يشهد اليمن حالة من الانشداد إلى الحسم العسكري، بعدما قرر طرفا الصراع اللجوء إلى هذا الخيار، وهو الأسهل، إلا أنه مكلف لبلد مثل اليمن، الذي اكتوى بنيران الصراعات منذ قيام ثورته حتى اليوم، ونسى أهله، خاصة السياسيين منهم، أنه أكثر الشعوب حاجة للأمن والاستقرار .
لقد دفع المواطن في اليمن ثمن خلافات أنظمته المختلفة والمتعاقبة منذ 50 عاماً في الشمال والجنوب قبل الوحدة وبعدها، ويدفع اليوم ثمن رغبته في التغيير، بعد حكم للرئيس علي عبدالله صالح مستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، التغيير الذي يجب ألا يدفع النظام إلى اتباع مثل هذا السلوك الذي يجري اليوم للتشبث بالسلطة، من خلال سفك الدم وإهدار الطاقات والإمكانات المتواضعة أصلاً، وليس هناك ما يبرر ما يحدث اليوم من استعدادات عسكرية لتفجير الوضع ولا إلى صفقات أسلحة، فالأموال الطائلة التي يتم تخصيصها من أجل شراء السلاح ومن ثم توجيهه إلى صدور المواطنين، يمكن توجيهها إلى التنمية، لأن التنمية هي التي تجلب الاستقرار وليست صفقات الأسلحة .
الاحتقان في البلاد اليوم وصل إلى أقصى مدى له، ويتطلب من جميع اليمنيين في السلطة والمعارضة، الالتفات إلى مصلحة اليمن وأمنه واستقراره ووحدته، يجب ألا يتم ربط مصير اليمن برحيل أو بقاء الرئيس علي عبدالله صالح، الذي يجب أن ينظر إلى ما حققه العناد في تجارب سابقيه من الرؤساء والحكام العرب، كان آخرهم الزعيم الليبي معمر القذافي، فالأفضل له أن يتخذ قراراً يذكره به شعبه بأنه عمل على حقن دماء أبنائه بعد أن ظل 33 سنة الآمر الناهي في البلاد، والاقتناع بأن التغيير سنة من سنن الحياة .
بإمكان الرئيس صالح، أن يغلق هذه الصفحة الأليمة من تاريخ البلاد، ليتمكن اليمنيون من إعادة ترميم ما لحق بهم من آثار المواجهات والخلافات التي تعم البلاد منذ نحو سبعة أشهر، فالتأخير في التقاط اللحظة التأريخية للحل يراكم من الأحقاد أكثر وأكثر، ويجعل الحل صعباً، وعلى المرتبطين بالنظام، أن يدركوا أن مصالح اليمن أهم من مصالحهم الذاتية، لأن التغيير، إذا حصل بالقوة، يمكن أن يفرض طريقة أخرى للتعامل مع هذه المصالح ومع أصحابها ورموزها .
وإذا ما أراد الرئيس صالح أن يقدم على خطوة لإصلاح ما خربه نظامه خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة بعد المواجهات العسكرية مع الشباب في ساحات التغيير ورجال القبائل في أكثر من منطقة، وما استتبع ذلك من أعمال ثأرية وانتقامية تجسدت في الهجوم الذي استهدفه وكبار قادة الدولة في جامع دار الرئاسة في يونيو الماضي، أن يبادر إلى التوقيع على المبادرة الخليجية كمخرج وحيد وآمن للجميع، أما التأخير في التوقيع على المبادرة، وبالتالي الحل، أملاً في تحقيق انتصارات على الأرض أو إرهاق الخصوم، فإنه لن يجلب إلا المزيد من الخراب والدمار للبلاد والعباد، فالخصوم، وبعد أن خرجوا إلى الشوارع لا يمكنهم أن يعودوا منها قبل إسقاط النظام، والأفضل أن يتم التسريع بالحل قبل وقوع الكارثة .
إن السؤال المطروح ما إذا كان يمكن أن يتحرك “المشير” لتجنب مصير “العقيد”؟، وهل يمكن أن يكون العيد القادم بشرى خير لليمنيين كافة، سلطة ومعارضة، معارضين ومؤيدين، بأن يتم تجنيب البلاد خيار الذهاب إلى الفوضى، والعمل على إعادة الأمل إلى نفوس الناس من أن تغيير الأنظمة ليس بالضرورة أن يمر عبر بوابة الانقلابات والحسم العسكري .
في أيدي صالح ومعارضيه، فرصة إعادة اليمن إلى سكة الأمان وعدم اختيار الطريق المؤدي إلى الهلاك، إذ إنه من السهل أن تختار الحسم العسكري، خاصة في بيئة مسلحة مثل البيئة اليمنية، لكنه من الصعب أن تتحكم بالأمور بعد خروج الطلقة الأولى .
إذا ما اختار الجميع صوت العقل، واغتنموا الفرصة لإعادة ترميم ما وقع خلال الأشهر السابقة، سيكونون قدموا أكبر هدية لليمن بمناسبة قدوم العيد المبارك .