اخبار الساعة - أنور القاسم
يبدو أن رزق العرب الإعلامي وفير جدا هذه الأيام، في التلفزيونات الغربية من أخبار – في الغالب سيئة – عن المسلمين أو العرب أو القيح، الذي أفرزته ثقافة الكبت السياسي والثقافي والجنسي في المضارب العربية.
ولعل أهمها تغطية شبكة التلفزيون الإخبارية الألمانية «أن تي في» و«بي بي سي» البريطانية في برنامجين منفصلين تحدثا مع ضحايا الإعتداءات والتحرشات الجنسية بالنساء والبنات، والتي وقعت وسط مدينة كولونيا الألمانية، ليلة رأس السنة، حينما تجمع ما يصل إلى ألف رجل من اللاجئين، غالبيتهم عرب ومسلمون، وقام العديد منهم بالإعتداء والتحرش بالإناث وملامستهن وتقبيلهن عنوة وتهديدهن، فيما تصفه وسائل الإعلام بأنه «جريمة ذات بعد جديد على الغرب».
هذه الهمجية البشعة، شوهت صور اللاجئين، الذين وصلوا إلى أوروبا، حاملين معهم الوجع والأمل في الإستقرار والمساهمة لاحقا في اثراء الحياة في الغرب.
فصرت ترى إلى جانب تغطيات أخبار الحروب في البلاد العربية «لازمة» أخبار الجوع وسموم الإعتداءات الجنسية، التي يكون الإعلام غالبا سوقا لها لغرابتها ولسهولة تسويقها.
منذ شهر وهذه الأخبار تتوارد تباعا كالفطر، مثل إلقاء شرطة مدينة أوكلاهوما الأمريكية القبض على ثلاثة مبتعثين خليجيين بعد الإبلاغ عن اغتصابهم لشاب أمريكي. وسجن مبتعث آخر بتهمة «الإغتصاب»، واتّهام أربعة عرب باغتصاب فتاتين في أمريكا واعتداء شبان خليجيين على شاب في نيويورك، إلى اعتداء ليبيين جنسيا على زميلين بريطانيين في التدريب العسكري، إلى إلقاء شرطة مدينة بروفيدنس في ولاية رود آيلاند الأمريكية، القبض على أربعة مبتعثين سعوديين، بعد اتهامهم باغتصاب فتاتين قاصرتين (18 عامًا) في شقتهما. وخبر اعتداء مغاربة على فتاتيتن في باريس إلى جانب الاعتداء الجنسي، الذي حصل في مهرجان «نحن ستوكهولهم» الموسيقي في السويد قبل اسبوعين، وكان أغلب المشتبه بهم في هذه الهجمة الجنسية من العرب واللاجئين المسلمين، كما تروجه وسائل إعلامية. وليس انتهاء باغتصاب شخصية خليجية لفتاة بريطانية واحتمائه بالحصانة الدبلوماسية.
هذه الثورة الجنسية العريبة دفعت مدينة ألمانية لمنع اللاجئين العرب والمسلمين من دخول المسابح المختلطة، والسويد إلى المطالبة بتدريس التربية الجنسية لأطفال اللاجئين. والمسؤولون الأوروبيون يحاولون إخفاء تفاصيل جرائم يتورط فيها مهاجرون خوفا من طغيان شعبية أحزاب اليمين المتطرف المعادي للهجرة، الذين باتت شعبيتهم طاغية بسبب قصص هؤلاء المرضى.
وكأنه كان ينقص الفارين من جحيم الشرق الأوسط، أن يلاحقهم الإستبداد، لكن في صورة «الديكتاتورية الجنسية» لنتفاجأ بما يسكن النفوس من أنواع الفظاظة والعنف، التي يصعب تصديقها، حين تحررت شهواتنا لا أنفسنا، وجهرت حتى وصلت درجة العنف والجنون.
وهكذا يقتصر مفهوم الحصول على الحرية لدى البعض على كسر التابو الجنسي والهجرة بأمراضهم، التي ستطبع في مخيلة الغربي بأن العرب والمسلمين جوعى ومهووسون جنسيا لا أكثر ولا أقل، وهذه تهمة ستطاردنا جميعا كما طاردتنا أفلام هوليوود ويجب دحضها، بشتى السبل الإعلامية كذلك.
راعية الأغنام التي غدت وزيرة
على الضفة الأخرى من المتوسط عرضت قناة «الجزيرة» – التي تبدع منذ إنطلاقها في الإضاءة على المبدعين والبارزين في الحقول الإنسانية في المغتربات – تقريرا رائعا للزميل عبد المنعم العمراني من جبال الريف المغربي، تحت عنوان «من راعية أغنام إلى وزيرة في الحكومة الفرنسية»، يتحدث عن نجاة فالو بلقاسم، التي رعت أغنام أسرتها وهي طفلة في جبال الريف المغربية لتجد نفسها اليوم وزيرة التعليم الفرنسية أمام ملفات عالمية حول العلمانية والدين وقيم الجمهورية ومكانة المهاجرين في المجتمعات الأوروبية.
قصة هذه الصبية الطموحة مصدر فخر لكل عربي مهاجر تحتاج من يضيء عليها، وهذا ما نفتقده أحيانا في الإعلام الغربي، فمقابل المهووسين جنسيا والفاشلين والمتعصبين، هناك الآلاف من هم في قمة الإبداع والعطاء والثراء الحضاري.
وإلى جانب نجاة فالو بلقاسم، هناك مواطنتها مريم الخمري، وهما ليستا أول مغربيتين تنضمان إلى الحكومة الفرنسية، فرشيدة داتي القيادية في حزب الجمهوريين اليميني المحافظ كانت أول امرأة من أصل عربي تتولى حقيبة وزارية في حكومة فرنسية حين عينها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب وزيرة العدل.
وهناك هدى العلوي هاروني، نائبة رئيس بلدية هالمستاد السويدية. ورشيد مضران، وزير العمل الإجتماعي والتكوين المهني في بلجيكا. ونادية سمينات، عمدة لوندرزل في بلجيكا. وعشرات في مواقع قيادية في أمريكا اللاتينية من الجاليات السورية واللبنانية وفي الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا، مرورا بالرئيس الأرجنتيني الأسبق كارلوس منعم إلى الرئيس الأرميني، وهما من أصول سورية، إلى مئات البارزين في الحقول السياسية والإقتصادية والإنسانية في قارات العالم.
هؤلاء خرجوا من مستنقعات عربية يحكمها الإستبداد والتخلف إلى رحاب العالم، حيث وجدوا أنفسهم يجلسون على موائد كبار العالم، فيا له من شعور عظيم، عله يكون حافزا للشباب العربي المهاجر واللاجئ الآن، يستهدي بهم، فاذا كان ذلك متعذرا في بلادنا فهو قطعا ليس كذلك في باقي دول العالم.
من شيراز إلى طهران
بثت القناة الألمانية «DW» يوم الأثنيـن فيلماً وثائقياً بعنوان «من شيراز إلى طهران»، موجها إلى الدول الغربية بالتزامن مع رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة على ايران منذ أكثر من عقد.
الفيلم ذكي جدا ومشغول بحرفية كبيرة ينهل من مناظر البلاد الخلابة، ويدعو الغربيين إلى القدوم والتمتع بما تجود به البلاد، خاصة جمال النساء الإيرانيات اللواتي فاضت بهن الشاشة، وعرضت الكثير منهن وأجمل مفاتهن، طمعا في استقدام الغربيين إلى إيران.
أحد الشبان المشاركين في الفيلم يوجه كلامه للغرب قائلا: لا نعلم لماذا لا يميز الغرب بيننا نحن الإيرانيين وبين العرب، فالعرب قوم يفتقرون للثقافة، بينما الإيرانيون أهل حضارة وتاريخ وثقافة.
ومن مفارقات الفيلم الضاحكة كذلك أن المتحدث يقول أنه في إيران بعكس العراق تعيش الطائفتان السنية والشيعية بسلام جنباً إلى جنب!
إنه الإعلام يا أعزائي، الذي يحكم العالم الآن، ونمتلك منه الكثير غير الفاعل وعديم الجدوى، واذا كنا قد عجزنا عن اختراق الغرب إعلاميا، فليس أقله المشاركة في إعلامه بلغته وثقافته، فمن يشاهد التلفزيونات الغربية لا يجد أكثر من ثلاثة أشخاص عرب يخاطبون الغرب، وهذا سقوط يجب الإنتباه له.
كاتب من أسرة «القدس العربي»