أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

مجرمون من الدرجة الأولى.. ناقوس خطر يهدد العائلة السعودية

- متابعة
تحوَّلت قضايا القتل والعنف داخل الأسرة للأسف الشديد إلى «عنوان رئيس» للصحف اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، وهي ظاهرة غريبة على المجتمع السعودي المعروف بتماسكه الشديد، حيث أشارت تقارير أمنية إلى أن المجتمع شهد خلال العام الماضي نحو 6 قضايا متشابهة كان ضحيتها الأقارب بالدرجة الأولى (الوالدين - الزوجة - الأخوة - العم - الخال)، وكان يتعمد الجاني فيها إلى استدراج الضحية والإجهاز عليه باستخدام الأسلحة النارية أو البيضاء.
 
وقامت صحيفة «المدينة» السعودية برصد حوادث القتل الواقعة داخل نطاق الأسرة التي حدثت مؤخرًا في المجتمع وردود الأفعال من خلال المختصين ورجال الدين وأساتذة العلوم لتبيان الحقيقة، التي قادت هؤلاء المراهقين إلى ارتكاب هذه الجرائم البشعة في حق ذويهم وأقاربهم بالدرجة الأولى والمجتمع بشكل عام، كما التقت نخبة من خبراء علم النفس والتربويين ورجال الإعلام والقانون لتشخيص الواقع الحالي للمتطرفين والوصول إلى الحلول، التي قد تنجح في العبور بفئة الشباب إلى بر الأمان والحفاظ عليهم من الأفكار والأفعال المنحرفة.
 
وصف قضاة وحقوقيون استهداف الأهل والأقارب لتنفيذ عمليَّات الاغتيال بأنَّه «تطوّر درامتيكي» لجرائم الفئة الضالة، حيث كانوا يستهدفون في البداية المنشآت والأجانب غير المسلمين المقيمين في المملكة، مشيرين إلى أنَّه ليس هناك أبشع من تكفير الوالدين، والأشقاء، واستباحة دمائهم.
 
الغيث: الحل في إنشاء مركز وطني لمكافحة التطرف 
 
قال قاضي الاستئناف الشيخ الدكتور عيسى الغيث: «كانت البداية باستهداف الأجانب من غير المسلمين، ويعتبرون بأنه لا أمان لهم فضلاً عن اعتقادهم بأن الجزيرة العربية لا يجتمع فيها دينان ثم انتقلوا بعد ذلك إلى تكفير آخرين من رجال الأمن وصولا إلى تكفير كل من يدافع عن الدولة ثم انتقلوا إلى تكفير الأقارب لدرجة تكفير الإخوة والأبناء إلى أن وصلوا مؤخرًا إلى تكفير الأب والأم».
وأضاف: «لا أعتقد بأن هناك أبشع من تكفير الوالدين واستباحة دمائهم ولا تعد تلك القضايا كقضايا جنائية بل تصنف كقضايا إرهابية استباح فيها المتطرف دم والدته، وهنا يكمن الخلل في تعزيز ثقافة القتل لدى الأقارب ولابد من رصد كل تلك الحوادث والنظر في تطورها إلى هذه البشاعة».
وأشار إلى أن مكامن الخلل التي ساعدت في تعزيز ثقافة القتل للأقارب تمحورت حول أمرين حيث قال: «أول تلك المكامن يتضمن غياب التحصين وثانيها هوغياب المعالجة» وأضاف: «لم يتمكن البعض من تربية الأبناء بطريقة جيدة على الأفكار والقناعات والعقلانية والتدبر التي تقي الأبناء من أخطار الفكر الداعشي بل اكتفى البعض على التلقين والتقليد بعيدًا عن التساؤل والتدبر كما لم نصل إلى معالجة هذا الوضع بطريقة صحيحة والدليل على ذلك أننا لازلنا نكافح الأفكار المشبوهة بواسطة من هم وقعوا ضحية تلك التيارات وأن لم يبدوتأييدًا كاملًا لها وهذه الطريقة غير منطقية ويجب أن نسارع إلى معالجة الخلل».
 
الفوضى الخلاقة
 
وبيَّن الغيث بأن ما تقوم به تلك الجماعات يكمل منظومة الفوضى الخلاقة التي يعيشها العالم العربي اليوم وقال: «تلك الطريقة في قتل الوالدين لهي دليل على أن هذه المنظومة تشكل خلايا سرطانية تستوجب استئصالها من خلال نزع الأمراض الفكرية الكامنة في عقول البعض ابتداءً من المعلم في المدرسة والقنوات التلفزيونية والإذاعية من جهة وصولاً إلى الكتب والمراجع التي تحمل هذا الفكر المتطرف كذلك منابر المساجد وحلقات التحفيظ التي يختطفها أصحاب الفكر الديني المتشدد والتي هيأت الفرصة لدعشنة بعض المراهقين الذين لم تتجاوز أعمارهم العقدين».
 
لا فراغ تشريعي
 
وعن التشريعات المنظمة لمحاربة هذا التطرف أكد أنه لا يوجد فراغ تشريعي لمحاربة التطرف ولكن هناك ما قد يكون افضل من التشريعات الحالية والتي تستوجب وضع قوانين لتعزيز الوحدة الوطنية كذلك قوانين لمكافحة التمييز والعنصرية ونحو ذلك كما نحتاج إلى الأهم وهو تطبيق هذه الأنظمة بطريقة اكثر فعالية من خلال الجهات التنفيذية المختصة التي تتابع وترصد مثل هذه النوعية من الجرائم. وطرح الغيث عدة تساؤلات قائلاً: «أين الجهات المختصة عن ضبط المتطرفين الذين يغردون في موقع التواصل تويتر؟ وأين الذي يحيلهم إلى المحاكمة؟، مجددًا دعوته لإنشاء مركز وطني لمكافحة التطرف الفكري وتعزيز الوسطية». واختتم الغيث برسالة وجهها للأسر التي وقع أحد أبنائها ضحيةً للفكر المتطرف قائلًا: «أنتم تسببتم بشكل أو بآخر في وقوع أبنائكم في هذه الأفكار لأنكم لم تحسنوا تربيتهم ولم تحسنوا معالجة أفكارهم بعد ان وقعوا في هذا الأمر فيجب علينا أن نتابع أبناءنا ونناقشهم ونحاورهم ونسعى جاهدين إلى تحصينهم وعدم التغافل عن ذلك والقيام بواجباتنا على أكمل وجه وصولًا إلى إبلاغ الجهات المختصة التي تعالج مثل هذه المواضيع بطريقة حكيمة».
 
زين العابدين: مستعدون للتعامل مع جميع الحالات
 
أكدت الدكتورة سهيلة بنت زين العابدين حماد العضو المؤسس لجمعية حقوق الإنسان بالمملكة أن الجمعية على استعداد تام لاستقبال الشكاوى المتعلقة بحالات العنف التي تقع في محيط الاسرة، وأشارت إلى أن الجمعية تعمل وفق سلسلة من الإجراءات بالتعاون مع الجهات المختصة للحد من ارتكاب تلك النوعية الحوادث والجرائم من خلال بث الرسائل التوعوية الموجهة لكافة شرائح المجتمع.
 
المناهج الدراسية
 
ودعت خلال اتصال مع «المدينة» كافة الجهات المختصة الى اعادة النظر فى المناهج الدراسية وخصوصا المواد الدينية بما يتوافق مع توجهات الدولة لوقف الاختراقات الاسرية من قبل التنظيمات المتطرفة وقالت: «لابد من البحث والدراسة المستفيضة لتفادي أسباب تلك الجرائم خصوصا وأن تلك الجماعات الارهابية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت للوصول لأكبر عدد من المراهقين واستمالتهم وتجنيدهم لخدمة تلك التيارات». 
 
 
وأضافت: يتوجب علينا الإسراع في وضع حلول ناجعة لاحتواء تلك الفئة من المراهقين إلى جانب إعادة النظر في محتوى المناهج الدراسية» 
 
وأشارت إلى ضرورة تفعيل التواصل بين الوالدين والأبناء والبنات ومعرفة المخالطين لهم والتعرف عليهم عن كثب لحماية الجيل الجديد من مخاطر التطرف والجريمة وتعزيز دوائر التواصل بين كافة أفراد الاسرة بأن يضع الوالد ابنه في منزلة الصديق كما تتعامل الوالدة مع ابنتها بمنزلة الصديقة والتخلص من دور الوصاية الذي يقتصر على فرض الأوامر وإصدار العقوبات قد تنفر منا فلذات اكبادنا. ولفتت إلى أن الأنشطة والفعاليات الثقافية والتربوية والرياضية الموجهة لفئة المراهقين أصبحت مخترقة من قبل الجماعات الإرهابية لبث السموم من خلال تحوير الأحاديث النبوية والآيات القرآنية .
 
البلوي : المخدرات والاضطراب النفسي "المحرك الرئيس" لهذه الجرائم
 
أكد الدكتور ياسر بن صالح البلوي القاضي السابق بوزارة العدل أن المحرك الرئيس لكثير من هؤلاء المجرمين هو الاختلال السلوكي والاضطراب النفسي لسابق مرضي أو لسابق تعاطي المخدرات ولم يكن الفكر هو أحد العوامل واضاف:»أعتقد أن هناك الكثيرين ممن تحدث عن المسببات الفكرية كأحد مسببات انتشار هذه الجرائم» . وقال: إن هذه النوعية من الجرائم تصنف قضائياً بقتل «الغيلة» المعروفة في الشريعة وهو ما كان عمداً وعدواناً على وجه الحيلة والخداع حيث يأمن معه المقتول من غائلة القاتل ، سواء أكان على مال أو لانتهاك عرض أو خوف فضيحة وإفشاء سرّ أو نحو ذلك.
 
واضاف: « أن الحد شرع لأجل مصلحة المجتمع التي أوجبها الله تعالى على مرتكبي الجرائم البشعة الموغلة في الخديعة والخفية والتي تأنفها الطبائع البشرية السليمة «و أضاف : « بالرغم من أن تلك الحوادث لا ترتقى لمستوى الظاهرة إلا أنه و بحكم تجربتي السابقة في القضاء الجزائي فهناك جانب من علم النفس الجنائي والسلوكي الذي يعتبر عاملاً مهماً من عوامل انتشار مثل هذه النوعية من الجرائم وهو لم يسلط عليه الضوء ولم يأخذ قدرا كافيا من الاهتمام « .
 
ولفت المستشار القضائي إلى أن الشغف بالعنف والرغبة في إيذاء الآخرين والرغبة في الانتقام يُعد مرضاً سلوكياً نفسياً معروفٌ لدى خبراء علم النفس الجنائي وقال : « أرى ضرورة أن يعمم الاختبارات النفسية للتأكد من عدم تعرض كثير من هؤلاء المدمنين للرغبة في ايذاء النفس أو إيذاء الآخرين بالإضافة إلى ضرورة رقابة هؤلاء الأشخاص ووضعهم تحت الاختبار القضائي قبل أن يقدموا على ما يكدر أمن الأسرة والمجتمع «.
 
وشدد على ضرورة تفعيل الدور التوعوي للأسر بهذا المرض الخطير وكيفية التعامل معه للوقاية و حماية الترابط المجتمعي فى المناشط الشبابية وحلقات التحفيظ والمراكز الشبابية بما يحصنهم و يشغلهم بالمفيد وتعزيز ما يُرسخ ولاءهم لدينهم وحكومتهم ومجتمعهم و تعزيز ثقافة الحوار وحب الوطن . 
 
زمزمي: أعمال فردية نتيجة لأفكار "منحرفة" 
 
اعتبر المستشار القانوني الدكتور إبراهيم زمزمي الجرائم الأسرية التي يكون فيها طرفا القضية ضمن نطاق الأسرة من «الأعمال الفردية» التي لا ترتقى لمستوى الظاهرة و التي تنتج عادة بسبب الأفكار المنحرفة المضللة للمفاهيم و الثوابت الأساسية.
 
وقال: « تحول الجُناة في تلك الحوادث التي لا تُشكل أي نسب مئوية إلى أداة قاتلة تضر الشخص نفسه و أسرته و من ثم المجتمع وتسبب تمكن الأفكار الهدامة من هؤلاء الجناة إلى توجيههم إلى الإضرار بالمقربين منهم بشكل عدواني «.
 
و أشار إلى أن بعض الحالات كانت الجرائم فيها جاءت «ردة فعل» تصحبها نزعة إجرامية نتيجة منع الوالدين أو احدهما من الانخراط وراء هذه الأفكار وهو ما قاد بعضهم إلى التخلص من تلك الشخصيات كائناً من كان بهذه الطريقة البشعة التي يرفضها العقل البشري.
 
وعن الجانب القانوني أوضح زمزمي: « إن الأفعال التي تهدد أمن وسلامة و استقرار النسيج الاجتماعي فإن الأنظمة كفلت التصدي لمثل هذه النوعية من الجرائم و المتمثل في نظام الإرهاب و تمويله بالإضافة إلى الأمر الملكي ( أ 44)«.
 
و أشار إلى ان المحاكم الجزائية والمتخصصة هي الجهة المعنية بالنظر في مثل هذه النوعية من الجرائم وقال: « الأنظمة و العقوبات تكفى لردع من يحاول المساس بالأمن أو الإخلال بالنسيج الاجتماعي بالإضافة إلى الأوامر الملكي التي تصدر لتعزيز العقوبات لمواجهة هذه الأفعال «. 

Total time: 0.0593