يشهد اليمن حاليا صراعين متوازيين: ثورة شعبية الهمها "ربيع الثورات" الذي حل على الوطن العربي من جهة، وصراع ضمن النخبة الحاكمة والمقربين منها من الجهة الأخرى.
فالمنافسة بين الفئات النخبوية المختلفة ما برح يعتمل منذ عدة سنوات، وازداد شدة كلما عمد الرئيس علي عبدالله صالح الى تركيز السلطات بأيدي افراد اسرته واقربائه.
وتعمل كل فئة من هذه الفئات النخبوية على استمالة مأجورين ووكلاء لها من كل الطيف السياسي اليمني ومن الوزارات والدوائر الحكومية والجيش اضافة الى شيوخ القبائل ووجهائها.
ادت هذه المنافسة في آخر الامر الى اندلاع القتال يوم الاثنين الماضي بين القوات الموالية للرئيس صالح ومؤيدي آل الاحمر الذين يتولون مناصب سياسية مهمة ومواقع اجتماعية رفيعة.
فصادق الاحمر هو كبير شيوخ اقوى تجمع قبلي في اليمن - تجمع قبائل حاشد. اما شقيقه حمير، فكان نائبا لرئيس البرلمان اليمني قبل استقالته في مارس / آذار الماضي وانضمامه الى صفوف الثوار.
وهناك شقيق ثالث، حسين، الذي كان له دور بارز في تنظيم مقاتلي القبائل الذين شاركوا في قتال الحوثيين في محافظة صعدة المتاخمة للحدود مع المملكة العربية السعودية.
اما الشقيق الرابع، حميد، فهو من كبار سياسيي المعارضة ورجال الاعمال في اليمن إذ يمتلك شبكة سبافون للهواتف الجوالة ومحطة سهيل التلفزيونية الفضائية.
وكان حميد قد شارك من مؤيدي مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي شهدتها البلاد في عام 2006، وهو يدعم التحالف المعارض بالاموال.
وكان حميد الاحمر قد التقى منذ بضع سنوات بمسؤول امريكي في صنعاء وكشف له - حسب رواية صحيفة الواشنطن بوست حينها - عن خطة سرية للاطاحة بالرئيس صالح عن طريق التظاهرات الشعبية وما وصفها "بالفوضى المسيطر عليها."
وعندما أطاح الثوار التونسيون بالرئيس زين العابدين بن علي، شعر حميد بدنو فرصته وقرر ان يتحرك.
كانت الموجة الاولى من التظاهرات والاحتجاجات التي شهدها اليمن منظمة من قبل المعارضة المعروفة، وتكفلت شبكة سبافون الخليوية التي يمتلكها حميد الاحمر بارسال الرسائل النصية التي كان لها الفضل في تنظيم التجمعات والاحتجاجات.
كما يعتقد على نطاق واسع ان حميد وغيره من رجال الاعمال اليمنيين يدعمون المعتصمين في مخيمات المعارضة ماليا.
ولكن الزخم الذي اكتسبته الثورة سرعان ما اخرجها من نطاق سيطرة المعارضة التقليدية، حيث بدأ الناشطون الشباب المستقلون بالمطالبة باجراء تغييرات جذرية في بنية نظام الحكم تمنح المزيد من السلطات الى مؤسسات الدولة وتجعل من الممكن محاسبة النخب اليمنية.
وتزامن الصراع الحالي داخل النخبة الحاكمة مع انتقال السلطة داخل آل الاحمر من الشيخ الراحل عبدالله الاحمر (الذي توفي عام 2007) الى اولاده.
وفي ذات الوقت، يناور اكبر ابناء الرئيس صالح، احمد، واولاد اخيه طارق ويحيى وعمار - الذين يشغلون مناصب قيادية في اجهزة الامن والمخابرات التي تمولها الحكومات الغربية - لخلافة الرئيس.
من نتائج هذه المناورات والصراعات انه اصبح من الضروري اعادة النظر في اتفاق تقاسم السلطة الذي ابرمه الشيخ عبدالله الاحمر مع الرئيس صالح في الثمانينيات والتسعينيات.
كما سيلعب الفريق علي محسن الاحمر، القائد العسكري الذي انشق عن الرئيس صالح وانضم الى صفوف الثوار، دورا مهما في تقرير مسار الصدامات الجارية حاليا.
"حرب بالوكالة"
فالفريق الاحمر هو قائد الفرقة المدرعة الاولى في الجيش اليمني، وقائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية احدى مناطق البلاد العسكرية الاربع.
وعكس ما يوحي به اسمه، فالفريق الاحمر لا يمت لآل الاحمر بصلة بل هو احد اقارب الرئيس صالح. وكان الفريق الاحمر قد شارك في حرب الحوثيين في صعدة التي اندلعت عام 2004. وكانت الحزازات بينه وبين اسرة الرئيس قد بدأت تطفو الى السطح ابان تلك الحرب.
ويقال إن الفريق الاحمر يعارض النفوذ المتصاعد الذي كان قد بدأ يتمتع به احمد ابن الرئيس صالح والذي كان يقود فرقة تابعة للحرس الجمهوري كانت تشارك هي الاخرى في حرب صعدة.
ومع حلول عام 2008، كانت النخبة اليمنية الحاكمة منشغلة بالاشتباكات التي يقال إنها دارت بين الفريق علي محسن من جهة واحمد علي عبدالله صالح من جهة اخرى. وبدأت الصحف اليمنية بالحديث عن حرب بالوكالة كانت تدور بين القوات التي تأتمر بهما تحت ستار محاربة الحوثيين.
وفي 2009، عندما دخلت المملكة العربية السعودية الحرب لسحق تعرض الحوثيين على الاراضي السعودية، سلم المخططون العسكريون الموالون للرئيس صالح احداثيات مقر قيادة الفريق علي محسن للقوة الجوية السعودية املا بالتخلص منه.
اسهم ذلك في انشقاق الفريق علي عن الرئيس صالح في مارس الماضي، والذي حصل بعد قيام قناصة قوات الرئيس بفتح النار على مخيم للمعتصمين المناوئين للحكومة في صنعاء,
ومنذ ذلك الحين تنتشر دبابات الفرقة المدرعة الاولى التابعة له في مواقع استراتيجية في العاصمة اليمنية.