عبرت إيطاليا الصديقة عن دعمها لمطالب الشعب اليمني في تحقيق التغيير في إطار من الإستقرار والأمن ووحدة البلاد ، كما حذرت إيطاليا من إنهيار إقتصادي يؤدي إلى إنفصال جنوب اليمن ، وأكد المتحدث الرسمي بإسم وزارة الخارجية الإيطالية على ضرورة أن " يتراجع الرئيس صالح خطوة إلى الخلف ".
في قناعة لدى تيار الفجر العربي " قيد التأسيس – صنعاء " فإن الدول تختلف وتمتاز في المواقف ومسرح المواقف ، ولما تربطنا من علاقة خاصة مع إيطاليا الصديقة ، ومع شكرنا الموصول إلى جميع الدول الشقيقة والصديقة والتي قدمت مواقف إيجابية داعمة لتحقيق التغيير في اليمن ، إلا أننا نجد أنفسنا لزاماً نسجل كلمة خاصة لإيطاليا ، مع ثقتنا أن الشباب المبروك سوف لن يفوته شكر أهل الفضل من الدول الصديقة والشقيقة في كل مناسبة سعيدة ، وما نعتز به اليوم ونجدد لأجله علاقات الشعوب الصديقة هو الموقف الإيطالي الصديق ، بل إن المناسبة تكون أبلغ بالتقدير إذا ما علمنا عمق العلاقات الصديقة بين البلدين والتي تعود إلى الماضي القديم ومنها ما يعود إلى قريب القرن الخامس عشر حيث يظهر جلياً عمق العلاقة الشعبية إذا ما علمنا ان الرحالة الإيطالي ( لودفيك دي فارتيما ) قد زار اليمن عام 1505م ، أثناء حكم السلطان عامر بن عبدالوهاب، وأنه أول أوروبي / إيطالي وصل اليمن وأنه قد زار عدد من المدن اليمنية منها صنعاء وعدن وذمار وزبيد وتعز، وله كتاب عن العربية السعيدة يرجع إليه الأوروبيون كمرجعاً للرحالة الذين قصدوا اليمن في القرن العشرين، وأما العلاقة الدبلوماسية بين البلدين الصديقين فتعود إلى 85 عاماً ، بل أن أول معاهدة صداقة وقعتها اليمن مع دولة أوروبية كانت مع إيطاليا ، وتم توقيع ذلك في الثامن من سبتمبر 1926م ، ويعتبر هذا اليوم نقطة تحول في تاريخ علاقات اليمن مع دولة أجنبية تحتل مكانة بارزة في أوروبا والعالم ، لأجل كل ذلك نؤطر قراءة جديدة للعلاقات الصديقة التي عمدتها مواقف إيطاليا الصديقة تجاه رغبة الشعب اليمني والتي حري لذلك أن نحتفل بالعيد الـ 85 للعلاقات اليمنية الإيطالية على المستوى الشعبي أيضاً إلى أن نحتفل بعد 15 عاماً بمرور قرن على إقامة العلاقات بين البلدين الصديقين.
ففي 27 مايو 2011م ، طالعنا موقع التغيير نت بخبر مفاده أن إيطاليا أعلنت دعمها لمبادرة الوساطة التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي من أجل إنهاء الأزمة السياسية في اليمن ، متطلعة أن تلقى قبول جميع الأطراف من أجل تطبيق خطة الانتقال السلمي نحو الديمقراطية ، ودعت الخارجية الايطالية القوى السياسية الرئيسية في اليمن بأن تلتزم بتطبيق فوري للخطة الانتقالية المقترحة ، وأكد بيان صحفي لوزارة الخارجية أن ايطاليا تساند عن قناعة مقترحات الوساطة بين القوى السياسية اليمنية والتي قدمها مجلس التعاون الخليجي والتي تحظى بدعم شركاء روما الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي ، وعبر البيان عن الثقة بأن من شأن قبول الخطة الخليجية من قبل كافة الأطراف المعنية دون تردد أن يضمن الانتقال السلمي بالاتجاه الديمقراطي على وجه السرعة بما يمكن الشعب اليمني من تحقيق مطالبه بالتغيير في اطار من الاستقرار والأمن ووحدة البلاد.
كما طالعتنا نبأ نيوز يوم 28 مايو2011م ، بعنوان جد مهم وعميق عنوانه : إيطاليا تحذر من إنهيار إقتصادي يؤدي إلى إنفصال جنوب اليمن ، وفي الخبر حذرت الخارجية الإيطالية من تأخر التسوية السياسية في اليمن وأن مزيد من التأخير يخاطر بأن ينزلق باليمن إلى حرب أهلية وإنهيار إقتصادي قد يوقظ نزعات إنفصالية بين الشمال والجنوب ، ما قد يستفيد منه تنظيم القاعدة. كما دعت إيطاليا إلى مواصلة الضغط الدولي على الرئيس علي عبد الله صالح من أجل دفعه للتوصل إلى إتفاق سياسي مع المعارضة بإعتبار ذلك المخرج الوحيد من الأزمة المحتدمة في اليمن لتجنب إندلاع حرب أهلية ، وقد نقل المتحدث الرسمي بإسم وزارة الخارجية ماوريستو ماساري ، أن اليمن يشهد إحتدام في تصاعد العنف ، ما يثير قلق إيطاليا بشدة مشدداً على أن ذلك الوضع يستدعي حلاً سلمياً وفق خطوط الوساطة التي طرحها مجلس التعاون الخليجي ، وأكد ماساري في هذا الصدد على ضرورة أن " يتراجع الرئيس صالح خطوة إلى الخلف " وأن يقتنع بالتوقيع على تقاهم مع أحزاب المعارضة.
وفي مؤتمر قادة مجموعة الثماني الذي إنعقد يومي الخميس والجمعة 26 / 27 مايو في مدينة دوفيل الساحلية بفرنسا ، ومجموعة الثماني، أو مجموعة الدول الصناعية الثمانية، تضم الدول الصناعية الكبرى في العالم، أعضائها هم: الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ألمانيا، روسيا الاتحادية ، إيطاليا ، المملكة المتحدة ، فرنسا، وكندا ، وفي المؤتمر أدان قادته إستخدام العنف في مواجهة الاحتجاج السلمي في أنحاء اليمن كما حثوا الرئيس صالح على الوفاء فورا بتعهداته وضمان تلبية التطلعات المشروعة للشعب اليمني ودعوا إلى "انتقال سلمي ومنظم" للسلطة.
في ضوء ما سبق من مواقف توجت به العلاقات الصديقة فإنها إشارة تؤكد على قدوم مرحلة إستثنائية وواعدة للعلاقات الثنائية اليمنية الإيطالية ، يضاف ذلك إلى الرصيد الكبير الذي تتمتع به هذه العلاقة من كون إيطاليا هي أول دولة تعترف بإستقلال اليمن بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ، وأن إيطاليا أول دولة أوروبية تقيم علاقات صداقة مع اليمن ، وذلك قبل 85 عاماً ، أي في 8 / 9 / 1926م ، ويشهد التاريخ لإيطاليا مواقف خاصة شهدتها الأعوام بين 62 – 1970م ، إلى جانب ذلك جاء التأييد الإيطالي للوحدة اليمنية عام 1990م ، فقد كانت إيطاليا من أوائل الدول الأوروبية التي دعمت وساندت قيام الجمهورية اليمنية ، وقد عززت إيطاليا مساندتها للوحدة اليمنية من خلال دعمها للوحدة والشرعية إبان حرب الإنفصال عام 1994 م ، وكان ذلك من خلال بيان نابولي الصادر عن إجتماع الدول الصناعية في نفس العام وكانت إيطاليا الدولة المضيفة لذلك الإجتماع .
ولإعطاء هذه التحية جزء من حقها فإن من المكانة والتقدير بمكان أن نعرج على بعض محطات التعاون المشترك بين البلدين الصديقين والذي من خلالها يعكس لنا جلياً ما يعني قرار إيطاليا بدعم مطالب الشعب اليمني في تحقيق التغيير.
فتجدر الإشارة إلى إهتمام إيطاليا بالتجارة في اليمن منذ القدم ، فقد كانت إيطاليا الدولة الثانية المستفيدة من الموانئ اليمنية من خلال ميناء عدن الذي تتردد عليه السفن الإيطالية منذ عام 1855م ، وأستمرت السفن الإيطالية في التردد على عدن حتى أوائل القرن العشرين ، ولإيطاليا خبرتها الخاصة في إنشاء السكك الحديد ولها بصماتها الحالية من خلال التقدم بشركتين إيطاليتين في قائمة المرحلة الإستشارية لإعداد وثائق المناقصة والعقود والمساعدة في التفاوض لمشروع إنشاء شبكة السكة الحديد لربط مدن الجمهورية اليمنية ببعضها البعض من جانب وربط اليمن بدول الخليج العربي من جانب أخر، ويؤكد قدرة إيطاليا في هذا المجال ما أعلن عنه في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية في القاهرة العام المنصرم عن إختيار هيئة السكة الحديدية الإيطالية من خلال شركتها الهندسية Italferr ، بالمشاركة مع الشركة الأردنية دار آل عمران لإعداد دراسة جدوى لمشروع الربط السككي العربي بين 21 دولة عربية بتمويل الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي التابع للجامعة العربية.
أما في مجال التنقيب الإيطالي عن النفط في اليمن ، فإن أول مفاوضات تمت في روما عام 1959م ، مع رئيس مؤسسة أجيب الإيطالية Agip ، السنيور / أنريكو مايتي ، وذلك بهدف التنقيب في منطقة تهامة شمال الحديدة ، ونص الإتفاق على أن تحصل اليمن على أكثر من 75% من الإنتاج في حال إكتشاف النفط ، لكن السنيور مايتي توفي عند سقوط طائرته الخاصة في إيطاليا عام 1960م ، وتوقفت المفاوضات كلياً . وفي التسعينيات وقعت اليمن إتفاقاً للمشاركة في إنتاج النفط مع شركة أجيب ، في القطاع رقم ( 2 ) محافظة شبوة ، إضافة إلى القطاع رقم ( 3 ). وفي مطلع عام 2010م ، عادت شركة أجيب / ENI لبلادنا بعد أن إشترت حصة الشركة البريطانية بارين ، فكان نصيب ENI قطاعين بري رقم ( 6 ) وبحري رقم ( 17 ) ، وهذه مبعث فخر لبلادنا أن تحتضن فخر الصناعة البترولية الإيطالية ، تجدر الإشارة إلى أن الجامعات الإيطالية حاضرة في مجال المساحة الجيوليوجية حيث أجروا مشروع مسح أرضي حراري بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية والثروة المعدنية.
وفي المجال الصحي فقد شهد القرن العشرين حضوراً ملحوظاً بين الجانبين في هذا المجال و مؤخراً أعلن السفير الإيطالي الصديق عن تبرع إيطاليا الصديقة بمبلغ مليون يورو لبنك الدم.
وفي إتجاهات ثقافية من علاقات الصداقة اليمنية الإيطالية ، فقد عقدت السفارة الإيطالية عام 2003م ، ورشة عن الأدب واللغة الإيطالية في جامعة صنعاء بتمويل إيطالي ، وفي عام 2004م ، وبمناسبة إحتفالية صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004م ، فقد شاركت السفارة الإيطالية بمعرض عنوانه " الإسلام في صقلية ".
وفي مجال الآثار والتعاون بين الهيئة العامة للآثار في اليمن والجانب الايطالي فهذا الإتجاه غني وحري أن تسجل فيه دراسة خاصة تسجل عمق هذا المستوى من التعاون ، ومما تجدر الإشارة إليه ما صدر عن مؤسسة عاد للتنمية الثقافية السياحية الإجتماعية في العدد ( 1 ) مايو 2010 م ، حيث أشار باحثين ومؤرخين أن دول المشرق والمغرب كانت ترسل بطلب مهندسين معماريين يمنيين إليها ليقوموا بتعليمهم الفن المعماري اليمني وتشييد القصور والقلاع بالنمط والشكل المعماري الجميل ، وقد عثرت المؤسسة على نقش يؤكد على إقامة العلاقات الخارجية مع أرض الروم، وهذا النقش مكون من 19 سطراً مكتوب بخط المسند والذي يفيد بإجتماع الملك مع المقتوي يارم وبارج ويهرحب وأوسلة في قصر وكلم بمدينة حاز عاصمة التحالف ثلث حملان ( إتحاد سمعي ) وتم تكليفهم من قبل الملك ( لم يعرف إسمه نتيجة لكسر في الجهة اليسرى من النقش ) بالتوجه إلى أرض الشام ، وأرض أسد ، وأرض نزار ، وأرض تنوخ ، وأرض تدمر ، وأرض الأنباط ، وأرض الروم ، وأرض لخم ، وأرض كبسن ، وأرض معد ، وأرض خصاصة ، كسفراء في أقل مستوى.
وفي المجال السياحي فإن الرعايا الإيطاليين هم أكثر السواح الوافدين إلى اليمن وخاصة لجزيرة سوقطرة ، وأما تعاون البلدين في مجال نزع الألغام فقد حظي هذا المجال بإهتمام خاص من الجانب الإيطالي الصديق ، كما تسجل هذه العلاقة الصديقة حضوراً خاصاً في التعاون الرياضي وهنالك في مجال منظمات المجتمع المدني ومؤخراً سجلت العلاقة الصديقة تعاوناً خاصاً في المجال القضائي تتمثل في دعم البنى التحتية ، و تطوير القدرات والمهارات التدريبية للقضاة وأعضاء النيابة العامة ، وإنشاء جهاز للطب الشرعي وآخر للدراسات القضائية ، واستكمال أعمال مكننة العمل القضائي ، وإنشاء مراكز معلومات وتنفيذ الربط الشبكي ، وتنفيذ برنامج تدريبي داخلي وخارجي لأعضاء هيئة التفتيش القضائي ، وفي مجال التوعية القضائية ، ولهذه المهمة فقد إستحدثت وزارة العدل مكتب خاص لخبيرة إيطالية بجانب مكتب وزير العدل لترعى هذا الملف على وجه الإهتمام.
وبلا شك أن المجال التجاري بين البلدين يشكل حضوراً خاصاً وإن كان متواضعاً ، وله مجلس تجاري خاص يعني بتطور هذا الملف ومؤخراً سجل تصدير 7000 طن من الملح الحجري إلى إيطاليا.
هذه المحطات العديدة والمتنوعة تعكس واقع العلاقة التي يتمتع بها شعوب البلدين وأن هذا الإرث هو المحرك الرئيسي لإطراد العلاقة الصديقة والتي أيضاً تتحرك فيها جمعية خاصة تسمى جمعية الصداقة اليمنية الإيطالية والتي بدروها ساهمت وتسهم بدور غير مسبوق في تطوير العلاقات الدبلوماسية والشعبية بين البلدين!
وفي الختام ، نشير إلى ما سطرته وزارة الخارجية الإيطالية في موقعها الإلكتروني العام المنصرم بأنه نظرا للعلاقات التقليدية الممتازة التي تربط روما بصنعاء ، تتابع إيطاليا بأقصى الإهتمام التطورات السياسية في اليمن ، الذي يُظهر منذ فترة مؤشرات تدل على وجود صعوبات اقتصادية وعدم استقرار سياسي ، لذا تدعم إيطاليا بقناعة المسار الصعب الذي يسير فيه اليمن نحو التصحيح الاقتصادي والتحول إلى الديمقراطية ، سواء على الصعيد الثنائي ، عبر تمويلات لمنظومة مراقبة السواحل ولبرامج تكوين أفراد قوات خفر السواحل اليمنية (وذلك من منظور مكافحة القرصنة ، وبشكل عام ، مراقبة الحدود البحرية ) أو على صعيد الاتحاد الأوروبي في محافل ومجالات عديدة ، كان آخرها الدور الرئيس الذي لعبته إيطاليا في إطار مؤتمر لندن في يناير / كانون الثاني 2010م ، وتلعب إيطاليا دورا محوريا أيضا في متابعة نتائج المؤتمر، وذلك أيضا عبر مبادرة "أصدقاء اليمن" التي أطلقها الوزير فراتيني ، ارتباطاً بزيادة حدة الانزعاج الدولي تجاه الأزمة القائمة في اليمن ، في يناير / كانون الثاني 2010م ، والتي ترمي أساسا إلى تنسيق الجهود الدولية وترشيدها مع تجنب إهدار جهود الشركاء الأساسيين في المجتمع الدولي الموجهة لصالح اليمن . إنتهى حديث الخارجية الإيطالية .
وإلى أن نترقب توسع آفاق التعاون بين اليمن وإيطاليا في مجال الموارد البشرية والمجالات العلمية والحرفية والزراعية المتوسطية والسمكية الصقلية والصناعية وغيرها ، وحيث المواطنين والجماهير هم المرتكز الأساس لحماية النظام السياسي والمجتمع ، فإنه لا يسعنا إلى أن نسجل اليوم كلمة شكر للصديقة إيطاليا ، نقول لهم فيها شكراً إيطاليا ، جراتسيا إيطاليا!
كتبه / تيار الفجر العربي – صنعاء
قيمة سياسية يصنعها الشباب اليمني الحر