أعادت أزمة الوقود والمشتقات النفطية المتفاقمة في اليمن الاعتبار مجدداً لمهنة “الحطابة” التي شهدت انحساراً لافتاً خلال العقد الأخير في معظم المدن الرئيسة، قبيل أن تعاود الظهور مرة أخرى كخيار اضطراري أقل كلفة وأكثر مشقة من استخدام الغاز المنزلي .
واعتبر يحيى محمد رزق الحيسي، الذي يحترف مهنة الحطابة والاتجار بأعواد الخشب الجاف عبر بيعها في حيز من رصيف يتوسط حي الزمر الذي يعد أحد المداخل السبعة المؤدية إلى وسط مدينة صنعاء القديمة، أن تفاقم أزمة الوقود وانعدام الغاز المنزلي والمسال، اضطره إلى العودة مجدداً إلى امتهان حرفة الحطابة بعد اعتزالها لأكثر من 12 عاماً بعد أن لمس تهافتاً من قبل الكثيرين على اقتناء وشراء أعواد الحطب الجاف .
وقال ل “الخليج”: “بالنسبة لي أتمنى أن تطول أزمة الوقود والغاز كي يستمر سوق الحطابة منتعشاً كما هو عليه الحال الآن، لقد أقلعت عن التحطيب منذ أكثر من اثني عشر عاماً لأن الناس استغنوا عن الحطب بالبدائل السهلة والحديثة، لكنني عدت مرة أخرى للتحطيب، بعد أن لمست وجود فرصة للتكسب، وهو ما يضطرني يومياً لأن أتوجه إلى قريتي في “حده” للتحطيب، ومن ثم جلب الحطب إلى السوق لبيعه بواقع “عشرة آلاف ريال للحمولة، والتي تقدر بطن واحد” .
تصاعد أزمة الوقود والمشتقات النفطية على نحو غير مسبوق وما ترافق معها من ارتفاع لافت لأسعار هذه المواد وتراجع مقابل لتدخلات الحكومة في إنهاء مظاهر وتداعيات هذه الأزمة المتصاعدة، فرض على الكثيرين اللجوء إلى بدائل متاحة من قبيل الاستعاضة بأعواد الخشب الجاف عن الغاز المسال اللازم لتشغيل الأفران اليدوية، سواء في المنازل أو المحال المتخصصة في صناعة وبيع الخبز الجاهز واستخدام بدائل أقل كلفة لتسويق السلع المصنعة .
ويرى هائل عبدالودود السامعي، الذي يمتلك فرناً لبيع الخبز الجاهز في شارع تعز بصنعاء، أن تفاقم أزمة الوقود قد أعاد العاصمة صنعاء والعديد من المدن الرئيسة في البلاد إلى ما قبل عشرين عاماً، حيث كان الاعتماد على “الحطب الجاف” لتجهيز الخبز سواء المحلي أو الجاهز هو الخيار الوحيد المتاح .
التفاقم المضطرد لمظاهر وتداعيات أزمة شح الوقود والمشتقات النفطية فرض على الكثير من مالكي الأفران والمطاعم، ومعامل صناعة الحلوى، وحتى بعض ناشري الصحف، اللجوء إلى خيارات غير اعتيادية لمواجهة ظروف أزمة استثنائية، والاعتماد على بدائل أقل كلفة، وإن كانت أكثر مشقة واستغراقاً للوقت لاستمرار أنشطة التسويق والتوزيع للمنتجات والسلع من قبيل الاستعاضة بالدراجات العادية المزودة بصناديق خلفية مستحدثة كبديل لسيارات التوزيع والدراجات النارية والتي شهدت مؤخراً انتشاراً لافتاً في معظم شوارع العاصمة صنعاء والمدن الرئيسة الأخرى .
وأشار نور الدين أحمد البعداني، ويمتلك معملاً لصناعة الحلويات الجاهزة في حي قاع العلفي وسط العاصمة صنعاء في حديث ل “الخليج” إلى أنه اضطر لشراء ثلاث دراجات عادية، والاستعانة بإحدى ورش إصلاح السيارات لتثبيت صناديق مستحدثة، وربطها عبر استخدام مادة اللحام الحار بالدراجات، للتمكن من استئناف عملية تسويق وتوزيع منتجات معمله من أكياس وعلب الحلوى .
الدراجات العادية كخيار غير مكلف وبديل لوسائل المواصلات التي تعمل بالوقود، دفع العديد من مالكي ورش إصلاح الدراجات العادية إلى استحداث تقديم خدمات إضافية وغير مكلفة، من قبيل تأجير الدراجات العادية لزبائن غير اعتياديين، كالموظفين وطلاب الجامعات والإعلاميين وغيرهم من الشرائح الاجتماعية النخبوية التي اضطرت إلى اللجوء لمثل هذه البدائل لمواجهة استحقاقات أنشطتها اليومية، بأقل قدر ممكن من التكاليف .
ويقول ياسين عبدالرحمن العوامي، والذي يملك محلاً لإصلاح وتأجير الدراجات العادية في تصريح ل “الخليج”: إن الكلفة المرتفعة للحصول على بضع لترات من وقود السيارات بشرائها من السوق السوداء المستحدثة ببعض الشوارع الرئيسة بصنعاء، جعلت اعتماد بديل كالدراجات العادية كوسيلة معقولة للموصلات خياراً وحيداً لدى الكثيرين من الأشخاص الذين يظهر العديد منهم في البداية بعض التردد في اقتناء مثل هذا البديل، لاعتبارات تتعلق بالتحرج من الظهور غير اللائق بوضعهم أمام الناس، لكنهم سرعان ما يبادرون إلى استئجار الدراجات، وفق صيغة انتفاع يتم التوافق عليها مع مالك المحل .