مازال الرئيس صالح يراهن على عامل الوقت ليستسلم الثوار المطالبون برحيله ويقبلون بالتفاوض والجلوس على طاولة الحوار وتحديد آليات الإنتقال السلمي للسلطة خلال فترة زمنية محددة وأعتقد أن الرئيس صالح مستعد للتنازل عن السلطة وكرسي الرئاسة بعد الثورة الشعبية التي يواجهها لكن ليس بالطريقة التي يرغب بها خصومه ولا يود أن يذكر التاريخ أن رحيله كان بثورة شعبية قامت ضده ولايحب أن يسمع كلمة الرئيس المخلوع أو الهارب .
صالح يعيش أسوأ أيام في حياته ويواجه مأزق لم يحلم به في ماضيه مطلقاً ويبدو أنه نادم جداً على تراجعه عن قرار عدم الترشح لرئاسة الجمهورية والذي أعلنه يوم ذكرى جلوسه على العرش عام 2005وتراجع عنه بعد ذلك العام التالي في مسرحية هزلية شهدها العالم وصرح بعد ذلك أن تراجعه عن ذلك القرار لم يكن إلا نتيجة للضغوط الشعبية التي خرجت تطالبه بالتراجع عن قراره وليدخل إنتخابات عام 2006الرئاسية ليتنافس مع الراحل فيصل بن شملان مرشح المعارضة وقد ظهر الرئيس في تلك الإنتخابات مهزوزاً ولجأ إلى أساليب ملتوية لكسبها بتخويف الناس من القاعدة ومارافق تلك الإنتخابات من إنفجارات شهدتها محافظة مأرب ومن ثم إقتحام مخازن لأعضاء القاعدة في منزل مرافق بن شملان وكانت تحتوي على أسلحة متنوعة ومن ثم إتهام مرافق بن شملان واتهامه بأنه أحد أعضاء ذلك التنظيم وأنه كان يخطط لعدة عمليات إرهابية لعدد من المنشئات والمرافق الحكومية وبعض السفارات الأجنبية وبرأت المحكمة فيما بعد ذلك المرافق ؛ ومن يلاحظ آنذاك تصرفات الرئيس سيلاحظ أن الرئيس فوجئ بالجماهير التي أيدت خصمه فيصل بن شملان رحمه الله وسببت له هزة كبيرة ويبدو أنه فقد الثقة في الفوز فلجأ لتلك الأساليب رغم أن الإنتخابات لو جرت بكل نزاهة وشفافية فأنا أعتقد وفي رأيي الشخصي كانت ستحسم لصالح دون اللجوء لمثل هذه الأساليب فمعظم أفراد الشعب كانوا ينظرون إليه كرمز للوطن لايمكن التخلي عنه فرددوا أنه صانع الوحدة ودرع الوطن وربان السفينة التي ستغرق لو تخلى عنها ولو غادر الحكم فالبلد ستدخل حرب أهلية وكثير من التهديدات بثها رجال الرئيس خلا ل تلك الفترة وكانت قناعة لدى البعض نتيجة الجهل الذي نعيشه لكن يبقى للرجل رصيد في قلوب الناس دون شك وخصوصاً تلك الفترة لكن الأحداث التي شهدتها البلاد بعد تلك الإنتخابات قلبت السحر على الساحر فقد ظهر الحراك الجنوبي الذي بدأ بمطالب حقوقية وانحرف عن المسار ليطالب بالإنفصال وفك الإرتباط ! حتى ظن البعض أن انفصال الجنوب هو مسألة وقت وهنا ظهرت قناعات معظم أفراد الشعب أن مايحصل في الجنوب هو نتيجة لسياسات صالح الحمقاء وعدم معالجته لمسار الوحدة وخصوصاً بعد حرب صيف 94 . ومما زاد الطين بله بعد تلك الإنتخابات هو توسع الحرب في محافظة صعده وتجددها حتى وصلت إلى الرقم سبعة وأصبحت صعدة محافظة معزولة عن الوطن ! وزادت عمليات القاعدة وتنامت في عدة محافظات لكنها أحياناً كانت تختفي بشكل مريب دعى الكثير للقول أن النظام والقاعدة حليفان وأن ورقة القاعدة ليست إلا وسيلة يستخدمها النظام لابتزاز الغرب وكسب مزيد من الأموال ولضرب خصومه وتهديد دول الجوار وهونفس التهديد الذي يوجهه حالياً بأن اليمن ستصبح بعده مرتعاً للقاعدة يوزع عملياته ويوزع جنده إلى دول العالم وهذا مازاد من قناعات الكثيرين أن هذا التنظيم ليس إلا قطعة شطرنج يحركها صالح متى شاء وماحدث في أبين وفي مصنع الذخيرة أكبر دليل وخصوصاً حدوثه بعد مقابلة صالح مع قناة العربية وعزفه على ذلك الوتر ومازال الكثير يرى أن النظام شريكاً أساسياً في تلك المذبحة حيث لم تنطلي تلك الحيلة التي يريد صالح من خلالها إرسال رسالة للشعب كيف ستكون اليمن من دونه وأن ماحدث نتيجة للخلافات الحاصلة الآن أما بعد المغادرة فقد وصف البلاد بالقنبلة الموقوته التس ستنفجر وتدخل البلاد في حروب طائفية وقبلية وستقسم إلى أربع دويلات لكن كل تلك الأوراق التي استخدمها صالح في الماضي ومازال يعول عليها لم تعد ذات نفع وجدوى وأصبحت من الأوراق التي زادت الشعب هيجان كونه يرى أن بلاده غارقة في أتون الفوضى والفساد وأنه آن الأوان للتخلص منها وممن له دور رئيسي في وصول البلاد للوضع البائس الذي تعيشه .
طالما راهن صالح على القبيلة والمشائخ لتقوية نفوذه وسيطرته على الحكم حتى أصبح الحكم مصبوغ بالطابع القبلي لامكان فيها للنظام والقانون لكن القبيلة ومشائخها سرعان ما تخلوا عنه في خضم هذه الثورة وياما اعتمد على كل من يحمل بطاقة عضوية لحزب المؤتمر لتولي المناصب حتى أصبح المؤتمر حزب فيد لايدخله إلا أصحاب المصالح وأصبح يغري كوادر الأحزاب الأخرى للإنضمام إليه رغم أن الرئيس صرح ذات يوم أن من ينضمون لحزبه لغرض المصلحة أمر غير وارد ولكن تساقط أعضاءه يوم الحادي والعشرين من مارس الفائت جعل الرئيس يدعي أن من خرجوا من المؤتمر واستقالوا هم من دخلوه لأجل مصلحة ومن عادوا لأحزابهم القديمة بعد أن أن كانوا وبالاً عليه ! مع أنه كان يصف انضمامهم في الماضي دليل قوة للمؤتمر حيث أصبح يمثل خلاصة أفكار كل الأحزاب المتواجده في الساحة .
كثيراً ما راهن صالح على أن المؤسسة العسكرية هي صمام أمان لدوام حكمه ونتيجة ذلك فقد ولى بعض أفراد أسرته والمقربين منه وأبناء قريته أهم المناصب العسكرية وكل عامين أو ثلاثة يقوم بشراء صفقة أسلحة خزينة الدولة ملايين الدولارات بل وصلت إحدى المرات حسب تسريبات إعلامية إلى مليارين دولار مع أن أبناء شعبه في أمس الحاجة لتلك الأموال ولاتوجد لليمن خصومات أونزاعات تستدعي شراء كل تلك الأسلحة التي أكثر ما أستخدمت ضد أبناء الشعب في صعده وفي الجنوب وفي فض الإعتصامات الحالية وهاهي المؤسسة العسكرية هي الأخرى تشهد إنشقاق في أقوى صفعة تلقاها صالح بعد إنضمام اللواء علي محسن وبعض القيادا ت الأخرى لثورة التغيير وتأييدهم لمطالب الشباب الثائر .
كثيره هي الأوراق التي اعتمد عليها صالح للإستمرار في حكمه حتى وصل به الحال لمحاولة توريث الحكم لنجله ولكنه نسي وتناسى أهم ورقة وهي ورقة الشعب الذي يضم ملايين من الفقراء والبسطاء والمهمشين الذين لم يجدوا حكومة ترعاهم وترعى حقوقهم وتنقذهم من الواقع المرير الذي يعيشونه في ظل فساد حكومي وغلاء أسعار وجرع ليس لها نهاية ولم يجدوا قبيلة تساندهم وهم يرون سيطرتها وهيمنتها على البلاد ونسي ملايين الشباب العاطلين عن العمل الذين يتسكعون في الشوارع بحثاً عن عمل وعن لقمة العيش لهم ولأسرهم .
نسي الشباب الجامعي المؤهل الباحث عن وظيفة لا يحصل عليها إلا من كان والده أو قريبه مسئول ومن لديه وساطه .
كثيراً ما اشتكى أبناء الشعب من ظلم دولتهم ومن فسادها ومن ضياع ثرواتهم وضياع حقوقهم ومظالم ينصفهم فيها القضاء ولم يلتفت إليهم أحد لارئيس ولاوزير ولا حتى غفيرلينطلق مارد الشعب بعد أن طفح الكيل وضاق الحال وهاهو صالح على وشك السقوط والمغادرة والرحيل إلا إذا حدثت معجزة أو ينقذه الحظ الذي طالما رافقه في مسيرة حكمه وأصبح البعض يردد أن ما جناه صالح وماكسبه خلال فترة حكمه لم يكن نتيجة ذكاءه وإنما لغباء خصومه في حالات كثيرة ونتيجة الحظ الذي لازمه كثيراً .
أعتقد أن الرئيس إذا استطاع أن يجر الثوار إلى الحوار وقبلوا بذلك فلا أعتقد أن صالح سيراوغ في تسليم السلطة بعد ذاك والتنحي بعد فترة يحددها الطرفان فإن حصل ذلك فهذا سيكون أكبر إنجاز سيحققه الرئيس على الصعيد الشخصي فهو على وشك دخول التاريخ من الباب الخلفي بعد أن أوهمته بطانته في السابق أنه وأسعد الكامل في كفتين متساويتين وأنه أتى بما لم تأت به الأوائل ليجد أن كل تلك الأوصاف تحولت بين عشية وضحاها إلى أكذوبة كبرى وهاهو الشعب الذي طالما تغنى بإسمه وهتف له يطالبه بالرحيل بل ووصل الحال بالبعض إلى طلب المحاكمة وخصوصاً بعد سقوط عدد كبير من الشهداء في ساحات التغيير في بعض محافظات البلاد
كل الأوراق سقطت من يد صالح ولم يعد لديه من ورقة يلعب بها سوى عامل الوقت على ما يبدو فهو يراهن على ملل الثوار من طول الإعتصام كما أسلفنا بداية هذا المقال لكن من يتابع ما يحدث في ساحات الإعتصام يلاحظ ازدياد عدد الثوار وأن عامل الوقت أصبح في صالحهم كونهم كسبوا وجوهاً جديدة وشخصيات من الوزن الثقيل زادتهم قوة وإصرار على الصمود فيما يتساقط من حول الرئيس كما تتساقط أوراق الخريف لكنه مازال متشبث ببصيص من الأمل للخروج بماء الوجه من أزمة عاصفة لم يتوقعها ولم يتخيلها يوماً على الإطلاق !