اخبار الساعة - ايرين
قول عمال الإغاثة أن اليمن على شفا كارثة إنسانية. ولكن بينما تتزايد الاحتياجات في مختلف أنحاء البلاد، يزداد إيصال المساعدات تعقيداً أكثر من أي وقت مضى.
ويبدو أن اليمن الذي يعتبر أحد أفقر البلدان في العالم ويعاني من حركة تمرد في الشمال وحركة انفصالية في الجنوب وانتشار لقوات تنظيم القاعدة، يميل الآن أكثر نحو الهاوية بسبب ردود الفعل على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي تزداد عنفاً يوماً بعد يوم في جميع المدن الرئيسية، بالإضافة إلى أزمة الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وقد حولت هذه العوامل مجتمعة المشاكل المزمنة التي تعاني منها البلاد، مثل سوء التغذية، إلى أزمات حادة.
وفي الوقت الذي يزداد فيه الوضع الإنساني الهش سوءاً، يتسبب تردد الجهات المانحة وانعدام الأمن والتعقيدات اللوجستية في إعاقة وصول المساعدات للفئات الأكثر ضعفاً.
وفي هذا السياق، قال غيرت كابيليري، ممثل اليونيسف في اليمن: "لدينا هنا العديد من الحالات الإنسانية المزمنة التي يجب التعامل معها. إن الأوضاع الإنسانية تبلغ في كثير من الأحيان درجة من التعقيد لم يسبق لها مثيل في تجاربنا ضمن المجتمع الإنساني الدولي".
التمويل
ينسى المجتمع الدولي محنة الناس الذين يعيشون في أفقر بلد في المنطقة |
ولطالما كان الاهتمام باليمن أقل من الاهتمام بالدول الأخرى في المنطقة. حيث كتب مارك لينش، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، في مدونته أنه "من الصعب توجيه الاهتمام إلى اليمن".
وهو ما أكدته منظمة أوكسفام الدولية، في تقرير صادر عنها في 19 سبتمبر عن انتشار الجوع وسوء التغذية المزمن في اليمن، قالت فيه أنه "على الرغم من تعهد الجهات المانحة بتقديم مليارات الدولارات لمساعدة تونس ومصر وليبيا على إعادة بناء اقتصاداتها وتلبية الاحتياجات الإنسانية لمجتمعاتها، إلا أن المجتمع الدولي ينسى محنة المتضررين في أفقر بلد في المنطقة".
كما يبدو أن التمويل الذي كان متوفراً في الأصل بدأ يتقلص الآن لأسباب متعددة من بينها تخوف الجهات المانحة من سيطرة الحكومة على الأموال من خلال مبدأ الرعاية الذي يمكنها من التدخل في معظم البرامج والمشاريع. وهو ما أشار إليه تقرير منظمة أوكسفام الذي أفاد أن هولندا حجبت في منتصف عام 2011 المساعدات التي كانت ستقدمها للحكومة احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحملة القمعية. كما أعلن البنك الدولي في أغسطس عن تجميد برنامج مساعداته الذي تبلغ قيمته نصف مليار دولار بسبب المخاوف المتعلقة بالأمن وشؤون الحكم. كما سحبت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بعضاً من تمويلهما أو قاما بتعليق بعضه في الأشهر الأخيرة، وفقاً لأشلي كليمنتس، مؤلف التقرير.
وجاء في قول كليمنتس: "إنه لمن المفارقات أن تقوم الجهات المانحة بسحب تمويلها لليمن في الوقت الذي يواجه فيه أحد أكبر التحديات الإنسانية على الإطلاق...وعلى الرغم من أنه يجري أحياناً الحديث عن بعض التمويل إلا أن لا أحد يتعهد بتقديمه، وعندما يتم التعهد بتقديم بعض الأموال لا يتم تنفيذ ذلك أبداً".
وحسب أوكسفام، لم يقم أصدقاء اليمن، وهي مجموعة من الجهات المانحة المعنية بمستقبل اليمن تضم الولايات المتحدة ودول أوروبية وخليجية، بعقد أي اجتماع منذ بداية الأزمة الحالية في شهر فبراير الماضي. كما أن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، والمتمثلة في النداء الموحد للأمم المتحدة، لم تستقطب سوى أقل من 60 بالمائة من مبلغ 290 مليون دولار المطلوب.
وهو ما علقت عليه منظمة أوكسفام بقولها أنه "في حين يتسبب الجمود السياسي في توقف العديد من الجهات المانحة عن دعم اليمن إلا أن هذا هو الوقت الأكثر حسماً بالنسبة للبلاد...لا ينبغي أن تحدد السياسة والأمن استراتيجيات المعونة في اليمن"، في إشارة جزئية إلى إصرار الولايات المتحدة على تركيز مساعداتها على أنشطة مكافحة الإرهاب بدلاً من التركيز بشكل أكبر على الاحتياجات الإنسانية.
انعدام الأمن
لقد زادانعدام الأمن في البلاد الوضع تعقيداً، فقد دفعت حملة القمع العنيفة ضد الاحتجاجات في العاصمة صنعاء الأمم المتحدة إلى إجلاء أكثر من نصف موظفيها الدوليين بشكل مؤقت. كما خفضت معظم المنظمات الإنسانية عدد موظفيها في البلاد، مع محاولة استمرار تقديم الخدمات.
كما أدى تجدد القتال بين الجيش والمسلحين في الجنوب لى نزوح أكثر من 100,000 شخص منذ شهر مايو الماضي، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وشهد برنامج الأغذية العالمي زيادة مطردة في عدد المستفيدين من مساعداته، حيث ارتفع العدد من حوالي 30,000 شخص في يونيو إلى 63,000 شخص اليوم، وفقاً لمديرة برنامج الأغذية العالمي في اليمن، لبنى المان، التي أخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن برنامج الأغذية العالمي قادر على التعامل مع الأزمة حتى الآن. ولكنها حذرت من أنه "إذا حدث أي تغيير آخر"، مثل نزوح جديد لعدد كبير في مكان آخر، فإن تلبية الاحتياجات ستمثل تحدياً كبيراً نظراً لوجود عدد محدود من موظفي البرنامج في اليمن.
وفي محافظة أبين الجنوبية، تسببت المواجهات في إعاقة تسليم المستلزمات المنزلية للنازحين، وفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن الوضع في اليمن الصادر في 29 أغسطس.
فعلى سبيل المثال، أرغم القتال في زنجبار، عاصمة أبين، الجيش على إغلاق المنطقة، مما يجعل الوصول إليها محدوداً جداً، حسب طارق طلاحمة، مسؤول الشؤون الإنسانية بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) باليمن.
وتعد معدلات سوء التغذية في بعض المناطق الشمالية من بين الأسوأ في العالم، حيث يعاني ما يقرب من ثلث الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد المعتدل أو الشديد، أي أكثر من ضعفي الحد الأدنى لعتبة الطوارئ، وفقاً للمسح التغذوي الذي أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) للنازحين من محافظة حجة.
كما أدى تسرب في خط أنابيب رئيسي منذ شهر مارس إلى ارتفاع أسعار الوقود وزيادة أسعار المواد الغذائية في بلد لا يملك ثلث سكانه، أي حوالي 7.5 مليون شخص، ما يكفي من الطعام. وقد وجدت منظمة أوكسفام أن حوالي خُمسَ الـ 100 أسرة التي شملها الاستطلاع في الآونة الأخيرة أخرجوا أطفالهم من المدارس لتشغيلهم في حين توقف ما يقرب من ثلثيهم عن تناول بعض وجبات الطعام، بينما توجه آخرون لبيع ممتلكاتهم لتغطية تكاليف الطعام.
ولكن على الرغم من معدلات سوء التغذية المقلقة وصعوبة الحصول على الغذاء بأسعار معقولة، إلا أن انعدام الأمن يعيق وصول الإمدادات الغذائية إلى بعض المحافظات، وفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. حيث أن وصول المنظمات الإنسانية إلى بعض المناطق في محافظتي الجوف ومأرب وأجزاء من محافظة عمران الواقعة تحت سيطرة القبائل المؤيدة أو المناهضة للحكومة، يشكل تحدياً في حد ذاته بسبب "صعوبة التنبؤ بهوية من تتعامل معهم، و حقيقة أجندتهم، وكيف سيتعاملون معك"، حسب طارق طلاحمة. لذا تعتمد وكالات المعونة على شركاء محليين للعمل في هذه المناطق. وأضاف أن إطلاق النار يتم دون تمييز في المدن المتضررة من حملة قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة و"قد نصبح نحن أهدافاً غير مباشرة".
التعقيدات اللوجستية
الجهات المانحة قد تحتاج إلى مزيد من التفكير خارج الإطار المألوف من أجل توصيل الدعم إلى المحتاجين |
كما أن افتقار البلاد للتنمية يعتبر مشكلة أيضاً. حيث أشار تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن الوضع في اليمن إلى أن الافتقار إلى التنمية أعاق حملة تحصين الأطفال، وأفادت الحكومة أن خُمس منشآت التطعيم خارج الخدمة بسبب انعدام خدمات المواصلات والكهرباء والغاز وسلسلة التبريد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية تتدهور بسبب عدم الاستقرار السياسي في الآونة الأخيرة. حيث أن وزارة الصحة، على سبيل المثال، تقع في أحد أخطر أحياء العاصمة صنعاء. وقد علق عليه فيبول تشودري، ممثل منظمة أطباء بلا حدود (MSF) في اليمن، بقوله: "إذا كانت ] الوزارة [ تعمل بنسبة 40 بالمائة من قدرتها في السابق، فإنها لا تعمل الآن سوى بنسبة 4 بالمائة من طاقتها ".
وكانت منظمته قد اضطرت إلى تعليق عملياتها في محافظة صعدة الشمالية بعد أن فرض المتمردون الذين يسيطرون على المنطقة قواعد جديدة تمنع الموظفين الدوليين من الإشراف على أية أنشطة. وكانت منظمة أطباء بلا حدود تقوم بتشغيل المستشفى الوحيد خارج صعدة، عاصمة المحافظة، وتعالج ما يقرب من 5,000 مريض شهرياً، بما في ذلك إجراء ما لا يقل عن 80 عملية جراحية منقذة للحياة، ومعاينة 1,100 حالة طارئة. كما تسببت المفاوضات مع المتمردين أيضا في تأخير توزيع المواد الغذائية، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
مستويات الاحتياجات
|
أطفال في منطقة مسيمير، بمحافظة لحج لم يتمكنوا من استئناف الدراسة لأن النازحين رفضوا إخلاء مدرستهم |