إلى أين تسير الجهود الدولية في شأننا اليمني ؟ هل هي رعاية أم وصاية أم تدخل أم هي دواعي الشراكة؟ وهل صحيح أن سفراء الدول الصديقة في بلادنا توجهوا مؤخراً لنصح الأطراف اليمنية بنصائح دينية ؟
لقد أصبحت للشعوب العربية صوت ، هكذا قالها الرئيس أوباما .. وحقاً نحن نشهد تشكل نواة للرأي العام العربي ، وفي بلادنا فقد وصلت الثورة السلمية المرابطة إلى خطوط رملية أحدهما كما سنتناول في هذه السطور ، وهي الجهود الدولية وليست على الإطلاق الوصاية الدولية أو التدخل الدولي بعد الأن ، هكذا يجب أن نفرضها ، لكن الجهود أو الرعاية مسلسل قديم ، فهي جهود من جانب خبير متمرس وفي جهوده فيها ما فيها من كسب الوقت وتمريره ، وإظهار ما يراد إظهاره ، وإخفاء ما يجب أن يظل خافياً ، وفي الأخير تمرير ما سيتم تمريره أمام المجتمع الدولي بواسطة عدسات الكاميرا ومكبرات الصوت!! وهي جهود مسرحية لم تشر حتى الأن إلى التوافق الخارجي المتحكم في ظهور الرئيس من عدمه ، بل أن تذبذب الحسم الدولي في تحديد من هي جهة مصلحتهم الحقيقة في اليمن إنما يعكس صراع القوى الخارجية بل إنها تتنافس في الظهور في مهرجان الربيع اليمني وبعضها خارج المهرجان يتنافس في تحقيق أهدافه ، كل من وجهة مصلحته من فوق رؤس الأطراف اليمنية ومن خلف ظهور الشعب اليمني وليس على أساس المصلحة المشتركة مع الشعوب! هذا هو المسلسل القديم للجهود الدولية قد يراد من خلاله اليوم أن تحقق الدول العظمى لنفسها فرصة تاريخية في إعادة توزيع الأدوار الدولية من جديد ، وذلك قد لا يعني إشتراك مجموعة أصدقاء اليمن وحدها وإنما سيدخل آخرين بلا شك ظاهرين أو غير ظاهرين بالطبع!
نحن في تيار الفجر العربي لازلنا نؤكد ما سبق أن أشرنا إليه بأن ثورة الربيع العربي صناعة عربية بإمتياز ، لكن هنالك من لن يفوت هذه الفرصة برغم أن الثورات كانت ضربة لسياستهم الخارجية وهنالك من سيعيد ترتيب أوراقه بناء على كل هذه التحولات ، وهنالك من يفرض قواعده بل ويدفع نقداً قيمة سكوت الغير ، وكلما طال عمر ثورة الشباب السلمية كلما كان الإغراء أكثر لكل الأطراف خارج الحدود!
وإن ما دفعنا إلا القول بأن الطبخة قديمة هو لكي نقف على القاعدة الجديدة بتغير الظروف لأن ظروف اليوم غير ظروف الأمس ، وجيل اليوم أفكارهم عظيمة كالقوى العظمى ، لذا فإن الطبيعي أن تتفق القوى الخارجية ذات الجهود الدولية - والكلام أيضاً يسري على المبادرة الخليجية - مع الشعب الذي هو الحامي الأول لكل المصالح وليست المدرعات هي التي تحمي المصالح وليست الفزاعات هي التي ترهب وشاهد على الأخيرة ما أحرقه بو عزيزي!
وأما القول بأن القوى الخارجية بعضها يريد أن يظهر أنه جاء بضغط والبعض يريد أن يظهر أنه لا يتلقى ثمناً وأن الأمر كله تطوعاً دولياً بل فعل خير تحت مسمى الجهود الدولية ، فإن هذا الحديث كما أسلفنا ليس خطاب يمرر عبر جيل اليوم ، فالأمر سيصبح مكشوفاُ بكتابة المذكرات الساخنة التي أصبحت تجارة رابحة في عصرنا ، والأهم فإن قوانين الحصول على المعلومات والتي أصبحت سمة من سمات عصرنا الحديث أصبحت قانوناً سارياً في العالم ولا بد يوماً أن تتكشف كل الخبايا والتاريخ لن يرحم ولو حكم بالتقادم..لأجل ذلك فالمصلحة يجب أن لا تنظر لمصلحة أطراف ذوي الجهد الدولي ولكن المصلحة الحقيقية للشعب مع المصلحة المشتركة في عالم واحد ، فهذه هي الجهود المشروعة وليس الأمر بالجهود القديمة وبين ذاك وذلك ما بين السماء والأرض!
من هنا فعلى الشباب الحر والواعي والمستند على خبرة الشرفاء من أبناء الوطن أن يعي حجم المسؤولية الدولية المنوطة به ، وحرياً أن يكون مالكاً لزمام الأمور حتى يجعل الرجوع إلى الوراء صعباً إذا ما جاء من يحاول ذلك ، فالشباب خاصة يعنيه المستقبل أكثر من غيره ، وعلى العالم الخارجي أن يكون رأيه ويصوغه من رأي الشعب والشباب ، وخاصة الشعب الموجود الساعة على الأرض والذي يعاني الغليان حتى الدوار!!
صحيح أن الحرب الأهلية لم تظهر – ونرجو الله ونتوسل إليه أن لا تظهر أبداً – لكن الحديث عن جهود هنا وهنالك بدون شفافية من الخارج في وقت نعلم فيه أن العالم العربي هو الساحة الوحيدة لإنتخابات العالم ، فإن ذلك يعني عمل درامي بإمتياز والغرض منه تلبيس الطاقية للعامة وتحت شرعية الوجود أو الجهود الدولية! والكتاب يظهر من عنوانه كما يقال فقد كان حرياً أن يتقدم العالم في هذه الفترة العصيبة وقبل أن تتعقد الأمور إلى ما وصلت إليه ، فيقوموا برد بعض الجميل لهذا للشعب اليمني فيعلنوا عن مارشال يمني بدون شروط على الشعب بإعتبار القضية الإقتصادية يجب تقديمها الأن على الحالة السياسية اليمنية والدولية بل وفصلها تماماً حتى تحل ، لكن وبرغم الأزمات الإنسانية الحادة التي وقعت حتى الساعة في اليمن فإنه لم تظهر أي معونة مالية تستحق الإهتمام ، إنما على سبيل الذكر فقد قدمت مساعدة من السفارة الأمريكية بمبلغ عشرة مليون دولار لنازحي صعدة كما أشارت السفارة الأمريكية انها اشرفت حتى هذا الوقت من العام على تخصيص قرابة 35$ مليون دولار لليمن لمشاريع الحالات الطارئة والإنسانية ، ولا نغفل هبة الملك عبد الله بن عبد العزيز - بثلاثة مليون برميل من النفط لتغطية أزمة المشتقات النفطية الحادة ، كما وصلت إلى ميناء الحديدة البارحة 4 يوليو، باخرة تحمل على متنها خمسة آلاف ذبيحة مجمدة منها "2500" ذبيحة لصالح مؤسسة اليتيم التنموية و"2500" ذبيحة أخرى لمؤسسة الصالح الاجتماعية للتنمية ، وذلك في إطار مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي الذي يديره البنك الإسلامي للتنمية ، ويومنا الـ 5 من يوليو قرأنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة أقرت منح اليمن 3 ملايين برميل من النفط الخام و500 ألف طن من القمح ، كمنحة لمواجهة الظروف الحالية التي يمر بها اليمن ، وهو ما يعني أن دواعي الجهود الدولية بهذا القياس البسيط غير شفافة أو مستوعبة أن الشعوب العربية ، والشعب اليمني في هذا السياق من الحديث هو الأن الشريك الحقيقي!!
إن المرحلة القادمة تشهد تشكل جديد في علاقات العالم الدولية وهي كذلك علاقات اليمن مع مختلف دول العالم حيث ستشهد تشكلاً جديداً ، فلا بد من جهود منظمة ولا بد من توازن وإلا فإن أي جهود دولية ستكون لا أخلاقية ولا إنسانية وأقرب ما تكون إلى جهود الدكاكين الصغيرة لمرحلة قريبة المدى!!
نقولها شهادةً أننا لا نريد جهود من نوع حقول ألغام ، ولا نريد ان تكون الجهود إستدارة للغنائم دون حل حقيقي لمشاكل الشعب ، فعلى العالم أن يتعامل بروح من المسؤولية الدولية وعلى الأطراف اليمنية ممثلين بالشباب أن يتعاملوا دولياً مع الجهود الدولية برسم الأمور على حقيقتها وإدراك أن القدرات الحقيقية هو الميزان الحقيقي للدخول والخروج بنجاح ، وليس الأمر على أساس ما يقال أو ما نظن من نوايا فضلاً عن أن أهمية إدراك أن البعض يستحلي الحروب حيث منفعته!
فهي إذن دعوة للثوابت والشفافية ورسالة أننا لن نحول وطناً حقيقياً إلا إلى وطن أكبر بحجم معاناة وثورة الشعب والشباب السلمية.. وهي توطئة نستعد لها لتحول كبير في المنطقة لا بد منه!
وإن مشاركة الشباب بل ورجال الأعمال بشكل واضح في الفترة القادمة وحضور الشباب بكيان موحد وحي ومشارك ، هو رمزاً مهم لتأثير الشباب ، وهي ميزة يمنية يجب أن نؤطر لها وخاصة أن الثورة الشبابية في اليمن طال مداها لتعطي للشباب هوية ثورية خاصة أخذت الدنيا في صفها لكن إلى منتصف الطريق حتى الأن ، والغايات الأن مرهونة بإعتبارات كثيرة في عالم أخطبوطي متشابك ومتصل تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً ، ولا نستطيع أن نقول أن هذه الإعتبارات ممارسات عجيبة ولكنها أسلوب العصر ، ولقد حلقت الثورة عالياً بأجنحة حرة حتى وصلت رسالتها إلى مجلس إدارة العالم ، ووصلت إلى قلب العالم ومنه إلى عقله ، لأنها ثورة إنسانية لم تكلف أصحابها شيئاً إلا حياتهم!
عن / تيار الفجر العربي – صنعاء
5 يوليو 2011م