اخبار الساعة - متابعة
تستمر معاناة محافظة “تعز” اليمنية في ظل استمرار المواجهات العنيفة بين المقاومة الشعبية والقوات الموالية للرئيس عبدربه هادي من جانب ومليشيات الحوثيين “الشيعة المسلحة” وحليفهم على عبد الله صالح من جانب آخر منذ بداية أغسطس الماضي. وسط مطالبات من المقاومة الشعبية بالدعم العسكري وتصريحات متناثرة من مسئولي الحكومة اليمنية بقرب التحرير، وأخرها تصريح رئيس الحكومة خالد بحاح، والذي أكد، بعد أكثر من شهرين على معاناة المدينة، بأن خطة تحرير تعز جاهزة، وأن الأولوية الآن لتحرير المحافظة “المنكوبة”.. مما يثير التساؤلات حول سبب تأخر خطة التحرير، ولماذا تم الإعلان الآن عن قرب تحريرها؟ وهل لذلك علاقة بتوجه الحكومة الشرعية نحو المفاوضات مع الحوثيين وصالح في جنيف نهاية الشهر الجاري.
أسباب التأخير
تعددت الرؤى حول أسباب تأخير تحرير “تعز” لكن السبب الأبرز، وفقًا لما نشرته صحف عالمية، هو تخوفات لدى دول معينة بالتحالف العربي، وتحديدًا دولة الإمارات من صعود حزب الإصلاح اليمني “الإخوان المسلمين”. حيث كشفت جريدة فورين أفيرز الأمريكية منتصف أكتوبر الجاري، أن سبب تأخر تحرير محافظة “تعز” يعود لانقسامات داخل التحالف العربي، وتحديدًا بسبب رفض الإمارات ومصر الأعضاء بالتحالف تسليح ودعم المقاومة بالمحافظة.
وعللت الجريدة في مقال نشرته للكاتب “ميشيل جابريل” رفض الإمارات ومصر لدعم المقاومة الشعبية في تعز رغم معاناة المحافظة من انتهاكات الحوثيين المستمرة لسيطرة ” التجمع اليمني للإصلاح” الذي يمثل «الإخوان المسلمين» بشكل كبير على المقاومة الشعبية بالمدينة، مشيرًا إلى أن قائد المقاومة في المدينة “حمود المخلافي” ينتمي إلى “التجمع اليمني”.
مضيفة أن السعودية ظلت لفترة طويلة تدعم «الإصلاح» لكنها غيرت تحالفها ووجهت معظم تمويلها المالي للسلفيين، بحسب الصحيفة.
تسريبات المجلة الأمريكية لم تكن وحدها التي تشير للانقسامات حول “تعز” داخل التحالف، ولا لتأخير الإمارات ومصر عن عمد تحرير المحافظة، ولكن نشرت كذلك جريدة “القدس العربي” تصريحات لمصدر يمني يشير لدور الإمارات في تعطيل تقدم التحالف ومساندته لتحرير تعز.
وقال المصدر في التقرير الذي نشر أغسطس الماضي: إن “سبب توقف مدرعات وآليات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية عند مثلث العند في لحج، والتراجع عن تعزيز تعز عسكريا، وتحريرها كما كان مقررا له، جاء بعد اعتراض إماراتي مدعوم من بريطانيا وأمريكا”، مؤكداً أن الأمريكيين والبريطانيين بإيعاز إماراتي منعوا الجيش الوطني الذي ساهم في تحرير عدن من التقدم إلى تعز، تحت مبرر أن الأولوية يجب أن تكون لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي، وأن على تعز أن تنتظر.
واتهم المصدر نائب الرئيس اليمني ورئيس الوزراء خالد بحاح، بالعمل على تنفيذ الأجندة الإماراتية بتعطيل تحرير “تعز”، قائلا: إنه يفضل العمل على استقرار الجنوب أولا، وتحرير المكلا قبل تعز، وأن يتم النظر في الشمال مرحلة ثانية.
ويعد الخلاف حول من يتولى المسؤولية بتعز من أبرز الخلافات التي تعطل تحريرها، فيشير المصدر اليمني إلى وجود خلاف إماراتي – سعودي حول تعيين محافظ لتعز، إذ يرى المسؤولون السعوديون أن قائد المقاومة حمود المخلافي هو الشخص المناسب، بينما يرفض الإماراتيون ذلك لأنه ينتمي للإصلاح.
واكد بحاح أن الأولوية الآن لتحرير تعز من الحوثيين، نافياً كل الاتهامات التي وجهت له على مدار الأشهر الماضية، حيث نفى أن تكون الاعتبارات السياسية سببًا في تأخر الدعم للمقاومة بتعز.
وعلل “بحاح” تأخر تحرير تعز بقوله :”أن ظروفا بعينها عملت على إبطاء التقدم نحو تعز، ومن تلك الظروف طبيعة الأوضاع في مدينة عدن، بالإضافة إلى الطبيعة الجغرافية للمنطقة”، مؤكدًا أن خطط تحرير تعز جاهزة و”سوف يكون التحرير من اتجاهات مختلفة”.
كما نفى “بحاح” أن يكون وجود التجمع اليمني للإصلاح ضمن المقاومة في تعز هو سبب التأخير في تحريرها، قائلًا :” “اليمن وتعز أكبر من أي مكون سياسي”، مضيفا: “نشجع كل المكونات المجتمعية للإسهام في استعادة الدولة من أيدي المليشيات، لأن كل المكونات في الظروف الحالية في مركب واحد، ولا يمكن أن نقول لمن يريد أن يسهم في عملية استرجاع الدولة من مليشيات الغدر التابعة للحوثي وصالح، أنت غير مرحب بك، بل كل من شارك مشكور، وتضحياته محل تقدير، ولا تحفظات على دعم المقاومة في تعز”
دعم انفصال اليمن
فيما ظهر سبب آخر للتأخير وفقًا للناشط اليمني عبد الرقيب الهدياني، الذي نشر عبر صفحته الشخصية بموقع “فيس بوك” حوار له مع سفير يمني، لم يسمه، حول تأخر الحسم في تعز، مشيراً إلى أن السفير علل تأخر التحرير هو سعي التحالف لضمان استقرار الوضع داخل الجنوب اليمني المحرر، ومحاولة بعض الأطراف تثبيت الانقسام داخل اليمن ولو على حساب حرية الشمال اليمني.
ولفت السفير في حواره مع الناشط “الهدياني” لقوة المؤتمر الشعبي داخل تعز، والمخاوف من كون تحريرها فخًا بالإضافة لما وصفه بالتداخلات الأخرى وأبرزها الجنوبيين الانفصاليين الذين يسعون لتغير مسار العمليات باليمن وإقناع التحالف بمبررات قد لا تكون واقعية لاستكمال تحرير كل الجنوب أولا وإبقاء كل الشمال تحت الاحتلال.
وتابع السفير اليمني حديثه متهمًا اشخاص محيطين بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالقيام بتوجيه تحذيرات للسعودية والخليج من تعز وغيرها قائلًا :” أنهم يرونها الفرصة التاريخية التي لا تتعوض لإعادة رسم حدود بلدين ولو إقليمين خصوصاً أن من يسيطر على صنعاء لم يعد يهمه الوحدة”.
واعتبر السفير أن وسائل الإعلام التابعة للجنوب اليمني حينما تتحدث عن جنوب محرر وشمال في قبضة الحوثي فإن هذا “انتصار” معنوي مهم يخدم مشروعهم، مضيفًا :”انهم يرون ان تعدي السهم الذهبي من الجنوب إلى تعز يعني يمننة القضية وهذا ما لا يريدونه أبداً.
أهمية تحرير المحافظة قبل التوجه لـ”جنيف2″
يبدو أن الاهتمام المفاجئ بتعز وإعلان عدد من الأطراف أن تحريرها وشيكا يعود لما تمثله من أهميه في مفاوضات “جنيف 2″ بين الحكومة الشرعية والحوثيين وحليفهم عبد الله صالح والتي يتم الترتيب لها حاليًا.
وأشار محللون أن مدينة تعز تمثل أهمية إستراتيجية كبيرة جدًا في الصراع لعدة عوامل جغرافية واجتماعية وثقافية اقتصادية، وهو ما أكده المحلل العسكري ثابت حسين، في تصريحات صحفية، مشيرًا إلى أن أهم هذه العوامل موقعها الجغرافي المتوسط بين الشمال والجنوب وإطلالتها علی باب المندب ذي الأهمية الحيوية البالغة وميناء المخاء التجاري العريق وصلتها الجغرافية بمحافظة الحديدة الساحلية.
كما أن الموقع الاستراتيجي والمؤثر لتعز تكمن أهميته في عدة نقاط منها: أنها تقع في الزاوية الجنوبية الغربية لليمن مُشكلة حلقة الارتباط بين بحر العرب على المحيط الهادي والبوابة الجنوبية للبحر الأحمر، وهي بذلك تطل على مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي تمر عبره 22 ألف سفينة سنوياً- على الأقل، وخاصة ناقلات النفط، وهو ما يعكس أهمية وتأثير موقعها على الملاحة الدولية.
وتعد المحافظة جسر مع أفريقيا حيث يحاذيها في الضفة الأخرى من البحر الأحمر ساحل جمهورية جيبوتي، والذي يبعد عنها 30 كيلومتراً فقط، ما يجعلها مرشحة لتكون نقطة التقاء قارتي آسيا وإفريقيا.