وعلى مستقبل الهدوء بين غزة وإسرائيل'.
وأوضحت المصادر انه 'قد جرى تصفية حساب مع احد اخطر عناصر (الارهاب) في غزة زاعمة ان 'إسرائيل لا تنوي التصعيد على حدود غزة وان العملية جاءت في نطاق ردود مركزة ستستمر لوقف تهديد امن إسرائيل للخطر'. وبالغوص تحليليا في تلك العبارات يدرك مدى خطورتها ويفهم الأبعاد السياسية التي توصل إليها الوسطاء ، سواء كانوا عرب مستعربة ، أم أتراك طورا نيين، وكل ذلك يؤكد أيضا تؤكد صحة زعمنا .
. من هنا نرى أن استئناف التهدئة بين إسرائيل و حماس ومن اتفق معها من فصائل ، يخدم مصالح مؤقتة لدى الطرفين لكن استمرار هذه التهدئة - الهشة – باعتقادنا مرتبط بالتغيرات الإقليمية والعربية المجاورة . ومع أن الجانبين على طرفي نقيض، فهما يجتمعان في المصلحة المتبادلة للتهدئة 'لضمان الحفاظ على الواقع الموجود'، إن حماس 'ألزمت' الفصائل بالتهدئة 'للحيلولة دون قيام إسرائيل بحرب' على غزة. رغم المحاولات المتكررة من قبل إسرائيل لجر حماس لضرب صواريخ للأسباب التالية :
-استفزاز حماس وفصائل المقاومة لضرب صواريخ متنوعة لاختبار مدى فعالية القبة الحديدية ، والتى حققت نجاح جزئي لم تعلن عنه إسرائيل كخديعة سياسية ..
-معرفة أنواع الصواريخ ومصادرها التي تزعم إسرائيل أنها حصلت عليها من بلدان إقليمية ومجاورة ..
أما على الصعيد الاسرائيليى : ما تقوم به إسرائيل من تفعيل سياسية الاغتيالات وتوغلات محدودة يرجع إلى الأسباب التالية :
-ترقب إسرائيل التغيرات في المنطقة العربية. وما تنتج عنه من حكومات ومدى شكلها وطبيعتها وثوريتها .
-محاولة لفت أنظار العالم إلى إرهاب الفلسطينيين حسب زعمهم في الوقت الذي تتأهب فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها المقرر في أيلول (سبتمبر) لدراسة الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967
- محاولة تضييق الخناق على الرئيس محمود عباس ومحاصرته ، ضمن منطقة محددة، خاصة بعد النجاحات الدولية وإحراجه لإسرائيل ، ونزع اعترافات دولية بفلسطين وهذا ما عبر عنه دهاقنة العمل السياسي الصهيوني حين قالوا ( إن صواريخ أبو مازن السياسية أخطر علينا من الصواريخ الفلسطينية التي تنطلق عبر حدود غزة ) .
وانطلاقا مما تشهده ساحات غزة نرى أن التهدئة 'هشة' لأنها لا تستند إلى مقومات أمنية او سياسية ' لأنها ترتبط بمبدأ المصلحة المؤقتة ، وستنهار في كل لحظة وتعود التهدئة من جديد وتعود الاغتيالات ، وفى النهاية نري أن المواجهة مع العدو حتمية ، ولا تحتاج إلى تزين ومحفزات ومحسنات ، لأن معركتنا مع الاحتلال واليهود أصبحت جزء من القوانين الطبيعية غير الترجيحية . د. ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي كاتب باحث – المستشار السياسي لمبادرة المثقفين العرب