اخبار الساعة - صباح الذيباني
فكرة أن الآلاف من المشيعين، وعشرات الآلاف من الثكالى السوريين الذين قتل إخوتهم وآباؤهم وأعمامهم - ونعم زوجاتهم وأخواتهم وامهاتهم - برصاص عصابات الأسد العلوية وقوات أخيه ماهر الخاصة، سيتم استرضاؤهم من خلال "حوار وطني"، و"اجتماعات استشارية" لأيام قليلة، ودردشات بين مائة من "الشخصيات" لبحث "آليات" بعدها سيبدأ "الحوار فورا"، ليست فكرة استعلائية فقط. إنها مؤشر بالضبط على مدى ابتعاد "بحر الهدوء" الذي يعيش فيه كل الدكتاتوريين وانقطاع الأسد عن حياة الشعب الذي يفترض أنه يحكمه.
الأسد يقول للسوريين أن يكونوا مرحين. ثقوا بالجيش. إنهم إخوتكم، هكذا يقول لهم. ثقوا بالحكومة. نعم، فالأسد سيخلص سوريا من الفساد - وهو نفس الوعد الذي قطعه هو ووالده 22 مرة تقريبا خلال فترة حكمهما. بشار الشاب قام بالفعل بخمس حملات ضد الفساد - ووافق ابن خالته الغاضب الأسبوع الماضي فقط على التخلي عن تعاملاته التجارية البالغة مليار دولار وكرّس نفسه للأعمال الخيرية.
"الأعمال الخيرية" لا عجب أن المحتجين ثاروا مجددا في دمشق. هذه ليست أمورا لا تصدق فقط - بالمعنى الحرفي للكلمة - وإنما هي إهانة للأحياء والأموات في وقت واحد.
ثم جاءت التهديدات. هؤلاء الذين سفكوا الدماء ستتم ملاحقتهم- وكأنما الشعب في المدن والبلدات والقرى السورية لا يعرفون ما الذي يعنيه ذلك. وقد شجعهم الخليفة الأسد على العودة إلى منازلهم حيث سيقوم المسلحون اللطفاء الذين عذبوهم سابقا بحمايتهم من "المخربين والمتطرفين" الذين الذين يشوشون على حياتهم من خلال مهاجمة رجال قوات الامن الشجعان ( حال كونهم لا يعذبون المدنيين، رغم أن الاسد لم يقل ذلك).
ثم جاء ذلك السطر المدهش، وهو قول بشار إن المحتجين هم سذج، استغلهم المتطرفون، وجعلوهم "ستارا"- وهو تعبير قاتم ومناسب، مع ان الأسد لم يقصد معناه - للمسلحين والقتلة الذين شكلوا سحابة قاتمة على انتفاضة الإخوان المسلمين عام 1982 (وهي ثورة اخرى قوبلت بوحشية مذهلة من جانب القوات السورية الموالية لعم بشار، رفعت، الذي ما يزال يعيش سعيدا في لندن بالطبع).
وهذا أمر غريب. فبالنسبة "للمسلح" داخل الحشد يعتبر "الإرهابي" الذي يستخدم المدنيين "دروعا بشرية" أسطورة بثها الجيش الاسرائيلي لعدة عقود عندما كان يقتل المدنيين، وكذلك فعل الجيش الفرنسي في الجزائر، والجيش البريطاني في ايرلندا الشمالية، وقوات حلف "ناتو" في افغانستان. ويا الله، بشارنا في رفقة جيدة.
إنها نفس اللعبة القديمة. الشعب هو الأطفال الأبرياء الغافلين الذين تتم تصفيتهم على أيدي المخربين الأجانب في الوقت الذي يريد فيه حكيم الزمان الاسد أن ينقذ سوريا من اعدائها. ونحن من المفروض أن نستغرب عندما يزحف الرجال والنساء العزل في الشوارع مجددا، رافضين هذه السخافات.
المصدر : القدس