اخبار الساعة - عباس عواد موسى
أخرج قصيدة النثر العربية من نمطيتها
ألشاعروالناقد الدكتور راشد عيسى يقول في نادي الرواد الثقافي: جميل أبوصبيح شاعر ماكر
عباس عواد موسى
إفتتح الشاعر والناقد الدكتور انطباعاته النقدية في قصائد الشاعر جميل أبوصبيح النثرية بقوله : وهو أول من كتب هذه القصيدة في الأردن ومن ثم نشرها عربياً . فهو أجود كاتبيها وصاحب انتشارها . كما وأنه أخرجها من نمطيتها متعمداً ذلك وليس بريئاً منه . ولولا أنه شاعر مخضرم في قصائد التفعيلة والشعر الحر لما شدّتني قصائده النثرية . وجميل يمتلك فروسية فنية خاصة لأنه صاحب تجربة عميقة في الشعر . وأضاف :
( على أنني أتوقع أن سبب تحفظ المتلقين على مشروعية قصيدة النثر هو ندرة الجيد من نصوصها , بحيث كثر الهواة من مجربيها , فدخلت في التعمية والترهل والفهاهة , وشحّت فيها القيم الجمالية التي يمكن أن تعوّض خسارة الوزن .
من هنا أقول إن الشاعر جميل أبوصبيح يمتلك فروسية فنية خاصة في كتابة قصيدة النثر فهو صاحب تجارب شعرية معروفة من الشعر الموزون لكنه كما يبدو رأى في قصيدة النثر شكلاً شعرياً مهماً يمكن تنميته وتثويره باستمرار . فقد كتب مجموعة من الدواوين من نوع القصائد الطوال ذوات الفيض الملحمي القائم على استثمار أقصى طاقات المخيّلة من فضاءٍ سوريالي وتجليات تجريدية تثبت أن الوجود كله حالة شعرية ذات غموض متعب لكنه لذيذ . فأغلب قصائد جميل تشبه طقوس ميلاد العواصف وفيضانات الأنهار وانفجار البراكين واحتراق الغابات , إنه يضع النفس البشرية معادلاً لأخلاق الطبيعة بأسلوب يشبه كوابيس الأمل ولذلك يبدو شعره مشتغلاً على ما ينجزه الإنثيال الذهني في مهجة الشعور . ومثل هذه الخصوصية الصعبة لا يتناغم معها إلا قاريء فائق مؤهل يجيد التأمل الصوفي والتأويل الرمزي , فلا ينتظر دلالة جاهزة أو أنغاماً شعرية منبرية .
وفي ضوء اطلاعي على تحولات قصيدة النثر عند جميل أرى أنه صاحب مركز متقدم في مسألة انتشار قصيدة النثر عربياً , وهو من أكثر كاتبيها حرصاً على تجاوز المنجز من أنماطها المتداولة , فبعد أن أنجز مجموعة من قصائد " السرديات " ها هو يأخذ قصيدة النثر إلى نمط تشكيلي جسور وهو السردية الشعرية التي توظف المشهد السينمائي عبر تقنية درامية لافتة للإنتباه .
فجميل في قصائده الأخيرة المعنونة بسرديات الضوء يحرج المتعارف عليه من هندسة قصيدة النثر ويجرب المشهدية البصرية فيها , بمعنى يطوّعها لصالح النقلة الإبداعية . وهو يذكرني بهذه السرديات بإشراقات رامبو الذي أحرج المتعارف عليه من التخييل الشعري ونقله إلى فانتازيا كونية تخلخل العلاقات بين الأشياء خلخلة تصبح فيها المشاهد صوراً بصرية تخطف المخيّلة وتشوش الحواس كقوله :
" عاشق بنظارة سوداء
عاشقة بفستان زهري
يصعدان درجات السلم
البيت في حضن غيمة
والسلم على ألسنة الموج " .
" سرديات الضوء " معرض للوحات تشكيلية غرائبية وضع الشاعر سيناريوهاتها ليخرجها القاريء بمخيّلته عبر ذكاء الضوء في اللون . وفتنة تضايق المتناقضات , ومن خلال صناعة اللامعقول . وتلك لعمري شجاعة فنية في تطريز فضاء القصيدة بخيوط ضوئية تؤلّف بين الأضداد لتغدو القصيدة مشهداً سينمائياً مرسوماً بكاميرا مجنونة بالتخييل اللوني وتحطيم العلاقات المنطقية )) .
وكان الشاعر والأديب أحمد الكواملة قد أدار الندوة وقدم لها . وقرأ في تقدمته أشعاراً للشاعر جميل أبوصبيح منها
حملتني المدائن أبوابها ورمتني
ليتني ما نثرت نجومي عليها
ولا أرضها ولدتني
أرضعتني حليب بوائقها
وبها أورق الصدر في ليلك الحلم ثم محتني
والصبايا على نهرها
يغتسلن بضوء الضحى
والفتى " الدّايميّ "" على شاطيء النهر
يبذر أسراره
لا النهار لديه نهار
ولا الليل يغزل أقماره
سكبت لي عصير مفاتنها .. وسقتني
ليتني ما نثرت نجومي عليها
ولا شمسها غزلتني
حملتني على الشوك أسرارها .. ورمتني .
كما وقرأ من أشعار الشاعر الدكتور راشد عيسى :
عمري : هدفٌ خطاٌ سُدّد في مرمايْ
قلبي : ذئب مذعور يتقلّى في أدغال رؤاي
روحي : قبّرة تتفلّى في العش المنفوش
تتسلى بأناقة حزني
تصنع من دمعي عسلاً لسواي
نفسي : طير جنّي مقطوع المنقار
حيناً يعزف أغنية الماء العطشانِ
وحيناً ينقر جذع الوقتِ
وحيناً يُلبسني جبّة نار
نفسي لعبة سلواي
قلمي : أول إزميلٍ علمني فن النقش على جدران الوهم
وأشرس " دبّورٍ " مصّ رحيق خلاياي
محبرتي : ثديٌ يرضعني اللبن الأسود كي تبيضّ خطاياي
قصيدتي : عرسٌ من نملٍ همجيٍّ يسرح في فلوات دمي
ويهاجم سكّر عافيتي, ويراقص أرجوحة
فوضاي
حبيبتي : غيمة عطرٍ برّيٍ في أفق العمر اليابس
حين أحاول أن أنشقها تفلت مني فأغادر
فحواي
وفي الندوة قرأ الشاعر جميل أبوصبيح عدداً من قصائده ومنها من كان الشاعر الناقد راشد عيسى قد أشار إليها في انطباعاته النقدية التي نقلت هنا الكثير مما قاله .
المصدر : عباس عواد موسى