أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

أين حضارتكم أيها اليمنيون؟!!

- د.سعاد السبع

أتذكر حكاية رواها  لي أبي-رحمه الله- عن أحد رجالات الثورة السبتمبرية المثقفين،  وكان معروفا بأناقته، وحسن هندامه، حينما دخل سجن الإمام، فأخذ الجنود يتكالبون عليه ويركلونه بأقدامهم الحافية المتسخة جدا، وكان كلما تلقى ركلة نفض أثرها من على بدلته النظيفة، وهو يخاطبهم  بصوت هادئ بقوله: " لحظة يا أخواني  زبطوا  كيفما تريدون بس بأناقة  ..بهدوء وسختوا البدلة ) فهدأ الجنود وأخذوا بنصيحته في تنفيذ مهمتهم بأناقة، وهدوء وانتصرت الثورة.

   المضحك المبكي أن هذه الواقعة تتكرر هذه الأيام- بعد نصف قرن تقريبا على قيام الثورة اليمنية-ولكنها تتكرر بصورة أكبر، فقد صار الشعب اليمني يتلقى الركلات بعيدا عن الحضارة والأناقة؛  يركلون الشعب في كل الميادين والطرقات باحثا عن الغاز والماء والكهرباء والصحة والتعليم والأمان، ويحرضون أبناءه على قتل بعضهم البعض تحت مسميات عديدة ..

   هناك عقول بشرية تفكيرها غريب عجيب تحرض على المواجهات الدامية بين أبناء الشعب الواحد، وتظن  أن المواجهات الدامية  بين الفريقين( المؤيد والمعارض)  هي الأسلوب الأمثل  للضغط على الرأي العام وتسريع الوصول إلى تحسين الوضع. 

  كيف يمكن أن نحسن الوضع  وقد باتت أصوات الرصاص  في عاصمة الدولة أقوى من ألسنة الرجال الحكماء؟!!   نعم  الجميع يريد أن يصلح حال اليمن، هذا ما لا يمكن لأحد إنكاره، وإن اختلف نوع الإصلاح باختلاف التوجهات، والعقليات،  ولن يستطيع أي طرف من الأطراف مهما حاول أن ينكر الطرف الآخر في هذا العصر، ولا يزايد على وطنيته، فكل واحد معروف  للشعب، ما له وما عليه،  الوطني معروف وغير الوطني معروف، والفضل يعود  في ذلك لثورة المعلومات، ووسائل التواصل الحديثة التي اخترقت كل شيء، فهذا عصر التكنولوجيا  التي ساعدت على كشف المستور( الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل ) حتى وإن كان ذلك المستور في غرف مغلقة بالشمع الأحمر.

 المشكلة الحقيقية هي أن الفرقاء أساءوا للشعب حين اختلفوا في الوسائل  التي تمكنهم من ذلك الإصلاح، الوسائل  التي يستعملونها غير حضارية، ولا تمت للأناقة بصلة، لأنها خنقت الجميع، وأرعبت المواطن البسيط ولن تحقق الأهداف المرغوبة  إذا استمرت، فالشعب يمقت الوسائل غير القانونية وغير المنطقية، و لا يزال غالبية الشعب اليمني ينتظر من ستكون وسائله الأكثر أناقة وحضارة ليقول له (نعم) حينما يتم الاحتكام للصندوق.

 إن بإمكان الفرقاء أن يكسبوا كثيرا من المؤيدين، ويحققوا ما يصبون إليه، إذا أداروا الأزمة بذكاء، و أقسموا أمام الشعب اليمني بهذه العبارة" نقسم بالله العظيم أن نتصارع بأدب،  ونحمي من نريد، ونرقي من نريد، ونرحل من لا نريد بنظام وقانون وبوسائل حضارية) هذا القسم البسيط سوف يقنع الشعب الصابر بأن يتحمل ركلاتهم في جميع الميادين، وسيندفع الجميع لإحداث التغيير المطلوب بأقصر وقت وبأقل الخسائر، وسيكون التصعيد والحماية و التغيير شرعيا،  ومقبولا من كل الأطراف المختلفة..

 ولا بد أن يتيح الإعلام الفرصة لتحقيق القسم على أرض الواقع، وأن يتعهد الإعلاميون بأن يساعدوا على التغيير الحضاري بتنظيف وسائل الإعلام  اليمنية(المعارضة والموالية)  من نقل الواقع على غير حقيقته، أو التعبير عن ذلك الواقع بطرق فيها مبالغات مكشوفة، أو غير محترمة..

   أنا على ثقة كبيرة بأنه لا يمكن أن يكون الإعلام محايدا سواء إعلام السلطة أو المعارضة، وهذا من حق الإعلام الموجه،  لكنه يستطيع أن يخدم أهداف الجهة التي ينتمي إليها  بأناقة وبحضارة ، ويخفف من تضليل الشعب اليمني حينما  ينتقي المادة الإعلامية (الأخبار والصور واللقاءات والتعليقات) وكل ما يبث بطريقة حرفية وصادقة ومحترمة تؤيد أهدافه،  ويعبر عن الرسالة الإعلامية بصدق بعيدا عن المبالغات، والبذاءات، حتى يصدق الرسالة  العاقلون،  ويتفاعل معها غير المتحزبين. 

 إذا تمت إدارة الأزمة بحضارة، وأناقة؛  فسوف يجد الأخوة المتصارعون فرصة قريبة لمناقشة  معنى قوله تعالى في سورة فيها قصة اليمن "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"(سبأ:24)، ولن يتأخر الشعب اليمني عن التسامح مع الضال- كيفما كانت أخطاؤه-  إذا سلم بكتاب الله واعترف بالحق ، وليبق الشعب اليمني مستعدا لتنظيف آثار ركلات المتصارعين بأسلوب حضاري بعيدا عن الحرب الأهلية..

Total time: 0.2314