في يوم جزائري كله نشاط، استضافت المنشطة الجزائرية النشيطة في برنامج «مساء الثالثة» بالقناة الجزائرية الثالثة، الأستاذ محمودي رابح مدير نشر دار «قرطبة»، الذي تحدث بلسان العارف المجرّب·· الخبير بأصول النشر وفنونه وتقاليده وأخلاقياته، عن المعرض الدولي للكتاب التي جرت فعالياته من 27-10-2010 إلى 06-10-2010.
وقال محمودي من ضمن ما قال إن «قرطبة» انفردت بنشر رواية بالغة الأهمية، للكاتبة «زهرة مبارك»، عنوانها «لن نبيع العمر»، وقد برر أهمية هذه الرواية الفريدة بالجوائز التي نالتها وبالشهرة التي حازتها في شبكة الإنترنت وتحديدا بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»· ودعا الجمهور إلى التحلي بالحماس لاقتنائها قبل نفاد الطبعة، ثم تحدث عن الباحثين والكتّاب الجزائريين، وحفزهم على مواكبة الأحداث والتزام الجدية والاحترافية، كما في الدول المتقدمة، ذلك أن السيد محمودي قد زار باريس بعد أحداث 11 سبتمبر بأسابيع قليلة، وقد فوجئ أن كتّاب فرنسا النشيطين قد ألفوا عشرات الكتب حول ذلك الحدث المشؤوم الذي اهتز له العالم.
وهكذا وجدت نفسي أمام نقطتي نقاش يطرحهما ناشر جزائري في تلفزيون جزائري، يفترض أن الملايين يشاهدونه بحماس بالغ في يوم ليس ككل الأيام·· ذكرى أول نوفمبر المجيدة.
النقطة الأولى تتعلق برواية اعتبرها ناشرها ناجحة بحجة أنها تحقق حضورا قويا في الإنترنت وأنها حازت على جوائز عديدة.
لا أريد التعرض لدور المنشطة التي لم تصلها إشارة من غرفة الإخراج بضرورة طرح السؤال على الضيف، عن هذه الجوائز التي نالتها الرواية وعن الأرقام المتوفرة لديه لحساب درجات انتشارها في الشبكة العنكبوتية· لقد صمتت المنشطة وهذا متوقع دائما.
أما النقطة الثانية فهي متعلقة بدعوته الكتاب الجزائريين أن يكونوا نشيطين ويعملوا على عصرنة أفكارهم وترقية أدائهم.
حسنا، هيا نتناول كل نقطة على حدة، بعيدا عن مضمون الرواية وبعيدا عن كاتبتها، فهذا الموضوع سيأتي لاحقا بالتأكيد.
نطرح السؤال التالي: ''هل ما قاله السيد محمودي عن الانتشار الواسع لرواية «لن نبيع العمر» في شبكة الإنترنت معلومة صحيحة'' ؟
الحصول عن الإجابة لن يكلف الكثير· هيا نفتح صفحة محرك البحث الشهير «غوغل» ونضع عبارة «لن نبيع العمر»· بكبسة واحدة تأتي النتائج مبهرة حقا!! مئات الصفحات معروضة أمامنا عن صفقات بيع لن تتم·· بسبب تمسك صاحب البضاعة ببضاعته··
"رئيس «سانتوس» لن نبيع «نيمار» إلى «تشيلسي»"·· "سفير أوغندا لن يبيع مياه النيل لمصر"·· "الفلسطينيون لن يبيعوا القدس"·· وهكذا النتائج تتوالى· أما فيما يتعلق ببيع العمر، فهناك نتائج قليلة جدا أهمها مقاطع منشورة من الرواية في منتديات للكتاب الهواة.
أما إن كنت قد فهمت السيد محمودي خطأ فلا بد أن أتدارك، ربما يكون قصده فقط موقع «الفيس بوك».
حسنا·· إن التجربة ممكنة، فالموقع يوفر إمكانية البحث.
هيا نضع العبارة ذاتها وننتظر النتيجة..
يا للهول···!! إنها الرسالة المخذلة ذاتها، ''لا نتائج لبحثكم''،
''قم بتدقيق إملائي لما كتبته أو اكتب مصطلحاً آخر...·
في الواقع إن ما تحدث عنه مدير نشر «قرطبة» عن انتشار الرواية ما هو إلا محض ادعاء، وأظن أنه استغل طيبة المنشطة وحاول تمرير معلومة غير صحيحة، وهذا ليس جيدا البتة، أليس كذلك...!!
معادلة رباعية الأطراف
فيما يتعلق بالنقطة التي تعرّض لها الأستاذ محمودي رابح مدير نشر دار «قرطبة»، في برنامج «مساء الثالثة» بالقناة الجزائرية الثالثة، الاثنين 01 نوفمبر 2010، إذ دعا الباحثين والكتّاب الجزائريين إلى مزيد من الاحترافية حتى ينهضوا بمستوى القراءة في بلادنا· وقد أعطى مثالا لذلك بكتّاب فرنسا الذين سارعوا إلى تأليف عشرات الكتب بعد أسابيع قليلة من أحداث 11 سبتمبر، وكأن حركية النشر تتوقف عند التأليف فقط، وهذا يدل على فهم خاطئ لشروط هذه الحركية التي تقوم على معادلة رباعية الأطراف: (تأليف - نشر- توزيع - قراءة)· وتربط بين هذه الأطراف: (حقوق ملكية فكرية، عقود، تقاليد، أخلاقيات···)·· وتتحكم في نجاح الكتاب عوامل عديدة: (مناخ التأليف، توقيت الصدور، شهرة المؤلف، سمعة دار النشر، نوعية الكتاب، التغطية الإعلامية، الدعاية، جودة الطبع والتصميم والإخراج، المقروئية···)·· وقد يغطي أحد العوامل على الآخر، فضعف المقروئية قد تعوضها الدعاية الجيدة وهكذا···
لا أريد التوغل أكثر في هذا الجانب، لأن القضية معقدة وتحتاج لمئات الصفحات حتى نرتب خيوطها· لكنني أدعو لكتابة الكلمة التالية ووضع أكثر من سطر تحتها؛ (الاحترافية)؛ إنها مفتاح النجاح لتحقيق الانتشار الواسع لأي كتاب·
إن الباحثين والكتاب الفرنسيين كغيرهم في الدول المتقدمة بهذا الميدان، سارعوا على الأرجح إلى تأليف عشرات الكتب حول أحداث 11 سبتمبر باتفاق مسبق مع أصحاب دور النشر، الذين فكروا باستثمار الحدث فور وقوعه وسخّروا الأموال لذلك حتى يتسنى لهم تحقيق الربح دون أن يفقدوا بالضرورة مصداقيتهم· إنهم تحدثوا بسرعة وتفاوضوا وأبرموا اتفاقات ودفعوا للمؤلفين الذين بدورهم شرعوا في كتابة أول سطر قبل أن تصدم الطائرة الثالثة بمبنى البنتاغون الأمريكي·
في هذا الوقت كان المصممون يقدمون اقتراحات لشكل الأغلفة وكانت شركات الدعاية تحضّر خططا ليس لإنتاج الكتب المزمع نشرها حول هذه القضية بل لإنتاج قابلية القارئ لالتهام هذه الكتب فور صدورها· وكان أصحاب المكتبات يهيئون الرفوف، وكلّ يؤدي عمله ليحصلوا جميعا على الفائدة ويحتفلوا في يوم توقيع هذه المؤلفات· وقد تتاح فرصة للسيد محمودي رابح، أن يشتري نسخة من إحدى هذه الكتب، عليها توقيع الكاتب ويحصل على ابتسامة رائعة وينصرف عائدا إلى الجزائر وفي ذهنه هذا السؤال: لماذا لا يكون كتابنا أذكياء ومرحين هكذا···؟
بهارات لإضفاء طابع الهيبة
حقا إن اكتساب ميزات الذكاء والمرح والنّباهة يجعل الكتّاب الجزائريين يوافقون في لحظة وعي تام على إعدام نسخ شخصياتهم القديمة ليطلوا على العالم بمزيد من الحماس والتفاؤل وهم ينشدون: "نحن كتاب الجزائر كم نحب الحياة"، ومع آخر نغمة في النشيد يجد هؤلاء الكتّاب أنفسهم مواكبين للأحداث والتغيرات المتسارعة، متفاعلين مع طموحات أصحاب دور النّشر من فئة الليبراليين المتفتّحين إلى آخر حد. وهكذا تكون البلاد بخير، والعباد أيضا بخير فمعظمهم لا يتأخرون عن المشاركة في حملات تطوير الأداء كما طوّر الأستاذ «محمودي رابح» أداءه فهو اليوم ناشر جزائري يتكلم في التلفزيون الجزائري ويعبّر عن جملة أفكاره النيّرة بهدوء ورزانة. والأكثر من ذلك أنه شارك في المعرض الدولي للكتاب بمنشورات أتوقع أنها لم تُعرض على أية هيئة قرائية للتأكد من مدى جودتها ومطابقتها لأبسط شروط النشر، على الأقل من الجوانب الشكلية والقانونية، لتكون غير متعارضة مع مبادئ جمعيات "حماية المستهلك"، لكن هذه المرة ليس الحماية من اللحم المغشوش أو السّمك الملوث بل من المواد الثقافية الفاسدة.
ليس من الحكمة مطلقا أن نظل نصدر الكتب بهذه الفوضوية الفجة. إن حرية النشر لا تتحقق إذا غابت روح المسؤولية، فهناك الكثير من الناس يملكون من المال ما يجعلهم يستطيعون أن يكونوا أدباء مادام الأمر لا يتطلب إلا تسجيل أحاديث الناس في السوق والمستشفيات والبارات... ثم تحويل هذه الأحاديث إلى نص مرقون في الكومبيوتر، ولا يبقى إلا المعالجة الطفيفة لهذا النص بترتيب الأحداث وجعلها متسلسلة، وحبذا لو أضيفت بهارات من نوع خاص لإضفاء طابع الهيبة على النص، وذلك بجعل الأبطال يموتون لأي سبب كان، وهكذا تحدث مآسي صغيرة تكبر شيئا فشيئا إذا تم دعمها بعبارات الدمع والدم والحزن والمهجة والقلب الممزق وما إلى ذلك من تلك التعابير الجاهزة سلفا. بعد هذا ينتهي دور "جامع الأحاديث" الذي سيصبح لاحقا من فريق الكتّاب الذين لا يشق لهم غبار.
مهلا..آه نسيت هناك خطوة أخيرة: "المطلوب دفع 4 مليون سنتيم لطباعة 500 نسخة، و... ... مرحبا بكم في أي وقت، حتما سيكون كتابكم في المعرض الدولي للكتاب وستكون هناك مساحة للدعاية في التلفزيون الجزائري مادام القائمون على التلفزيون يسمحون بمرور أية معلومة دون التدقيق من صحتها... سنقول إن هذا الكتاب مهم وقد حقق انتشارا واسعا في الانترنيت وهكذا يتحمس الناس لشرائه بـ 190 دج. أنتم تحققون الشهرة ونحن نحصل على الأرباح.. أليست فكرة رائعة...!!! ؟..
علي مغازي/ شاعر
وكاتب صحفي