أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » على السريع

ألهبت الناس عند بدء الاحتجاجات وأبكتهم بمقتل والدها: أفنان ابنة تعز اليمنية.. لسان المدينة ودمعتها الحزينة

- ايلاف - غمدان اليوسفي
حين كانت أفنان قائد اليوسفي تصرخ ضد الرئيس علي عبدالله صالح أمام الشاشات "إرحل يعني إمشي.. أنت متفهمش"، كان صداها يتردد في أرجاء البلاد حيث خرج الناس إلى الساحات في كثير من المدن اليمنية.

كانت أفنان إحدى ناشطات ساحة تعز، تلهب حماس المحتجين، وحين وقع أول حادث على ساحة الحرية وهو حادثة إلقاء القنبلة على المحتجين وسقوط أول ضحية فيها وهو مازن البذيجي كانت أفنان تهتف للمحتجين حين فروا عقب الحادث، وقالت لهم بأعلى صوتها "تريدون أن تمشون من هنا.. النساء بقيت وأنتم خفتم؟"

تتحدث أفنان لـ"إيلاف" وتبتسم على ذلك الموقف متذكرة عبارة قالتها دون وعي حينها :"من يريد أن يمشي من هنا فهو امرأة خرساء".

قبل أسابيع قليلة ظهرت بتسجيل صوتي بثته قناة "الجزيرة" تتحدث عن مقتل والدها في حديث مؤثر أبكى الآلاف ممن شاهده.

إلى إحدى ضواحي المدينة خرجنا مع أفنان بصحبة خالها وتحدثت بلغتها المعتادة بدون تلكؤ أو خوف.

ما يميز أفنان هو طلاقتها في الحديث ولغتها الثورية الراقية حيث يعتقد من يراها إنها فتاة ناضجة وكبيرة غير أن أفنان لا زالت تدرس في الصف التاسع حاليا.

في أحد المقاطع الذي كانت تبثه قناة "سهيل" المعارضة كانت أفنان تردد إن كل شيء يملكه على عبدالله صالح هو ملك للشعب من الفراش إلى الجوارب.. ظلت تلك العبارة تتكرر في إعلانات القناة بصوت أفنان حتى اشتهرت بها.

تقول لـ"إيلاف": إن من يعمل معك كموظف حين ينتهي عمله وتريد تسريحه، بالتأكيد تأخذ كل العهد التي استلمها منك.. وعلى عبدالله صالح يجب أن يسلم كل شيء للشعب".

وحول حماسها بتلك الطريقة ودعمها للمحتجين تقول إن خروجها كان بسبب الظلم.. "حين ترى الظلم أمامك، الشحاذون يملؤون الشوارع، والقهر في وجوه الناس.. هذه الثورة جعلتنا نخرج ما بداخلنا، كبت طوال الوقت، الواحد يوصل لمرحلة لازم يقول فيها لا .. لا للظلم، لا للاستبداد.. لا للقمع.. نعم لحرية الصحافة.. الناس خرجوا للساحات لأنهم لم يعودوا قادرين على الاحتمال أكثر".

وتتابع: "والدي كان يشجعنا والوالدة أيضا، وكان يقول لنا اصرخوا وقولوا وأخرجوا ما بداخلكم، وكان يتمنى الشهادة دائما".

والد أفنان "قائد محمد مسعود" كان يعمل في مجال التدريس ويسكن في حي الروضة شمال المدينة، وقد سقط بجوار منزله بعد قصف للحي الذي يقطن فيه، قيل إنه كان يستهدف منزل أحد زعماء المسلحين المدافعين عن المحتجين وهو الشيخ حمود المخلافي الذي يقع منزله في ذات الحي الذي تسكنه فيه عائلة أفنان.

ويروي خال أفنان عبدالحميد سيف لـ"إيلاف" إنه حين وصل قائد إلى قرب المنزل بواسطة دراجة نارية سقطت قذيفة فأصابته شظية في عنقه توفي على إثرها مباشرة.
سائق الدراجة التي أوصلت والد أفنان إلى منزله عند الحادية عشرة ليلا توفي هو الآخر بعد ثلاثة أيام إثر إصابته بتلك القذيفة.

ويقول عبدالحميد إن سائق الدراجة النارية كان يصرخ طالبا الإسعاف، وحين بادر أحد القاطنين في الحي لإسعافهما جاءت قذيفة أخرى فقتلت المسعف بشظاياها مباشرة وسقط إلى جوار "قائد" وسائق الدراجة.

آثار سقوط القذائف لازالت قائمة على أبواب المحلات التجارية وعلى الإسفلت بينما هجرت أفنان ووالدتها وشقيقها الذي يصغرها بخمسة أعوام ذلك الحي، حيث قام شقيق والدتها بأخذهم إلى منزله في حي آخر لتأمين حياتهم.

أفنان تشير إلى موقع سقوط القذيفة ووفاة والدها- عدسة إيلاف

وتروي أفنان لحظات قصف الحي قائلة: "كانت القذائف تتساقط ونحن في البيت، وكلما كانت تسقط قذيفة كنت أطل من النافذة لأرى أين سقطت تلك القذيفة.. والدي كان في الشارع ولم أكن أعرف إنه هو الذي أتت القذائف وهو تحت المنزل مباشرة.. كانت الكهرباء مطفأة ولم أتمكن من رؤية من هو.. في تلك اللحظة انقطع الاتصال عنا، وهو دائما كان يتصل يطمئنا عليه ويطمئن علينا".

والد أفنان كان مع مجموعة من أصدقائه قبل عودته إلى منزله،  وكان يتصل بأسرته حتى إنه كان يمزح معهم عبر الهاتف قائلا لابنته: "يا خوافة أنا عارف إنك خائفة من القذائف"، وتنكر أفنان أنها خائفة، فيرد عليها "هذا قيران -مدير أمن تعز- يدلعكم دلع بهذي القذائف عاده بيجيب لكم صواريخ تهزكم هز" ويضحك، فنصحته زوجته وأولاده بعدم العودة ذلك المساء لكن أقداره قادته وسقط بالقرب من منزله.

تضيف أفنان :"عند الواحدة بعد منتصف الليل وبعد مرور ساعتين على القصف أنيرت الكهرباء، وأتى خالي وأخذنا إلى منزله، وذهبنا إلى منزل خالي، كان خالي يتصرف بشكل غير طبيعي وقال لي الوالد مصاب بالقدم وهو بالمستشفى، ولم أنم تلك الليلة أريد أن يأتي الصباح لأرى أبي.. عند الفجر شعرت إن شيئا حدث بعد وصول عدد من أقاربي من القرية وسمعت صراخ خالتي.. بعدها صرخت في وجه خالي وقلت له قول لنا أيش مخبئ.. قال خالي: افرحوا قائد استشهد.. افرحوا، مات شهيدا.. حينها كان الصراخ يعلوا من كل مكان".

لم تتجاوز أفنان رحيل والدها قبل أربعين يوما.. "أشعر إنه سيطرق الباب في أي وقت، لم يكن أبا فقط، كان صديقا وأخا وكان خفيف ظل ومرح ويحب الجو العائلي، كان قريب منا.. كنا أنا وأخي ننشد وهو كان يقوم بتحريف الكلمات ويخرب الأناشيد علينا ونرجع نضحك عليه وهو يضحك أيضا".

طريق طويل أمام أفنان في حال أصرت على تحقيق أمنيتها حيث تطمح إلى دراسة طب الأسنان وأن تصبح رئيسة وزراء أيضا، لكنها في ذات الوقت تصر على أنها لن تترك دم جميع من سقطوا دون محاسبة المتسببين به.

ومع شهر رمضان تتذكر والدها: "فقد كان في رمضان لا يأتي إلا ليفطر ثم يعود آخر الليل، كان يجمع للفقراء مواد غذائية وملابس من الجمعيات ورجال الخير. هؤلاء بالتأكيد سيفتقدونه في هذه الأوقات".

والد أفنان - عدسة إيلاف
المنزل الذي كانت تسكن فيه عائلة أفنان قبل رحيل والدها- عدسة إيلاف

 

Total time: 0.0407