اخبار الساعة
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لديفيد كيركباترك، حول الصعود المفاجئ للأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 29 عاما، والذي كان قبل فترة قصيرة مجرد أمير يعمل في الأسهم والعقارات.
ويشير التقرير إلى أن الأمير محمد نشأ في ظل ثلاثة إخوة غير أشقاء أكبر منه، وكانوا من بين أكثر الأمراء إنجازا، ولكن كان هذا قبل تتويج الملك سلمان (79 عاما)، والآن النجم الصاعد هو الأمير محمد الابن الأكبر للزوجة الثالثة للملك سلمان.
ويذكر الكاتب أن ما اجتمع للأمير محمد من السلطة في وقت قصير لم يتحقق لغيره من الأمراء، بعد قلب نظام توزيع المناصب في العائلة المالكة، في محاولة للحفاظ على وحدتها، وقد استغل دوره الريادي الجديد في موقف أكثر حزما للسعودية، وخاصة التدخل العسكري في اليمن.
وتوضح الصحيفة أنه خلال الأشهر الأربعة التي حكم فيها الملك سلمان سلم الأمير محمد وزارة النفط وشركة الاستثمارات العامة والسياسة الاقتصادية ووزارة الدفاع. وهو أكثر القيادات السعودية ظهورا في الحرب الجوية في اليمن، كما جعله أبوه نائبا لولي العهد، متجاوزا عددا كبيرا من الأمراء الأكبر منه سنا، ليجعله الرقم (2) في التسلسل للعرش.
ويلفت التقرير إلى أن ما فاجأ السعوديين هو أن الملك عزل أخاه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز (69 عاما) من ولاية العهد، ووضع مكانه وزير الداخلية ذو الشعبية الكبيرة الأمير محمد بن نايف (55 عاما)، وهو ابن أخ الملك سليمان، وليس له ورثة ذكور، ويأتي بعده الأمير محمد بن سلمان.
ويقول كيركباترك إن هذه التغييرات قد دفعت بالشباب إلى السلطة في وقت تنشغل فيه السعودية في عدة صراعات إقليمية، في محاولة للحفاظ على رؤيتها للنظام الإقليمي، وفي محاولة لمنع تقدم خصمها إيران. وتقوم المملكة بدعم الحكم في مصر والأردن، والحكم الملكي السني في البحرين ضد ثورة غالبيتها الشيعية، كما تمول الثوار في سوريا ضد الرئيس المدعوم إيرانيا بشار الأسد، وتساعد في الحملة الجوية التي تقودها أمريكا في العراق، وتقود حملة جوية في اليمن، وتزيد من إنفاقها العسكري، بالرغم من هبوط أسعار النفط وارتفاع المصاريف المحلية، ما قلل من احتياطيها النقدي بـ 50 مليار دولار إلى أقل من 700 مليار دولار.
وتنقل الصحيفة عن السفير السابق للمملكة فورد فراكر قوله: "لقد وضع الملك ابنه في منعطف تعليمي حاد، وواضح أن الملك يعتقد أن ابنه قادر على هذا التحدي".
ويستدرك التقرير بأن بعض الدبلوماسيين الغربيين، الذين رغبوا بعدم ذكر أسمائهم؛ خشية إغضاب الأمير، قالوا إنهم قلقون من النفوذ المتنامي للأمير، الذي وصفه أحدهم بأنه مندفع ومتسرع. كما قال أميران على الأقل من صلب العائلة المالكة بأن هناك بعض كبار السن في العائلة تساورهم الشكوك في جدوى الحملة العسكرية في اليمن التي يقودها الأمير محمد.
ويبين الكاتب أن الملك سليمان يمسك بزمام الأمور، وقال دبلوماسيون التقوا بالأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، إن الأخير يتعامل بلطف مع ابن عمه الأصغر، وكان يوجهه ويدربه. ولكن دبلوماسيين آخرين رأوا أن الأمير محمد بن سلمان أدى دورا كبيرا في الدعوة إلى حملة اليمن.
وتورد الصحيفة أن الرئيس باراك أوباما قد قال بعد لقائه بالأميرين، في مقابلة مع قناة "العربية"، إن الأمير محمد "فاجأنا بسعة معرفته وذكائه، أظن أنه يمتلك حكمة تفوق سنه".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن العلماء يعتقدون أن تراكم النفوذ والمسؤولية على فرع واحد من فروع العائلة، إن لم نقل في يد أمير شاب، يكسر النظام التقليدي في مشاركة النفوذ والسلطة في العائلة، الذي تم وضعه قبل ثمانية عقود عندما قامت المملكة الحديثة ،وأنهى هذا النظام عقودا من الحروب الداخلية الدامية أحيانا، وحافظ على وحدة العائلة منذ ذلك الحين.
ويشير كيركباترك إلى أنه تقليديا كان لولي العهد ديوان خاص وموظفون إداريون خاصون به، وكانت الوزارات الأخرى المهمة توزع على أمراء آخرين، ولكن وزارتي النفط والمالية كانتا دائما في أيدي تكنوقراط من خارج العائلة.
وتستدرك الصحيفة بأن الملك سليمان قلب تلك المنظومة، فجعل ابنه الأمير محمد رئيسا للديوان الملكي، وضم ديوان ولي العهد إلى الديوان الملكي. وسلم وزارة النفط إلى ابنه الأمير محمد، وتم تسليمه أيضا مجلس السياسات الاقتصادية ووزارة الدفاع.
وبحسب التقرير، فإنه يتوقع أن يتسلم أيضا وزارة الحرس الوطني من ابن عمه الأمير متعب بن عبد الله، بحسب أحد مستشاري الأمير متعب ودبلوماسيين غربيين. وهذا يعني دخول الجيش والحرس تحت مظلة وزارة الدفاع، ولكن ذلك كله يغير من توازن القوى داخل العائلة.
ويتطرق الكاتب إلى أن للأمير محمد ثلاثة إخوة غير أشقاء من زوجة أبيه الأولى سلطانة بنت تركي السديري، التي توفيت عام 2011، وكل واحد منهم لديه سيرة ذاتية تهيئه لتسلم مناصب عليا في الحكومة، فالأمير سلطان (58 عاما) عقيد سابق في سلاح الطيران السعودي، وأول رائد فضاء عربي، وهو الآن على رأس لجنة السياحة والآثار. والأمير عبد العزيز (55 عاما) نائب وزير النفط، وقد قاد الجهود لتطوير الصناعة. والأمير فيصل (44 عاما) يحمل الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد، ووعمل زميلا في الأبحاث في جامعة جورج تاون، ويتولي منصب حاكم المدينة.
وتورد الصحيفة أنه في المقابل فإن الأمير محمد يحمل شهادة البكالوريس في الحقوق من جامعة الملك سعود في الرياض، ولم يدرس خارج المملكة، ولكنه الابن الأكبر لزوجة الملك الثالثة، وهي أحدث زوجاته، فهدة بنت فلاح بن سلطان، التي سعت جاهدة لجعله خليفة لأبيه، بحسب دبلوماسيين غربيين يعرفون العائلة، وبحسب أفراد من العائلة وموظفين عملوا لدى العائلة.
وينقل التقرير عن شخص عمل لمدة طويلة مع العائلة، قوله إن الأمير محمد "ابنها الأكبر، وهو في نهاية المطاف مصدر المجد والفخر لها". وقال أحد ذوي العلاقة بالعائلة، من الذين عرفوه جيدا، إن الأمير محمد كان يخطط لمستقبله في الجكومة منذ نعومة أظفاره، وإنه خلافا لأقرانه من الأمراء فإنه لم يدخن ولم يتناول الكحول، ولم يسهر لوقت متاخر خارج البيت، ويضيف: "وكان واضحا بالنسبة لي أنه يخطط لمستقبله، وكان دائما يهتم بصورته".
ويذكر كيركباترك أنه بحسب من عرفه، فقد أصبح الأمير محمد متواجدا بجانب والده بشكل مستمر، وأخيرا حصل على ألقاب مثل مستشار لوالده، عندما كان حاكما للرياض أو وزيرا للدفاع.
وتنقل الصحيفة عن الطبيبة التي تعالج العائلة المالكة، وعضو مجلس الشورى الذي يعينه الملك، الدكتورة سلوى هزاع: "هل يمكنك أن تتخيل كم تعلم من مرافقته لأبيه في كل دقيقة؟ فهل تحتاج شخصا تعلم في الولايات المتحدة، أم شخصا كان ظلا لأبيه؟"
ويستدرك التقرير بأن الدبلوماسيين الحاليين والسابقين في السعودية يقولون إنهم لا يعرفون إلا القليل عن الأمير محمد، مشيرا إلى أنه ليست له مقابلات حتى مع الإعلام السعودي المؤيد.
ويكشف الكاتب عن أن سيرته الذاتية الرسمية تقول إنه كان يعمل لصالحه، وإنه اكتسب خبرة تجارية، من خلال إنشاء عدة شركات واستثمارات، ويقول التجار في الرياض إنه اشتهر بالتجارة بالأسهم والعقارات.
وتورد الصحيفة نقلا عن المقربين منه قولهم إنه يحب التزحلق على الماء ورياضات مائية أخرى على البحر الأحمر أو خلال رحلاته، ويحب الـ"آي فون" ومنتوجات "أبل". وقد أبدى حبا وإعجابا باليابان، التي يعدها بلده المفضل، وقد قضى هو وزوجته شهر العسل، الذي استمر شهرين، في اليابان وجزر المالديف. (وقد تزوج زوجته الثانية في الآونة الأخيرة، بحسب المقربين منه).
ويوضح التقرير أن الأمير يدير مؤسسة الأمير محمد بن سلمان، التي تهتم في تطوير الشباب السعودي، وقد عقدت مؤتمرات عن استخدامات "تويتر" و"يوتيوب"، وتدرس فكرة إنتاج أفلام متحركة شبيهة بأفلام "ماغنا" اليابانية لعرض الثقافة العربية.
ويجد كيركباترك أنه في صدى لما يكتب في الإعلام السعودي الحكومي، فإن معظم السعوديين يؤيدون الأمير، انطلاقا من أنه يمثل شريحة الشباب ممن هم تحت سن الثلاثين من العمر، الذين تصل نسبتهم في السعودية إلى 70%.
وتنوه الصحيفة إلى أنه بالرغم من أن السعوديين يترددون في إبداء أي معارضة، فإن عددا من الأشخاص أعربوا عن قلقهم لصعوده بهذا الشكل، فقال رجل في منتصف العمر يجلس في ساحة قهوة، عرف بنفسه بأبي صلاح: "إنها عائلة كبيرة متنافسة على المناصب، ووجود شاب صغير يدير الحكومة سيخلق مشكلات كثيرة، ونحن قلقون جدا حول المستقبل".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى ما قاله رجل الأعمال أبو فهد، بينما كان يحتسي فنجانا من القهوة في فندق راق: "إنه أصبح الرجل الذي يعرف كل شيء، ولكن عمره 29 عاما، فماذا يعرف؟".