كتبت قبل فترة مقالين: أحدهما بعنوان “يمن برئيس لبناني”، والآخر بعنوان، “هادي في قصر بعبدا”، قامت فكرتهما على أساس حالة المشابهة بين اليمن ولبنان، والتي سعى الحوثيون لإنجازها بخصوص مؤسسة الرئاسة وغيرها من مؤسسات الدولة بشكل عام، حيث يراد لليمن أن يحكمه فعلياً الحوثيون، ويحكمه رمزياً رئيس غير محسوب عليهم.
وهذا وضع مريح بالنسبة لهم، به يتمكنون من الاستفادة من كعكة السلطة، وبه أيضاً يتملصون من تحمل مسؤوليتها، فإذا سارت الأمور على ما يرام، قال الحوثيون هذا بفضل حركتنا، وإن ساءت الأمور، فما أسهل عليهم من أن يقولوا هذا وضع لم نشارك فيه، ولسنا مسؤولين عنه.
ومع وصول اليمن إلى هذا الوضع الذي لم يكن أكثر من نسخة كربونية من الوضع اللبناني، نسخة أعيد إنتاجها على نظر الإيرانيين، مع وصول الوضع إلى ما هو عليه اليوم، فإن اليمن يكون قد وضع بين مطرقة وسندان، وكلا المطرقة والسندان مرتبطان بالرئيس هادي نفسه، ببقائه في المنصب أو تخليه عنه، بعد أن أصبح وجوده في السلطة يمثل رمزية الدولة والوحدة، ولو بأقل قدر من الشرعية التي يمكن لدولة أن تتكئ عليها، ولكنه في الوقت نفسه – وهنا مكمن الخطر – أصبح يعطي تحركات الحوثيين الميدانية غطاء سياسياً وشرعية وطنية.
فالحوثيون اليوم – على سبيل المثال – يشنون حروبهم المذهبية في محافظة البيضاء بتغطية رسمية من رئاسة الجمهورية، وبمساعدة الجيش نفسه، مع أن الحرب في البيضاء لا يمكن إلا أن تكون حرباً مذهبية – رغم دعاوى الحرب على الإرهاب – لما للبيضاء من تاريخ طويل في مقاومة دول الأئمة الزيديين الذين حاولوا إخضاع المناطق الشافعية بالقوة، حين كانت البيضاء في صلب مشروع مقاومتهم.
لا يريد الحوثيون بالطبع التخلص من الرئيس هادي في الوقت الراهن، فهو بالنسبة لهم كنز لم يحلموا به، وقد قدم لهم – ولا يزال – بتحييده للجيش، وتسهيله لحركتهم خدمة عظيمة، وهو اليوم يقول بضرورة الشراكة الوطنية معهم، مع أنه ليس في موقع من يمنح الشراكة، ولكنه على العكس أصبح في موقع من يتقبلها ولو مكرها.
ويجري حالياً التفاوض لدمج الآلاف من عناصر المليشيا الحوثية في الجيش والأمن، ودخول المئات منهم إلى الكليات العسكرية، في ترجمة لدعوة الرئيس للشراكة مع الحوثيين، وفي عملية ممنهجة لـ”تحويث” الجيش اليمني، بعد أن استغلت إعادة الهيكلة لتفكيكه، وتدمير أهم ألويته ووحداته العسكرية، وبعد أن تم تسليم كثير من معسكراته للمتمردين الذين أسقطوا عاصمة البلاد يوم 21 سبتمبر 2014، وهو اليوم الذي قال فيه الرئيس هادي عن صنعاء إنها لم تسقط، معطياً للحوثيين هدية لا تقدر بثمن بتغطيته على جريمة انقلابهم على مؤسسات الدولة، ومخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، والعملية السياسية برمتها.
لسنا على علم بالطريقة التي يفكر بها الرئيس هادي، ولا ندري على وجه الدقة بحقيقة نوايا فريق مستشاريه المقربين، ولكننا نعرف على وجه الجزم أن الرئيس هادي حظي بدعم داخلي وخارجي لم يحظ به رئيس يمني آخر، وأنه فرط في هذا الدعم وتركه يتسرب من بين يديه، كما لم يفعل رئيس من قبل.
ونعرف أن الرئيس هادي هو أول رئيس يظل في منصبه، في بلد حصل فيه انقلاب عسكري وسياسي، حسب وصف الرئيس نفسه، انقلاب حدث يوم 21 سبتمبر الماضي نهاراً ليلتقي الرئيس الانقلابين في المساء، ويصافحهم، ويوقع معهم اتفاق “السلم والشراكة الوطنية”.
يقول المثل: “من لم يعلمه الزمن، علمته اليمن”، غير أن دروس الزمن ودروس اليمن أصبحت في غاية التعقيد والغموض، في هذه الفترة العصيبة من تاريخ البلاد.