أمام أحد المطاعم الشعبيّة في العاصمة اليمنيّة صنعاء، تبيع منى خبزها. وتشكو: "لو أكملت دراستي، ربما كنت أحسن حالاً". تضيف: "توفي والدي - ليسامحه الله - وهذا ما دفعني إلى تحمّل مسؤوليّة أسرتي". ومنى محمد (29 عاماً) لم تستطع إكمال دراستها، إذ ألزمها والدها بالبقاء في المنزل بعد نهاية المرحلة الأساسيّة. تواصل حديثها بألم واضح تترجمه نبرة صوتها، "منعني من إكمال دراستي خوفاً من الاختلاط مع الشباب".
ومنى واحدة من مئات آلاف اليمنيات اللواتي حُرمن من إكمال تعليمهنّ، أو حتى من دخول المدرسة. وتتعدّد العوامل التي تجعل نسبة التحاق الإناث بالمدارس متدنّية مقارنة بالذكور. فتعليم الفتيات أمر ثانوي بالنسبة إلى بعض اليمنيّين، بخاصة في الأرياف. وبحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن اثنتَين فقط من بين كل خمس إناث تُحسنان القراءة والكتابة، مقارنة بثلاثة من بين كل أربعة ذكور.
تُجبَر الفتاة على الزواج في سن مبكرة، الأمر الذي يقلل من إمكانيّة إكمال تعليمها في المدرسة أو في الجامعة. ألطاف علي (23 عاماً) من هؤلاء، وهي ترعى اليوم أبناءها الثلاثة الذين تركهم لها زوجها المغترب. تخبر: "تزوّجت وعمري 16 عاماً. سمح لي زوجي أن أكمل دراستي الثانوية. لكنه رفض أن أقصد الجامعة على الرغم من أنني حصلت على معدّل مرتفع".
إلى ذلك، كثيرات هنّ الفتيات اللواتي يُحرمن من الدراسة بسبب المسافات الطويلة بين بيوتهنّ والمدارس، في ظل غياب بيئة تعليميّة آمنة ومواتية، بالإضافة إلى نقص في المدرّسات وعدم توفّر مراحيض للبنات، بحسب ما تفيد دراسات متخصصة. ويؤثر الوضع الاقتصادي على نسبة التحاق الفتيات بالمدارس، إذ يحجم عدد كبير من الآباء عن إدخال بناتهم إلى المدرسة بسبب ظروفهم المعيشيّة الصعبة، بالإضافة إلى ندرة المدارس الخاصة بالفتيات. فالعادات والتقاليد اليمنيّة لا تسمح بالاختلاط.
وتجدر الإشارة إلى أن للفتاة الريفيّة دوراً كبيراً في الأعمال الزراعيّة، وهذا ما يجعل إمكانيّة التخلي عنها صعبة. فهي منتجة، وذهابها إلى المدرسة يكلف الأسرة عبئاً مالياً إضافياً.
من جهة أخرى، ما زالت تجمعات ريفيّة عدّة في اليمن تنظر إلى تعليم المرأة كمفسدة للأخلاق. وهو الأمر الذي يجعلها تحدّد تعليم الفتاة بمستويات دراسيّة معيّنة، تتفاوت بين الأسر. يؤيّد محمد العمراني ذلك قائلاً: "المرأة في النهاية ستتزوج وستعمل في البيت. فلماذا نعرّضها لمخاطر الاختلاط في الجامعة؟".
ترفض سارة يحيى، الحائزة على شهادة ماجستير في العلوم الإسلاميّة، هذا التبرير. وتشدّد على أهميّة تعليم الفتاة حتى أعلى المستويات. تقول: "عندما تتعلم المرأة، فهي تساعد في بناء جيل يستطيع أن يخدم المجتمع"، متسائلة "كيف يمكن لأم أميّة أن تربّي الأطفال وتحثّهم على العلم والتعليم؟". تضيف: "عندما تدرس المرأة اليمنيّة، فإنها تتميّز في مختلف المجالات وتكون مفيدة في مجال خدمة النساء، في الطب والمحاماة وحتى الجيش والأمن".
وفي مفارقة، أظهرت نتائج امتحانات الثانوية العامة لهذا العام تفوقاً ملحوظاً للإناث على الذكور، للعام الثالث على التوالي. فقد حصلت 35 تلميذة على المراكز الأولى من بين 49 من القسمَين العلمي والأدبي. وهذا يعني أن نسبة تفوّق الإناث في الثانوية العامة على الذكور تقدّر بنحو 34%.
بالنسبة إلى مها صالح وهي مدرّسة، فإن التلميذات أكثر ذكاءً من التلاميذ الذكور. لكنها تعزو أسباب تميّزهنّ في المدرسة إلى اهتمامهنّ بالتعليم ومثابرتهنّ المستمرة، إذ يقضين معظم وقتهن في المنازل، بخلاف التلاميذ الذكور الذين يقضون معظم وقتهم خارج المنزل.
بالنسبة إلى مرام السامعي التي حلّت في المرتبة الثانية من بين أوائل الثانوية العامة في القسم العلمي، "فكيف نظنُّ بالأبناء خيراً إذا نشأوا بحضن الجاهلات". ومستعينة ببيت الشعر هذا الذي يعود إلى الشاعر العراقي معروف الرصافي، تشدّد على أهميّة تعليم الفتاة لها ولأسرتها ولمجتمعها ولحياتها اليوميّة.
تضيف مرام أن "تعليم الفتاة يؤمّن لها عملاً شريفاً يمكّنها من تلبية حاجاتها الضرورية ويؤمن لها مورداً مالياً يحفظ كرامتها"، لافتة إلى أن "الفتاة المتعلمة أفضل استثمار لصالح المجتمع".
وتشير إحصائيّة صدرت حديثاً في النشرة التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة في اليمن، إلى أن 800 ألف فتاة في سن الدراسة يبقين في البيوت للمساعدة في الأعمال المنزليّة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن ثمّة تحسناً ملحوظاً وإن كان بطيئاً ما بين كل عام وذاك الذي سبقه.
وقد أشارت الباحثة والاختصاصيّة في تنمية المجتمع وتنظيمه الدكتورة نبيلة غالب في دراسة صدرت في عام 2013، إلى أن نسبة الإناث والذكور في المستويات التعليميّة المختلفة تشهد تفاوتاً كبيراً بحسب مؤشرات تعدادَي عامَي 1994 و2004 للفئة العمريّة (6-14 عاماً). فقد وصل معدّل الالتحاق بين الذكور والإناث بحسب تعداد 1994 إلى نحو 70.3% و38.5% على التوالي. وتحسّنت هذه النسب بحسب تعداد عام 2004 لتصل إلى 71.4% تقريباً و54.9% لكل من الذكور والإناث على التوالي. وهذه النسبة أظهرت أن اليمن حقّق تحسناً ملحوظاً منذ عام 1990، التي بلغت نسبة التحاق الفتيات فيه نحو 50%.
وتشير الحكومة اليمنيّة إلى أنشطة وبرامج أعدّت بالشراكة مع منظمات ومؤسسات دوليّة (اليونيسف والبنك الدولي) خلال السنوات الماضية، هدفت إلى تقليل نسبة تسرّب الفتيات من التعليم في المناطق الريفيّة والنائية من خلال زيادة تدريب مدرسات في هذه المناطق والتعاقد معهنّ. وتقول مدير عام إدارة دعم تعليم الفتاة في وزارة التربية والتعليم أمان البعداني، إن الجهود نجحت في تأهيل ألفَين و132 مدرّسة في المحافظات. وفي السياق، عادت 32 ألفا و376 فتاة إلى الدراسة بعد إعادة تأهيل 670 مدرّسة، في حين أن 65 ألفا من أولياء الأمور والمدرّسين وقادة المجتمع يشاركون في محاولة رفع مستوى فهم أهميّة تعليم الفتيات والالتزام به.
العربي الجديد