أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

دموع الجيش وابتهاج المليشيا...

- بقلم: علي احمد العمراني


منذ أكثر من سنتين كنت أتحدث إلى زميلي الوزير "المقرب من أنصار الله" .. وكنت أقول له : ما الذي يريد أصحابك .. راجعهم ، باين عليهم با يتعبوا البلد، وقد تعبوها، خصام وحروب وقتال على طول ومنذ عشر سنوات ...  وكان يرد علي : يبدو أنكم مش فاهمين أنصار الله .. قدهم مقتنعين بدولة مدنية ... !  " السيد مقتنع بدولة مدنية " وأضاف هل أرتب لك لقاء مع فلان  " أكبر قيادي في انصار الله في صنعاء" سوف تسمع وترى .. أنا متأكد أنك سوف تقتنع... قلت : لا...،  ولكن أريد الجلوس مع عبد الملك .. أرغب محاورته والحديث إليه مباشرة .. لعله يغير ويبدل .. فهو لا يزال شابا، ربما يحتاج سماع رأي مختلف جدا مما يسمع من مريديه وأتباعه على الدوام.. ويبدو إما أنهم يقلدونه ويجارونه أو يجاملونه ...! وأضفت : كنت أرغب لقاءه عندما كنت عضوا في  اللجنة الوطنية لإحلال السلام في 2009..  فقال: طيب ، نرتب ونروح  أنا وأنت صعدة ... قلت : حسنا .. !

وتكرر الحديث حول "أنصار الله"  كثيرا بعد ذلك مع ذلك الوزير الودود ، أحيانا على نحو جاد،  وساعات على شكل مداعبة هادفه، وكنت أقول له من وقت لآخر : أنتم يا بني هاشم تتعلمون  منذ أكثر ألف عام ولا يتوقع منكم سوى أن تكونوا نواة مجتمع مدني نسعى إليه جميعا، أما حمل السلاح وتشكيل عصيبة مقاتلة فهذا خارج السياقات الطبيعية وهو خيبة أمل  .. وكان يبدي موافقة على ما أقول ... ويكرر المبررات ويعبر عن الأمل، والعزيمة في أن ذلك هو ما سيكون وما يجب أن يكون ..
لم تتحق زيارة " السيد" عبد الملك لكنني زرت الزميل في منزله قبل شهور من  اجتياح صنعاء وعمران ، ورأيت المدنية تتجسد في كل شيء ظاهر  تقريبا .. قابلت مجموعة من إخوانه وأقربائه ، ولم أر أحدا يحمل سلاحا  من أي نوع ..لكنني لاحظت أنهم يشاهدون  قناة المسيرة..!
كان معي حينها عدد من المرافقين وشعرت بشيء من الخجل، واعتذر مرارا من السلاح والمسلحين ولعلي تمنيت في نفسي مدنية من ذلك النوع الجميل الخالي من السلاح والمرافقين...

يوم 18 سبتمبر اتصل  بي ذلك الزميل الخلوق، مستسفرا عن صحة دخول المسلحين بيتي ..؟  ولما أكدت له ذلك عبر عن شيء من الإستغراب ، وربما الاستنكار  .. وكأنه قال : سيخرجون منه حالا..! 
بعد ثلاثة أيام  كان لا يزال ما يقرب من مأتي  مسلح حوثي، في منزلي، وسمعت يومذاك بأن  الحوثيين يقيمون حفلا بالنصر في ميدان التحرير، أو ميدان شرارة حسبما يسميه  صحفي حوثي اشتراكي رجوعا لتسميته قبل ثورة سبتمبر 1962... أكيد سيكون التساؤل نصرا على من .. ؟  بالتأكيد على كل من ليس معهم .. و أنا لست معهم .. وفي الحقيقة أنا ضد اجتياح صنعاء وما قبلها وما بعدها ... وضد كلما ما يترتب على كل ذلك ..تواصلت يومها مع الزميل السابق ولم يرد.. ربما كان  مشغولا أو محرجا..! وتساءلت في نفسي  :  هل كان يحتفل ذلك الزميل الطيب الودود بما يراه معظم اليمنيين  خرابا ودمار.. يتذكر الدكتور عبد القوي الشميري أنني كنت حزينا ليلة 7/7  1994 مع أنني كنت أقدر أهمية الوحدة اليمنية ولا زلت..

بعد تطورات اجتياح صنعاء شعرت أنني قد لا احتاج لاعتذار ولن يساورني شعور بشيء من الخجل فيما لو زرت مستقبلا زميلي الوزير السابق بصحبة  خمسة مرافقين أو نحو ذلك  مثلما حصل  في الزيارة السابقة .. وشعرت  أيضا بعبثية  تبريراتي وإيضاحاتي على منشور أنزله علي البخيتي، قبل حوالي سنة، وفيه صورة لي مع سلاح شخصي في حرف سفيان، عندما  كنت عضوا في اللجنة الوطنية لإنهاء الحرب وإحلال السلام في الحرب السادسة  ..!

قال الدكتور علي الأحمدي رئيس الأمن القومي ، أن قوام القوة التي اجتاحت صنعاء ، حوالي عشرين ألف مقاتل.. تذكرت حينها زميلي المرحوم حسين بدر الدين  الحوثي، مؤسس الحركة الحوثية..وتساءلت أهي  مصادفات القدر أم أن ذلك البرلماني كان يعد وينوي اجتياح صنعاء يوما بالقوة عندما تسنح  له الفرصة،   مثلما يفعل أتباعه اليوم ومثلما كان يفعل الطامحون للإمامة والحكم  منذ قرون .. هل يمثل غزو صنعاء واجتياحها وما يلاحظ من توسعات لجماعة الحوثي في مناطق أخرى وصلا أم فصلا عن نوايا وعزائم واستراتيجية ذلك الزميل البرلماني الذي كان يبدو محترما ووقورا وهادئا ..! وهل كان علينا جميعا الحذر والريبة من زميل برلماني أو كان على كل منا نحن زملائه بناء قوة عسكريه مماثلة  غير الجيش لفرض الخيارات بالقوة .. والدفاع عن النفس وقت الضرورة.... ما زلت غير راغب في شيء من ذلك ..!

وبالتأكيد يتساءل كل الناس أين الجيش الذي تذهب إليه حوالي 40٪  من موازنة الدولة ويتم بناؤه منذ عقود ؟ وهل تم في العقود الماضية بناء جيش وطني يدافع عن البلاد ويحمي كل أهلها من كل خطر  .. ؟ وهل المشكلة في القائد أم في الجنود..؟!  وقد كتبت في 2010 عن "عشرين عام من العبث"  ،  ولاحظت مظاهر التدهور في الجيش أيضا...لكن تلك المظاهر ما كان لها أن تودي إلى  التسهيل في اجتياح عاصمة البلاد وترك الحبل على الغارب لتوسعات مليشيا وسلطة وهيمنة تمثل فئة وجهة وعصبية اجتماعية ضيقة ومحدودة ..وشاهد الناس قبل أيام  مجموعة من ضباط الجيش يذرفون الدموع على كرامة العسكرية  اليمنية .. وبالتأكيد على كرامة الشعب ...

في اليوم الثاني للغزو أرسل لي صــــــحـــــفي مقرب من أوساط دبلوماسية أجنبية  رسالة  SMS يقول : الغرض من الهجوم هو علي محسن فقط.. بعدها سوف يهدأ كل شيء ..وكأنه أراد أن القول : لقد سمعت ورأيت  !  وتساءل :  ألا ترى صمت السفارات واطمئنانها..؟ الان السفارت تشكوا كما هو معلن، والرئاسة تسرب الشكوى ، لكنها تصرف مبالغ وتصدر تعيينات للذين يشكوا منهم كل الناس ..! ..


أشرا  في مقال سابق إلى ما نسب  للرئيس صالح من قول  : بأنه كان سينتحر لو تم اجتياح صنعاء وهو رئيس... ولعله كان أو غيره سيفعل أو يموت كمدا كما قالت السيدة توكل  ..! لكن كثيرون حملوا تلك المقولة على محمل الشماتة بضعف خلفه الرئيس هادي.. ويتحدث الناس عن تحالف مؤكد لصالح وحزبه مع الحوثيين .. وسأل مراسل سي بي إس المصرية صالح  : ما الذي يعنيه مفهوم الزعيم الذي يصر أنصارك على إطلاقه عليك ، وهل يعني ذلك مسؤولية تجاه الوطن والشعب  ، .؟!  وكتبت في منتصف 2010 مشجعا صالح بعدم الترشيح أو التوريث الرئاسي ،  مبينا الفرق بين لرئاسة والزعامة ، وكيف أن الزعامة قد تكون أهم، وأعظم إذا ما اضطلعت بدور ومسؤولية وطنية   ... لكن بدا لي  أن رد الرئيس صالح على سي بي إس  لم يكن واضحا... إلى الان  يبدو أن صالح  لا يرى في كلما حدث للبلد الذي أعطته كل شيء سوى الإنتقام من خصومه.. وقد أبدى سعادته بذلك  في قصيدة شامته "القضا مثل السلف"نشرها موقع الرئيس السابق وصحيفة تابعة له، ومؤيدة للحوثيين على الدوام...
أظن المسؤلية الأخلاقية والتاريخية مهمة دائما سواء كان  الزعماء الحقيوقيون  داخل السلطة أم خارجها.. وهناك زعماء آخرون ساكتون أيضا عن اجتياح العاصمة وما حل بها وبسواها،،أحدهم نعده أستاذ نموذج   ، وشبهته ذات مرة برسول حمزاتوف الشاعر الإنساني الكبير ضمير بلده  ورمز الوطنية الداغستنية ،  وصاحب كتاب "داغستان بلدي"..!

 

Total time: 0.0558