أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

القات.. وهم سعادة اليمنيين وآفة اليمن

- المصري اليوم

في اليمن «السعيد» لم يعد هناك شىء يسعد اليمنيين بقدر تناول «القات» تلك النبتة التي تحتوى على مادة منشطة تعتبرها بعض الدول نوعا من أنواع المخدرات، لا تكاد تطأ قدمك موطئا إلا وتنهال عليك عزومات أهل اليمن لتخزين القات، فإذا كانت الإجابة بأنك لا تخزن تبادرك الردود في أسى على حالك «مسكين والله، ما تعرف طعم السعادة إلا إذا خزنت القات»، يتناول اليمنيون غداءهم مبكرا في الواحدة ظهرا، حتى يتسنى لهم البدء في تخزين القات بعد الغذاء مباشرة ويستمر بعضهم في عملية التخزين حتى ساعات متأخرة من الليل.

في شوارع اليمن على مختلف محافظاتها تجد الأطفال على الطرقات، جميعهم يبيع زجاجات الماء، وكل من يمر بالطريق يشترى، عملية تخزين القات داخل الفم يجب أن تكون مصحوبة بثلاث أو أربع زجاجات ماء لشربها على مدار ساعات التخزين، أما عن زراعة القات في اليمن فقد بات المحصول الأكثر زراعة بعد أن حل محل زراعة البن، وأصبح مصدرا للدخل في معظم المحافظات غير النفطية، شجرة القات يتم حصادها مرتين في الشهر، ويباع المحصول بأسعار لا يضاهيها بيع الفاكهة أو الخضار أو زراعة الشعير.

اليمن وطن بلا نهر، يعيش على المياه الجوفية التي باتت آبارها مهددة بالجفاف فالقات نبتة شرهة للمياه، ومع ذلك لا يجد اليمنيون بدا من زراعتها بسبب إغراء مكسبها.

نسبة كبيرة جدا من سكان اليمن باتوا يتناولون القات بصورة يومية ولساعات طويلة، منذ عدة عقود كان اليمنيون يخزنون القات يوم جمعتهم من بعد الصلاة وحتى العشاء، إلى أن تغير الحال وبات التخزين يوميا حتى إنهم نقلوا هذه العادة اليومية لليمنيين الجنوبيين بعد الوحدة، فقد ظل الجنوبيون قليلى التخزين حتى عام 1990.

وفى داخل إحد أسواق القات بالعاصمة صنعاء دخل عبدالرقيب (20 سنة) عامل في مصنع إلى السوق للبحث عن نوع رخيص من القات يتناسب ودخله البسيط «كل يوم لا نبطل القات يوما، هذا هو الوقود الذي نعيش به».

يقف عبدالرقيب وصديقه إلى جوار إحدى السيارات التي يباع بها القات، وعند سؤالها عن الإعلان الدستورى الذي أعلنه الحوثيون للسيطرة على حكم اليمن في اليوم السابق يقول عبدالرقيب «إيش حصل في البلد؟، ما نفهمش بالدستور نحن فاهمين بالقات ونحن لا نتدخل بشؤون الدولة».

بينما يجلس أحمد بائع القات في خلفية سيارته المفتوحة الذي يبيع كل رابطة من القات بـ400 ريال حيث إنه من النوع الردىء الذي يشتريه الفقراء، تكفى من الظهيرة حتى المغرب.

اما عبدالرحمن (20 سنة) فقد جاء أيضا إلى سوق القات للشراء دون أن يدرى أن حكاما جددا جلسوا على عرش اليمن، ويستنكر أحد رواد السوق علامات الدهشة التي بدت على وجوهنا عندما وجدنا غالبية من في السوق لا يعلمون شيئا عما يحدث ولا يهمهم إلا توفير القات بصورة يومية، فتدخل طارق على في الحديث قائلا «أنا عسكرى، وأحزم القات كل يوم، شجرة القات لو تركناها نموت على طول وننتهى، أما عن السياسة فأنا أشوف الصراعات بعد القات ما بين المغرب والعشاء، وبعد القات أبرمج وأستنتج من بيطلع حوثى ولا إصلاحى ولا مؤتمرى».

ويكمل طارق الذي اشترى بـ3 آلاف ريال قات ليتناوله هو وصديقه عقب الغذاء وحتى المساء «أنا من حضرموت، كنت أخزن قات يوما واحدا في الأسبوع، لما حضرت إلى صنعاء من شهر أصبحت أخزن كل يوم».

يرص نبتات القات بجوار بعضها، يتناول واحدة ويخزنها في جهة من فمه ويرص واحدة في حزمتها لبيعها، 16 عاما يتاجر حازم (27 سنة) القات، وبنصف وجه منتفخ يقول هاشم عن مكسبه من القات «أكسب في اليوم 150 أو 200 دولار».

200 دولار يوميا هو مبلغ يوازى ثروة في اليمن الفقير، محدودة الدخل، لذا فعند سؤال هاشم عن الوضع السياسى داخل اليمن يضحك ضحكة ساخرة ويقول «خزن وارتاح يجيك النجاح»، بينما يرد زميله، بائع القات بجواره «أعلم أن الحوثيين بالأمس عملوا احتفالات كبيرة في المدينة».

وعن مدة تخزين القات يقول هاشم «نحن نخزن القات من الساعة 2 ظهرا للساعة 12 ليلا، يخزنوا ويرتاحوا وينسوا كل شىء، وكل واحد يشتغل وهو بيخزن».

يحيى هادى عامر بائع قات وصاحب مزرعة قات ومتعاطى له يقول يحيى «منذ أن ولدت لاقيت القات، وأنا أخزن القات من 4 إلى 5 ساعات لكن فيه ناس تخزن بـ12 ساعة وناس تخزن 24 ساعة تعمل وهى مخزنة».

وعن موقفه السياسى يصمت هادى برهة ناظرا إلى سقف دكانه ثم يقول، «بالنسبة للسياسة فأنا مع الحق، والحق مع الله، نحن مش متأكدين الحق مع من».

أما سعيد بن عجار (50 سنة) من مأرب فيقول «هذا القات مؤامرة على الشعب اليمنى، أدخله إلينا أبرهة الحبشى عندما غزا صنعاء أدخل القات إلينا».

يقول سعيد ذلك الرأى وفمه ملىء بالقات، وعن السبب وراء تعاطيه القات رغم علمه بأنه مؤامرة فيقول «خلاص انجن الشعب على القات».

بينما يرى سعودى العلافة (55 سنة) سائق تاكسى أن القات كان سببا رئيسيا لتأخر اليمنين عن ركب التقدم، حتى إنه إذا ما تعجب الزائر لليمن من أي أمر غريب خارج عن المألوف يرد سعودى سائق السائحين والأجانب، «إذا ماقابلك سؤال واحتار عقلك في إجابته، فتذكر «أنت في اليمن»، هذه هي الإجابة على أي سؤال ليس له إجابة».

وعن القات يقول سعودى الذي ركن سيارته خصيصا للنزول إلى إحدى أسواق القات المنتشرة على الطريق بين محافظة أب ومحافظة تعز، وعن القات يقول سعودى «إنه نقمة، وهو السبب في كل ما نعانيه، لأنه يمنعنا من العمل بجدية، ربما يستطيع النجار أن ينجز 5 أبواب في اليوم بدلا من باب واحد فالقات يساعده على تحمل الألم الجسدى، لكن الأعمال الذهنية هي المشكلة، لا أحد فينا يركز بغير القات، لذا فالقات آفة أهل اليمن».

ورغم رأى سعودى في القات إلا أنه يصر على أنه ليس حراما، فيقول «القات ليس رحاما لأنه ليس مخدرا، ربما هو مضر فقط لأن بعض الناس تترك أبناءها بغير تعليم أو اهتمام وتصرف كل دخلها على القات، فتكون من هنا جاءت حرمته، ولكن ليس لأنه مخدر هو فقط منشط، فهو ليس كالحشيش مثلا».

Total time: 0.0468