أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

دراسة مختصرة عن دور ومكانة اليمن في نشر الإسلام (1)

- إعداد د / علي عبد القوي الغفاري *

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا   لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا )
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

بدايةً أوضح رغبتي في نشر هذه الدراسة المعدة من وقت سابق في هذه السانحة وفي هذه اللحظة الفارقة والفاصلة في تاريخ شعبنا اليمني العظيم الذي صال وجال عبر التاريخ يوم لعب دوره القيادي والإنساني ، واليوم يعيش اليمن وضعاً خطيراً جداً بسبب عدم توفر حسن النية  عند المكونات السياسية التي طالت إجتماعاتها في الموفمبيك ، ولم تتوصل إلى حلول تؤدي إلى نزع فتيل وقوع حرب أهلية ، اليمن في غنى عنها لاسيما بعد إغلاق عدد كبير من السفارات في صنعاء وإيقاف عدد من شركات الطيران رحلاتها إلى اليمن ومغادرة الشركات النفطية اليمن بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية تحسباً لما يحمد عقباه ، فضلاً عن ذلك البيانات والقرارات الصادرة عن كافة المنظمات الدولية بما في ذلك  مجلس الأمن الذي أصدر قراره رقم 2201يوم 15 فبراير 2015م وكلها تطالب الفرقاء السياسيين اليمنيين إيجاد حلول عاجلة وسريعة للأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد .

وأقول أما آن الأوان  أن تستنهض الأحزاب السياسية مسؤوليتها التاريخية  لإخراج البلد مما هو فيه قبل السقوط والإنهيار،وإيقاع اليمن التي لاتتحمل المزيد من  الأوضاع المأساوية والحروب الحاصلة في سوريا والعراق وليبيا ، فاليمن بكل تأكيد غير قادرعلى تحمل ذلك ، والسؤال هو أما آن الأوان للتوافق والإتفاق والسمو فوق الضغائن والمصالح وتجنيب البلاد مخاطر الوقوع في حرب أهلية.

المطلوب في هذه الساعات الحرجة من الجميع تغليب مصلحة اليمن على المصالح الحزبية والفردية التي إن فشلنا في الحوار من أجل الوطن فإننا عاجزون عن بناء اليمن وفق مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية لبلوغ هذا الشعب أمانيه في بناء دولة المؤسسات أساسها المواطنة المتساوية والحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره حتى يواصل مسيرة البناء  كما كان حاله في الماضي ومواكبة بقية الدول في عالم جديد  خال من الفساد والإرهاب .

نص الدراسة




تتضمن هذه الدراسة عدة محاور ومجمل حديثها العام المسار التاريخي لمكانة اليمن عبر التاريخ ودورها في نشر الإسلام .



أولاً : أصل تسمية اليمن وموقعه :
اختلف الناس في أصل تسمية اليمن فمنهم من زعم أنه سمي يمناً لأنه على يمين الكعبة وهو التيمن ، ومنهم من زعم أنه سمي يمناً ليمنه وبركته ، وقد وجد في الكتابات السبئية اليمنية القديمة ذكر اليمن بلفظ ( يما نا ت ) باعتبار اليمن بلاد اليمن والبركة ، وقد بلغت الحضارات اليمنية القديمة من خلال دولها معين وسبأ وحمير وحضرموت وكندة وأوسان وقتبان درجة كبيرة من الرقي والازدهار مما جعل اليونان والرومان يطلقون على اليمن ( العربية السعيدة Arabia Felix ) ولم نجد وصفاً لأي أرض أو بلاد كما وصفت اليمن ، ذلك لتمتعها حين ذاك بوفرة المياه وطبيعة وجمال أرضها الخلابة التي باركها الله ، وذلك لأن اليمن اشتهر بإنتاج جميع المواد التي كانت تستخدم في الطقوس الدينية القديمة ، فضلاً عن علاقاتها التجارية وصادراتها لمنتجاتها المشهورة والمطلوبة عالمياً آنذاك .
 وبالنسبة لموقع اليمن فيذكر المؤرخون أنه الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية الممتدة من الخليج العربي شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً ، ومن أواسط الجزيرة العربية شمالاً حتى البحر العربي والمحيط الهندي جنوباً ، وكانوا يذكرون أن عمان مخلاف من مخاليف اليمن ، وبسبب موقع اليمن الإستراتيجي فقد تعرض لمحاولات استعمارية بهدف احتلاله وأول محاولة استعمارية قام بها الرومان عام 24 قبل الميلاد ، غير أن أهل اليمن كانوا للبرتغاليين والرومان بالمرصاد .
 وقد ذكرت اليمن في العديد من كتب التاريخ القديمة بأنها تلك الأرض التي تمتد من الطائف وتخوم مكة شمالاً إلى عدن في أقصى الجنوب ، إلى باب المندب غرباً ، إلى مضيق هرمز شرقاً ، إلى تخوم كاظمة ( الكويت حالياً ) في الشمال الشرقي .

وبالنسبة لمدينة صنعاء فإنها عاصمة اليمن التاريخية و تنسب إلى سام بن نوح الذي تولى بناءها ، ولتداخل الجغرافيا بالتاريخ تذكر المصادر أن المصريين القدماء الذين أطلق عليهم الفراعنة هم حاميون من نسل حام بن نوح شقيق سام بن نوح ، وتذكر المصادر أن  حام بن نوح هاجر مع قومه من شبه الجزيرة العربية إلى وادي النيل ، وبالنسبة لقوم عاد فقد ذكرهم الله سبحانه وتعالى في سياق حديثه عن نبيه هود عليه السلام قال تعالى : ( وإلى عـاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم ألا مفترون ) والآيات التي وردت عـن النبي نوح وعن عاد وأخيهم هود وثمود وغيرها فهي دول قديمة في اليمن وعمان  ، فعاد هي مثل غيرها من طبقات العرب البائدة ، وهم قوم نبي الله هود عليه السلام والطبقات الأخرى التي تنتمي إلى العرب البائدة هي ثمود وطسم وجد يس وجرهم الأولى والعمالقة ، ذكر الله عاد في القرآن حين قال : ( ألم ترى كيف فعـل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) ، ويعرب بن قحطان هو إبن سام بن نوح الذي عين أشقاءه الأربعة ولاة على مناطق اليمن التي كانت تضم حينذاك عمان والحجاز فقد عين شقيقه جرهم بن قحطان والياً على الحجاز وشقيقه عاد بن قحطان والياً على الشحر وشقيقه حضر موت بن قحطان والياً على جبل الشحر وشقيقه الرابع عمان بن قحطان والياً على عمان وعامر بن قحطان والياً على حضر موت، وحضر موت تسمى بالأحقاف التي ذكرها الله في كتابه الكريـم ( وأذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر مـن بين يديه ومن خلفه ألا تعبـدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم )، ولقد حـدد القرآن مكـان قوم عاد في الأحقاف والأحقاف جمع حقف وهي الرمال ، ولم يعين القرآن موقعها ، إلا أن الإخباريين كانوا يقولون أن موقعها بين اليمن وعمان ، ويذكر عن عاد الرفاهية والتقدم الحضاري الذي وصلت إليه والمدن الكبرى ومن أشهرها مدينة إرم ذات العماد وهي في محافظـة حضر موت شرق اليمن ، أما شقيقه سام بن نوح فقد هاجر إلى بلاد الرافدين .

ثانياً : عروبة اليمن :

حول عروبة اليمن أجد نفسي مع بقية إخوتي في الوطن العربي الكبير الذين يرددون على الدوام بل مجمعين على أن أصل العرب من اليمن ، وأستشهد بكلمة قالها في أحد الأيام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله – عندما قال : من ليس بيمني فليس بعربي .

ونقلاً عن الكتب والمصادر التاريخية فإن اليمن هي أرض العرب الأولى واليمنيون هم أول من تحدث باللسان العربي إذ أن القبائل العربية القديمة وفي طليعتها عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم والعمالقة هي القبائل التي إنتشرت في الجزيرة العربية ومنها إلى الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي وهي التي ظهر منها العرب العاربة وهي القبائل القحطانية والعرب المستعربة وهي قبائل عدنان ، وعدنان يعود أصله إلى قبائل العرب العاربة القديمة التي قدمت من اليمن ، وتذكر المصادر أن النشأة الأولى للغة العربية تنحدر من ولد سام بن نوح عليه السلام ، وهم عاد وثمود وجرهم الأولى وغيرها ، وأن بقاياها إنتقلت إلى بني قحطان  ، ثم إنتقلت إلى الشمال فتعلمها أولاد إسماعيل عليه السلام بالحجاز ، وذكر عمر رضا كحالة : أن الناس إختلفوا في تسمية العرب لم سموا عرباً ؟ فقال بعضهم : أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب هو يعرب بن قحطان وهو أبو اليمن ، وهم العرب العاربة ، وقد قيل أن اليمن سمي بإسم أيمن بن يعرب بن قحطان ، وقال أخرون : نشأ أولاد إسماعيل بعربة ، فنسبوا إلى بلدهم .
وقال هشام بن محمد بن السايب : جزيرة العرب تدعى عربة ، ومن هنالك قيل : للعرب عربي كما قيل للهندي : هندي ، ولم يسمع لأحد من سكان جزيرة العرب أن يقال له عربي ، إلا لرجل أنطقه الله بلسان منها .

ثالثاً : نزول القرءان الكريم باللغة العربية :
 
الأيات الكريمة الدالة على نزول القرءان الكريم باللغة العربية كثيرة ومنها في سورة الشعراء 192- 195
   قال تعالى ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ   نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ   عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ   بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ(
سورة يوسف ، الأية 2 قال تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
وكذا في سورة الزمر ، الأية 28 قال تعالى ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )
سورة طه ، الأية 113 قال تعالى  ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا )
سورة الرعد ، الأية 37  قال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا )
سورة النحل ، الأية 103 قال تعالى ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ )
سورة الأحقاف ، الأية 12 قال تعالى ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ )
سورة الزخرف ، الأية 3 قال تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
سورة الشورى ، الأية 7 قال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير )
سورة فصلت ، الأية 3  قال تعالى ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )
وأيضاً فصلت ، الأية 44 قال تعالى  ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ )

وحتى يكون لهذه الدراسة إعتبار ويكون لها مكانتها ، فلا بد من التجذير والتأصيل لمكانة اليمن تاريخياً ، وبالتالي من الضرورة الحديث أولاً عن قبيلة جرهم ، فهي التي شاركت في عملية التغيير الكوني الذي حدث والذي أدى إلى ميلاد آخر الأنبياء  والذي على يديه تغير نظام التوازن العالمي في الماضي والحاضر والمستقبل بنزول الوحي على الرسول  وأن الإسلام هو آخر الأديان ، وذلك على النحو التالي :

رابعاً : قبيـــــلة جــــرهم :

قبيلة جرهم قبيلة يمنية قحطانية هاجرت عند إنهيار سد مأرب إلى الشمال ، وهي أول من سكن بأرض مكة وإليها وصل نبي الله إسماعيل وأمه هاجر مع سيدنا إبراهيم   ، وقد إستقرت في الوادي الذي ليس به زرع ، حيث  قال تعالى  ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم الآية رقم 37 .

ومن نسل جرهم جاءت قريش ، وهم من عمل على بناء الكعبة المشرفة مع أنبياء الله إبراهيم وإبنه إسماعيل عليهما السلام ، وقد تزوج نبي الله إسماعيل من قبيلة جرهم ومن ذريتهما جاء نبي الله محمد  ، لذلك قال الرسول : أهل اليمن هم مني وأنا منهم .

وتأكيداً على ذلك عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله  يقول   :
إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم  ، رواه مسلم .

 وقد اختلفت الروايات في إسم زوجة إسماعيل عليه السلام مع الإتفاق أنها من قبيلة جرهم العربية وجرهم يتصل نسبها إلى سام بن نوح عليه السلام ، ومن ذرية سيدنا إسماعيل جاء نبي الله محمد  ، وقصة قبيلة جرهم معروفة فهي من القبائل التي هاجرت من اليمن إلى الشمال مع غيرها من القبائل عندما تهدم سد مآرب الشهير ، وعندما كانت مجموعة من قبيلة جرهم في طريقها للتجارة قرب مكة شاهدوا الطيور حائمة حول ذلك الماء فاستدلوا بذلك على وجود الماء ، وكان سيدنا إبراهيم  حين وطئ مكة دعا ربه كما جاء في سورة إبراهيم الآية رقم  37  التي سبق ذكرها .

وكانت السيدة هاجر قد سعت بين الصفا والمروة بحثاًُ عن الماء ، وتسعي سعي المجهود تذهب وتجيئ بين الصفا والمروة سبع مرات حتى رأت جبريل عليه السلام يضرب بقدمه الأرض حتى ظهر الماء  السلسبيل العذب وهو زمزم ، وكانت قبيلة جرهم هي أول قبيلة تصل إلى ذلك المكان كما أسلفنا ، كما أن هنالك آيات من القرءان الكريم من لغة قبيلة جرهم مثل كلمة ( فباءوا ) ومعناها بلغة جرهم إستوجبوا واستحقوا ، وكلمة ( أن ترك خيراً ) معناها بلغة جرهم المال و غيرها من الكلمات .

خامساً : اليمن قبل الإسلام
لقد تطور الإنسان اليمني في إطار الخطوط العامة للتطور التاريخي للإنسانية وذلك حسب الموقع الجغرافي الهام لليمن والظروف الطبيعية والمناخية المتنوعة والسيطرة على طرق تجارة العالم القديم ، الأمر الذي جعل من اليمن أحد مراكز الحضارات الإنسانية ، كما أن اليمن أرض لعدد من أنبياء الله ( منهم هود وصالح ) حيث توجد قبورهم في اليمن وكذا جبل النبي شعيب الواقع في مديرية بني مطر محافظة صنعاء وهو أعلى قمة في الجزيرة العربية والشام ويرتفع عن سطح البحر ب 3670 م  .
وقبل ظهور الإسلام فإن دولة حمير المركزية التي قامت عام 115 قبل الميلاد إستمرت حتى عام 525 قبل الميلاد  ، وقد سميت هذه الدولة بإسم مؤسسها حمير بن سبأ بن يشجب بن قحطان والحميريون هم فرع من السبأئيين ، وقد إستوعبت دولة حمير في إطارها سبأ وذي ريدان وحضرموت وكندة وأوسان وقتبان ويمانة وأعرابهم في الجبال والتهائم ، وقد تعرضت دولة حمير للإحتلال الحبشي بمساعدة من إمبراطور الروم الذي قدم سبعين سفينة حربية للأحباش من أجل القضاء على ملك حمير الملك يوسف ذو نواس بسبب قيامه بإحراق المسيحيين ورميهم في أخدود نجران ، حيث قام بهذا العمل غيرةً منه على ديانته اليهودية ، ولأسباب دينية وسياسية وتجارية إستغلت بيزنطة والحبشة هذه الحادثة فقامت بإحتلال اليمن والقضاء على السلطة المركزية للفترة من 525 – 575 م ، وأثناء الإحتلال الحبشي ساد اليمن الخراب والدمار بسبب النزاعات والخلافات الدينية التي قامت بين اليهود والنصارى فقد إعتبر الديانة النصرانية خطراً إستعمارياً على الوحدة اليمنية ، وحول هذا ذكر الله هذه الحادثة ، فقال تعالى : ( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ   وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ   قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ   النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ   إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) سورة البروج ، الآيات 1 – 7 .

 وهكذا فقد تعرض اليمن للإحتلال لأول مرة في تاريخه ودام إحتلال الأحباش لليمن خمسون عاماً من عام 525 إلى 575 م ، وخلال هذه الفترة يعتقد أن ذلك العام هو عام مولد محمد  عام 570 ميلادية ، كما يعتقد بعض الباحثين أن عام الفيل كان بين عام 568 - 569 ميلادية ، حينها.قام إبرهة بغزو الكعبة المشرفة بهدف هدمها وبناء كنيسة ( القليس ) في صنعاء ، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً أمام الإرادة الربانية القاهرة ، إذ أن أبرهة لم يأت لهدم الكعبة فقط ، وإنما جاء ليسيطر على مكة جسر التجارة العالمية بين الشام واليمن ، جاء طامعاً هو والرومان في ثروة العرب ، فهو لم يأت لهدم الكعبة ثم يعود بجيشه إلى بلاده ، إنما جاء بتبرير سياسي لاحتلال مكة ، وبتبرير ديني للسيطرة الاقتصادية ، ولقد أراد الله سبحانه أن تظل الجزيرة العربية حرة مستقلة لأنه كان يعلم أن نبياً سيولد في هذه المنطقة بعد خمسين يوماً من حادثة الفيل ، قال تعالى (  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ  )  سورة الفيل .

وقد قاوم اليمنيون الإحتلال الحبشي ، بقيادة سيف بن ذي يزن الذي تمكن من تحقيق الإستقلال بعون فارسي ، وذلك بعد مقاومة شديدة ومعارك ضارية بمساعدة فارسية مكونة من 800 جندي جاءوا في 8 سفن يقودهم وهرز الفارسي وتذكر المصادر أن هؤلاء كانوا من المساجين ، وقد أحرز سيف بن ذي يزن النصر وتمكن من طرد الأحباش وإستقلال اليمن عام 572م ، وقد كان من ضمن الوفود التي جاءت لتهنئة سيف بإنتصاره على الأحباش وفد قريش برئاسة عبد المطلب بن هاشم – جد النبي - للتهنئة على الإنتصار وفوزه بإستقلال اليمن ، وتذكر المصادر أن والدة عبد المطلب يمنية وهي سلمي بنت عمرو الخزرجي ، وأثناء الزيارة دار حديث بينهما ، ذكر سيف إلى عبد المطلب بخبر قائلاً له :
  إنني مفوض إليك من سر علمي أمراً لو كان غيرك لم أبح به ولكني رأيتك موضعه فأطلعتك عليه فليكن مصوناً حتى يأذن الله فيه ، فإن الله بالغ أمره ..إني أجد في العلم المخزون والكتاب المكنون الذي إدخرناه لأنفسنا وأحتجبناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس كافة ولرهطك عامة ولنفسك خاصة..
قال عبد المطلب : مثلك يا أيها الملك من بر وسر وبشر ما هو فداك ، أهل الوبر زمراً..
 بعدها قال إبن ذي يزن : إذا ولد بتهامة غلام به علامة بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة ..
 قال عبد المطلب : أبيت اللعن لقد أبت بخير ما أب به وافد قوم  ..
فلولا إجلال الملك لسألته أن يزيدني في البشارة ما إزداد به سروراً ..
 قال إبن ذي يزن : هذه حينه الذي يولد فيه ، وقد ولد ، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه ، قد وجدناه مراراً والله باعثه جهاراً وجاعل له منا أنصاراً يعزبهم أولياءه ويذل بهم أعداءه..إنك يا عبد المطلب لجده من غير كذب ..
 فخر عبد المطلب ساجداً ..
قال إبن ذي يزن : أرفع رأسك.. ثلج صدرك وعلى أمرك ، فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟
قال عبد المطلب : أيها الملك كان لي إبن كنت له محباًَ وعليه حدباًَ مشفقاً ، فزوجته كريمة من كرائم قومه يقال لها آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، فجاءت بغلام بين كتفيه شامة فيه كل ما ذكرت من علامة ، مات أبوه وأمه فكفلته أنا وعمه ..
 قال بن ذي يزن : إن الذي قلت لك كما قلت فأحفظ إبنك ، وأحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً ، أطوي ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون لكم الرئاسة . ( العقد الفريد ، الجزء الثاني ) .


 غير أن اليمن تعرضت بعد إستقلالها عن الحبشة لتواجد /  لإحتلال فارسي عام 575 م ، ذلك التواجد  أو الإحتلال الذي كان جزءً من الصراع مع الروم بهدف الإستيلاء على مناطق النفوذ الإستراتيجية وكذا السيطرة على طرق القوافل والتجارة الدولية بين الجانبين .

سادساً : نزول الوحي على الرسول  :

عندما بلغ محمد  أربعون سنة ، وهي رأس الكمال ، نزل عليه الوحي وكان ذلك في يوم الإثنين لإحدى وعشرين مضت من رمضان ليلاً الموافق 10 أغسطس 610 م ،  ، والحكمة في نزول الوحي على محمد  وعمره أربعون عاماً تلك دلالة على أنها مرحلة النضج وكمال العقل وحصول التجربة في الحياة وطريقة معاملة الناس ، كما أن نزول الوحي على محمد  لدعوة عامة الناس للدخول في الإسلام وهو في الأربعين فإن ذلك قد حدث مع كثير من الأنبياء ، وقد بعثه الله رحمة للعالمين وكافة للناس أجمعين بشيرا ًونذيراً .

ويذكر أن السيدة عائشة رضي الله عنها روت قصة الوحي بقولها أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي كانت الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصباح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ، وهو التعبد ، ليلاً قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه جبريل عليه السلام  فقال إقرأ ، فقال : ما أنا بقارئ ...فقال فأخذني وغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال إقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فأخذني وغطني الثالثة ثم أرسلني فقال إقرأ :
)   اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ   خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ   اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ   عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )  سورة العلق ، الأية 1 – 5
وكانت دعوة الرسول  سرية والتي استمرت ثلاثة سنوات تلاها الدعوة جهاراً وذلك حين أمر الرسول  بدعوة قومه إلى الله تعالى .

سابعاً : معاناته وجهاده :

بدأ الرسول   في نشر دعوته لأهله والأقربين سراً ، وفرضت الصلاة في مكة في مطلع الإسلام ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي لقوله تعالى ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي وَالإِبْكَارِ ) غافر الآية 55 ، وعلى إمتداد ثلاث سنوات ظلت الدعوة سرية وفردية خلالها تم تكوين جماعة من المؤمنين تقوم على المحبة والتعاون وإبلاغ الرسالة ، ثم نزل الوحي يكلف رسول الله   بإعلان ذلك جهراً لقومه ومهاجمة أصنامهم ، وكان أول ما نزل قوله تعالى ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الشعراء ، الآية 214 ، ثم الأمر بالصدع والحق حتى نزل قوله تعالى (  فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) سورة الحجر الآية 94 ، وقد جاهد في الله حق جهاده فأوذي وأضطهد هو وأصحابه ولم يكن بيده شيء في مجابهة ذلك سوى الصبر حتى أذن له بالهجرة .

ثامناً : بيــــعة العقبة الأولى :

ذكر في كتب السير أن 6 أشخاص من أهل يثرب أسلموا في موسم الحج عام 11 هـ من النبوة وواعدوا رسول الله  على إبلاغ رسالته بين قومهم ، بعد أن عرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وصدقوه وآمنوا به ،  وما أن جاء موسم الحج التالي عام 12 من النبوة الذي يصادف يوليو 621 م ، فجاء إلى النبي  – 12 رجلاً من بينهم 5 أشخاص من الـ 6 الذين اتصلوا برسول الله  في العام السابق ، اثنان منهم من الأوس والباقي من الخزرج ، وقد اتصلوا برسول الله  عند العقبة   بمنى ، فبايعوه  ببيعة النساء التي نزلت عند فتح مكة في سورة الممتحنة آية 12 والمذكورة في البخاري ، والتي جاء فيها : ( تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب في ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه )  فبايعوه على ذلك  ، وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبي  معهم أول سفير إلى يثرب ليعلم الناس فيها شرائع الإسلام ويفقهم في الدين ويقوم بنشر الإسلام بين الذين كانوا لا زالوا على الشرك ، وقد اختار لهذه المهمة مصعب بن عمير العبد ري الذي لقب بأول سفير في الإسلام.

تاسعاً : بيـــعة العقبة الثانية :

وكانت مكونة من 73 رجلاً وامرأتان ، وقد تمت في السنة الـ 13 من النبوة ، عام 622 م ، فقد حضروا لأداء مناسك الحج وهم من أهل يثرب وقد جرت بينهم وبين النبي محمد  اتصالات سرية أدت إلى أن يتفق الفريقين على أن يجتمعا في أواسط أيام التشريق ، وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة ، وفي ظلام الليل ..وكانت بنود البيعة على النحو الآتي :
1 – السمع والطاعة في النشاط والكسل
2 – النفقة في العسر واليسر
3 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
4 – وعلى أن تقوموا في الله ، لا تأخذكم في الله لومة لائم
5 – وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة.

وفي هذا الصدد فإنه لفخر ما مثله فخر لليمن واليمنيين أن قبيلتي الأوس والخزرج المتفرعتان أصلاً عن الأزد والذين عرفوا بعد الهجرة بأنصار رسول الله   ذلك لأنهم من بايعوه وناصروه وبالتالي فيمكن الجزم بأن لهاتين القبيلتين الدور الكبير في نصرة الرسالة المحمدية في يثرب كما كانوا في مقدمة المقاتلين مع الرسول  ، في معظم غزواته ، إلى جانب بيعتهم الأولى والثانية للرسول  قبل الهجرة فقد كانوا مع الرسول  في حياته وشاركوا بعد وفاته في كافة الفتوحات الإسلامية في مصر والشام وفلسطين والمغرب والأندلس .   


عاشراً : اليمن في العصر الإسلامي :

بعد موت سيف بن ذي يزن ظل اليمن يحكم في إطار التواجد الفارسي من عام 575م حتى ظهور الإسلام في مكة عام 610م ، حينها دخل اليمنيون  في الإسلام موكباً بعد آخر استجابة وتلبية لدعوة الرسول محمد .
وقد ظل اليمن تحت سيطرة فارس إلى أن ظهر الإسلام في مكة عام 610م ، فما إن جاءت الدعوة الجديدة إلى الدين الإسلامي حتى كانت بمثابة خلاص اليمنيين من الاحتلال وقبولهم بدين الله فرادى وجماعات وأصبح اليمن برجاله سنداً قوياً ودرعاً عظيماً في نشر الإسلام ومساعدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين في أنحاء كثيرة من العالم .

وقد بعث النبي محمد  برسله إلى سائر الأقطار للدعوة إلى الدين الجديد ،  وإلى اليمن بعث الرسول  معاذ بن جبل الأنصاري إلى الجند في العام الـ 8 للهجرة وعلي بن أبي طالب في العام الـ 10 ، وعين  العامل باذان عامل الفرس على صنعاء ، الذي أسلم وأسلم معه بعض مشايخ اليمن وقبائله وقد توالت الوفود اليمنية إلى المدينة وقد قال  .( آتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية .)




حادي عشر : ذكر اليمن في القرآن الكريم :

  ذكرت اليمن في عدة سور منها سورة سبأ التي جاء فيها ، قال تعالى   : ( لقد كان لسبأ في مسكنهم أية  جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )..هذه الأيات الكريمة توضح الحالة الإجتماعية الكريمة والمعيشة الرغيدة التي كانت تعيشها اليمن آنذاك ، وعندما أعرضوا أنزل الله عقابه على أهلها كما جاء في الأيات التي ذكرت ، الأيات من 15 إلى 19.

وقصة الملكة بلقيس في القرآن مع النبي سليمان والهدهـد معروفة حيث دارت هـذه الوقائـع في مدينـة مأرب والقدس ، قال  تعالي في سورة النمل ( وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لا عذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * إلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا اله إلا هو رب العرش العظيم * قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * أذهب بكتابي هذا فالقه إليهم ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون * قالت يا أيها الملؤا إني القي إلي كتاب كريم * انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي واتوني مسلمين * قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون *قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) الآية 20 – 34.

وهكذا لا يوجد ما هو أصدق من كتاب الله الذي بين أن الحكم في اليمن قبل آلاف السنين كان قائماً على الشورى والديمقراطية التي أساسها حرية التعبير وأن الشعب هو مالك السلطة  ومصدرها وأن اليمن سبق غيره من دول العالم القديم قاطبة في تولي المرأة قيادة البلاد ، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة اليمن التي إحتلته وتربعته  قبل الإسلام ، وحكاية بلقيس مع مجلس الأعيان أو الشورى التي طلبت منهم الرأي وأخذت بمشورتهم في ما تعمله مع النبي سليمان عليه السلام ، هذه الإستشارة التي طلبتها بلقيس من مجلس أعيانها تعتبر أكبر شهادة على حكمة اليمنيين حينذاك مما يدل على أمرين  هما الشورى والديمقراطية ، والأمر الأخر هو مكانة المرأة اليمنية في تلك الفترة ..وحدث الشيء نفسه بعد الإسلام عندما تولت السيدة أروى بنت أحمد الصليحي زمام قيادة اليمن وهو الأمر الذي لم يحدث في العالم العربي حتى يومنا هذا ..وما حصل ويحصل في القرن الواحد والعشرين هو عكس ذلك فالإستيلاء على السلطة والإنفراد بالحكم والديكتاتورية وتهميش الأخرين ونهب وسلب حقوق أبناء الشعوب هو هم من يصل إلى سدة الحكم ومنها بلادنا .

هذا هو كلام الله يبين العلاقة بين بلقيس ملكة دولة سبأ مع النبي سليمان التي انتقلت إلى القدس بحاشيتها وهداياها، وذكرت المصادر أن النبي سليمان تزوج من ملكة سبأ، وأن يهود اليمن من ذريتها ، وأن أصل العائلة التي كانت مالكة الحبشة (وآخر ملوكها الإمبراطور هيلاسيلاسي) هي من ذرية ملكة سبأ ونسل سليمان، وأن اسم الملكة هو بلقيس ، ومملكة سبأ كانت عاصمتها مدينة مأرب التي يوجد فيها سد مأرب والذي لازال ماثلاً الى يومنا هذا وسيظل كذلك ، هذا السد الذي يعد من أبرز رموز اليمن التاريخية ، والذي تم بناؤه أيام دولة سبأ التي ظهرت في القرن التاسع قبل الميلاد عندما تغلبت دولة سبأ على المعينيين على يد الملك سبأ بن يشجب ، وقد تم إعادة بناء السد لأول مرة بفضل صاحب العزم والغيرة طيب الله ثراه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي شيده من جديد وهو الذي أنشأته اليمن قبل آلاف السنين ، وقبل أن تعرف الدول الأوروبية فنون العمارة الهندسية ، وبسبب  انهياره انطلقت  هجرة اليمنيين في حدود القرن الرابع ق.م إلى عدد من الدول منها مصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي وبلاد الشـام وبلاد ما وراء النهرين.
وقد كان للحضارة السبئية دورها كغيرها من حضارات الدول اليمنية فقد امتدت الحضارة السبئية وتوسعت إلى بلاد الشام حيث أقاموا مملكة الغسا سنة والمناذ رة وبقية جزيرة العرب ، حيث استوطنت قبائل الأوس والخزرج يثرب ( المدينة المنورة )  وهاجروا إلى الحبشة ودول القرن الأفريقي وشمال ووسط أفريقيا وارتبطت القوافل التجارية اليمنية بهذه الدول حيث تم تبادل المنافع التجارية منها والإقتصادية وكان للنشاط التجاري اليمني أثره مع الدول المجاورة مما ساعد على إستقرار اليمنيين في هذه الدول لنشر الإسلام عند ظهوره وفي مراحل أخرى ، فضلاً عن مزاولة اليمنيين للأنشطة التجارية في الدول التي استقروا فيها .

كما ذكرت اليمن في القرءان في سورة الأحقاف ، قال تعالى  ( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، الآية 21 )

 وفي سورة قريش التي تشير إلى أن التجارة كانت قائمة بين أهل مكة وما جاورها إلى كل من اليمن في الشتاء وإلى الشام في الصيف ، وقد جاء في السورة الكريمة قال تعالى ( لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )

وسورة الدخان الأية 37 قال تعالى  ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )  ..
وسورة النصر الأية 2 في قوله تعالى
( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) أجمع العلماء على أنها في أهل اليمن .

كما ذكر القرءان الكريم العديد من القصص حول اليمن وأهل اليمن فنالت اليمن ورجالها نصيباً كبيراً ، ومن تلك القصص أصحاب الفيل ومحاولة إبرهة الأشرم ( الحبشي ) هدم الكعبة المشرفة وبناء القليس في صنعاء القديمة ، رحلة الشتاء والصيف ، أصحاب الأخدود ، قصة نبي الله سليمان عليه السلام وملكة سبأ ، إرم ذات العماد ، سيل العرم .


 ثاني عشر : دخـــول اليمـــن في الإســـلام :

كانت استجابة اليمنيين للدعوة الإسلامية استجابة طبيعية ورغبة روحيّة وماديّة علت على كافة الرغبات. وتسابقت القبائل في إرسال وفودها لتصبح بإسلامها جزءاً من الدولة الإسلامية ، فما إن وصلت أصداء الدعوة إلى اليمن التي كانت حينها مجزأة مع وجود حكم فارسي في صنعاء وعدن وما حولها وتواجد روماني حبشي في نجران فإن القبائل اليمنية بدأت تنشط وتستجيب للدعوة الإسلامية وقد دخل عدداً كبيراً من أهل اليمن في الإسلام في العام السادس للهجرة وكذا في العام العاشر وهو ( عام الوفود ) . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يولّي كل شريف قوم على قومه، فعيّن فروة بن مسيك أميراً على مذحج كلّها. كما عيّن باذان الفارسي أميراً على جميع مخاليف اليمن رغم أنّها إمارة رمزية لأنّ اليمن لم يكن قد أسلم كلّه بعد، حيث أراد بهذا التعيين إنهاء حكم الدولة الفارسية على ولاية اليمن وإدخالها تحت راية الدولة الإسلامية. وفي العام التاسع الهجري قسّم الرّسول صلى الله عليه وسلم اليمن إلى مخلافين كبيرين: أعلى ويشتمل على نجران وصعدة والجند وحتّى عدن، وأسفل يضمّ تهامة اليمن من جيزان شمالاً وحتى عدن جنوباً.

وقد ذكرت المصادر أن اليمنيين دخلوا في الإسلام في الـ 9 من رجب من السنة الـ 9 للهجرة وكان الرسول  قد بعث عدداً من الوفود العربية في السنة الـ 10 للهجرة منهم خالد بن الوليد وعلي إبن أبي طالب الذي بعثه الرسول  في شهر رمضان من نفس العام إلى اليمن ، فأسلمت علي يده قبائل همدان وهي ( حاشد وبكيل ) ويذكر عن النبي  قوله السلام على همدان – ثلاث مرات - ، وكان الإسلام في اليمن قد بدأ ينتشر قبل الهجرة وأكتمل بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من تبوك في السنة الـ 9 للهجرة ، وتأخر بعضهم إلى أن أقنعهم علي – كرم الله وجهه – وقد كانت القبائل اليمنية هي الأولى التي وصلت إلى يثرب ، فقال أبو بكر – رضي الله عنه – سمعت رسول الله  يقول إذا أقبلت حمير ومعها نساؤها وأولادها فأبشروا بنصر الله ، وبظهور الإسلام تمكن اليمن من إستعادة عافيته ووحدته الأزلية ودخل اليمنيون في دين الله أفواجاً ، وقد كان أهل اليمن في مقدمة الفاتحين وشاركوا في كافة الفتوحات الإسلامية ، وكان اليمنيون الأوس والخزرج في يثرب هم الذين ناصروا رسول الله  وكانوا مضرب المثل في الجهاد والدعوة لنشر دين الإسلام إلى مختلف الدول .

ثالث عشر : اليمن في عهد الخلفاء الراشدين:

استمرّت سياسة توحيد اليمن خلال عهد الخلفاء الراشدين وأعيد تقسيم اليمن إدارياً إلى ثلاثة مخاليف هي الجند وصنعاء وحضرموت .

واندفع اليمنيون في معارك الفتوحات الإسلامية جنوداً وقادة واختفت العصبيّة التي قامت على أساسها الزعامة , وخضع الجميع للدولة الإسلامية التي تأمر فتطاع ،  كما ساهم اليمنيون مع غيرهم من القبائل العربية في بناء الدولة الإسلامية سواء كانوا جنوداً أو قضاة أو علماء أو إداريين أو ماليين، أثبتوا جدارتهم في تحمّل المسؤولية وفي الإخلاص للدولة الإسلامية. وبقي الوضع المالي بالنسبة لليمن كما كان عليه في عهد الرسول  .

رابع عشر : دور اليمن في نشر الإسلام والفتوحات الإسلامية :

مثلما كانت جحافل القبائل اليمنية في مقدمة من آمن بالدين الإسلامي الجديد الذي إنتشر وساد على يد رسول الإنسانية محمد  ، فقد قام اليمنيون بدورهم التاريخي بنشر الإسلام في منطقة الشرق الأوسط أولاً حتى أصبحت دول المنطقة تدين بالإسلام ديناً وبالرسول محمد   نبياً ، فقد ساهم اليمنيون في فتح ونشر الإسلام في بلاد الشام وفارس ومصر والمغرب العربي ، وأثناء خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه – بعث بجيش المسلمين لمقاتلة الروم في بلاد الشام ، وكان قد أوفد أنس بن مالك إلى اليمن لدعوتهم للجهاد الذين لبوا دعوة خليفة رسول الله ، وكانت قبيلة حمير في مقدمة القبائل اليمنية التي وصلت إلى المدينة المنورة بكتائبها وعتادها وأموالها ، وبعد قبيلة حمير وصلت قبيلة مدحج وقبائل طي والأزد وبنو عبس وكنانة التي إتجهت من المدينة إلى تبوك حتى وصلت دمشق ، وهناك دارت المعارك بين جيش المسلمين والروم وبعون من الله تم فتح الشام وهزم الروم وأنتشر الإسلام في ربوع الشام ، وفي عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جاء فوج آخر من اليمن من أرض سبأ وحضرموت وانضموا إلى جيش المسلمين فشاركوا في فتح بيت المقدس بقيادة خالد بن الوليد وبعد فتح فلسطين استأذن القائد عمرو بن العاص من الخليفة الثاني فتح مصر ،  وسوف نستعرض المعارك التي خاضها جيش عمرو بن العاص مع المجاهدين اليمنيين في الصفحات القادمة ، حيث امتد دور اليمنيين لاحقاً في نشر الإسلام إلى جنوب شرق آسيا والهند وجنوب شرق أفريقيا ، ودون شك فإن للحضارمة دور كبير في نشر الفتوحات الإسلامية ، وقد ساهم أبناء حضرموت أيام الخلافة في نشر الإسلام في عدد من الدول ونظراً لهذا الدور الذي يشار إليه بالبنان فإن دور الحضارمة لا يمكن الإستهانة به وخاصة في جنوب شرق آسيا .
وأعتقد أنه من المناسب جداً أن نولي في هذه الدراسة الدور الرائع والمشرف لأبناء القبائل اليمنية في حضرموت وغيرها لما قاموا به أثناء الفتوحات الإسلامية ، جنباً إلى جنب مع قبائل همدان الأبية.

وبالنسبة لحضرموت وأهلها فإن حضرموت هي إحدى محافظات الجمهورية اليمنية الواقعة في المنطقة الشرقية والتي تبعد عن العاصمة صنعاء 777 كم ، ويحدها شمالاً الربع الخالي وشرقاً محافظة المهرة وجنوباًُ البحر العربي وغرباً محافظة شبوة ، وحضرموت أحد مخا ليف اليمن ( بلاد الأ حقاف ) وقوم عاد الأولى ونبيهم المرسل هود عليه الصلاة والسلام أول نبي عربي مرسل ، وتعتبر حضرموت من أهم  مناطق شبه جزيرة العرب لتميزها  الحضاري الموغل في القدم حيث ذكرت في أكثر من 17 موضعا من القرآن العظيم ووصفت من فوق سبع سماوات كما في سورة الفجر ، قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ   إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ   الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ   وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )

ولم تذكر الأحقاف ولا نبيها هود في التوراة وغيرها من الكتب السماوية وأنفرد القرآن العظيم بذكرها ، ذلك وجه من وجوه الإعجاز التاريخي بحيث لا تجد مصدرا لهذه الأخبار إلا في القرآن العظيم  ، وتثبت مصادر التاريخ أن الحضارات الأولى في العالم نشأت من ذلك المثلث الحضاري والذي يشمل عمان والأحقاف باليمن وكذا أرض الرافدين( بلاد الشام) وحوض النيل وفلسطين .  

ولا شك أن الدور الذي قامت به القبائل اليمنية الحضرمية المختلفة في نشر الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي يعود الفضل فيه إلى هجرات جماعية لتلك القبائل الحضرمية أعقاب الفتح الإسلامي إلى أنحاء مختلفة من العالم كــمصر والعراق والأندلس الخ ثم هجراتها وعودة بعض منها مع قبائل أخرى إلى حضرموت في القرن الـ 3 و4 هـ ثم هجرات تلك القبائل من حضرموت إلى جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا والحبشة والصومال وبقية دول القرن الأفريقي .

وأكثر تلك القبائل التي عادت إلى حضرموت أو نزحت إليها ثم هاجرت من حضرموت لنشر الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي أكثرها نزوحا إلى حضرموت كان من بلاد الرافدين وبالذات من ( البصرة والكوفة ) حيث جعلوا منهما وطنا ثانيا لهم في هجرتهم إليها.

وتشير الدراسات الحضرمية / اليمنية وهي كثيرة حول دور أهل حضرموت في نشر الإسلام ومنها الدراسة التي اعتمدنا عليها للباحث / جعفر ابن محمد السقاف ،  بأن ذلك الانتشار الحضرمي الحضاري إلى تلك البلدان لنشر الدعوة الإسلامية دليل عنفوان الحضارة وسموها المتعاظم ، ودليل أن طابع حضارة حضرموت كان له شأن كبير لازمهم في بلدانهم وأسفارهم ثم حط رحالهم بتلك البلدان  .

وإذا كان خراب السد الرئيسي الكبير – سد الخلفه – شرقي قبر النبي هود كان من أكبر عوامل هجرتهم من بلادهم ، فلماذا لا يكون عملاً نافعاً لبلدان أخرى ... ؟ إذ أن خراب السد لم يكن بحال من الأحوال دليل سلبي بل أنه دليل إيجابي لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار سيطرة الحضارم في تلك المجتمعات واقتدارهم على تثبيت أقدامهم ونشر الإسلام في الأقطار التي استقروا فيها وأصبحت لهم موطناً ومناصرتهم الكاملة للإسلام الذي رفرفت أعلامه بتلك البقاع ، وسلوكهم المثالي ، وكونهم كراماً ناجحين في شئون دينهم ودنياهم ، والتقاء هذه النيات الخالصة المخلصة لله تعالى والتي هي بفضل من الله سبحانه وتعالى .

وفي كل الأحوال أجد نفسي كباحث ودارس وأنا أشير إلى هذا الدور العظيم الذي تفتخر به اليمن ويعتز به عالمنا العربي والإسلامي ، أجد نفسي عاجز جداً في الحديث عن دور أهل حضرموت خاصة واليمنيين عامة في نشر الإسلام في عدد من الدول العربية والإسلامية ، ودون شك أن الباحثين والمتخصصين على إطلاع كامل بدور القبائل اليمنية في مصر عند خلافة أمير المؤمنين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وكذا أثناء خلافة سيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنهما ، فقد ضرب اليمنيون دون غيرهم الرقم القياسي في الدفاع عن حصون مصر شرقها وغربها ، فقد ذكر الدكتور السيد طه أبو سيدرة في كتابة القبائل اليمنية في مصر في عصر الفتوحات الإسلامية الكبرى أن القبائل اليمنية إنطلقت من المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الفتية الناشئة في عهد الفاروق الخليفة عمر بن الخطاب  ــ  رضي الله عنه  ـــ  فتوجهت إلى العراق ، والشام ، والديار المصرية ، و تونس ، وبلاد المغرب والأندلس .

والكتاب مليء بالمعلومات القيمة والجديدة عن دور القبائل اليمنية في فتح الديار المصرية في عام 20هـ / 641  م وفي رواية أخرى تقول إنّ فتحها كان في 21 هـ / 642 م   ، بقيادة القائد الفذ عمرو إبن العاص الذي كانت تحت إمرته قرابة أربعة آلاف مقاتل من القبائل اليمنية  ــــ  كما تذكر الروايات الإسلامية  ـــ  وكان القائد عمرو بن العاص صاحب دراية وخبرة واسعتين في فنون القتال , ويصفه الكندي قائلاً : وكان عمراً ذا رأي ، وشجاعة نادرة  ، فقد دوخ جحافل الجيوش الرومانية في مصر ونشر في قلوبهم الرعب ، وبفضل قيادته الرائعة , وجنده الأشداء سقطت المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى ، ولم يمض وقت قصير حتى أنشأ ابن العاص الفسطاط في الديار المصرية عاصمة للدولة الإسلاميــة .

* رئيس المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية


يتبع .. دراسة مختصرة عن دور ومكانة اليمن في نشر الإسلام (2)

Total time: 0.0407