اخبار الساعة - الرياض
انتشرت في الآونة الأخيرة الجرائم العائلية بصورة مقلقة وغير مسبوقة، جرائم صادمة يكون القاتل فيها من أفراد العائلة، فيقدم الأب بدم بارد على قتل ابنه ، ويقوم الابن بقتل والدته ، وربما تقوم الام بشنق رضيعها او الاخ بقتل أخاه ، ومن خلال استطلاع قامت به “عين اليوم “ وجمعت فيه اراء المختصين لمثل تلك القضايا اتضح أن تعاطي المخدرات هي السبب الرئيسي لحدوث هذه الجرائم البشعة.
*خلال أسبوع.. ثلاث جرائم عائلية هزت المملكة:
بداية شهدت منطقة جازان حادثة من أبشع أنواع القتل حينما قام أب بنحر ابنه البالغ من العمر 10 أعوام ، بسكين وهو يحمل كتبه، بعد أن قدم إلى مدرسة ابنه ، وأخرجه بالقوة وقاده إلى حوش مهجور ، ليقوم بذبح طفله بصورة بشعة وتركه بالموقع ينزف في دمائه.
من جانب آخر، نجحت شرطة منطقة الرياض بالقبض على أربعيني تسبب بوفاة والدته بعد أن أطلق النار عليها ، بحي بدر غرب الرياض ،حيث أوضح الناطق الإعلامي لشرطة منطقة الرياض العقيد فواز بن جميل الميمان، أن دوريات الأمن نجحت في القبض على المتهم وضبط السلاح المستخدم في الجريمة .
وآخر تلك الجرائم أقدم عشريني قبل يومين بقتل شقيقه الأكبر بالرياض، ومن ثم حمل جثته في سيارته وسلمها لمركز الشرطة.
*أبرز الجرائم العائلية في عام ٢٠١٥ :
من بين جرائم قتل الأمهات التي هزت المجتمع، إقدام ابن على قتل والدته وحرق جثتها في شهر يناير من العام الماضي بالطائف، حيث سكب شاب البنزين على والدته الستينية وأشعل فيها النار داخل المنزل دون رحمة ، ومن ثم ولى هارباً تاركاً النار تلتهمها .
وفي مشهد مماثل بالطائف نفسها أقدم شاب “19 عاماً” على طعن والدته “40 عاماً” بسكين ومن ثم هرب لتتوفى لاحقاً جراء ما تعرضت له.
كما شهدت جدة جريمة كبيرة من هذا النوع خلال شهر مايو من العام الماضي، عندما أقدم عشريني على قتل والدته الخمسينية بحي البلد ، ثم أغلق عليها الباب ، وأحرم، وتوجه لأداء العمرة .
وفي اغسطس من العام الماضي أطلق نواف العتيبي “نفذ فيه الإعدام” النار على والده بالطائف وأرداه قتيلاً .
وفي شهر يوليو من العام الماضي قتل مطلوب أمني والده، بعد محاصرته من قبل رجال الأمن بمنزله في منطقة خميس مشيط، معتقداً بأنه بلغ الشرطة عنه.
وتعتبر جرائم قتل الأبناء الأكثر فظاعة ، فقد فجعت مكة في اكتوبر من العام الماضي بحادثة مؤلمة تمثلت في قيام أب بقتل ابنه “عام ونصف” وابنته ” 5 سنوات” ثم انتحر، وذلك لوجود خلافات مع زوجته التي تركت المنزل وذهبت لأهلها.
وفي مكة أيضاً قتل مواطن “53” عاماً أبنائه الثلاثة ” بنتان 3 و4 سنوات ، وولد 6 سنوات” نحراً بالسكين انتقاماً من والدتهم التي رفضت الرجوع اليه.
وبعد أن وصلت الجرائم لقتل الأب والام والأبناء فليس غريباً أن تصل للأشقاء، فقد حدثت الكثير من هذه الجرائم ومن بينهما قتل مواطن شقيقه في إحدى قرى جنوب الطائف خلال شهر اغسطس من العام الماضي، وفي المحافظة نفسها قتل آخر شقيقته وزوجها خلال شهر مايو من العام السابق .
*الجرائم العائلية .. ظاهرة لها آثار اقتصادية :
بداية أوضح الدكتور فهد الطيار المتخصص في علم الجريمة إن الجرائم العائلية لا تمثل مشكلة قانونية قضائية فقط، بل مشكلة اجتماعية ونفسية، وهي ظاهرة لها آثار اقتصادية خطيرة، تتمثل في الخسارة التي تعود على المجتمع، جراء فقدان هذه العناصر البشرية، التي كان من الممكن أن تسهم في عملية البناء والتنمية في المجتمع، التي تتطلب مساعدة كل القوى والفئات العاملة، إضافة إلى الخسائر المالية والاجتماعية التي تترتب على حدوث تلك الجرائم .
ويمكن تفسير أسباب الجرائم العائلية في ضوء نظريات علم الاجتماع على النحو التالي:
1 – نظرية الاختيار العقلاني: تنطلق هذه النظرية من مبدأ أن المجرمين يرتكبون الجريمة لأنهم يحفزون من طرف المصلحة الذاتية، ويمارسون الإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية بارتكاب الجرائم.
2 – نظرية الدور الاجتماعي: تؤكد الإحصائيات العالمية فشل بعض الأسر في التنشئة الاجتماعية؛ فتشير إلى أن (80%) من الجانحين هم من الذكور بينما يمثل جناح الإناث (20%)، ولا يوجد دولة في العالم تخلو من انحراف الأحداث. والكثير من معتادي الإجرام في مرحلة الكبر لهم انحرافات في مراحل مبكرة من حياتهم، بل إن معظمهم كانوا من معتادي الانحراف قبل سن العشرين. وتؤكد الدراسات أن انهيار الأسرة، والتفكك الأسري، والانحلال الخلقي، والإدمان على المسكرات أسباب رئيسة في انحراف الجزء الأكبر من المنحرفين، وهي منتشرة بنسبة (90%) . وبالنسبة لجرائم المرأة داخل العائلة فيمكن تفسير ذلك بزيادة انحراف النساء؛ بسبب حركات تحرير المرأة، وما تضمنته من متغيرات في أدوارها، وطبيعة علاقاتها بالآخرين في المجتمع.
3- نظرية الرابطة الفرقية :هذه النظرية تتعامل مع الشباب، وتنطلق من مبدأ أن الشباب يُدفعون إلى الجريمة من خلال تعلم المهارات الجنائية من الأصدقاء المجرمين. وهناك أدلة قوية على أن الشباب المجرمين يؤثرون في أصدقائهم غير المجرمين ومن ثَمَّ يرتكبون بعض الجرائم ويحترفونها. وتأثير الأقران على الجناح عامل مهم في حدوث الجناح، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بقصور الوالدين في مسؤولياتهم، لأن أسر الجانحين لا يمنحون وقتاً لأبنائهم للجلوس معهم، بخاصة في أوقات فراغهم، وأنهم أقل متابعة، وضبطاً لأسلوب أبنائهم في اختيار أصدقائهم.
*المخدرات السبب الرئيسي للقتل :
اوضح حمدان سلمان الغامدي الأخصائي الاجتماعي ومعالج الادمان، بأن تفسير حوادث القتل على انها وقعت بسبب الحالة النفسية للقاتل ، من بعض افراد المجتمع في كثير من الاحيان يعتبر مفهوم خاطئ بنسبه ٧٠ الى ٨٠٪ ، لان تصرفات المريض النفسي لا تصل الى القتل ، بينما تصرفات مدمن المخدرات هي من تصل الى ذلك في اغلب الظروف وتعتبر من الاسباب الرئيسية لقتل الاقارب ، خاصة ان مدمن المخدرات تكون ردة فعله عدوانية اكثر، تؤذي غيره قبل ان تؤذيه.
و عن العوامل والاسباب التي تدفع بعض الاشخاص الى قتل اقاربهم ، ذكر الغامدي ابرزها وهي :
١ الاضطرابات والاعتلالات النفسية الناتجة عن تعاطي المخدرات والمسكرات، تعرض الانسان للإصابة بالأمراض المصاحبة التي تغيبه عن الواقع وتدخله في تهيأت وضلالات تجعل منه شخصاً غير سوي مما يساعد في ارتكاب جرائم القتل وهو نتيجة حتمية للشكوك والضلالات التي يعتقدها هذا المجرم تجاه أفراد أسرته.
٢ هناك أسباب بيئية يشعر فيها الشخص بانه منبوذ داخل مجتمعه وبيئته ، مما يولد لديه احساس الشعور بالنقص ، فيجبره على إحداث سلوك عنيف ، كالقتل بغض النظر عن الضحية ، ومثل تلك السلوكيات الإجرامية، لا تأتي إلا من متعاطي المخدرات والمسكرات .
٣ العوامل الأسرية قد تدفع بعض الاشخاص احياناً لارتكاب الجرائم ، فعلى سبيل المثال ، يعتقد الزوج أو الابن بأن هناك علاقات غير شرعية ، مما يولد سلوك الانتقام من خلال الأضرار بالأمهات أو الأطفال .
وفي ذات السياق قال حمدان الغامدي ، بأنه في مثل تلك المواقف يكون حل المشكلة بالتنبيه على الأسر للبعد عن النقاش الحاد أمام الأطفال ، وعدم التطرق لمثل هذه المواقف، ويفضل أن يكون هناك توعية وتوضيح من قبل اللجان الخاصة بالعنف الأسري ، لتقييم الحالة الإنسانية التي تمثل خطورة على نفسها من جهة وعلى الأسرة بشكل عام من جهة أخرى .
اكد المستشار الديني الشيخ ابراهيم عبد الرحمن الرده، ان دوافع القتل التي ظهرت مؤخراً كثيرة جداً ، وتعود اولاً وأخيراً الى غياب الوازع الديني والايمان بالله ثم الوقوع في المخدرات والتي تعتبر سبباً رئيسياً لذلك، و تأتي بعدها القصور في التربية وعدم الارشاد والتوجيه بطريقة سليمه .
ونصح الشيخ ابراهيم ، بضرورة الرجوع الى الله و التحاكم الى كتابه ثم الى سنه رسوله، وترك المخدرات والعلم بأهمية خطورتها والبعد عنها و قال بان من يتورط فيها فعليه المسارعة بالتوجه الى المستشفيات الخاصة بعلاج ادمان المخدرات .
* استمرار الفجوة بين العائلة تؤدي لحالات العنف والجرائم:
أكد الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله بدوي استاذ علم الاجتماع والجريمة بكلية الملك خالد العسكرية بالحرس الوطني ، أن هناك مؤشرات خطيرة قد تؤدي إلى حالات من العنف اللفظي والجسدي داخل الاسرة إذا استمر ذلك العداء بين أفرادها.
وأوضح أن انتشار المشكلات بين أفراد العائلة ، قد تبدأ من الطفولة ، فالعداوة تنشأ بسبب لعبة على سبيل المثال وتكبر مع الوقت وتتسع الفجوة حتى يتحول هذا العداء بشكل واضح بين الأخ وأخته أو بين بقية أفراد العائلة .وأضاف د.بدوي أن مراحل الحقد تتقدم فقد تبدأ بلفظ ثم ضرب بين بعض أفراد العائلة وقد تنتهي الى القتل في بعض الحالات أو التشهير. مشيراً إلى أن البعض يستخدم التشهير بحق أحد أفراد عائلته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي دون اعتبار لقرابة او أسره او مثاليات.
كما لم يستبعد الدكتور ان تعرض بعض أفراد الأسرة لاضطرابات نفسية او ضغوط اجتماعية او ادمان لمادة مخدره قد تكون ابرز الأسباب لحدوث حالات الاعتداء داخل الاسرة ، وأكد أن ما نحتاجه فعلياً اليوم هو بيوت مطمئنة مليئة بالحب والمودة والاحتواء . وأخيراً أشار أن أسرة اليوم لم تعد كأسرة الأمس ، فقد اختلفت معايير التربية وبالتالي التواكب مع هذه التغيرات هي مسئوليه الفرد والمجتمع بكافة مؤسساته.
*قانوني: النزعة العدوانية تطغى على العاطفة بفعل مؤثرات خارجية:
وأرجع الدكتور المستشار القانوني إبراهيم زمزمي أن هناك مؤثرات خارجية كضعف الوازع الديني ، الغزو الفكري ، وتأثير الإعلام الخارجي ، والتفكك الاسري ، وتأثير الألعاب العدوانية جميعها أثرت على الطفل وزرعت بداخله النزعة العدوانية ، لدرجة بأنها تطغى على العاطفة فأصبح الشخص لا يميز ذلك .
وأكد زمزمي أن لحالات الإدمان ، التشهير ، الجرائم المعلوماتية قانون يحكمها ، ولكن هناك حالات أخرى تندرج تحت أنظمة الشريعة الإسلامية التي تحكم فيها ، كحالات القتل سواء كان عمد أم خطأ فهي متروكة للقضاء الذي يقدر الموقف بحسب الشرع .
مؤكداً أنه لا يوجد نص قانوني صريح لعقوبة أب قتل ابنه أو قتل شخص آخر ، وإنما ذلك متروك للشرع والقضاء هو من يطرح الأسئلة والأجوبة والأدلة وظروف الحال ، وبعد دراستها وتقييمها ينتظر إصدار الحكم فيها وتطبيق الشريعة.