أدرك العالم أخيرًا، أو أنه أدرك سابقًا لكن اعترف أخيرًا، أن صنعاء طعنت من ظهرها، ليتمكن أنصار الله، أتباع عبد الملك الحوثي، من دخولها، وإسقاطها، بل وإدخالها في فلك التوسع الإيراني الشيعي في الخليج.
فما كان للحوثيين أن ينجحوا في إسقاط صنعاء، والامساك بتلابيب السياسة اليمنية على هذا النحو، لولا التسهيل الذي حصلوا عليه من مجموعات في الجيش اليمني، لا تزال تدين بالولاء للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
وأدرك اليمنيون أن صالح استطاع بحنكة عرف بها دائمًا، منذ إبعاده رئيس اليمن الجنوبي الاشتراكي علي ناصر محمد عن دفة الحكم بعد توحيد اليمنيين، عرف كيف يسخر القوة الحوثية لينتقم ممن تركه وثار عليه قبل أعوام قليلة، لعله يعود في غفلة من اليمن وجوار اليمن إلى سدة الرئاسة.
رغبة دفينة
لكن، إن نجح تحالف صالح-الحوثي في إسقاط صنعاء، وبالتالي اليمن، في يد إيران، فلن ينجح هذا التحالف في الاستمرار في حكم اليمن، بحسب غالبية من قراء إيلاف، استجابوا لسؤال الاستفتاء الأسبوعي: "هل تعتقد أن تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح سينجح في اليمن؟".
فقد أجاب 1196 قارئاً بـ"لا"، بنسبة 65 بالمئة من إجمالي الأصوات، بينما أجاب 644 قارئاً عن هذا السؤال بـ"نعم"، بنسبة 35 بالمئة من إجمالي عدد المشاركين في الاستفتاء، الذي بلغ 1840 مشاركًا.
قد تعكس هذه النسبة المرتفعة من رافضي نجاح صالح-الحوثي في اليمن رغبة دفينة في الكثير من العرب بأن لا يعود اليمن إلى سابق عهده، أي ألا يرتد الحال فيه إلى ما قبل ثورة 2011، إن بعودة صالح إلى الحكم، أو بتسلق الحوثيين سلم الحكم، وتمتين سطوتهم على هذه الدولة الخليجية.
عامل دولي
لكن إزاء هذه الرغبة، ثمة عوامل لا تلعب لصالح تحالف صالح - الحوثي، إذ يرى مراقبون أن الوضع في اليمن ليس معزولًا عن الوضع العام في الشرق الأوسط، الذي يشهد اليوم حلحلة بعض العقد، ولو استغرقت هذه الحلحلة بعض الوقت.
فالحرارة لا تزال تسري في العلاقات المستجدة بين إيران والولايات المتحدة، على خلفية مباحثات مسقط. فالإيرانيون يعلمون أن أوباما هو فرصتهم للخلاص من آثار العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية، ومن ورطة الملف النووي، إذ قد لن تتكرر هذه الفرصة متى حزم أوباما ثيابه، وسياسته الخارجية، وغادر البيت الأبيض، تاركًا المكان لرئيس جديد، أغلب الظن أنه جمهوري. وبالتالي، فرص اتفاق أميركي إيراني مرتفعة، بالرغم من النكسات، وهذا ما سيرخي بظلاله على أزمات إقليمية عدة، منها أزمة اليمن.
فالولايات المتحدة لن تترك "شوكة" إيرانية في خاصرة السعودية، حليفتها الدائمة، بل سيكون في صدر أولوياتها إرضاء السعودية بخلع هذه الشوكة، من أجل ألا تقوم الرياض ضد أي اتفاق قد ينعقد لواؤه بين واشنطن وطهران. وأغلب الظن أن يعود الأمر في صنعاء إلى ما كان عليه منذ التسوية السعودية التي أخرجت صالح.
طمأنة السنّة
إلى ذلك، تحرص الولايات المتحدة اليوم على التقارب شبه اللصيق بالسعودية، وبدول مجلس التعاون الخليجي، أي بحلفائها الأقربين في حربها الدولية على تطرف تنظيم (داعش) وجبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا).
فواشنطن لا تريد بأي شكل من الأشكال أن تفقد الغطاء السني المعتدل لغاراتها الجوية التي تستهدف التنظيم المتطرف. وصانعو السياسة الأميركية يعرفون أن تضييق الخناق "الإيراني" على السعودية ودول الخليج، بالسكوت عن تحالف صالح-الحوثي في اليمن، لا يخدمهم في هذه المسألة، بل قد يؤدي إلى رد فعل عكسي، على الأقل شعبيًا.
وبالتالي، تهتم واشنطن بأن تؤمن لسنة الخليج طمأنينة تدفعهم إلى تركيز جهودهم معها في تحالفها الدولي لضرب داعش.
عقوبات أميركية
من أولى بوادر الحراك الأميركي، ولو الخجول، ضد تحالف صالح-الحوثي، فرض الولايات المتحدة عقوبات مالية على صالح، وعلى اثنين من قادة جماعة الحوثي، المتهمين بالإساءة مباشرة إلى السلام والاستقرار في اليمن، وفق بيان وزارة الخزانة الأميركية.
وتمنع هذه العقوبات الشركات الأميركية والأميركيين من التعامل مع صالح، ومع قائدين عسكريين حوثيين هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم، وتجميد أي أصول قد يكونون قد أودعوها في الولايات المتحدة.
وفرضت العقوبات الأميركية على عبد الله يحيى الحكيم لمحاولته الانقلاب على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتنسيق العمليات العسكرية بصنعاء أثناء سيطرة الحوثيين عليها، في أيلول (سبتمبر) الماضي.
كما فرضت على عبد الخالق الحوثي، لأنه نقل السلاح من عمران إلى صنعاء في الأحداث الأخيرة، ومهاجمة منشآت دبلوماسية.
على شفير الهاوية
داخليًا، يبدو أن صالح، الذي استفاد من المبادرة الخليجية التي أقصته عن الحكم في 2011 أكثر مما استفاد منها الرئيس هادي، يبدو قد أغرق البلاد في فتنة سنة - شيعية، ستمتد سنوات، خصوصًا مع قيام القبائل السنية بإعلان حربها على الحوثيين، ومع تدخل تنظيم القاعدة السني في الصراع، من خلال هجماته على مقرات الحوثيين.
وهكذا، يقف اليمن السعيد على ابواب الحرب الأهلية المذهبية. وحتى لو لم تطل، فإنها ستحرم صالح من الاستفادة القصوى من حركة الحوثيين، ومن سيطرتهم على صنعاء.
ويحاول صالح، من تحت الطاولة، طرح نفسه منقذًا لليمن من عثرته المذهبية، مبينًا لاصحاب المبادرة الخليجية أن هادي ليس بالرئيس القوي القادر على الامساك بالسلطة في اليمن، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن السعوديين ليسوا في وارد إعادة عقارب الساعة اليمنية إلى الوراء.