أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

اليمن والحلقة المفرّغة!

- أمجد عرار ..

لم يعد خافياً أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يتلاعب بالكلمات ويضع نفسه والآخرين في اليمن وخارجه في حلقة مفرّغة ودوامة يسعى من خلالها لإطالة بقائه في السلطة. فتارة يبدي استعداده للتخلي عن السلطة لكن ليس للمعارضة، وتارة أخرى يبدي استعداده لتوقيع المبادرة الخليجية ثم يغلّف استعداده بشروط تبطل معنى الاستعداد. وتارة ثالثة يحاول صبغ استعداده للتخلي عن السلطة وإنهاء الأزمة في البلاد، بما يوحي بالجدية وبإجراءات عملية من نوع دعوة مجلسي النواب والشورى للاجتماع.

على هذا النحو تبدو الأزمة محاطة بالزوايا الحادة بلا استعداد واضح وجدي وحقيقي من الرئيس الذي يتحدّث عن رجال "صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، وعن التناغم مع رغبة الشعب اليمني ومصلحة الوطن. لا نريد أن نشكك في حب هذا أو ذاك لوطنه أو احترامه لرغبة شعبه، لكن هذا الحب والاحترام لا بد أن تكون لهما ترجمة عملية وتجليات واضحة في الممارسة.

ليس سوى الأعمى من لا يرى الرغبة الجامحة في التغيير لدى اليمنيين الذين يغطون الساحات ويحافظون على زخم حراكهم منذ أكثر من عشرة أشهر، متمتّعين برباطة الجأش والجلد وطول النفس تحت خيمة الطابع السلمي الذي تحاول جهات في السلطة أن تكسره باستدراج المعارضين إلى استخدام السلاح كي تبرر القمع الدموي للتحرك الشعبي.

لقد عبّر اليمنيون عن سلوك حضاري أدهش العالم كلّه، لكنه لم يدفع السلطة إلى سلوك مقابل يوصل الطرفين إلى نقطة في المنتصف يتفرع عنها مخرج للأزمة التي تتفاقم وتشلّ البلاد وتنذر بما هو أسوأ.

إذا كان الرئيس اليمني موافقاً من حيث المبدأ على المبادرة الخليجية، فإن التفاصيل لن تكون عائقاً إلا إذا كان الشيطان كامناً فيها، وهذا يعتمد على النوايا وعلى المكانة التي يكنّها كل طرف لوطنه. أما محاولات الالتفاف على كل مخرج، وتذويب المبدأ في بحر الاشتراطات والتفاصيل، والإيغال المتزايد في الحلول الأمنية واستدراج ردود الفعل التي تبررها، فإن من شأن كل ذلك، ومجاهيل أخرى لا نستطيع توقّعها، أن يدفع إلى مزيد من التدهور والشلل وإغراق البلد في فوضى يخطط لها أعداء الأمة الدائمون مهما زيّنوا لنا سلوكهم بالشعارات والأهداف الوهمية.

من موقعنا هذا لسنا طرفاً في أي صراع داخلي عربي أو غير عربي حتى لو ادعى كل طرف أنه يمثّل الشعب، لكننا لا يمكن إلا أن نكون مع اليمن، مع الوطن اليمني أرضاً وشعباً ومستقبلاً. ولا شك لدينا في أن اليمنيين يميّزون بين الغث والسمين في المواقف التي تصدر بحق أزمتهم، ويعرفون أن هناك من هم حريصون على بلدهم وأمتهم، مثلما هناك من يتاجرون بالأزمات كمقاولين بلا مبادئ. وفي هذه المعادلة الصعبة، يجد اليمنيون أنفسهم أصحاب الشأن الأساسيين في قضيتهم.

نحن لا نملك أن نملي على اليمنيين، سلطة ومعارضة، ما يمكنهم فعله للخروج من هذا المأزق، ولا نحن من أصحاب المصالح والأجندات والمتصيّدين في الماء العكر في تعاطينا مع هذا الشأن العربي أو ذاك. كل ما يهمّنا هو أن يحرص جميع اليمنيين على حماية بلدهم وسلمهم الأهلي، وأن يتوصّلوا بالاعتماد على أنفسهم أساساً إلى حل ينقذ اليمن من الضياع، ويحافظ على وحدته واستقلاله وتجنيبه التدخّل الخارجي الشرير بالمطلق والاستعماري بالبداهة والمصلحي بالضرورة والمدمّر في كل الأحوال والظروف.

المصدر : العرب اونلاين

Total time: 0.0359