أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

عن شعر الحب وغزل سليمان جبران في شبوبيته ..!

- شاكر فريد حسن
احتل شعر الحب والغزل حيزاُ واسعاً من الثروة الشعرية العربية منذ زمن الجاهلية وحتى يومنا هذا ، لما يمثله الحب من شعور انساني متأصل في النفوس ، وعواطف جيّاشة وانفعالات متدفقة وصادقة، وما يجسده من هجر ووصل ونوى ولوعة وغصة وسعادة وشقاء وعذاب ولقاء .
وهذا اللون من الشعر الوجداني العاطفي يمتلئ بشكوى الروح، وما يلاقيه العاشق الولهان والمحب المتيم من تباريح الحب والوجد والشوق وقسوة البعاد ومرارة الحرمان. وما يميزهذا الشعر انه عفوي صادق اللوعة، رصين التعبير ، عف الضمير واللسان، غني القلب والشعور. ولم يكتم الشعراء عواطفهم ولم يخجلوا من التعبير عما يعتمل ويختلج في قلوبهم من مشاعر فياضة واحساس بالحب والعشق.
وقد عرف الشعر العربي على مر العصور والازمان روائع شعرية عديدة قيلت في الحب والغزل والوقوف على أطلال الحبيبة . وفي العصر الجاهلي انتشر الغزل العذري ممثلاً بجميل بن معمر وعمر بن أبي ربيعة ، وهو غزل طاهر عفيف يصور الحب الجارف القوي العارم ومكابدة العشاق وألم البعاد عن الحبيبة.
ومن أشهر قصص الحب التي تناقلتها الكتب والروايات، قصة حب قيس بن الملوح وليلى العامرية ،وقيس بن ذريح ولبنى،وعنترة العبسي وعبلة، وابن زيدون وولادة بنت المستكفي ، ومن ضمن ما قاله عنترة في عبلة:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
ولعل أجمل قصائد الحب في الشعر العربي المعاصر هي قصيدة "الأطلال" التي كتب كلماتها الشاعر ابراهيم ناجي ، وغنتها سيدة الغناء العربي ام كلثوم ، اضافة الى قصائد شاعر المرأة والحب نزار قباني ، ووجدانيات الشاعر فاروق شوشة .
أما في الشعر المحلي داخل اسرائيل فهنالك رائعة شعرية في الحب والغزل ،هزت وجداني ومشاعري وعمقت احساسي بالحب في قلبي ، وهي قصيدة قديمة للبروفيسور سليمان جبران بعنوان "أنا لولا هواك ما كان شعري " كتبها بدم القلب والوجدان في شبوبيته ، حين كان شاباً في عمر الورد والزهر ، متأجج ومتوقد الشعور ومتدفق العواطف . وكان قد نشرها في مجلة "هذا العالم" التي كان يرأس تحريرها الشاعر سميح القاسم ، وذلك في عددها الصادر في حزيران عام 1966 . وليس غريباً أن يكون الباحث والأكاديمي واللغوي ب. سليمان جبران شاعراً مبدعاً وهو الآتي من قرية البقيعة المتربعة على سفوح الجليل الاعلى، حيث الطبيعة الجميلة الغنّاء التي تلهم الشعراء . هذه القرية التي أنجبت ثلة من الشعراء الذين أثبتوا حضورهم اللافت في المشهد الادبي المحلي ، ومنهم:الشاعر سالم جبران ،وشاعر القرية الراحل سميح صباغ، والشاعر المنزرع كالسنديان في الارض والتراب المرحوم منيب مخول، والشاعر الطبقي نايف سليم ، وشاعر الحب والوطن حسين مهنا ، وسامي مهنا ، ومروان مخول وغيرهم.
يقول سليمان جبران في قصيدته :
يا حبيبي على العيون تنادي سابحات في بحر لون وسحر
وشفاه من شوقها تتدلى مثقلات بكل طيب وعطر
...دخت في نظرة من العين هزتني وفي بسمة تلوح بثغر
وفؤادي الذي استراح من الهم سنيناً ، قدعاد حرباً بصدري
قلت اخلو من الهوى فاذا بي رهن عين تدعو وثغر يغري
فأفاق الشوق القديم بقلبي ولنار الغرام سلمت أمري
* * *
لا تقولي : كلام شعر جميل أنا لولا هواك ما كان شعري
صدقيني في كل بيت فأن الشعر عندي دعاء شوق وجمر
فيه من صبوتي ومن شجني المر وصبري على الأسى أي صبر
وجراح نزت دماً في فؤادي ودموع ذرفتها في سري !
...هل تكون الأحلام فيك على حق فتحلو الدنيا ويزهر عمري؟!
ان هذه القصيدة الغزلية التي فاضت بها روح سليمان جبران وخطها مداد يراعه ذات مستوى راق لشاعر شاب يخطو على دروب الأدب والشعر ، وتتصف بجزالة اللفظ والسلاسة والرقة والنعومة وصدق الكلمة وانسياب اللغة. انها تعبير عن ذوب فؤاد وعصارة روح وبكاء عين ، وتمور بالعاطفة القوية الصادقة والروح الانسانية العاشقة ، ونلمس فيها النصاعة ،ومتانة السبك ،والموسيقى، والجرس القوي، والقوافي الجميلة، والخيال الخصب الرائع الأليف ،والصور الشعرية الأنيقة الخلّابة ،والشعور الانساني النقي . حقاً انها قصيدة غزل رائعة نسجت كلماتها بأنغام موسيقية شفافة تجمع بين العاطفة والخيال لترتقي الى قمة الابداع والرهافة والتوهج الشعري .
فهل يعود ب . سليمان جبران الى مملكة الشعر التي تركها وهجرها منذ زمن بعيد وانتقل الى عالم البحث والدراسة واللغة ليتحفنا بقصائد اخرى من الشعر المعطر الجميل العابق برائحة الحب والوطن ؟!!.

Total time: 0.0543