أخبار الساعة » جرائم وحوادث » حوادث وجرائم

تونس: حقائق صادمة حول التحرّش الجنسي داخل المؤسسات التربوية

- تونس

"قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيلا كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا".. كلمات من ذهب قالها أمير الشعراء أحمد شوقي وتربّت عليها أجيال، وكانت صورة المربين وأعوان التربية دائما في أعين التلاميذ أصحاب رسالة نبيلة لا يستحقون غير التحية والتبجيل، ولكن اليوم يبدو أن البعض منهم حادوا عن هذه الرسالة، وتحولوا إلى "عبيد" لغرائزهم الحيوانية، وضربوا بكل القيم عرض الحائط، ليغتالوا براءة الطفولة وتحولوا إلى ذئاب بشرية تصطاد "فرائسها" من التلاميذ.

ومع بروز العديد من الحالات التي توثق الانتهاكات التي يقوم بها البعض من المربين وأعوان التربية في حق فلذات أكبادنا وآخرها القضية المدوية التي هزت توزر نهاية الأسبوع الفارط ومفادها الاشتباه في تعرض أربع تلميذات للتحرش الجنسي داخل المدرسة ومطالبة المندوبية الجهوية للتربية بتوزر من مصالح وزارة الإشراف الإسراع بفتح تحقيق إداري استعجالي في هذه الشبهة التي تحوم حول مدير المدرسة ارتأينا تسليط الضوء على موضوع التحرش الجنسي داخل المؤسسات التربوية من مختلف جوانبه وهو الموضوع الذي كان إلى وقت قريب من المحرمات وبات اليوم يفرض نفسه بشدة على طاولة النقاش ويستوجب حلولا عاجلة لإعادة ترميم العلاقة بين المربي والتلميذ وعون التربية...

إعداد:صباح الشابي

شهادات حية ننقلها لكم في التحقيق التالي توثّق انتهاكات صارخة وعنفا ماديا ومعنويا في حق العديد من ضحايا التحرش الجنسي من التلاميذ.

«م ي» تلميذة تبلغ من العمر 17 سنة تحرّش بها معلّمها وذلك بمحاولته ملامستها من أماكن عفّتها ومحاولة استدراجها للقيام بعلاقة جنسيّة معه فأثّر ذلك في نفسها كثيرا وأصبحت تعاني من اضطرابات نفسية حتى أن مردودها الدراسي تراجع كثيرا، بالإضافة إلى أنها أصبحت عنيفة في تعاملها مع أفراد عائلتها، وأصبحت هذه التلميذة تخيّر الانزواء والجلوس بمفردها إلى أن تدهورت حالتها النفسية كثيرا وحاولت الانتحار تسع مرّات بعدما انهارت صورة المدرس المثالي التي كانت راسخة في مخيلتها وفقدت ثقتها ليس فقط في كل المربين بل في المحيطين بها.

ضحية الحارس

"ن ع" ضحية أخرى من ضحايا التحرش الجنسي داخل المدارس، ولكن ليس عن طريق مربيها هذه المرة بل حارس المدرسة الذي تحرش بها عندما كانت تدرس في الابتدائي فتسببت لها هذه الحادثة -التي لن تمحى من ذاكرتها -عندما كبرت في عقدة نفسية جعلتها تعزف عن الارتباط رغم تقدم العديد من الشبان لخطبتها.

قضايا تحرش بالجملة

ومن أبرز القضايا التي أسالت الكثير من الحبر حادثة تحرش ثم اغتصاب طفلة التي اغتال براءتها حارس محضنة بالمرسى سيطرت عليه غرائزه الحيوانية ونهش لحمها الغض الطري تاركا إياها تتخبط في مستنقع من الذكريات الأليمة، وتسببت هذه الحادثة في انقلاب حياة العائلة رأسا على عقب لتتحول الفرحة التي كانت تغمر المنزل إلى ألم.

وشهدت عدة مؤسسات تربوية أخرى حالات تحرش جنسي داخل المدارس وجهت فيها أصابع الاتهام للإطارين التربوي والإداري، على غرار ما جد بجهات نابل ومنوبة والمهدية وآخرها بتوزر والتي تقدم خلالها عدد من الأولياء بعرائض إلى السلط القضائية والأمنية لتتبع مربين او عملة من اجل التحرش الجنسي او الاعتداء بفعل الفاحشة، إضافة إلى قضية المعلم الذي يُدرس بإحدى المدارس الابتدائية ببنزرت والذي اشتكاه عدد من الأولياء إلى إدارة المدرسة، قبل أن تتعهد الأجهزة الأمنية بالتحري معه والتحقيق فيما ينسب إليه من تهم تتعلق بالتحرش بعدد من التلاميذ.

أرقام مفزعة حول التحرش الجنسي بالأطفال

شهدت مظاهر الاستغلال الجنسي وفق تقرير مندوب حماية الطفولة ارتفاعا خلال سنة2015 مقارنة بالسنوات السابقة من خلال تسجيل حوالي 340 إشعارا بينها حوالي 252 إشعارا من داخل المؤسسات التربوية بينما سجلت سنة 2014 حوالي 289 وضعية أي بمعدل 6.3% من مجموع التعهّدات، وفي نفس الإطار وضمن التقصّي عن العنف المسلّط على الطفل المهدد تم رصد 2800 حالة خلال سنة 2014 لتبلغ نسبة الوضعيات المعنّفة 60.7 % من مجموع التعهّدات كما تعهّد مندوب حماية الطفولة خلال نفس الفترة بـ 289 حالة عنف جنسي و569 حالة عنف مادي/ بدني.

وقد صدرت 12.1% من حالات العنف من قبل إطارات تربويّة من خلال ما يناهز 338 حالة في هذا الصدد في المقابل بلغت حالات العنف الذاتي حوالي 145 حالة بنسبة 5.2% من مجموع الحالات.

وناهز المعدّل الجملي للإشعارات 254 إشعارا عن كل ولاية خلال سنة 2014 في حين صدرت أغلب الإشعارات عن ولايات تونس وبن عروس وصفاقس من خلال 730 إشعار(12.0%) و532 إشعارا (8.7%) و512 إشعارا (8.4%) و459 إشعارا ( 7.5%) على التوالي قام الأب والأم بالتبليغ عن (51.2%) من مندوبي حماية الطفولة في حين صدرت بقية الإشعارات أساسا عن مؤسسات الدولة باختلاف مجالات اختصاصها(35.1%) من مجموع الحالات.

في المقابل مثّل الاتصال المباشر والمراسلات الخطيّة أهم الطرق المستعملة في الإشعار عن حالات التهديد من خلال رصد 3651 إشعارا أي بنسبة ( 59.9%) و1708 إشعارات أي بنسبة 28.0%.

أخصائي في علم الاجتماع: المتحرّشون أنواع.. والحل في «التثقيف» الجنسي داخل المدرسة

الأستاذ سامي نصر المختص في علم الاجتماع ذكر في حديث لـ»الصباح» أنه رغم تكرر حالات التحرش الجنسي داخل المؤسسات التربوية إلا أنها لم تصل بعد إلى مستوى الظاهرة، وأضاف أن حوادث التحرش الجنسي داخل المؤسسات التربوية كشفت عن وضعية المدرسة التونسية. وشدد على ضرورة تناول هذه المواضيع بكل شفافية وموضوعية على طاولة الحوار، معتبرا أن السكوت عن تناولها تحت ذريعة أنها من "التابوهات" سيجعلها تتفشى بسرعة وتخترق الفضاءات العمومية على غرار الشارع، وسائل النقل، مكان العمل.

وأضاف سامي نصر أن التحرش الجنسي غزا العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي، موضحا أن التحرش الجنسي بصفة عامة غير مرتبط لا بنوعية الجنس ولا بالمستويين الثقافي والاجتماعي، فالمتحرش يمكن أن يكون ذكرا أو أنثى، أميا أو متعلما، شابا أو كهلا أو حتّى شيخا، من متساكني الأماكن الرّاقية أو الأحياء الشعبية، كما أن الضحيّة يمكن أن تكون أنثى أو ذكر، طفلة او فتاة، ملتزمة في اللباس والسلوك أو متحررة.

تنامي التحرش

وأرجع نصر تفاقم حوادث التحرش الجنسي بصفة عامة إلى تنامي ظاهرة الفردانيّة وتجذّرها ببعض المناطق الشعبية، كما تعود إلى صمت الضحية وخوفها من أن تلاحقها وصمة العار ويدينها المجتمع وتلاحقها أصابع الاتهام بإثارتها الغرائز جراء ملابسها الجريئة والمغرية.

واعتبر أن القضاء على هذه الظاهرة يستوجب تظافر الجهود لمحاربتها، داعيا كل من يشاهد هذا النوع من الحوادث التحرك والتدخل وعدم الالتزام بالصمت وعدم العمل بمقولة "لا تتدخل فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك...."

وألقى محدثنا باللوم على تنامي ظاهرة الفردانيّة وتجذّرها ببعض المناطق الشعبية، وأضاف سامي نصر أنه مع تنامي هذه الظاهرة أصبحنا نتحدّث عن ما يمكن أن نسمّيه بـ "حالة التقبّل" أي تقبّل الظاّهرة، ويسميّها عالم الاجتماع الفرنسي "pierre Bouridieu" بالهاليتوس أي استدخال ما هو خارجي.

أنواع المتحرشين

ويرى أن التحرش الجنسي بصفة عامة سلوكا جنسيا معلنا بل قد يشمل تعليقات ومجاملات وغير ذلك وهو ما يصطلح بتسميته في علم الاجتماع «العنف الرمزي»، وأضاف أن أنواع الجناة مختلفون فهناك «المتحرش السلطوي» وهو صاحب النفوذ الذي يستغل سلطته لتجنّب صد الطرف الآخر أو لحماية نفسه من المساءلة والمحاسبة، وهناك ما يسمّى «»بالمتحرّش الذكوري الذي ينظر إلى المرأة كـ «سلعة» و»وسلية» للإشباع الجنسي، وهناك المتحرش "الصياد" الذي يجس نبض الأنثى ويتصرف وفقا لنوعية ردة فعلها ثم يقرّر بعد ذلك إما الانسحاب أو "الانقضاض" على فريسته.

متحرشون يعانون من عقد

وذكر نصر أن المتحرش داخل المدارس يعاني من حالة مرضية ومن عقد نفسية، أما المتحرش بالناضجين وكبار السن فيطلق عليه في علم الاجتماع المتحرش «الوقح»، ورأى أن التحرّش الجنسي غير مرتبط بالمستوى الثقافي أو التعليمي على غرار المعلّم الذي يمكن أن يكون له مخزون ثقافي جيّد وسيّء. وشدد على ضرورة معاجلة مسألة التحرّش الجنسي داخل المدارس بتوفير مرشدين اجتماعيين ونفسانيين، وبنشر التوعية فيما يتعلق بالثقافة الجنسية في صفوف التلميذ والمعلم وعون التربية والولي.

مختص في العلاقات الجنسيّة والزوجيّة: خلايا الإنصات في المؤسسات التربويّة باتت ضرورة

فنّد المختص في العلاقات الجنسيّة والزوجيّة الدّكتور أحمد النّيفر الآراء التي تعتبر أن التحرّش الجنسي في المؤسسات التربوية أصبح ظاهرة واعتبر أنها حالات معدودة ومعزولة، ورأى أن حالات التحرش الجنسي منتشرة خاصة في المؤسسات التربوية ولاسيما الخاصّة منها أين توجد علاقة "تبعيّة مادّية" بين الإطار التربوي والإداري والتلميذ.

وأضاف النيفر أنه وفقا للمنظمة العالمية للصحة يعتبر التحرش الجنسي عنفا لفظيا وماديا، فالجاني يحاول استدراج الضحيّة إلى علاقة جنسية غير مرغوب فيها من طرفها، وأكد أن التحرش الجنسي في المدارس والمؤسسات التربويّة بصفة عامّة يخلف آثارا سلبيّة على المتحرّش به، لأنه صادر من إطار تربوي أو عون تربية يكون وقعه أكثر إيلاما على الضحية ويزلزل ثقته في نفسه وفي الآخرين.

تركيز خلايا إنصات

ويخلف التحرش الجنسي – وفق قول محدثنا- آثارا نفسية كبيرة على المتحرش به منها الاضطرابات النفسية والاجتماعية لذلك يعتبر عرضه على طبيب نفساني ضرورة ملحة حتى يستطيع أن يعيش حياته بطريقة طبيعية رغم أن الأمر ليس بالهين، وشدد النيفر على ضرورة وجود خلايا إنصات في المؤسسات التربويّة وطبيب نفساني أيضا.

مختص في علم الجنس: المنظومة التربوية "فقيرة" جنسيا

اعتبر المختص في علم الجنس هشام الشريف أن هنالك العديد من الأطفال اليوم في مجتمعنا يتعرّضون إلى ايذاءات جنسيّة سواء التي تصدر فيما بينهم خاصة في المدارس المختلطة أو الإيذاءات الجنسية التي تكون صادرة عن الإطارات التربوية خاصة في المدارس التي تقع بالريف لنقص الرقابة من ناحية ومن ناحية أخرى لأن طفل الريف لا يفقه معنى الإعتداءات الجنسية لأنه ليست لديه ثقافة جنسية عكس طفل المدينة الذي يعي نوعا ما كثيرا من الأشياء.

وشاطر محدثنا رأي الدكتور أحمد النيفر في أن التحرش الجنسي يعمق جراح الطفل المتحرش به وكل ما يحدث له يخلف أضرارا عميقة على وظائفه السلوكية والوجدانية والذهنية ويصاب بنوع من الاكتئاب والقلق والحزن والانفعال لأتفه الأسباب ويتراجع مردوده الدّراسي خاصة عندما يكون المعتدي إطارا تربويا يكون عادة المثل الأعلى للتلميذ، ويتحول بالتالي التلميذ إلى مشروع متحرّش.

وحمّل هشام الشريف المنظومة التربوية المسؤولية لافتقارها حسب رأيه إلى مادة بيداغوجية والى الثقافة الجنسية والأسرية إذ نجد المؤسسات التربوية تدرس التلميذ مادة العلوم أو الرسم ولا تدرسه مادة توعيه بأهمية جسده وتفسر له معنى التحرش الجنسي وكيف نحمي أنفسنا منه-على حد تعبيره-.

القانون والتحرش الجنسي: عقوبات مخففة للمتحرشين.. ومطالبة بـ"التشديد"

بين الأستاذ مصطفى الصخري المحامي لدى التعقيب أن المشرّع التونسي لم يفرد التّلامذة بنص خاص فيما يتعلق بالتحرش الجنسي على خلاف الاعتداء عليهم بفعل الفاحشة وقد يبرر ذلك بان القاعدة القانونية هي قاعدة عامة ومجردة تنطبق على الجميع بغض النظر عن المكان والزمان أو صفاتهم ما لم يخصص المشرع بنص خاص.

وبصفة عامة فالمشرع قد تعرض إلى التحرش الجنسي في الفصل 226 ثالثا من المجلة الجزائية وجاء العقاب الوارد به مخففا فلقد اقتضى:»يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكب التحرّش الجنسي.

ويعدّ تحرّشا جنسيا كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدّي لتلك الرغبات.

ويضاعف العقاب إذا ارتكبت الجريمة ضد طفل أو غيره من الأشخاص المستهدفين بصفة خاصة بسبب قصور ذهني أو بدني يعوق تصدّيهم للجاني»

وكان على المشرع – حسب الأستاذ الصخري- أن يضاعف العقاب حسب صفة وسن المجني عليه متى كان ضعيفا كما هو الحال عند التحرش بالأطفال آو التلامذة بصفة عامة، مضيفا أن المشرع قد انتبه إلى ذلك إذا كان الاعتداء من قبيل الاعتداء بفعل الفاحشة فلقد جاء في الفصل 228 من المجلة الجزائية أنه « يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من اعتدى بفعل الفاحشة على شخص ذكرا كان أو أنثى بدون رضاه.

ويرفع العقاب إلى اثني عشر عاما إذا كان المجني عليه دون الثمانية عشر عاما كاملة.

ويكون العقاب بالسجن المؤبد إذا سبق أو صاحب الاعتداء بفعل الفاحشة في الصورة السابقة استعمال السلاح أو التهديد أو الاحتجاز أو نتج عنه جرح أو بتر عضو أو تشويه أو أي عمل آخر يجعل حياة المعتدى عليه في خطر.»

كما جاء في الفصل 228 مكرر عن التشديد في العقاب إذا كان المعتدى عليه بفعل الفاحشة طفلا لم يبلغ الثامنة عشرة عاما فلقد جاء به:» كل اعتداء بفعل الفاحشة بدون قوة على طفل لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما كاملة يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام».

أما بخصوص الاعتداء بفعل الفاحشة على التلامذة فلقد نص عليها المشرع بالفصل 229 بالمجلة الجزائية الذي ورد به « ويكون العقاب ضعف المقدار المستوجب إذا كان الفاعلون للجرائم المشار إليها بالفصول 227 مكرر و 228 و 228 مكرر من أصول المجني عليه من أي طبقة أو كانت لهم السلطة عليه أو كانوا معلميه أو خدمته أو أطباءه أو جراحيه أو أطباءه للأسنان أو كان الاعتداء بإعانة عدة أشخاص».

المصدر : الصباح التونسية

Total time: 0.0649