أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

كومبارسات السياسة اليمنية

- وضاح حسين المودع
يلحظ متابع الشأن اليمني أنه ومنذ الحادي وعشرين من سبتمبر الفائت صارت سلطات الدولة تؤدي دور (الكومبارس) في  حين أن جماعة الحوثي تسيطر على كل الوزارات ومؤسسات الدولة، حاول الرئيس المستقيل هو ومقربيه بالإتفاق مع مبعوث الأمم المتحدة  شرعنه الكومبارسية عبر التوقيع على ماسمي اتفاقية السلم والشراكة لكي يظهر لكل من هو خارج اليمن أو داخله أن المسألة لم تكن سوى خلاف عادي سببه رغبة طرف سياسي اسمه جماعة الحوثي بالشراكة مع الاخرين في إدارة المرحلة، وتغيير الحكومة بحكومة جديدة، لكن ما روج له النظام المستقيل، لم يستمر كثيراً، وخلال أقل من أربعة أشهر أنقلب السحر على الساحر فتم قلب الطاولة عليه وعلى رئيس حكومته ووضعه في منزله ضمن برنامج (خليك بالبيت) كما فعل بكثير من موظفي الدولة وجنودها وقادة معسكراتها منذ ثلاث سنوات، ورغم أن الجماعة سيطرت على كل شيء تقريباً، إلا أن الأطراف السياسية اليمنية لازالت تتعامل مع الأمر وكأنه أيضاً خلاف سياسي يتم حله عبر المفاوضات!!!.
 
 الجماعة تقدمت كثيراً في سيطرتها على كل مؤسسات ومناطق الدولة حتى قررت اصدار ما أسمته إعلاناً دستورياً وادخال البلد في فترة انتقالية جديدة مدتها سنتان رسمت أوصافها هي دون موافقة أحد، أي قررت الجماعة استخدام نموذج مكرر تقريباً لطريقة مفاوضات إيران مع الدول الكبرى في ملفها النووي، حين كانت إيران تفرض على الدول المفاوضة في الملف أن تتمنى عودة الأمور إلى أخر نقطة قبل الجولة المفاوضة وليس إلى نقطة الصفر حين كانت تتقدم في تخصيب اليورانيوم أكثر وأكثر كي لايمكن المطالبة بوقف التخصيب بل بحلول أقل من ذلك والعودة لما قبل شهر بدلاً من العودة لما قبل سنة.
 
تكتيك جماعة الحوثي قريب جداً لما فعلته وتفعله إيران، والجماعة لا تلام على استخدامها ذلك بل الملوم الأطراف السياسية الأخرى التي تدخل معها في مفاوضات لا تدري فيها مالذي تريده وماهو برنامجها لحل ماوصلت إليه البلد، بقدر تفكيرها وحرصها على نصيبها في التسوية السياسية القادمة!!!.
 
يحتاج اليمن في مرحلة سقوط كل شيء التي نعيشها حالياً إلى طريقة أخرى من الأطراف السياسية الغير مسيطرة على الدولة، للتعامل مع جماعة الحوثي المسيطرة. إن قبول الأحزاب السياسية أن تدخل ضمن سقف اسمه لجان ثورية مشرفة على مؤسسات الدولة في أي تسوية قادمة يعني القبول بدور كومبارس جديد كما حصل لعبدربه وحكومة بحاح منذ 21سبتمبر، لكنه دورٌ أقبح بكثير من الكومبارسات تلك، إن الواجب أن يتم التفكير بتكتيك أن يدير الحوثيون وحدهم الدولة وبالطريقة التي يريدون، وليقدموا مشروعهم كي يظهر إما نجاحهم – وهو مايستحيل حدوثه- أو فشلهم وماهو تشير إليه شواهد المرحلة، إن عبثية مفاوضات شرعنة الوضع الحالي الذي أوصل الحوثيون البلد له لا تفيد لا البلد ولا الأحزاب السياسية التي تفاوض بل تفيد الحوثيين، ينبغي أن يفهم الجميع أن الحوثيين اختاروا خيار السنتين كفترة انتقالية جديدة كي يستطيعوا فيها تعلم طريقة ادارة الدولة عبر التغلغل بهدوء وبناء دولة عميقة لهم أفرادها يكتسبون الخبرة والقدرة من الأحزاب والأفراد من الأحزاب الأخرى الذين كانوا يديرون البلد، وكذا لترتيب الأوراق مع الخارج والإقليم بالذات الذي لم يستسغ حتى اليوم أي تعامل مع الجماعة، ولكي لا تتحمل الجماعة وحدها الفشل القادم حتماً على اقتصاد البلد، ولذا فإن الحكمة أن يتم تركهم يديرون البلد وحدهم وعدم مشاركتهم والتحول إلى مركز المعارضة، وهذا الخيار يجعلهم في مأزق مواجهة الصعوبات كلها التي يعاني منها البلد منذ سنين، ولا أشك بأن الجماعة قادرة على مواجهة خيار كهذا قد تتخذه الأطراف الأخرى في البلد. 
 
على الحوثيين أن يفهموا أن من السهولة بمكان النجاح في الحروب لكن الصعوبة الحقيقة كانت دوماً ولاتزال صناعة الحياة، وحل مشاكل اليمنيين الاقتصادية عبر بناء دولة مؤسسات تكفل لهم طعاماً وغذاءً وأعمالاً، فإن فعلتم ذلك فإني سأكون أول المعترفين بنجاحكم وليس لدي أي مشكلة شخصية مع من يحكمني طالما وهو سيخدم اليمن واليمنيين ويحقق لهم الاقتصاد المستقر ويوفر لهم الحرية والديموقراطية.
 
أدعو الحوثيين إلى استيعاب أن العودة إلى الوراء قد تفيدهم أكثر ولن تضرهم بقدر استمرارهم بالعمل بطريقة القفز إلى الأمام، أن تفهم قيادة الجماعة أن البلد بوضعه الحالي ليس أكثر من جمرة نار سيبتلعونها فتحرقهم من الداخل خير من أن تفكر بأوهام (الديولة) وغرور الانتصار ونشوته التي قد لاتستمر كثيراً.

Total time: 0.051